♧ شُعَراءُ الفُصْحى بِأَدَواتِ زَمانِ الحَداثَةِ £

[مريم الاخرى و المجدلية ]
{وقَفات تأمل على مسارف مملكة عم عبد الرحيم}
《تحليل نقدي و تفكيكة في صواميل عمق النص 》

● صدح بها مصطفى سيد أحمد (بين مريم الأخرى والمجدلية ) لأول مرة
في عام تسمعمائة و سبع وثمانين و ألف في المجلس القومي للآداب والفنون.
و عندما أنهى من وصلته فإذا بالحاضرين وكأنما علي رؤوسهم الطير.يومذاك
تحدث مصطفى وقال أن هذه الأغنية لشاعر لم اذكر من اسمه سوى (شمو) حالياً،
طلبت منه هذه القصيدة قبل انتفاضة ابريل فقال لي يا أستاذ هذه القصيدة لا
تصلح للتلحين فقلت له دعني أحاول و منذ ذاك التاريخ لم أقابله بعد أن فرقتنا
أيادي سبأ. و لسنا بمنزلة أن نحلل هذه الأغنية بقدرما نضع مشرطنا
على بعض مكامن الإبداع فيها و النابع من رحم المعاناة
♤ها هي الأرضُ تغطت بالتعب
والبحار اتخذت شكل الفراغ
وأنا مقياس رسم
للتواصل و الرحيل
وأنا الآن الترقب
و انتظار المستحيل
أنجبتني مريم الأخرى
قطاراً وحقيبة
أرضعتني مريم الأخرى
قوافي ثم أهدتني المنافي
هكذا قد خبروني
ثم قالوا لي ترجـّل
●تختلف قصيدة " ما بين مريم الأخرى والمجدلية" عن نظيراتها
التي تحتوي علي مضمونٍ واحد (لوعة وحسرة – حنين - شوق ..الخ)
مثلما تتميز (مريم الأخرى والمجدلية) بأنها تدور رحاها في شتى المحاور
و تحمل الكثير المثير من المضامين الشعرية المتنوعة ، بل و تحتمل أوجه
كل الاستعارات المكنية الممكنة و اللاممكنة (أمل – خوف منمجهول
- رجاء و ترقب لمأمول –عاطفة – وطن – هوية -يوتوببا.. إلخ)

● فالقصيدة تبدأ بعنصر الدهشة والمفاجأة حيث يتبادر إلي ذهن المتلقي
بأن هناك حدث عظيم ( انفجار - كارثة ) ستحدث باهتزاز الأرض وفراغ
البحار من مياهها ويعضد من ذلك أداء مصطفى وٍتجريده لمفردة ( التعب )
ويتواصل عنصر المفاجأة واستمرار الدهشة والترقب عندما يخبرنا الشاعر بأنه
(مقياس رسم) و مقياس الرسم غيه إلماحةٌ لنظرية نسبية ما بين الأبعاد الكنتورية
علي أرض الواقع و الأبعاد علي مفاتيح خارطة الطريق ، لكن نتفاجأ بأنه مقياس
رسمٍ بيانيٍّ معنويٍّ نفسيٍّ بين نقيضين كشقَي رحى هما (التواصل و الرحيل)!!

●ويبقى السؤال كامناً في مخيلتنا ماذا بعد حدوث هذه المضامين التى تبشر
بحدوث تحول كونيٍّ عظيمٍّ..!! فيخبرنا الشاعر بأنه قد نزل إلى خضم عتامنا تاخرف
هذامن بين ثلب و تراقي ( مريم الأخرى ) ومريم تعنى باللغة العبرية ( العصيان) فيتحور
ليت القصيد إلى فلسفة إنجليكانية صاربةٍ أطنابها في عمقٍ سحيقٍ إذا ما وضعنا في حسباننا
أننا سنجد مقطع في نهاية القصيدة ( ضيعتني مريم الأخرى سنينا في انتظار المجدلية )
فمريم الأخرى ذكرت في كل الأناجيل ( متى – لوقا – مرقص – يوحنا ) وهى زوجة
( حلفى ) وأم ( يعقوب ) وقد ذكرت في انجيل متى ( وبعد السبت عند فجر أول
الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر )

أنجبتني مريم الأخرى
قطاراً وحقيبة
أرضعتني مريم الأخرى
قوافي ثم أهدتني المنافي
هكذا قد خبروني
ثم قالوا لي ترجـّل
[} فالشاعر عند ولوجه الدنيا لا يحمل معه سوى حقيبةِ متاعٍ وفي انتظار
قطار (كناية عن كائن لا بكتد بضع عصا ترحاله عن كاهله ) وقد تكون مريم
الأخرى التي أنجبته هي الوطن وزاد الشاعر في هذا الترحال هنا القوافي وهي
دلالة نضج ورهافة حس وكلها معالم ايجابية إلي جانب النفي التي أهدت إليه
ليزيده صلابة وصقل إضافة إلى الوصايا ليظل رجل يحمل قيم المعافاة

ثم أنتِ .. أنت يا كل
المحاور .. والدوائر
يا حكايات الصبا
تحفظين السر والمجد الذي
مابين نهديك .. إختبا
ليس يعنيك الذي قد ضاع
من عمري هباء
وأنا .. لست أدرى ما الذي
يدفعني دفعاً .. إليك
ما الذي يجعلني أبدو حزيناً
حين أرتاد التسكع
في مرايا وجنتيك
لا عليك
فعلى هذى السفوح .. المطمئنة
نحن قاتلنا سنيناً .. واقتتلنا
نحن سجلنا التآلف
في انفعالات الأجنة
واحتوانا البحر ..
والمد اليقاوم .. والشراع
يا هذه البنت التي
تمتد في دنياي سهلاً
وربوعاً .. وبقاع
ما الذي قد صبّ في عينيك
شيئاً من تراجيديا الصراع
[} ينتقل بنا لمخاطبة أنثى قد تحمل في حنايا صدرها وطناً
طريح الفراش جريحاً يقاسي ألام الغرقرينة ، و أنثاه التي ساهمت
في تشكيل حياته فكانت محوراً وحكايات صباه وتمتلئ القصيدة
بالجدليات المثيرة للأسئلة الحوارية الحائرة؛ كاستفساره قائلاً:
ما الذي يدفعني دفعاً إليك .. ما الذي يجعلني أبدو حزيناً
ثم ينتقل لصيغة الجمع لمخاطبة الوجدان العام أو أنثاه
فعلى هذى السفوح .. المطمئنة
نحن قاتلنا سنيناً .. واقتتلنا
نحن سجلنا التآلف
في انفعالات الأجنة
واحتوانا البحر ..
والمد اليقاوم .. والشراع
يا هذه البنت التي
تمتد في دنياي سهلاً
وربوعاً .. وبقاع
ما الذي قد صبّ في عينيك
شيئاً من تراجيديا الصراع
[}إذ إنَّ التآلف و القتال لا يأتيان فراداً
ثم يعود الشاعر للأسئلة والاستفهام ويستخدم
الشاعر هنا مفردة ( تراجيديا ) والتي تعني (الحزن)
والمأساة ويوظفها في النص أي (صراعٌ مأساوي عبثيٍّ
لا يفضي إلى غايةٍ؛ كسان حبٍّ عذريٍّ لا يطرح بذوراً.
و المدى يمتد وجداً
عابراً هذى المدينة
خبرينى هل أنا أبدو حزينا؟
هل أنا القاتل .. والمقتول
حيناً .. والرهينة؟
هل أنا البحر الذى
لا يأمن الآن السفينة ؟
خبئينى بين جدران المسام
قبلينى مرةً فى كل عام
فأنا أشتاق أن أولد
فى عينيك..طفلاً من جديد
ارتدى اللون البنفسج
اعتلى شكل الهوية
ضيعتني مريم الاخري سنيناً
في انتظار المجدليه
آه لو تأتين
من عميق الموج
من صلب المياه
كالرحيل .. كالترقب
وإنتظار المستحيل
[}ويستطرد الشاعر في سيل
استفهاماته القلقلة حد التملمُل
خبرينى هل أنا أبدو حزينا؟
هل أنا القاتل .. والمقتول
حيناً .. والرهينة؟
[}ولكن ويدهشنا الشاعر بسؤال معكوس
هل أنا البحر الذي لا يأمن الآن السفينة ؟
فالسفينة غب العادة هي التي لا تأمن البحر بأمواجه
وتقلباته ولكن هل يقصد الشاعر بالسؤال المعكوس بأن
الوطن هو البحر والسفينة هو القائد فبذلك يصبح الوطن
لا يأتمن قواده الذين لم يجنى منهم سوى مرارات
وتدهور مريع ثم يعود الشاعر لفلسفة إنجيلية
ضيعتني مريم الأخرى سنيناً
في انتظار المجدلية
آه لو تأتين
من عميق الموج
من صلب المياه
كالرحيل .. كالترقب
وانتظار المستحيل
[}سبقتالإشارة إلى أن (مريم الأخرى) التي ذكرها شمو هنا أيضاً
ولكن أردف معها (المجدلية) التي يعني بها (مريم المجدلية)و تعتبر
مريم المجدلية من ألرز (حواريات) المسيح و قد نسبت لقرية مجدلفي
فلسطين وتقول كل الأناجيل أن المسيح انتشلها من خال امرأة في مستنقع
الفساد والعهر إلي امرأة في قمة الطهر و شفاها بأن أخرج من بدنها سبعة شياطين
(و بعض النساء كنّ قد شفين من أرواح شريرة وأمراض. مريم التي تدعى المجدلية
التي خرج منها سبعة شياطين) وتعتبر رمز للإنسان الخاطئ الذي يتطهر و يتوب .

[} وبقيت المجدلية إحدى النساء اللاتي يخدمن المسيح في قرية الجليل ولها مكانة
عالية فهي أول من ظهر لها المسيح بعد موتهحسب ما جاء في إنجيل يوحنا ( يَا امْرَأَةُ،
لِمَإذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟» فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ:«يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ
حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«يَا مَرْيَمُ» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ:
«رَبُّونِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي .
وَلكِنِ إذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى إِلهِي وَإِلهِكُمْ». فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ
وَأَخْبَرَتِ التَّلاَمِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هذَا.) واعترف بمريم المجدلية قديسة
و يحتفل بها في 22 يوليو من كل عام. و يبدو ان الشاعر يقصد انتشال الوطن
من حضيض الفساد الأخلاقي إلى وطن طاهر عفيف اليد و اللسان،
☆و تسوده: روح "حرية سلام وعدالة"