|
Re: ستونة مجروس:رمز بارز لمغنيات الشتات السود (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
مواصلة للمقال المترجم: دخلت ستونة مجروس إلى قاعة محاضرات مركز السودان للثقافة والمعلومات بالقاهرة ، متبوعة بحاشيتها. بعد تقديم قصير من قبل مدير المركز، بدأت في الغناء ، بمصاحب(الدلّوكة), وهي طبل متوسط الحجم مرتبط بالثقافة الادائية للمرأة في شمال السودان تحديداً ب(أغاني البنات)، وهي الأغاني التي تغنيها النساء والتي ترتبط لدى الجمهور بتقاليد الزفاف السودانية. كان كل الجمهور السوداني بأسره في تلك اللحظة في منتصف 19905 تقريباً، قد عّبر عن تقديره لسماع الموسيقى المألوفة لديه، والمرتبطة بطقوس الزواج الوطنية والمفاهيم الجنسانية للتقاليد الثقافة السودانية، من خلال التصفيق والغناء معها بحماس. إلا أن ذلك الفعل لم يكن مجرد تعبير عن الحنين (النوستالجيا) من قِبَل مجموعة من المهاجرين توقاً إلى ما قد ألِفوهُ. كان كلُّ واحدٍ من الحضور في تلك الأمسية تقريباً ضمن من غادر السودان إلى مصر في ظل ظروف التهديد التي أوجدتها الحكومة الإسلامية، والتي استولت على الحكم بانقلاب عسكري في عام 1989. كان بعض من هؤلاء المنفيين، من الخاسرين في المعركة بين التغيير الديمقراطي والحكم لعسكري الاصولي، حيث تعرّضوا للعنف الفائق على يد النظام ففروا بحياتهم. كما تعرض بعضهم للمضايقات والتنمر وللفصل من العمل، بالإضافة لبعض الوسائل الأخرى- الإدارية و(البلطجية) على حد سواء، وذلك لمعاقبة السودانيين من الرجال والنساء لتجاوزاتهم المزعومة. يتم تحديد مثل هذه التجاوزات بشكل مختلف بالنسبة للنساء وبالنسبة للرجال وذلك غالبا من خلال الاتهام بالسلوك اللاأخلاقي، كما هو محدّد في المادة 152 من قانون العقوبات ، وهي أداة مهمة ضمن مجموعة أدوات مشروع الحضارة الإسلامية للدولة السودانية. وكان من بين أكثر من عومِلوا بقسوة بواسطة النظام هم الموسيقيون والموسيقيات على وجه الخصوص. فخرجت أعداد كبيرة الموسيقيين إلى المنفى احتجاجًا و كذلك للاستمرار في أنشطتهم المهنية دون قيود أو عقوبات. كانت ستونة مجروس، وهو الاسم المسرحي لفاطمة علي آدم عثمان – واحدة من بينهم حيث تركت مسيرتها الموسيقية خلفها في الخرطوم للانضمام إلى سودانيين آخرين في الشتات الممتد. إنني أركز هنا على مشاركة مجموعة من المطربات السودانيات خارج السودان وذلك في إطار الجدل السوداني المستمر حول الهوية والتغيير. إن المطربات في الشتات هم في خلافٍ مع إعادة تنظيم النظام الجنساني(الجندري) في السودان الذي ترعاه الدولة، و الذي يتجاوز حدود الوطن السوداني و المعايير الجنسانية. بغض النظر عن تفضيلاتهم الشخصية أو علاقاتهم المعقدة مع السودان ضمن المطالبة بالهوية، فإن النساء السودانيات اللائي يقمن بالأداء كفنانات مُتعرِّفات كسودانيات، فإنهن يُصبِحن
محط انتقادٍ، وذم من المستفيدين من الوضع الراهن. وعلى هذا النحو، فإن دورهن المهني نفسه يعتبر متجاوزا، ويُوصَم بالتالي حسب النظام الاجتماعي والسياسي والقانوني، ووفق كبار الأوصياء، باعتبارِه مخلاً بالآداب. إنني أقدم هنا ثلاثة من النساء المغنيات في الشتات المعاصر، ستونة، ورشا، والسارة. حيث ان مشاركاتهن الموسيقية في جغرافية السودان المعقدة للشتات السوداني تربط بين الأنواع الفنية والثقافات والتاريخ. بينما كانت النساء (السيئات) جزءً من المشهد الموسيقي الشعبي في السودان منذ قبل الاستقلال، فإن الانترنت ومواقعَ الوسائط التفاعلية على وجه الخصوص، قد اتاح الفرصة لمجموعة جديدة من الفتيات السودانيات (السيئات) ليكنَّ بعيداً عن متناول الدولة السودانية، والمشاركة في النقاشات الوطنية. إن هؤلاء النسوة الثلاث لا يرين أنفسهنَّ (سيئات)، إلا أن أصولهم السودانية ورؤيتهن العالمية وتحديهن للوضع الاثني والديني والطبقي والجنساني الراهن، يضعهنّ في نظر اللوائح الحكومية العقابية المتعلقة بالأداء الموسيقي، كعناصر هدامة. جاء أولئك المطربات، الفتيات السيئات الجدد في أعقاب مجموعة كبيرة من النساء المشهورات في حقبة سابقة للموسيقى السودانية واللائي دفعنَ باتجاه تضمينهن في صناعة الموسيقى المزدهرة التي ترعاها الدولة، واللائي تصدّين لأولئك الذين منعوا مسارات المرأة للمشاركة علناً كفنانات. إن الظروف السياسية قد أدت إلى غياب فتيات سيئات جديدات عن المشهد الموسيقي الوطني، وهي الظروف التي اتاحت لأصوات مطربات الشتات منصةً رحبةً لتعليقاتِهن ومشاركاتِهن. كان للمطربات الثلاثة تجارب مختلفة جداً، فيما يتعلق بالمنفى والمسارات المهنية، والعلاقات مع المشهد الموسيقي السوداني. فهنّ يُقِمنَ في كلٍ من مدريد، وبروكلين، والقاهرة، ولكنهن يقدَّمِنَ معاً رؤية حول جدلٍ أوسع لمجتمع سوداني مُتخيَّل يربط بين الأمة والشتات. إن مصطلح (الفتاة السيئة) هو منظور مفيد، يمكن من خلاله النظر إلى السياسة المعاصرة في السودان لعدة أسباب. في تحليلِها لتَكَوُّن الدولة الإسلامية في فترة الثمانينات من القرن العشرين، توضّح هيل (1996)، هيمنة الرجل على وضع المرأة في كل من اليسار، أو الحركات الثورية الإسلامية، في التحول الاجتماعي والسياسي ما بعد استقلال السودان و الذي امتد من منتصف الخمسينات إلى التسعينات، كذلك لاحظت هيل وغيرها من علماء الدولة السودانية(علي،2004 برنال199،ويليمسي 2007)، مشاركة المرأة النشط في السياسة السودانية. كما لاحظوا كذلك أن هذه المشاركة قد صاحبتها مصالح ذكورية/أبوية مؤثرة، وإعادة هيكلة للأدوار العامة للمرأة في السنوات التي أعقبت استيلاء الإسلاميون على الدولة في عام 1989. إنّ النساء اللائي ابتعدن عن النص الاجتماعي والثقافي الذي صاغته الحركة الإسلامية، على سبيل المثال، قد جرى وصمَهِن ب(السيئات). ليس ذلك بناءَ على الأخلاق الدينية فقط، ولكن أيضا تأسيساً على مجازات سابقة للأنوثة خاصة بالقومية(الوطنية)الإثنية، باعتبارها تتضمن الاحتشام (فابوس 2010)، والتكامل الجنساني(بودي 1989)،والبياض(فابوس 2012). اواصل
|
|
|
|
|
|
|
|
|