|
Re: خواطر بشأن العلمانيه و الدوله المدنيه (Re: طلعت الطيب)
|
خواطر بشأن العلمانيه والدوله المدنيه ( ٢)
كنت قد تطرقت في الجزء الأول من المقال عن معني انحيازى الي مفهوم الدوله المدنيه مقابل علمانيه لما يسببه تبني العلمانيه من خلاف يمكن أن يعيق مسيره السودان نحو السلام في واقع إقليمي ملىء بالتحديات. ثم انتقلت الي عرض او عمل ترجمه بتصرف لكتاب " عصر علماني" في تقديم كان قد تم باللغه الانجليزيه للكتاب الذي صدر قبل أكثر من عشر سنوات للكاتب الكندي تشارلز تيلور. كان الغرض من نشر التقديم الاطلاع علي المفاهيم التي تسود عالمنا اليوم فيما يتعلق بهذا الموضوع الشائك( موضوع العلمانيه والدوله المدنيه). انتقل اليوم الي عرض واقع الأمر في دول اخري تطبق التعددية الديمقراطيه يمكن أن يعطي القارئه والقاريء فكره عن الممارسه الفعليه التي تتم في عالم اليوم والتي يمكن ان توضح أن تبني العلمانيه ليس بالخيار الحكيم. في ١٦ يونيو ٢٠١٩ اجازت الجمعيه الوطنيه أو برلمان محافظه كوبيك الفرنسيه بكندا مشروع قانون رقم ٢١ والخاص بمنع الناس من ارتداء رموز دينيه أثناء العمل. وهذا يعني منع النساء المسلمات من ارتداء طرحه أو حجاب. الحوار الذي صاحب مشروع القانون تسيده الاعتقاد السائد بأن ذلك سيحرر المرأه المسلمه من القمع والوصايه المفروضة عليها من قبل الرجل وكذلك المحافظه علي ( القيم العلمانيه) بمحافظه كوبيك. كان القرار قد فاز باغلبيه ٧٥ صوت مقابل ٣٥ والذي وصف بأنه تدخل واضح في شئون الافراد، وان الأمر يوضح مدي زيف القول بأن العلمانيه تقف علي مسافه واحده من جميع الأديان وبأنه ادعاء غير دقيق، لان معتنقي الديانه المسيحيه يشكلون ٨٢ بالمائه من سكان المحافظه وأغلبهم كاثوليك ( ثلاثه ارباع) . اعترض علي القانون حينما كان مشروعا Bill كل من الرابطه الكنديه للحريات المدنيه ومجلس مسلمي كندا ولكن المحكمه العليا رفضت الاستماع الي شكواهم . تلك الشكوي اعتبرت أن القانون لا يخلو من شبهه العنصريه discriminatory وهو يستهدف النساء بشكل خاص وانه قد خلق أوضاع صعبه وخلافات غير مبرره unnecessary hardships and divisions وغير ضروريه للأسر المسلمه التي تعيش في محافظه كوبيك الكنديه . هذه التجارب توضح أن العلمانيه حينما تصبح ثقافه ربما تتحول الي غول يغتال الحريات المدنيه وحقوق الافراد ، وان ادعاء الحيده تجاه الأديان البرىء في ظاهره قد يخفي مشاعر وميول هيمنه علي الأقليات الاخري ومصادره قيمها وممارساتها التي ترتبط بهويتها. أتيت بهذا المثال لتأكيد وجهه نظري التي تقول بأن تبني العلمانيه فوق انه غير مقبول لغالبيه شعبنا، فإنه كذلك ينطوي علي قدر كبير من الوصايا والقمع للأقليات وقد يسفر عن تعديات غير مبرر علي حقوقهم وحرياتهم المدنيه. طلعت محمد الطيب محافظه أونتاريو- كندا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواطر بشأن العلمانيه و الدوله المدنيه (Re: طلعت الطيب)
|
خواطر بشأن العلمانيه والدوله المدنيه ( ٣ ) في الحلقه السابقه تناولت مثال من التجربه الكنديه تمثل في منع النساء المسلمات من ارتداء الطرحه او الحجاب في محافظه كويبيك باسم العلمانيه، منبها الي حقيقه ان الخطا ليس في تطبيق العلمنه بل في فكره العلمانيه نفسها كثقافه تميل الي تجفيف منابع التدين والممارسات المرتبطة به بقدر الإمكان . اواصل ما انقطع من حديث في الحلقه الأولي والذي كان يدور حول الأفكار الوارده في كتاب شارلز تيلور " عصر علماني". لاحظ جون باتريك في تقديمه لهذا الكتاب المهم، أن كلمه التحرر من الوهم او التحرر من السحر disenchantment المنسوبه الي المفكر الألماني ماكس فيبر Max Weber قد تكررت كثيرا في الكتاب . وكان فيبر يري أن عصر التنوير الذي تبني السبب reason بدلا عن التقليد tradition الذي كان سائدا في العصور الوسطي، هو المسؤول عن صياغه عقلانيه الحداثه التي تسود اليوم لان الذكاء البشري لم يتم استخدامه من أجل الوصول الي قاع الظواهر والاشياء بغرض معرفتها، ولكنه استخدم لتنظيم الحياه من اعلي الي أسفل عبر اشكال وتراتبيه وتخصص وتنظيم وضبط. هذا التحرر من السحر والخيال disenchantment قد ترك لنا عالم ممل وروتين تسيره القواعد واللوائح اكثر مما تقوده الأفكار اوالخيال الخصب وهي عمليه تمخضت عن بيروقراطية يديرها اختصاصيون متبلدي الاحساس بلا روح، وطالبي لذه دون قلب. وهو وضع وصفه فيبر ب "الاقفاص الحديدية للعالم الحديث". ولأن آفاق ماكس فيبر كئيبه فقد ازاحها تيلور جانبا لمصلحة رؤيه تستطيع أن تبث روح الامل في سوسيولوجيا اميلي دوركايم. بعكس فيبر، فإن دوركايم استطاع أن يري بدلا عن مجتمع بارد خالي من المشاعر الفرديه ، ممارسات وطقوس مقدسه مغروسه عميقا ، وان يري للإيمان جذور ممتده في الادوار والقواعد للانظمه الاجتماعيه الحديثه تستطيع أن تقاوم ما اسماه بقشعريره الاحساس بالاغتراب. ايا كان ما يعتقده المثقف، فإن قيمه الدين تبقي في ايجاد إطار للمعاني، وواقع لتوحيد الرموز والاحساس بالانتماء . يستغرب بعض المراقبين من تزايد المشاعر الدينيه مؤخرا وقد لاحظ تيلور ان هذه الظاهره هي بعض ما يحرك ما اسماه بالأغلبية الاخلاقيه التي استطاعت تحفيز اليمين المسيحي في الولايات المتحده، وان تجعل من ذلك مصدر إلهام لاعاده تأسيس المفاهيم الدوركايميه الجديده في تعريف الامه. ولذلك يصبح مره اخري مفهوم أن تكون امريكيا له ارتباط بالإيمان الديني، اي أن تكون جزء من امه واحده تحت عنايه رب واحد. بعكس شارلز تيلور ، فقد اعتقد الآباء المؤسسون للولايات المتحده الامريكيه أنهم يؤسسون جمهوريه فتيه تتكون من فصائل متصارعه وليس من امه واحده. فالدين في رأيهم يزيد من انقسام وتشظي البلاد بدلا عن توحيدها تحت اله واحد. ذلك الإله الذي أطل أكثر من مره في اعلان الاستقلال ولكنه غاب تماما عن الدستور. حتي أن جيفرسون كتب عن رجال الدين الذين أظهروا خوفا من تقدم العلوم، تماما مثلما تخاف الساحرات حلول الفجر واقتراب ضوء النهار.
" عصر علماني " عمل يتسم باتساع مذهل واطلاع واسع كان غرض شارلز تيلور الأساسي هو إنقاذ الدين من التآكل الذي أصابه بفعل تأثيرات العلمانيه والحداثه. ولكنه كذلك أراد أن يعيد العالم الانجلو أمريكي الاعتبار الي سيرته الليبراليه. بينما يري فلاسفه الفيدرالية أن الحكومه يتلخص دورها في حمايه الحياه والحريه والارض، فان جيمس ماديسون كتب يقول ان القانون السامي للطبيعه وطبيعه الله نفسها تقرر أن " سلامه المجتمع وسعادته تكمن في تحقيق الأهداف التي تسعي الي تحقيقها المؤسسات السياسيه والتي من أجلها فقط يجب التضحيه بكل تلك المؤسسات". يعتقد تيلور ان الفكر الليبرالي في الغرب الذي بدأ بهوبز ولوك وهيوم وادم سميث ظل يسير في الاتجاه الخطأ. ولدي بعض الكاثوليك، فان التقاليد الفكريه عند ارسطو والقديس توماس الاكويني هي الجديره بالاعتبار حيث معاني التاريخ لا تكون في الحفاظ علي الحياه، بل في خلاص الروح، وهي ليس الحق في العمل والتملك ولكن في الواجب المتعلق بالالتزام بنظام اخلاقي، وليس في جشع السوق ولكن في نعمه المشاعر الدينيه . لمقاومه انانيه الافراد وانتشار الليبراليه الفرديه ، فإن تيلور كجمهوري كلاسيكي نظر الي مصادر تاريخيه مشكوك في صحتها يكون فيها المواطن مجرد تابع للمصالح الخاصه بدلا عن الفضيله العامه، بل يعتمد نظريه الفضاء العام حيث يفترض أن يلتقي المواطنين لمناقشه القضايا اليوميه وتحويل السياسه الي فعل تواصلي خلاق من اجل خدمه المصلحه العامه. كذلك اشار تيلور الي ضروره مراجعه أدب العصر الرومانسي لتوضيح اهميه الروح التي تسكن العقل والخيال مهما كان حجم القوي الماديه للعلمنه. ويقول ان اللغه الشعريه تستطيع أن تهتدي بنا الي طريق العوده لاب الأنبياء ابراهيم عليه السلام. أن ما يهدد الدين ليس العلمنه وحدها ولكن المجتمع نفسه, بسبب القلق والأوضاع وعقليه القطيع وندره الاعتماد علي الذات. ومع ذلك ينظر تيلور الي المجتمع في انتظار افتداء ديني ، واحد احتمالات ذلك تكمن في استرجاع الإحساس الذي يربط المتع الذاتيه والرغبات مع حب الله الخالق الموجود في أعماق النص الديني. مهما كانت رغباتنا، فهي من عند الله ، ولذلك نحن في حاله انجذاب دائم الي الله. وصولنا الي أراده الله من خلال تصميمه مساله حاسمه في رأي تيلور لنظام أخلاقي حديث ومفهوم دوركايمي جديد فيما يخص وجود الله بين ظهرانينا. يفترض تيلور اننا يمكن أن نجد طريق العوده الي الله باعاده السحر re-enchanting الي المجتمع واسرار الروح حتي المشاعر الحسيه منها. ولأننا لا نستطيع العوده الي الله عن طريق الفلسفه، فإن تيلور يري التقوي في "تصميم" العالم الاجتماعي كما نعيشه بأخلاقه وأبعاده المثيره. ولكن التساؤل المهم هو هل يمكن أن نثق في التاريخ فيما يتعلق بالإيمان الذي قد نجده في العالم الاجتماعي الذي نعيشه؟. للمثابره في الموقف الذي يقول ان ذلك ممكن ، علينا أن نتعامل مع مفكرين منذ الإغريقي ثوسيديدس الذي كتب ملاحظاته حول الحرب البيلوبونيسيه بين اسبارطه واثينا خلال القرن الخامس قبل الميلاد وحتي تلستوي وكل من يري أن التصميم في التاريخ يقوم علي سياده السبب بواسطه القوه والحرية بالقضاء والقدر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خواطر بشأن العلمانيه و الدوله المدنيه (Re: طلعت الطيب)
|
اود تسجيل ملاحظه مهمه هنا حتي لا يبدو السرد اوروبيا خالصا فقد تأثر القديس توماس الاكويني وكثيرا جدا بابن رشد واعترف بدوره في نقل التراث الفكري اليوناني والإسلامي الي أوروبا وقد عبر عن حزنه العميق لما كان قد تعرض له المفكر الإسلامي من قمع ومصادره لانتاجه الفكري بواسطه الخليفه المسلم. وقد استفاد جدا من حقيقه أن انهيار العالم الإسلامي قد صاحبه تماما التضييق علي الحريه الفكريه والبحث العلمي وعمل علي محاوله تحصين المسيحيه مما حدث الدوله الاسلاميه، وتماما مثل ابن رشد ، فقد سعي الاكويني الي التوفيق بين العلم والايمان وتصنيف المعارف الي معارف طبيعيه وأخري بديهيه خالده وضروره التعامل باحترام مع المعتقدات المغايره. وان الحكمه لا تتوقف علي الديانه المسيحيه وحدها.
| |
|
|
|
|
|
|
|