|
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)
|
يومياتي في زمن الكورونا...(6)
سنة البِّرلم....
5 مايو 2020 نازك الملائكة الرشيد
أصبحت من الصباح وأنا أعاني من صداع وثقل في الرأس وإحتقان في الأنف وفي زمن الكورونا هذا تتوجس خيفة من أي عرض مرضي ، راجعت تفاصيل يومي الماضي وتذكرت أنني تعرضت لغبار ،إذن هذه أعراض حساسية الجيوب الأنفية والتي أصابتني منذ السنة الأولي الجامعية وأسميتها مُتلازمة قاعة OLT.
ونحن طلاب جدد في أول أيامنا الجامعية وكما كأن سائداً في ذلك الوقت أن نبدأ أولاً من كلية العلوم حتي ندلف بعد السنة الأولي إلي كلية الهندسة. وكأن يتم جمع كل طلاب أقسام كلية الهندسة المختلفة سوياً في قاعة ضخمة تعرف بقاعة OLT..
كانت قاعة تسودها هيبة عظيمة وتُدخل الرهبة في النفس ويساعد علي ذلك عِلوها الشديد وضخامتها وكذلك عدم الإضاءة الشديدة وإمتلاء المدرجات بالكامل بالطلبة. شهدت مدراجاتها أول تعارف لطلاب أتوا من مختلف أنحاء السودان وخارجه يجمعهم روابط كثيرة ويوحدهم الإنتماء لكلية الهندسة.كما كان يدور فيها الهمس و الإشارة إلى أوائل الشهادة السودانية عند ظهورهم ومتابعة تحركاتهم.. وشهدت منصتها وقوف فطاحلة أساتذة الرياضيات والفيزياء والكيمياء بالجامعة..شرحاً وتدريساً والتحليق بنا في عوالم الدوال تفاضلاً وتكاملاً والأطياف والمجالات الكهربائية والمحاليل الكيمائية.
كل أطياف الطلبة كانت موجودة، فيهم الهادئ والمتوازن والمشاغب الذي يثير الشغب ،وليس حادثة عقاب كامل الفرقة بعدم تدريسها كافة مواد المطلوبات الجامعية ببعيد وذلك بعد أن أثار أحدهم بتساؤله عن قول أستاذة اللغة العربية (الأسماء الستة)؛ من أين أتي السادس ونحن تركناهم في الإجازة وقد كانوا خمسة ؟ ،موجة من الضحك والصخب والتدافع والجري في المدرجات.
كما كأن يتم تَعهُدَنا من قبل سناير الكلية الذين يأتون إلينا في القاعة بين الفينة والأخرى، ويُعلنون بأن بطاقاتنا الجامعية قد تم إستخراجها ويجب الذهاب إلي كلية الهندسة لأخذها..نذهب إلي كلية الهندسة زرافات ووحدانا يملؤنا الشغف برؤية كلية الهندسة وأخذ هوياتنا الجامعية، وتقابلنا كلية الهندسة بكل شموخها وكبريائها وبشجر لبخها العالي وبطلابها اللأمعين الذين ينظرون إلينا نظرات فضولية وضاحكة، لنتفاجأ بأنه لا توجد بطاقات وإنما كان ذلك مقلب يسمونه برلمة.. وكثرت برلمتنا بكل الطرق ونحن في سذاجتنا وبراءتنا كل مرة نأخذ المقلب ولا نتعلم.
لا يكتمل فضول السنة الأولي إلا بارتياد مكتبة المين وما أدراك ما مكتبة المين حيث التاريخ وروح الحضارة الضاربة في القدم وروائح كتب لها عشرات السنين وكراسي خيزران تحدث عن العظماء الذين جلسوا فيها وقامت علي أيديهم حضارة السودان ونهضته ونهضة كثير من دول العالم، أرواحهم تحس بها لا تريد مفارقة هذا المكان فتملؤه هيبة وإجلال ،تدلف علي ردهات المكتبة لتري فن العمارة الخالدة التي تأخذ بالألباب والنحت المتقن للأعمدة المصنوعة من الطوب الأحمر ، وتستنشق فيها عبق التاريخ المُضمخ بالتفوق والعظمة والرقي... والتجوال في ممرات كلية العلوم بأعمدتها المربوطة بأقواس نصر كأن جنوداً يحملون سيوفاً مرفوعة ً ومتلاقيةً تحية للطلاب العابرين... وشارعها الرئيسي أو ما يعرف بالمين رود وأشجار المهوقني الوارفة تُحيط بجانبيه، ويتسامر علي جنباته الطلاب الذين أتوا من كل فَجٍّ عَمِيقٍ كلٌ له همومه ومشاغله وطموحاته وآماله..
جامعة الخرطوم تمثل وطناً لجميع خريجيها وما زال الشوق والحنين يَشُدهم إليها، فما نادتهم يوماً إلا لبوا النداء علي عُجالةٍ ، فالوفاء وحسن العهد من الإيمان، وليس هنالك وفاءاً يُعادل وفاءك لوطنك.. وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ ** نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي.
|
|
|
|
|
|
|
|
|