|
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)
|
يومياتي في زمن الكورونا...(5)
منقة هندسة....
1مايو 2020 نازك الملائكة الرشيد
مع نسائم الصبح العليل وفي ظل هذه الحبسة الكورونية نسمع رنين صوت جرس الباب عالياً ولا يتوقف ،أسرعنا الخطي للباب وكل ظنون الدنيا تجول في رأسنا، من بالباب؟ ذلك السؤال الذي تعودنا عليه قبل التفكير في فتح الباب..جاءني رد جماعي لأصوات أطفال، نحن نريد أن نُقطع المنقة..فتحت الباب لأري عصبة ليست بالقليلة من أطفال بمختلف الأطوال مُسلحين بالعصي الطويلة التي يفوق طول إحداها طول أي واحد منهم أضعاف مضاعفة ،هألني المنظر ويبدو أنهم قد أتوا من مسافات بعيدة، بادرتهم بالسؤال كيف تخرجون هكذا جماعات والبلد فيها كورونا؟؟ ..تمت الإجابة علي سؤالي مُباشرةً وسريعاً وبنظرات تحمل شئ من السخرية والضحك علي كأنني من الخائفين والمندسين من الكورونا..مافي كورونا!!.. تملكت أعصابي فهذا قول كثير من كبار السن والعقلاء فما بالك بأطفال، أطلت معهم الحديث عن كونوا توجد كورونا وأنكم قد تتسببون في قتل الكبار من أهاليكم بخروجكم للشوارع واللعب فيها ..ثم أخيراً أتيت لهم ببيت القصيد أن المنقة خضراء وعندما تنتهي حبسة الكورونا تكون بذلك صالحة للقطف..
في نهاية أحد الفصول الدراسية في كلية الهندسة وزحمة السمستر والإمتحانات علي الأبواب كان لدينا تجارب معملية في معمل ميكانيكا الموائع لم نؤديها فتم تجميعها كلها وجدولتها للقيام بها أخر اليوم الدراسي وكنا ننتهي إلي وقت متأخر قبيل المغرب، وفي ظل الفهم العام بأن الطلبة هم من يقوموا بعمل التجارب وتكون الطالبات منتظرات النتائج تم فصلنا فصل عنصري يوم للطلبة ويوم للطالبات. يقابل معمل الموائع صف من أشجار المنقة، وعندما نخرج من المعمل ونحن في قمة التعب والملل من السعي وراء إيجاد السرعات وعوامل الإحتكاك وإثبات نظريات عفي عليها الزمن نجد أمامنا رؤوس منقة خضراء قد إينعت وحان قطافها وإن كانت لخضرتها لم يأتي أوان قطفها بعد .وبما أنني كنت من الطويلات ولا يوجد طالب توكل له مهمة القطف كانت توكل لي هذه المهمة ،أمانع في البدء وأتعلل بالبرستيج العام وكيف لي أن إعتلي بنشات الكلية وهذه منقة خضراء لا يمكن أن تؤكل وكيف لو أن أحداً من أهل بيتنا رأني، ومع التحانيس ورغبتي في خوض المغامرات أوافق بشرط حراسة كل المداخل لمنطقة شجر المنقة، وبما أن الوقت قد تأخر وأصبحت الكلية شبه خالية من حركة الطلاب كانت الحراسة خفيفة نوعاً ما.. وبالإستعانة بمسطرة الرسم التي لها مهمة عظيمة غير الرسم الهندسي يتم قطع المنقة وتوزيعها بين الكل في جو يسوده الفرح والمرح وكل الحب..
في أحد زياراتي لكلية الهندسة بعد سنين من تخرجي وجدت أن شجرات المنقة مثقلة بالثمار الخضراء والصفراء ليست كما كانت في عهدنا فنحنا لا نتركها حتي تِصفَّر... جلست في أحد البنشات تحت شجر المنقة والذكريات تمر بمخيلتي، أصواتنا وصوت تساقط المنقة علي الأرض بعد ضربها بمسطرة الرسم والتسارع لمسكها وهذه لي لا أنا حجزتها أول وأقطعي لي هذه لا هذه بعيدة لا اقدر علي قطعها وتتعالي أصوات الضحكات بيننا.. في غمرة ذكرياتي تلك وشجوني رفعت رأسي لأري قرداً يأكل منقة صفراء فاقع لونها، فله من الصبر وطولة البال ليتركها حتي تنضج، رمقته بنظرات تقول له أنت لا تعرف من كان قبلك يقطف من هذه الأشجار ويأكل ثمارها ، ورمقني هو بنظرات تعالي وأفتخار وكأن لسان حاله يقول لي أم جركم ما بتأكل خريفين...ورمي المنقة في الأرض رمية وثبت معها واقفة خوفاً أن يُصيبني بتسديدةً في الراس...
كل شئ في وقته حلو..فهل لنا أن نتحلي بالصبر وأن نصبر علي الأشياء حتي يحين موعد قطفها كي تكون مستوية وناضجة وتكون الفائدة المرجوة منها مكتملة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|