♧ شُعَراءُ الفُصْحى بِأَدَواتِ زَمانِ الحَداثَةِ £

*حميدة أبو عشر*
*ليالي حبنا الأولى*
_____________
سألني محدثي وهو من أشقائنا
في النيل مصري قائلا :
مين الهادي آدم اللي غنت له الست
(أغدا ألقاك) هو مش من عندكم؟؟
قلت مزهوا : نعم .. هو سوداني
جزيراوي من مواليد منطقة الهلالية
قال : ده شاعر مدهش و متفرد
العبارات ..
قلت : سأزيدك كيل بعير من الدهشة
ثم تلوت له :
داعاّ معبدي القدسي
طويت الماضي في قلبي
وعشت على صدى الذكرى
وهذا الدمع قد ينبي
بظلم المهجة الحيرى
لماذا الهجر يا حبي
لماذا دهرنا ضنّ
وشبع روحي باليأس
نسيت الماضي ياليلى
ماضي الحب والطهر
ليالي نقطع الليل
بحلو النجوى والشعر
نسيتي ليلى إذ كنا
نُفدي النفس بالنفس
أظل أردد الشكوى
على ما نلت من وجد
حبيب الروح لا أقوى
على حمل الهوى وحدي
ولما لم أجد سلوى
كسرت ابريقي والدن
وسكبت على الثرى كأسي
وداعاً روضتي الغنّا
وداعاّ معبدي القدسي

قال : الله الله و لم يزد
قلت : عادي جداً أن يكتب أستاذ
اللغة العربية بمدرسة حنتوب العريقة
قصيدة في روعة أغدا ألقاك ..
قال : نعم وأظن أن القصيدة
الأخرى له أيضا ..
قلت : لا بل هي لنجار مدرسة
حنتوب الثانوية شاعر عظيم إسمه
(حميدة أبو عشر) سوداني
جزيراوي آخر ..
فبهت ابن النيل واندهش
ولم يعقب ..

*ولد الشاعر العبقري حميدة أحمد*
*عثمان بمدينة (أبو عشر)*
*في عام ١٩٢١ ،*
ومدينة أبوعشر من مدن الجزيرة
الحسناوات والتي قدمت مثلها
مثلهن عددا من المرجعيات الثقافية والفكرية نزكر منهم في مجال الشعر :
حميدة و (النعيم محمد نور)
والثاني هو والد ضابط الشرطة
الأديب علي النعيم محمد نور
الشهير إعلامياً ب (أبو هاله) .
نشأ وترعرع (حميدة) بمدينة
(أبو عشر) حيث درس الأولية
بها ثم انتقل للدراسة بالمعهد العلمي
بأم درمان وبها بدأ نشاطه الإضافي
في صنعة النجارة التي برع فيها
وأتقنها حيث كانت ثقافة المجتمع
السائدة حينها صنعة باليد أمان
من الفقر، وتجدر الإشارة هنا إلى
أن الغناء السوداني هو ابن الصنايعية
فمعظم الشعراء والمغنين والملحنين
الذي صاغوا وجدان الشعب السوداني
الغنائي كانوا من الصنايعية،
ومهنة النجارة التي قدمت عبقري
الأغنية السودانية (إبراهيم الكاشف)
هي ذاتها التي قدمت الشاعر الرائد
(حميدة أبو عشر).
في العام ١٩٤٣ إنتقل حميدة إلى
مدينة ود مدني للعمل ضمن ورشة
صناعة الإجلاس بمدرسة حنتوب
الثانوية العظيمة تلك الغادة التي ذاب
فيها الشعراء ولها وحبا والتي وصفها
الشاعر محمد عوض الكريم القرشي
ب (حنتوب الجميلة) وتغنى بها إبن
ود مدني الخير عثمان في ثنائية
مدهشة تحكي عبقرية الشاعر
وحضور الفنان فقد كتبت الأغنية
ولحنت ليلاً بحديقة (كعكاتي)
ثم غناها الخير عثمان في صبيحة
اليوم التالي أمام مدير المدرسة
مستر براون ..
كانت مدرسة حنتوب في ذلك
الحين منارة علم وفنارة ثقافة
وجد فيها (حميدة) لإنفعالاته
منبعا ولابداعاته مصبا ..
في عام ١٩٤٧ بدأت التحضيرات
لافتتاح مدرسة الحصاحيصا الثانوية
القديمة وبرزت حوجة لفنيين مهرة
وذوي خبرات فتم نقل (حميدة)
للعمل هناك بورشة تجهيز أدراج
وكراسي الطلاب فكان وقع النقل
عليه مثل فصل الرضيع عن ثدي
أمه قبل الارتواء فكتب بحس الشاعر
(وداعاً روضتي الغنا وداعاً معبدي
القدسي) تلك الأغنية الفخمة
التي لحنها وغناها الكاشف ..
كان حميدة وطنياً ثائرا أشتهر
بمناكفاته للمستعمر البريطاني
متقدماً صفوف المظاهرات
والإضرابات حتى تم إعتقاله إثر
مشاركته في إضراب ١٩٥٢ وحسب
المؤرخين أغنيته (الحجل بالرجل)
كتبها اثناء أعتقاله من قبل قوات
الحكم البريطاني، حيث أعتقل بسبب
نشاطه السياسي ضمن عدد من
قيادات النقابات وقرر الأنجليز نقله
من سجن كوبر إلى سجن الأبيض،
عبر القطار رافقه في هذه الرحلة
الشاويش “أحمد جبران” وهو مقيد
بـ (الكلبشات)، وفي طريقهم إلى
الأبيض طلب من الشاويش ان يعطيه
ورقة وقلماً فكتب قصيدته المشهورة
(الحجل بالرجل) التي قام بغنائها
فيما بعد الفنان“حسن عطية”
حيث صور حميدة من خلالها حاله ..
يا مسافر براك شاقي المفازة بليل
لي أب قلبا طراك أهداك المحبة
دليل بحق المودة
حق الهوى والريد
يا مسافر براك
قبل السفر زامل
لي أب قلبا طراك
بي المحنة ما تجامل
بحق المودة
حق الهوى الكامل ..........
وفي طريق القطار كانت قواعد
النقابات تتجمهر لتحية حميدة
وهم محملين بالهدايا،
الأمر الذي أثار تساؤل الشاويش،
فلم يكن يعرف حميدة،
ولما سأله وعرف بأنه من ضمن
من نفذوا إضراب 1952 قام
بفك قيوده، ونمت بينهما علاقة
صداقة تطورت إلى مصاهرة
بزواج حميدة من ابنة أخ الشاويش
وكان إسمها “سعدية محمد جبران”،
وأنجب منها ولد وبنتين، أسمائهم : ("الأمين"، "ابتسام" ، "هدى").
يعتبر الشاعر حميدة أبو عشر من
رواد الأغنية الوترية اللحنية فقد قدم
بناءا شعريا مختلفاً و مستحدثا في
قصيدته (غضبك جميل زي بسمتك)
التي وضع لها الفنان الراحل عبد
الحميد يوسف لحنا يشابهها في التميز والتفرد فصارت حالة غنائية
مختلفة وإحدى لبنات الأغنية السودانية الحديثة ..
وتستمر عملية البناء المحكم للأغنية
السودانية الحديثة من أشعار حميدة
ويستمر التجريب مع عثمان حسين
(ظلموني الأحبة) ومع حسن عطية
(رمز الضياء) و ( محبوبي لاقاني) .
رحم الله الشاعر المجيد حميدة
أبوعشر وأحسب أني رغم جهدي
في البحث والتقصي أني لم أوف
الرجل حقه وهذه بمثابة دعوة لكل
من له إضاءات حول مسيرة الراحل
أن يمدنا بها ..

منقوول بحب💙