تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحوم منصور خالد.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2020, 11:27 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48821

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� (Re: Mohamed Doudi)

    الأخ محمد دودي

    تحية طيبة
    Quote: الاخ ياسر انت مصح وانا غلطان الانشقاق كان 66 رسميا واتوحد الحزب فى 68

    وشكرا لك على الإقرار بخطئك.


    Quote: عشان كده انا بستغرب من اين اتيت بان الصادق المهدى هو من فركش المؤتمر وهو لم يكون وزيرا او برلمانيا حتى؟

    لست أنا من أتى بذلك وإنما الأستاذ المحامي كمال الدين عباس عضو حزب الأمة وممثله في المؤتمر، وذلك في التسجيل الذي وضعه أبو الريش. لقد كان من رأي السيد الصادق والدكتور الترابي أن يكون رئيس الجمهورية مسلم بنص الدستور وأن نوابه الثلاث مسلمون بنص الدستور. لو لاحظت أن الدستور سقط فيما بعد في مرحلة القراءة الأولى والثانية وذلك بسبب الإصرار على أن يكون رئيس الجمهورية مسلما بنص الدستور ولعلك تعرف محاولة الترابي التملص من سؤال النائب الأب فيليب عباس غبوش في هذا الخصوص، ولكنه أقر في النهاية بأن غير المسلم ليس له الحق في رئاسة الجمهورية.

    قولك:

    Quote: اراك تتحامل مع البقيه فى سلوك لم نعتاده منك فى حواراتنا السابقه

    لست متحاملا وأيم الحق ولكني إنسان حقاني. وأركن إلى المثقفين الأحرار الذين يقولون الحق كالدكتور سلمان محمد أحمد سلمان. وقد وضعت لك وللقراء الحلقة الأولى من مقالاته الأربع في التعقيب على السيد الصادق المهدي وهذا رابطه في سودانيز أونلاين
    قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 1-4قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 1-4

    وهذه هي روابط الحلقات الثلاث الأخرى
    وسوف أقتطف منها ما يفيد الحوار هنا:
    قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 2-4قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 2-4

    قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 3-4قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي 3-4

    قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق ا... (2) بقلم د. سقرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب على السيد الصادق ا... (2) بقلم د. س
    مقتطفات هامة من الحلقة الأولى:
    Quote: ذكر السيد الصادق المهدي في ورقته "ثورة أكتوبر في 1964م استردت الديمقراطية وتوجهت نحو حل سياسي للمسألة الجنوبية. هذا النهج بدأ بمؤتمر المائدة المستديرة، ثم لجنة الإثنى عشر، ثم مؤتمر كل الأحزاب، وأثمر مشروعاً لحل المشكلة في إطار الاعتراف بالتنوع وإقامة الحكم الذاتي الإقليمي.. هذا البرنامج طبقه نظام 25 مايو 1969م الانقلابي،"
    ثم كرّر السيد الصادق المهدي هذا القول مرّةً أخرى في ورقته حين ذكر "الديمقراطية الثانية (1965- 1969م) نقلت برنامج معالجة مسألة الجنوب إلى تصور متقدم تبناه النظام الأوتوقراطي الثاني (1969- 1985م) وبموجبه أبرم اتفاقية 1972م."

    Quote:
    2
    ليس صحيحاً البتّة أن مؤتمر المائدة المستديرة أثمر مشروعاً لحلِّ مشكلة الجنوب في إطار الاعتراف بالتنوع وإقامة الحكم الذاتي الإقليمي، وأن هذا البرنامج طبقه نظام مايو. فقد فشل المؤتمر ولجنة الاثني عشر ومؤتمر الأحزاب فشلاً ذريعاً في حلِّ مشكلة الجنوب. كما أنه ليس صحيحاً أن اتفاقية أديس أبابا التي عقدها نظام السيد جعفر نميري مع السيد جوزيف لاقو هي تطبيقٌ لبرنامج ومقررات ومؤتمر المائدة المستديرة. فهناك حلافات كبيرة وجوهرية بين الاثنين، وقد نجحت اتفاقية أديس أبابا في معالجة الخلافات والإخفاقات في وثيقة مؤتمر المائدة المستديرة بصورةً معقولة ومتوازنة.


    Quote: أرسل رئيس حزب سانو، السيد ويليام دينق الذي كان يقيم في المنفى في مدينو ليوبولدفيل (كينشاسا لاحقاً) في جمهورية الكونغو الديمقراطية، رسالةً إلى السيد سر الختم الخليفة رئيس الوزراء في الثامن من شهر نوفمبر عام 1964 يهنئه والشعب السوداني فيها بنجاح ثورة أكتوبر وتبنّي الحل السلمي لمشكلة الجنوب. اقترحت الرسالة عقد مؤتمر مائدة مستديرة يضمُّ كافة الأحزاب السياسية السودانية وممثلين للنقابات والاتحادات لمناقشة الخطوط العامة للعلاقات الدستورية بين الشمال والجنوب.


    Quote:
    7
    بعد خمسة أشهرٍ من ثورة أكتوبر، وأربعة أشهر من مبادرة حزب سانو، انعقد مؤتمر المائدة المستديرة. بدأ المؤتمر يوم 16 مارس عام 1965 واستمر لمدة أربعة عشر يوماً حتى يوم 29 من الشهر نفسه. تمّ الاتفاق على أن يُمثّل كل حزبٍ من الشمال (الأمة، والوطني الاتحادي، والشعب الديمقراطي، والشيوعي، وجبهة الميثاق الإسلامي، وجبهة الهيئات) بثلاثة أعضاء، بينما يُمثّل حزب سانو بتسعة أعضاء، وجبهة الجنوب بتسعة أعضاء.
    غير أن الأحزاب الشمالية أصرّت على تمثيل مجموعة ثالثة من الجنوبيين الذين بقوا في السودان ليمثلوا الآراء الأخرى للجنوبيين، وهم من تمّ تسميتهم "جنوبيي الداخل"، ممن كانت لهم علاقة وطيدة بالحزبين الكبيرين، بتسعة أعضاء أيضاً تختارهم الحكومة.
    قاد وفدَ كلِ حزبٍ من أحزاب الشمال الرئيسُ أو الأمين العام للحزب (حزب الأمة السيد الصادق المهدي، والوطني الاتحادي السيد إسماعيل الأزهري، وحزب الشعب الديمقراطي السيد علي عبدالرحمن، والحزب الشيوعي السيد عبد الخالق محجوب، وجبهة الميثاق الإسلامي الدكتور حسن الترابي، وجبهة الهيئات سيد عبد الله السيد). وشارك في المؤتمر أيضاً مراقبون من كينيا ويوغندا وتنزانيا ومصر ونيجريا وغانا والجزائر، تفاوتت رتبهم من وزراء إلى سفراء.

    8
    تمّ اختيار البروفيسور النذير دفع الله (الذي كان وقتها مديراً لجامعة الخرطوم) رئيساً للمؤتمر، وعاونته سكرتارية شملت السادة محمد عمر بشير، وعبد الرحمن عبد الله، ويوسف محمد علي. ويُلاحظ أن رئاسة وسكرتارية المؤتمر كانت كلها من الشماليين، ولم يكن بينهم جنوبيٌ واحد. لا بُدَّ أن يكون هذا التجاهل قد خلّف آثاره السلبية في نفوس الجنوبيين، وأوضح عدم الثقة في الجنوبيين الذين يسعى الشمال جاهداً لإقناعهم بالبقاء في السودان الموحّد. ماذا كان سيضير الأحزاب الشمالية لو أضافت أحد أبناء الجنوب لسكرتارية المؤتمر؟ من المؤكّد أن ذلك كان سيرسل رسالةً إيجابية ليس فقط لأبناء الجنوب، بل حتى للمراقبين.
    لا بد من إضافة أن الوفود الجنوبية كانت قد اقترحت أن يرأس المؤتمر شخصان، أحدهما شمالي والآخر جنوبي. غير أن الأحزاب الشمالية رفضت ذلك المقترح، بل وسخرت منه بأنه لم يحدث إطلاقاً أن رأس مؤتمراً شخصان. وهذا ليس صحيحاً فهناك الكثير من المؤتمرات التي رأسها، ويرأسها، شخصان بالتناوب، كأنْ يرأس أحدهما الجلسة الصباحية، ويرأس الآخر الجلسة التي تليها، وينسّقان فيما بينهما في بقية المهام.


    Quote:
    12
    ألقى السيد سر الختم الخليفة رئيس وزراء الحكومة كلمة افتتاح المؤتمر، وتحدث عن الخلافات بين شطري البلاد والتخلّف الاقتصادي في الجنوب، ولكنه عزا كل تلك المشاكل للاستعمار الإنجليزي وسياسة المناطق المقفولة. وتحدّث أيضاً عما أسماه الحملة الجائرة حول تجارة الرقيق وأشار إلى أن ذلك النشاط المخجل قد عتّم تاريخ العنصر البشري في كل العالم، وليس في السودان فقط. نادى السيد سر الختم الخليفة بروحٍ جديدة لحل مشكلة الجنوب وإنهاء الحرب والبدء في بناء السودان. غير أنه أشار إلى أن الخارجين على القانون لم يبادلوا الحكومة حسن النيّة الذي وفّرته بالعفو العام الذي أعلن المناداة بوقف العنف، مما جعل الجكومة تقوم بواجبها نحو حفظ الأمن لحماية المصالح القومية. لم تكن كلمة السيد رئيس الوزراء موفّقةً البتّة كفاتحةٍ للمؤتمر.


    Quote:
    20
    تواصل عقد المؤتمر لمدة أسبوعين، من 16 مارس وحتى 29 مارس عام 1965. صدرت قرارات المؤتمر في 30 مارس عام 1965 وتضمّنت وعوداً بفتح المدارس وإنشاء جامعة في الجنوب، والعمل على إعادة الحياة الطبيعية هناك، وتدريب الجنوبيين لملء مجموعة وظائف في الجنوب، مع التأكيد على مبدأ المساواة في الأجور. غير أن المؤتمر فشل فشلاً تاماً في معالجة لبّ قضية الجنوب. فقد تضمّنت القرارات نصّاً يفيد أن المؤتمر قد نظر في بعض أشكال الحكم التي يمكن أن تطبّق في السودان، ولكنه لم يتمكّن من الوصول إلى قرارٍ إجماعي كما تتطلب قواعد إجراءات المؤتمر. لذا فقد قرّر تكوين لجنة من اثني عشر عضوا لتتولّى بحث الوضع الدستوري والإداري الذي يضمن مصالح الجنوب الخاصة، كما يضمن مصالح البلاد عامة.


    مقتطفات هامة من الحلقة الثانية:

    Quote:
    4
    تكوّنت لجنة الاثني عشر من ستة جنوبيين وستة شماليين، وشملت السادة بونا ملوال، واثوان داك، وغوردون أبيي من جبهة الجنوب، والسادة أندرو ويو، ونيكانورا أقوي، وهيلري أوشالا من حزب سانو. وشملت عضواً واحداً من كلٍ من الأحزاب الشمالية وجبهة الهيئات هم السادة محمد أحمد المرضي من الحزب الوطني الاتحادي، محمد داوود الخليفة من حزب الأمة، الفاتح عبود من حزب الشعب الديمقراطي، حسن الترابي من جبهة الميثاق الإسلامي، محمد إبراهيم نقد من الحزب الشيوعي السوداني، وسيد عبد الله السيد من جبهة الهيئات. يُلاحظ اختفاء معظم القياديين الذين حضروا مؤتمر المائدة المستديرة، مما يشير إلى تدهور أهمية المؤتمر وقضية الجنوب نفسها بين أوساط القيادات السياسية الشمالية.
    5
    كانت إحدى أكبر المشاكل التي قابلت مؤتمر المائدة المستديرة هي عدم تمثيل الحركات المسلّحة التي كانت تقود العمل العسكري في الجنوب. وقد تجاهلتها الحكومة على اعتبار أنها منظمات متمرّدة على القانون والنظام ولا مكان لها في طاولة المفاوضات، ولم تحاول الأحزاب الجنوبية الضغط في اتجاه تمثيلها. وكان هذا خطأً فادحاً لأن الحرب الأهلية استمرت، وبات واضحاً أنها ستستمر حتى لو تمّ اتفاق مع القادة السياسيين الجنوبيين إن لم يوافق عليه القادة العسكريون في الميدان.
    6
    بالإضافة إلى هذا فقد بات واضحاً أن القوة الدافعة للمؤتمر قد بدأت في التلاشي. فقد غادر السيدان أقري جادين وغوردون مورتات السودان وعادا إلى منفاهما في يوغندا والكونغو بعد أن رفضت الأحزاب الشمالية جميع مقترحات الأحزاب الجنوبية، بما فيها الفيدرالية. بل وأصرّت الأحزاب الشمالية على برنامجها ومقترحها لحلِّ مشكلة الجنوب والمُتمثّل في نظامٍ مركزي تحت المظلة الإسلامية العربية، مع تخويل بعض الصلاحيات للحكومات المحلية في الجنوب.
    وكانت الأحزاب الشمالية قد بدأت في توجيه وتركيز كلِّ جهودها لانتخابات الجمعية التأسيسية التي ستُشكِّل الحكومة وتضع الدستور. وكان التسجيل قد بدأ للانتخابات في 11 فبراير عام 1965 واستمر حتى 12 مارس، بينما بدأ التصويت في 21 أبريل. عليه فقد كانت قيادات الأحزاب على عجلةٍ من أمرها خلال مؤتمر المائدة المستديرة للتفرّغ للانتخابات. وبات واضحاً أن عقد المؤتمر وإجراء الانتخابات في نفس الوقت كان خطأً كبيراً وفادحاً. فقد اختارت الأحزاب أن تضع جلَّ جهدها وطاقتها وزمنها في الانتخابات، وأخذ المؤتمر بعد ذلك اهتماماً ثانوياً منها.

    Quote:

    7
    عليه فقد انتهى مؤتمر المائدة المستديرة في 29 مارس عام 1965، وهرع قادة الأحزاب إلى البحث عن الأصوات الانتخابية والمواقع الوزارية، وبدأت قضية الجنوب تختفي من قائمة أسبقيات الأحزاب الشمالية. تواصلت في تلك الأثناء الحرب الأهلية في جنوب البلاد.، وتواصل معها وصف المحاربين في جنوب السودان بالمتمردين الخارجين على النظام والقانون، والإرهابيين، وضرورة التعامل معهم بقوّة السلاح.
    8
    واجهت لجنة الاثني عشر مجموعةً من المشاكل. فقد أخطر جنوبيو المنفى اللجنة أن جنوبيي الداخل، ومن بينهم السيد ويليام دينق، لا يمثلونهم، وعليه فإن المؤتمر لم يعدْ يعنيهم.
    وبعد أسابيع قلائل من بداية عمل لجنة الاثني عشر قاطع ممثلا حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي أعمال اللجنة وانسحبا منها. علّل حزب الشعب الديمقراطي انسحابه بعدم اطمئنانه على المعلومات التي كانت تدلي بها الحكومة عن الوضع في الجنوب، بينما أخبر الحزب الشيوعي اللجنة أنه انسحب احتجاجاً على فشل الأحزاب الجنوبية إدانة الهجمات المتكرّرة من الأنيانيا على المدن في الجنوب. وقد أيّده حزب الشعب الديمقراطي في هذا السبب أيضا. كان غريباً أن يقدّم هذان الحزبان طلب إدانة الأحزاب الجنوبية لهجمات الأنيانيا ويصران عليه، علماً بأن فكرة المؤتمر كلها قد قامتْ على إنهاء الحرب الأهلية.


    Quote:
    12
    جرت الانتخابات في الشمال في موعدها وبدأت النتائج في الظهور في 30 أبريل عام 1965. حصل حزب الأمة على 92 مقعداً وحصل الحزب الوطني الاتحادي على 73 مقعداً من مجموع المقاعد المخصّصة للشمال والبالغة 233 مقعداً. لم يكن هناك ممثلون لجنوب السودان عدا عشرة أعضاء، جلّهم شماليون، فازوا بالتزكية في بعض الدوائر الجنوبية ممثلين لحزبي الأمة والوطني الاتحادي. وقد أثار ذلك الفوز جدلاً قانونياً كبيراً آخر على ضوء قرار مجلس السيادة تأجيل الانتخابات في الجنوب. غير أن المحكمة العليا قضتْ بقانونية فوزهم وأحقّيتهم بعضوية الجمعية التأسيسية. أعلنت الحكومة الائتلافية بين حزبي الأمة والوطني الاتحادي قبولها قرار المحكمة "والامتثال لقرار القضاء." وقد كانت هي نفس الحكومة التي رفضت بعد أشهر قرار نفس المحكمة الخاص ببطلان قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني الذي تبنّاه ودفع به حزبا الحكومة وجبهة الميثاق الإسلامي، ووصفه قادتُها بأنه "حكمٌ تقريري."

    Quote:

    14
    شكّل حزبا الأمة والوطني الاتحادي الحكومة الجديدة في شهر يونيو عام 1965. كان من أوائل اهتمامات الحكومة الجديدة مسألة تأطير اقتسام السلطة ومقاعدها الرئيسية بين الحزبين. لم يُضِعْ الحزبان الحاكمان وقتاً في تعديل الدستور لإلغاء الرئاسة الدورية الشهرية لمجلس السيادة (مجلس رأس الدولة لاحقاً) واستبدالها برئاسة دائمة. فقد كان ذلك من أوائل مهام الجمعية التأسيسية الجديدة التي أدّتها بحماسٍ وبسرعةٍ فائقة في الخامس من شهر يوليو عام 1965 حين صوّت 136 من نواب الحزبين مع مقترح التعديل. اتفق الحزبان على إسناد رئاسة مجلس السيادة الدائمة للحزب الوطني الاتحادي، وتولاها السيد إسماعيل الأزهري، بينما تمّ إسناد رئاسة الوزارة لحزب الأمة، وتولاها السيد محمد أحمد محجوب. وكان ذلك هو الغرض الأساسي من تعديل الدستور. اتفق الحزبان أيضاً على أن تؤول رئاسة البرلمان إلى حزب الأمة، بينما يتولّى الحزب الوطني الاتحادي منصب نائب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية.
    15
    استقال السيد لويجي أدوك من مجلس السيادة بعد ساعاتٍ من هذ القرار احتجاجاً على تعديل الدستور لإلغاء الرئاسة الشهرية واستبدالها بالرئاسة الدائمة للمجلس، والتي حرمت الجنوبيين من رئاسة المجلس. وقد كان هذا القرار المتعجّل والأناني من الحزبين الكبيرين واحداً من أسباب فشل مؤتمر المائدة المستديرة. فقد حرم ذلك القرارُ الجنوبيين من القليل من السلطة السياسية التي كانوا يملكونها. وقد تمّ اتخاذ ذلك القرار في الوقت الذي كان الساسة الجنوبيون يأملون أن يؤدّي مؤتمر المائدة المستديرة إلى المزيد من الصلاحيات السياسية للجنوبيين. وقد دخل السيد لويجي أدوك التاريخَ بأن أصبح آخرَ سودانيٍ جنوبيٍ يشغل منصب الرئيس في مجلس السيادة.
    16
    أدلى السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء ببيانٍ مفصّل أمام الجمعية التأسيسية يوم السبت 26 يونيو عام 1965، موضّحا فيه سياسة حكومته. وقد اشتمل البيان على الخطوط العريضة لسياسة حكومته في جنوب السودان، والتي كان من بينها "وستسير حكومتي في سياسة الحل السلمي لمشكلة الجنوب مهتديةً بوحي قرارات مؤتمر المائدة المستديرة، لكنها ستنبذ سياسة الاسترضاء واللين في معاملة الخارجين على القانون ومن يدفعونهم في هذا السبيل، وستأمر بنزع السلاح نزعاً تاماً والقضاء الكامل على العصابات المسلحة التي تعبث بالأمن، وستأمر القوات المسلحة السودانية بتعقّب المجرمين وإعادة سيادة القانون والنظام وتأديب المتمردين."
    أوضح البيان دور القوات المسلحة ومسئولية الحكومة تجاهها "وستعمل حكومتي على تقوية القوات المسلحة السودانية بزيادة عددها وتطوير عتادها وتحسين أحوال أفرادها ... وستعيد النظر في تشكيلها وتكوينها حتى تستطيع أداء واجباتها في الداخل والخارج."
    لم يَعِدْ السيد رئيس الوزراء بتطبيق قرارات مؤتمر المائدة المستديرة. بل أوضح أن حكومته ستهتدي (وليس ستلتزم) بوحي قرارات المؤتمر (وليس بالقرارات نفسها). ثم أوضح دون مواراة تفاصيل الحل العسكري الكامل الذي تبنّاه لقضية الجنوب من قضاءٍ على العصابات المسلّحة، وتعقّبٍ للمجرمين، وتأديبٍ للمتمردين، كما أسماهم.


    Quote: وقد ارتكبت حكومة السيد محمد أحمد محجوب مجزرتي جوبا وواو اللتين راح ضحيتيهما أكثر من خمسمائة من أبناء وبنات وأطفال الجنوب. كما حدثت أيضاً مجزرة السلاطين التي وقعت خلال تولي السيد الصادق المهدي للوزارة وراح ضحيتها 15 من سلاطين الجنوب.
    كما تمّ اغتيال القيادي المعتدل السيد ويليام دينق وستةٍ من مرافقيه في 9 مايو عام 1968 في جنوب السودان، بعد يومين من إعلان نتائج الانتخابات التي كان قد فاز فيها. أشارت أصابع الاتهام إلى الجيش السوداني. ويبدو أن ذلك الاتهام كان السبب في تردّد حكومة السيد محمد أحمد محجوب في إجراء تحقيقٍ في ظروف اغتيال السيد ويليام دينق. وقد أكّد التحقيق الذي تم إجراؤه لاحقاً صِحّةَ ذلك الاتهام. نسفتْ الخرطوم بذلك الاغتيال جسراً قوياً وعريضاً كان يربطها بعددٍ كبيرٍ من أبناء وبنات الجنوب.


    Quote:
    19
    سقطت حكومة السيد محمد أحمد محجوب في 26 يوليو عام 1966، إثر صدور صوت عدم الثقة بها في الجمعية التأسيسية، بعد أن وقف مع الاقتراح عددٌ من نواب الحزبين الذين كانوا أنفسهم قد أتوا بالسيد محمد محجوب رئيساً للوزارة قبل عام. وقد خلفه السيد الصادق المهدي في رئاسة الوزارة. وقد صوّت نفس النواب بعد عشرة أشهر (في شهر مايو عام 1967) على إسقاط حكومة السيد الصادق المهدي وعودة السيد محمد أحمد محجوب لرئاسة الوزارة.
    كانت لجنة الاثني عشر قد أكملت تقريرها في 26 يونيو عام 1966، أي قبل أقلِّ من شهرٍ من سقوط حكومة السيد محمد أحمد محجوب. غير أنه بسبب الوضع السياسي غير المستقر فلم ترفع اللجنة تقريرها حتى 26 سبتمبر عام 1966، أي بعد شهرين من وصول السيد الصادق المهدي لرئاسة الوزارة.


    Quote:
    20
    كانت الخلافات بين الشماليين والجنوبيين داخل لجنة الاثني عشر كبيرةً وجوهرية، وتضمّنها التقريرُ بالتفصيل. شملتْ تلك الخلافات مسألة أعمال العنف في جنوب السودان، وعلى من تقع مسئوليتها: الجيش أم المتمردين. وشملت أيضاً مسألتي إعادة الأحوال إلى طبيعتها في الجنوب، وإعادة الأمن وحكم القانون، وأيهما تأتي أولاً.
    وامتدت الخلافات لتشمل أيضاً مسألتين جوهريتين:
    أولاً: إن كان الجنوب سيكون إقليماً واحداً كما طالب الجنوبيون، أم سيظل ثلاث مديريات كما أصرّ الشماليون.
    ثانياً: طريقة اختيار الشخص الذي سيرأس السلطة التنفيذية في الإقليم الجنوبي أو في كلٍ من هذه المديريات - بالانتخاب كما طالب الأعضاء الجنوبيون، أم بالتعيين بواسطة الخرطوم كما أصرّ الأعضاء الشماليون.
    كما شملت الخلافات أيضاً طلب الأعضاء الجنوبيين أن يكون لإقليم الجنوب حق إنشاء حرسٍ محلي لمساعدة قوات الأمن، والتي رفضها الأعضاء الشماليون بشدّة.


    أهم مقتطفات من الحلقة الثالثة:
    Quote: وقد واصل السيد الصادق المهدي سياسات تصعيد الحرب في جنوب السودان التي سنّها السيد محمد أحمد محجوب، وغرق بسرعةٍ فائقةٍ في مشاكل السودان المعقّدة والمتزايدة.
    14
    أضاف السيد الصادق المهدي تعقيداً آخر لأعمال لجنة الاثني عشر في مؤتمر الأحزاب السياسية السودانية الذي عُقِد لمناقشة تقرير لجنة الاثني عشر. افتتح السيد الصادق المهدي المؤتمر بوصفه رئيساً للوزراء في 17 أكتوبر عام 1966، وأعلن أن عقد مؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة تقرير لجنة الاثني عشر لا يغني عن تحويل الأمر للجنة الدستور. وطالما أن لجنة الدستور كانت ستطبخ دستوراً إسلامياً عربياً للسودان، فقد كان واضحاً أن الغرض من هذه المناورة الجديدة هو أن لا تكون مقررات لجنة الاثني عشر ملزمةً للجنة الدستور.


    Quote:
    16
    اختتم مؤتمر الأحزاب السياسية السودانية جلساته في العاشر من أبريل عام 1967، وأكمل تقريره في 2 مايو عام 1967. ولم يحدث تقدّمٌ في أيّة مسألة من مسائل الخلاف. غير أن حكومة السيد الصادق المهدي سقطت في ذلك الشهر، بعد عشرة أشهر في الحكم، وعاد السيد محمد أحمد محجوب رئيساً للوزارة في 15 مايو عام 1967، أي بعد أقل من عام من فقدانه لمنصبه. بقي السيد محمد أحمد محجوب رئيساً للوزراء لمدة عامين، حتى الانقلاب العسكري في 25 مايو عام 1969. كان عدم الاستقرار السياسي هذا سبباً آخر لحالة الارتباك والتخبّط التي سادت التعامل مع تقرير لجنة الاثني عشر، بالإضافة إلى التصعيد العسكري في الجنوب.
    17
    وصل عدم الجدّية السياسية قمّته عندما قام مجلس السيادة في 7 فبراير عام 1968 بحلِّ الجمعية التأسيسية بعد أن اتضح له أن حكومة السيد محمد أحمد محجوب سوف تسقط بسحب الثقة عنها، وتحلُّ مكانها حكومة برئاسة السيد الصادق المهدي. وقد انبنى قرار الحل على استقالة تسعين نائباً، وفقدان الجمعية بذلك للأغلبية المطلوبة لإجازة الدستور.
    قام السيد الصادق المهدي وحليفه الدكتور حسن الترابي برفع قضية دستورية أمام المحكمة العليا. وهي نفس المحكمة التي رفض الرجلان حكمَها في قضية حلِّ الحزب الشيوعي، ووصف السيد الصادق المهدي حكمها بأنه "تقريري." وسخر الدكتور حسن الترابي في كتيبٍ أصدره عن حلِّ الحزب الشيوعي من الحكم ومن المحكمة العليا، وهاجم فيه بشدّة المحكمة التي عاد ليلجأ إليها لتفصل في قرارِ حلِّ الجمعية التأسيسية.
    18
    جرت الانتخابات لجمعيةٍ تأسيسية جديدة في أبريل عام 1968. وخسر بعض قادة الأحزاب مثل السيد الصادق المهدي، والدكتور حسن الترابي الانتخابات، ولكنهما واصلا وجودهما ورئاستهما لحزبيهما ومحاولاتهما الهيمنة على الساحة السياسية، والحديث عن الديمقراطية، وكأن شيئاً لم يكن. وكان حزب الأمة قد انشقَّ إلى حزبين بسبب إصرار السيد الصادق المهدي على فصل الزعامة الدينية عن السياسية.
    كان التسجيل للانتخابات في جنوب السودان ضعيفاً للغاية رغم توجيهات الخرطوم لأفراد الجيش والتجار الشماليين في الجنوب بالمشاركة. فاز عددٌ من الشماليين في الدوائر الجنوبية، وبأصوات هزيلة. وقد فاز السيد عبد الحكم طيفور، مرشح حزب الأمة جناح السيد الصادق المهدي، في دائرة "توريت شمال – لاتوكا" بعشرين صوتاً من أصوات الثلاثين شخصاً الذين تمَّ تسجيلهم في تلك الدائرة، ونال منافسه الأصوات العشرة المتبقّية. تم إعلان فوز السيد عبد الحكم طيفور بـ 67% من الأصوات!
    19
    فاز الحزب الاتحادي الديمقراطي بمائة وواحد مقعداً، وفاز حزب الأمة جناح الصادق بستةٍ وثلاثين مقعداً، بينما فاز حزب الأمة جناح الإمام الهادي بثلاثين مقعداً. أما الأحزاب الجنوبية فقد فاز حزب سانو بخمسة عشر مقعداً وجبهة الجنوب بعشرة مقاعد. لم تسمح الحكومة للحزب الشيوعي بالمشاركة في الانتخابات رغم قرار المحكمة العليا التي قضت ببطلان حلّ الحزب. وقد شارك مرشحوه في الانتخابات تحت عدّة مسميات، وفاز سكرتيره الأستاذ عبد الخالق محجوب في دائرة أم درمان الجنوبية التي كان قد فاز فيها السيد إسماعيل الأزهري في انتخابات عام 1965.
    استمر الحزبان – الأمة والاتحادي الديمقراطي – في ائتلافهما، وشكّلا الحكومة في يونيو 1968 برئاسة السيد محمد أحمد محجوب، وظلّ عدم الاستقرار والتخبّط سيّدي الحياة السياسية في السودان حتى اختطاف العسكر للسلطة في مايو عام 1969، بعد عامٍ من الانتخابات وتشكيل الحكومة الرابعة في فترة الحكم المدني الثانية.
    20
    الشيء الغريب في تكوين الحكومة بعد انتخابات أبريل عام 1968 أن رئاسة الوزارة لم تذهب للحزب الاتحادي الديمقراطي الذي فاز بأكثر من مائة مقعد. بل آلت رئاسة الوزارة بمقتضى اتفاق تقاسم السلطة بين الحزبين إلى حزب الأمة جناح الإمام الذي فاز بثلاثين مقعداً فقط. فرضت ضرورة استمرار السيد إسماعيل الأزهري رئيساً لمجلس السيادة ذلك الوضع لأنه لم يكن ممكناً للحزب الاتحادي الديمقراطي الجمع بين الأختين – رئاسة مجلس السيادة ورئاسة الوزارة. وقد نتج عن تلك المعادلة الغريبة حكومةٌ يرأسها حزب الأمة، بينما يوجّه سياستها بحكم أغلبيته البرلمانية الحزب الاتحادي الديمقراطي، مما زاد الحكومة ضعفاً على ضعف، وارتباكاً على ارتباك.
    21
    لا بُدَّ أن الأحزاب الجنوبية التي فازت بخمسةٍ وعشرين مقعداً في الانتخابات كانت تنظر إلى تشكيلة الحكومة الجديدة بحسرةٍ وغضب. إذ كيف يمكن لحزب الأمة، جناح الأمام الهادي، الذي نال ثلاثين مقعداً فقط أن يحصل على رئاسة الوزارة ونصف عدد الوزارات في الحكومة، بينما لا تستطيع الأحزاب الجنوبية التي تكاد مقاعدها تساوي مقاعد ذلك الحزب الحصولَ حتى على وزارةٍ سيادية واحدة؟ من المؤكد أن هذا الوضع قد نتجت عنه طبقةٌ أخرى من طبقات الغبن الجنوبي التي كانت تزداد تراكماً يوماً بعد يوم على المعاملة الشمالية الظالمة لهم.
    22
    استمرت الأحزاب الشمالية في محاولاتها فرض التوجّه والوجه الإسلامي العربي للسودان، وظلّ كلٌ من القادة السياسيين يؤكد ويكرّر ذلك الوجه والتوجّه. فقد ألقى السيد الصادق المهدي خطاباً أمام الجمعية التأسيسية في أكتوبر عام 1966، عندما كان رئيسا للوزراء، وأكّد أن هويّة السودان هي هويّةٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ، وأن الأمة السودانية لن تستطيع تعريف هويّتها، وتحتفظ بهيبتها وعزِّها، بغير إحياء الإسلام.
    وقد ذهب الدكتور حسن الترابي أبعد من هذا عندما أعلن في استخفافٍ كبير أن جنوب السودان يعيش حالة فراغٍ ثقافية لا بُدَّ من ملئها بالإسلام والعروبة. انضم السيد علي عبد الرحمن نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الذي اندمج فيه حزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الاتحادي عام 1967) إلى ذلك الركب، وأعلن أن السودان بلدٌ عربيٌ إسلاميٌ ومن لا يستطيع أن يتعايش مع هذه الحقيقة فعليه أن يحزم أمتعته ويغادر السودان.
    لا بُدَّ أن وقع هذه الخطابات الإقصائية والاستعلائية كان صاعقاً على أبناء وبنات الجنوب. فقد تزايدت أعداد المغادرين منهم إلى المنفى في دول البحيرات الإستوائية، وأعداد المنضمين منهم إلى الحركات المسلّحة في جنوب السودان. لكن معظم المغادرين كانوا بلا أمتعة.
    23
    تكوّنت لجنة الدستور في فبراير عام 1967 برئاسة السيد مبارك الفاضل شداد. وقد واصلت تلك اللجنة من حيث انتهت اللجنة السابقة في إعدادها للدستور الإسلامي العربي للسودان المتعدّد الديانات والأعراق والثقافات.
    وكما ذكرنا من قبل فقد انسحب السيد بوث ديو العضو الجنوبي الوحيد في لجنة الدستور التي ترأسها القاضي ستانلي بيكر عام 1951 بسبب رفض اللجنة مطلب النظام الفيدرالي للجنوب. وانسحب الأعضاء الجنوبيون بقيادة الأب سترنينو لوهوري أيضاً من لجنة الدستور عام 1958 بسبب رفض النظام الفيدرالي وإجازة اللجنة للدستور الإسلامي.
    واصل الأعضاء الجنوبيون الانسحاب من لجان الدستور وفعلوا نفس الشيء بقيادة السيد أبيل ألير من لجنة الدستور عام 1968. كانت مسودة دستور عام 1968 لا تختلف عن مسودة دستور عام 1958. فقد تضمّنت كلٌ من المسودتين نصوصاً لدستورٍ إسلاميٍ عربيٍ للسودان، وكلاهما أقام نظاماً مركزياً للحكم رافضاً بذلك مطلب النظام الفيدرالي للجنوب.
    24
    كان مؤتمر المائدة المستديرة وقوّة الدفع التي نتجت من ثورة أكتوبر فرصةً تاريخيةً نادرةً وكبيرةً لحلِّ مشكلةِ الجنوب في إطار السودان الموحّد. لكنَّ الساسة الشماليين أهدروا تلك الفرصة الذهبية للحفاظ على وحدة السودان برفضهم مرّةً ثانيةً النظام الفيدرالي، وإصرارهم بغطرسةٍ وعنادٍ على نظامٍ مركزيٍ تحت مظلتي الإسلام والعروبة.
    وقد تدهور عمل مؤتمر المائدة المستديرة إلى لجنة الاثني عشر والتي جاءت توصياتها مخيّبةً لآمال الجنوبيين، وكذلك الشماليين الذين اشعلوا ثورة أكتوبر وقدموا الغالي والنفيس من أجل حلِّ مشكلة جنوب السودان. بل لم يكن هناك اتفاقٌ إن كانت توصيات اللجنة للنقاش والتداول بواسطة مجلس الوزراء كما فهمها وتوقّع الكثيرون، أم أنها مجرد توصياتٍ لمؤتمر الأحزاب السياسية، ثم للجنة الدستور، كما صرّح السيدان حسن الترابي والصادق المهدي. وقد كان ذلك خذلاناً كبيراً لأهمِّ شعارات ومطالب ثورة أكتوبر التي نادت بالحلِّ السلمي والعادل لقضية جنوب السودان.
    25
    قاد عدم الاستقرار والحالة الشبيهة بالفوضى السياسية في السودان، وتصاعد الحرب في الجنوب، وفشل مؤتمر المائدة المستديرة، إلى قفز العسكر بقيادة العقيد جعفر نميري على مقاعد السلطة في 25 مايو عام 1969. كانت مشكلة الجنوب والوعد بحلِّها إحدى أهم الأسباب للانقلاب العسكري، كما أشار البيان الأول للانقلابيين، وكما سنناقش في المقال القادم والأخير في هذه السلسلة من المقالات.


    مقتطفات هامة من الحلقة الرابعة والأخيرة:
    Quote:
    3
    استولى العسكر بقيادة العقيد جعفر نميري على السلطة في 25 مايو عام 1969. كان واضحاً أن مشكلة الجنوب قد احتلت قائمة اهتمامات الحكومة الجديدة. فقد أشار العقيد جعفر نميري في بيانه الأول إلى هذه المشكلة، وإلى الحرب المتواصلة والمتصاعدة في الجنوب وضرورة إيقافها وإحلال السلام من خلال التفاوض.
    وفي يوم 9 يونيو عام 1969، أي بعد أسبوعين من الانقلاب، أصدرتْ الحكومة بياناً عن سياستها في الجنوب أطلقتْ عليه "بيان 9 يونيو." أوضح البيان أن ثورة مايو هي امتدادٌ لثورة أكتوبر في تقدميّة مبادئها، وفي عزمها على حلِّ مشكلة الجنوب سلمياً. وضع البيان مسئولية مشكلة الجنوب على الاستعمار البريطاني الذي عزل الجنوب عن الشمال، وعلى الأحزاب السياسية الرجعية التي لم تتعامل مع المشكلة بجدّية، وعلى السياسيين الجنوبيين الذين تحالفوا معها، وأشار إلى دور الامبريالية العالمية والاستعمار الحديث في تعميق المشكلة.
    4
    اعترف البيان بالخلافات التاريخية والثقافية بين طرفي البلاد، وبحقِّ الجنوبيين في تنمية عاداتهم وتقاليدهم داخل إطار السودان الموحّد. أشار البيان بعد ذلك إلى اجتماعٍ مشترك بين مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء تمّ فيه مناقشة مشكلة الجنوب بتأنّي وعمق، وخلص الاجتماع المشترك إلى ضرورة الاعتراف بحق الجنوب في الحكم الذاتي في إطار السودان الموحّد.
    تضمّن البيان برنامج عملٍ لتطبيق الحكم الذاتي اشتمل على عفوٍ كاملٍ عن كل المشتركين في النزاع منذ عام 1955، ووضعِ خطةِ تنميةٍ اقتصادية واجتماعية وثقافية للجنوب، وتعيين وزير لشئون الجنوب، ومجلس تخطيط لتنمية الجنوب، وتحديد ميزانية خاصة لهذا الغرض، وتدريب أبناء الجنوب للمشاركة في الحكم الذاتي. نادى البيان في ختامه الجنوبيين بإلقاء السلاح والعودة إلى السودان للانضمام إلى عملية السلام.
    5
    كان البيان مليئاً بالشعارات اليسارية الثورية من تحميل الامبريالية العالمية والاستعمار الحديث مسئولية الحرب، ولكنه كان شجاعاً في الاعتراف بالتباينات الثقافية والعرقية والدينية والتاريخية والاقتصادية بين الشمال والجنوب، وضرورة حلِّ المشكلة بالحوار.
    لم يشتمل البيان على عبارات متمردين أو إرهابيين أو خوارج أو خونة، وهي الصفات التي أطلقتها الحكومات السابقة على المحاربين الجنوبيين. وكان مثار الدهشة أن تتحدّث حكومة عسكرية عن حلٍّ سلمي لمشكلة الجنوب، مقارنةً بحكومات العهد المدني الثاني التي قادها السيد محمد أحمد محجوب والسيد الصادق المهدي، والتي اعتمدت الحل العسكري لمشكلة الجنوب.
    تمّ اتباع البيان بخطواتٍ عمليّة تضمّنت إنشاء وزارة لشئون الجنوب، وتعيين السيد جوزيف قرنق وزيراً لها. ولا بُدّ من التذكير أن الحزب الليبرالي كان قد طالب عام 1954 بإنشاء هذه الوزارة ولكنّ حكومات العهد المدني الأول رفضت هذا الطلب.
    6
    بدأت بعد ذلك اتصالاتٌ سرية بين الحكومة والقيادات السياسية للجنوبيين المرتبطة بالأنيانيا والتي أعادت تنظيم نفسها في "حركة تحرير جنوب السودان." أدّت تلك الاتصالات إلى لقاءاتٍ سرية بين الحكومة الجديدة وحركة تحرير جنوب السودان في لندن، ثم في أديس أبابا، وتحوّلت تلك الاجتماعات إلى مفاوضات بين الاثنين في بداية شهر فبراير عام 1972.
    وقد تمّ اختيار أديس أبابا مقرّاً للمفاوضات بمبادرة من الحكومة السودانية، قبلتها حركة تحرير جنوب السودان. قاد وفدَ السودان لهذه المفاوضات السيد أبيل ألير، وشمل الوفدُ الدكتور منصور خالد وزير الخارجية، الدكتور جعفر محمد علي بخيت وزير الحكم المحلي، الفريق الباقر أحمد وزير الداخلية، والسادة عبد الرحمن عبد الله وزير الخدمة العامة والإصلاح الإداري، وكمال أبشر، وميرغني سليمان.
    وقاد وفد حركة تحرير جنوب السودان السيد ازبوني منديري، وشمل السادة الدكتور لورنس وول، مادينق دي قرنق، فريدريك بريان مابوت، أوليفر البينو، انجيلو فوقا مورغان، الأب بول بوت، وجوب أدير دي جوك.
    وقد قامت الحكومة الإثيوبية ومجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس الأفريقي بدور الوسيط في هذه المفاوضات، ولعبوا دوراً إيجابياً أدّى إلى توقيع اتفاقية أديس أبابا في 27 فبراير عام 1972. وقد تمّت إجازة قانون الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي (المُكوّن الأساسي للاتفاقية) في 3 مارس عام 1972، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في ذلك اليوم بعد التصديق عليها بواسطة العقيد جعفر نميري رئيس الجمهورية، والسيد جوزيف لاقو رئيس حركة تحرير جنوب السودان.
    وهكذا بعد قرابة ثلاثة أعوام من صدور بيان 9 يونيو عام 1969 تمّ التوصل لاتفاقٍ بين شمال السودان وجنوبه، وعاد السلام إلى جنوب السودان بعد 17 عامٍ من الحرب والموت والدمار.
    7
    تكوّنت اتفاقية أديس أبابا من ثلاثة أجزاء. كان الجزء الأول هو قانون الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي الذي تمّت إجازته بواسطة الحكومة السودانية في 3 مارس عام 1972 بعد أن تمّ الاتفاق على مضمونه خلال المفاوضات التي انتهت في 27 فبراير. بالإضافة إلى مواده الأربعة وثلاثين، فقد اشتمل القانون أيضاً على ملحقين، اختصّ الأول بالحقوق الأساسية والحريات، والثاني على بنود الإيرادات.
    أما الجزء الثاني من الاتفاقية فقد اشتمل على اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، بينما تكوّن الجزء الثالث من أربع بروتوكولات (أو فصول) خاصة بالتنظيمات المؤقّتة، الأول بشأن التدابير الإدارية المؤقتة، والثاني خاص بقوات الشعب المسلحة في الإقليم الجنوبي، والثالث عن العفو العام والترتيبات القضائية، والرابع والأخير عن إعادة التوطين.
    8
    عرّف قانون الحكم الذاتي "الإقليم الجنوبي" بأنه يتكوّن من مديريات جنوب السودان الثلاثة، أعالي النيل وبحر الغزال والإستوائية، بحدودها القائمة في اليوم الأول من يناير عام 1956، وأيّة مناطق أخرى كانت جغرافياً وثقافياً جزءاً من الكيان الجنوبي على نحو ما قد يتقرّر عن طريق الاستفتاء. ورغم عدم ذكر منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب بالاسم في الاتفاقية، إلا أنه كان مفهوماً للأطراف أن الإشارة في ذلك النص هي لمنطقة أبيي. وقد أكّدت ذلك الفهم بعض القرارات التي تمّ اتخاذها لاحقاً.
    أشار القانون إلى أن الإقليم الجنوبي يتمتّع بحقِّ الحكم الذاتي داخل نطاق السودان الموحّد، وتكون له أجهزة تشريعية وتنفيذية تمارس الاختصاصات والسلطات المضمّنة في القانون. أعلن القانونُ اللغةَ العربية اللغةَ الرسمية للسودان، واللغة الإنجليزية لغة رئيسية لإقليم جنوب السودان وذلك مع عدم المساس باستعمال أيّة لغة أو لغاتٍ أخرى قد تخدم ضرورة عملية، أو تساعد على أداء المهام التنفيذية والإدارية في الإقليم، وأكّد على حقِّ الأقليات في استعمال لغاتها وتطوير ثقافاتها وعاداتها.
    9
    أنشأ القانون مجلس الشعب الإقليمي والذي يتمُّ انتخابه عن طريق الاقتراع السِرّي المباشر، ومنَحَه السلطات الكاملة للتشريع في المسائل المحلية لحفظ النظام العام والأمن الداخلي في الإقليم الجنوبي، ولإدارته بطريقة رشيدة وتنميته في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وعدّد القانون هذه المسائل بصورة تفصيلية.
    أنشأ القانون أيضاً المجلس التنفيذي العالي وأسند إليه السلطات التنفيذية التي يباشرها نيابةً عن رئيس الجمهورية. أوضح القانون أن اختيار رئيس المجلس التنفيذي العالي وعزله يتمُّ بواسطة رئيس الجمهورية بناءً على توصية مجلس الشعب الإقليمي. أشار القانون كذلك إلى حق مجلس الشعب الإقليمي أن يطلب بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه، ولأسباب محدّدة تتعلّق بالمصلحة العامة، من رئيس الجمهورية إعفاء رئيس المجلس التنفيذي العالي، ويتعيّن على الرئيس الموافقة على مثل هذا الطلب.
    أوضحت المادة الأخيرة من القانون أنه لا يجوز تعديل الاتفاقية إلّا بأغلبية ثلاثة أرباع مجلس الشعب القومي، وموافقة ثلثي مواطني إقليم جنوب السودان في استفتاءٍ عام يُجرى في المديريات الجنوبية الثلاثة.
    10
    تضمّن القانون ملحقاً عن الحقوق والحريات الأساسية أوضح فيه أن السودانيين يتمتّعون بنفس الحقوق والواجبات والمساواة أمام القانون بغض النظر عن العرق أو الموطن أو اللغة أو الدين، وأن لكل المواطنين الحقّ في حرية الدين والفكر، ولهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية في العلن، وإنشاء المؤسسات الدينية وفقاً للقانون.
    اشتمل الجزء الثاني من اتفاقية أديس أبابا على اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في الإقليم الجنوبي، وعلى تكوين لجنة مشتركة يؤول إليها تنفيذ كافة الموضوعات المتعلّقة بوقف إطلاق النار بما في ذلك تعويض اللاجئين.
    11
    واشتمل الجزء الثالث من اتفاقية أديس أبابا على مجموعة بروتوكولات (أو فصول) اختصّت بالتنظيمات الانتقالية المؤقّتة. تناول هذا الجزء تكوين القوات المسلحة في الإقليم الجنوبي (القيادة الجنوبية) من 12,000 ضابط وجندي يكون نصفهم من أبناء الإقليم، وأنشأ اللجنة العسكرية المشتركة من ضباطٍ شماليين وجنوبيين لاختيار الضباط والجنود الجنوبيين الذين سيتم استيعابهم في القوات المسلحة. وكان واضحاً أن الإشارة هنا إلى ضباط وجنود حركة تحرير جنوب السودان الذين سوف يتمُّ دمجهم في القوات المسلحة.
    12
    كما تناول الجزء الثالث من الاتفاقية العفو عن كل المشاركين في العمل المسلّح في جنوب السودان منذ 18 أغسطس عام 1955، وهو تاريخ تمرّد حامية مدينة توريت. وشمل العفو الأفعال الجنائية وكذلك القضايا المدنية ذات الصلة بالأفعال التي ارتبطت بالتمرد. اشتمل الفصل أيضاً على إطلاق سراح كافة الأشخاص الذين كانوا يقضّون فترة عقوبة الحبس أو رهن الاحتجاز لارتكابهم جرائم مرتبطة بالتمرد. شمل هذا الجزء أيضاً إجراءات الإغاثة وإعادة توطين اللاجئين العائدين وإعادة تعمير المناطق المتأثّرة بالحرب.
    13
    كانت اتفاقية أديس أبابا متوازنةً لحدٍ كبير. فقد حافظت على وحدة السودان، وأعطت أبناء الجنوب حقَّ حكمِ أنفسهم وتطوير لغاتهم وثقافتهم وعاداتهم واعترفت بدياناتهم. وكانت الاتفاقية شجاعةً فقد اعترفت لأول مرّة بالتباينات العرقية والدينية واللغوية والثقافية بين شعبي السودان، بدلاً من التصريحات والخطب الاستعلائية والاستخفافية التي وصفت إحداها الجنوب بأنه يعاني من فراغٍ ثقافي سيملؤه الإسلام والعروبة، وتلك التي وصفت السودان بأنه دولةٌ إسلاميةٌ عربيةٌ، وطالبت من لا يتفق مع هذا الرأي بحزم امتعته ومغادرة السودان، كما ناقشنا في المقال السابق.
    14
    ادّعتْ بعض قيادات الأحزاب الشمالية أن اتفاقية أديس أبابا لم تُعطِ الجنوب الحكم الفيدرالي الذي كان يطالب به، وظلّتْ تكرّر وتدّعي باستمرار أن الاتفاقية انبنتْ تماماً على توصيات لجنة الاثني عشر المنبثقة عن مؤتمر المائدة المستديرة التي رفضها الجنوبيون. وقد كرّر هذا الادعاء السيد الصادق المهدي في مقاله الذي نقوم بالردِّ عليه في هذه السلسلة من المقالات.
    وقد كان الغرض من ذلك النقد هو الإيحاء بأن الأحزاب الجنوبية كانت متعنّتةً عندما رفضت مقرّرات مؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر، وقبلت نفس النتائج في اتفاقية أديس أبابا. كان الغرض أيضاً الإيحاء بأن الأحزاب الشمالية قد تعاملت مع مشكلة الجنوب بمسئولية وقدّمت نفس التنازلات التي قدّمها نظام العقيد جعفر نميري.
    لكن ادعاء الأحزاب والقيادات الشمالية هذا ليس صحيحاً، وليس أميناً.
    كان يجب أن لا تعني مسألة تسمية النظام السياسي الذي أرسته الاتفاقية – نظام فيدرالي أو حكم ذاتي – شيئاً كبيراً بالنسبة للقيادات السياسية في الشمال أو الجنوب. كان المهم هو مضمون الاتفاقية الذي أعطى الجنوبيين الحق في حكم إقليمهم بدون تدخّلٍ من المركز، أو بتدخّلٍ متوازنٍ في بعض الحالات. كما أعطتهم الاتفاقية الحق في المشاركة في حكم السودان ككل من خلال وزاراتٍ ووظائف أخرى ذات مسئوليات.
    15
    وقد نجحت الاتفاقية في معالجة الأمور الخلافية الثلاثة في توصيات لجنة الاثني عشر بمعقوليةٍ لم يتوفّر حتى الحدُّ الأدنى منها خلال فترة عمل لجنة الاثني عشر، أو خلال الجدل الذي دار بعد ذلك في مؤتمر الأحزاب، وخلال فترة الحكم المدني الثانية.
    جعلت الاتفاقية الجنوب إقليماً واحداً كما طالب الجنوبيون، ولم يتم الإصرار على ثلاثة أقاليم كما فعل الشماليون في لجنة الاثني عشر ومؤتمر الأحزاب بلا أسباب منطقية، وبعنادٍ وإصرارٍ غريبين.
    وحلّت الاتفاقية مسألة طريقة اختيار رئيس المجلس التنفيذي حلّاً وسطاً أعطى سلطة التعيين إلى رئيس الجمهورية بناءً على توصية مجلس الشعب الإقليمي، بدلاً من تعيينه بواسطة الحكومة المركزية كما أصرّ الشماليون في لجنة الاثني عشر.
    واتّبعت الاتفاقية نفس الحل الوسط في مسألة حفظ الأمن في الجنوب. فقد رفض الشماليون في لجنة الاثني عشر فكرة قيام وحدة عسكرية جنوبية للمساعدة في حفظ الأمن في الجنوب. كان البديل الذي قدّمته اتفاقية أديس أبابا هو تكوين وحدة عسكرية مشتركة يتساوى في عددها الشماليون والجنوبيون، وتستوعب العناصر المسلّحة من حركة تحرير جنوب السودان، وتُسمّى القيادة الجنوبية. عليه فيصبح القولُ إن اتفاقية أديس أبابا هي مقررات لجنة الاثني عشر مغالطةً بلا معنى.
    16
    غير أن أهم ما ميّز اتفاقية أديس أبابا هو أنها نتجت عن تفاوضٍ مع حملة السلاح، على عكس مفاوضات المائدة المستديرة التي تجاهلت تلك الحركات. بل ذهبت حكومة السيد محمد أحمد محجوب أبعد من هذا عندما أعطت إنذاراً للحركات الجنوبية المسلّحة بإلقاء سلاحها بلا مقابل. وقد حدث ما هو متوقّع، وتجاهلت الحركات ذلك الإنذار، وتصاعدت الحرب.
    وبالنظرة المتكاملة إلى هذه الحلول الوسط للمسائل الخلافية لا بُدَّ للمرء أن يتساءل: لماذا لم يقدّم مفاوضو الأحزاب الشمالية في لجنة الاثني عشر المنبثقة عن مؤتمر المائدة المستديرة أيّة مقترحاتٍ كان يمكن أن توصل الطرفين إلى حلٍّ وسط في الأمور الخلافية الثلاثة؟
    تشير بعض المصادر إلى أن الدكتور حسن الترابي أوضح أنه يفضّل انفصال جنوب السودان على جعل المديريات الجنوبية الثلاثة إقليماً واحداً. الذي حدث هو العكس تماماً. فقد مهّد الرفض لفكرة الإقليم الواحد للجنوب بواسطة الأحزاب الشمالية، ثم تقسيم الجنوب بواسطة الرئيس نميري إلى ثلاثة أقاليم (كما حدث لاحقاً)، إلى اندلاع الحرب الأهلية الثانية، وإلى نتيجة الانفصال نفسها.
    17
    يتضح مما تقدّم في هذا المقال والمقالات الثلاثة السابقة ما يلي:
    أولاً: إن فكرة مؤتمر المائدة المستديرة هي فكرةٌ جنوبيةٌ بحتة، تضمّنتها رسالة السيد ويليام دينق رئيس حزب سانو إلى السيد سر الختم الخليفة رئيس وزراء حكومة أكتوبر 1964، ولا علاقة للأحزاب الشمالية وقياداتها بالفكرة إطلاقاً.
    ثانياً: رفضت الأحزاب الشمالية في مؤتمر المائدة المستديرة رفضاً قاطعاً مطلب النظام الفيدرالي الذي اقترحته رسالة السيد ويليام دينق وتضمّنته كلمته خلال المؤتمر. وكان ذلك الرفض تأكيداً لنقض وعد الشمال بالفيدرالية للجنوب عام 1955.
    ثالثاً: كان كل ما نتج عن المؤتمر هو تخويل بعض سلطات الحكومة المركزية إلى كلٍ من مديريات الجنوب الثلاثة. وهو نظامٌ لا يختلف عن الحكم المحلي المطبّق وقتها في مديريات الشمال الستة.
    رابعاً: رغم ادعاء الأحزاب الشمالية أنها قوميّة التكوين، إلا أن ممثليها لمؤتمر المائدة المستديرة كانوا كلهم شماليين، ولم تشمل تلك الوفود جنوبياً واحداً (عدا الأستاذ جوزيف قرنق الذي حضر بعض الجلسات كعضوٍ في وفد الحزب الشيوعي، لكنه لم يترأس وفد الحزب.) وقد كانت سكرتارية المؤتمر كلها من الشماليين أيضاً.
    خامساً: تدهور مؤتمر المائدة المستديرة إلى لجنة الاثني عشر والتي قاطع أعمالها الحزب الشيوعي وحزب الشعب الديمقراطي بلا أسباب منطقية. وكان جنوبيو الخارج قد غادروا المؤتمرَ والسودانَ بذاك الوقت.
    سادساً: فشلت لجنة الاثني عشر في الوصول إلى اتفاقٍ حول قضايا رئيسية شملت إن كان الجنوبُ سيكون إقليماً واحداً كما طالب الجنوبيون، أم سيبقى ثلاث مديريات كما أصرَّ الشماليون. وشملت أيضاً طريقة تعيين رئيس الجهاز التنفيذي – بالانتخاب كما طالب الجنوبيون، أم بتعيين الخرطوم كما أصرَّ الشماليون. كما شملت رفض الشماليين لمطلب الجنوبين إنشاء وحدة حرس محلية للمساعدة في حفظ الأمن.
    سابعاً: لم يكن هناك اتفاقٌ بين الأحزاب الشمالية إن كانت توصيات لجنة الاثني عشر المحدودة للنقاش والتداول بواسطة مجلس الوزراء كما فهمها وتوقّع الكثيرون، أم أنها مجرد توصياتٍ لمؤتمر الأحزاب السياسية وللجنة الدستور كما أعلن السيدان الصادق المهدي وحسن الترابي.
    ثامناً: لم تفشل حكومات العهد المدني الثاني بقيادة السيد محمد أحمد محجوب والسيد الصادق المهدي في حلِّ مشكلة الجنوب فقط، بل صعّدتْ الحربَ وارتكبتْ مجازر جوبا وواو والسلاطين. كما تمَّ اغتيال السيد ويليام دينق ومرافقيه في شهر مايو عام 1968 في جنوب السودان.
    تاسعاً: قام حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي بتعديل الدستور لتصبح رئاسة مجلس السيادة الدورية دائمةً (وتؤول للسيد إسماعيل الأزهري)، بدلاً من الرئاسة الشهرية. أنهى ذلك التعديل حقَّ العضوِ الجنوبي بمجلس السيادة في رئاسة المجلس الدورية - شهرين كل عام. تمَّ ذلك التجريد في الوقت الذي كان الجنوبيون يطالبون بمزيدٍ من الصلاحيات الدستورية والسياسية.
    عاشراً: انسحب الجنوبيون بقيادة السيد أبيل ألير من لجنة الدستور عام 1967 بعد أن اتضح لهم أن اللجنة ستواصل طبخ الدستور الإسلامي العربي بحكمٍ مركزيٍ للسودان.
    حادي عاشر: كان فشل مؤتمر المائدة المستديرة وتصاعد الحرب في الجنوب من الأسباب الرئيسية لانقلاب 25 مايو.
    ثاني عشر: نجح نظام مايو الانقلابي في حلِّ الخلافات الثلاثة في تقرير لجنة الاثني عشر بصورةٍ متوازنة. جعلت اتفاقيةُ أديس أبابا الجنوبَ إقليماً واحداً كما طالب الجنوبيون، ولم يتم الإصرار على ثلاثة أقاليم كما فعل الشماليون في لجنة الاثني عشر. وحلّت الاتفاقيةُ مسألة طريقة اختيار رئيس المجلس التنفيذي حلّاً وسطاً أعطى سلطة التعيين إلى رئيس الجمهورية بناءً على توصية مجلس الشعب الإقليمي، بدلاً من تعيينه بواسطة الحكومة المركزية كما أصرّ الشماليون في لجنة الاثني عشر. واتّبعت الاتفاقية نفس الحل الوسط في مسألة حفظ الأمن في الجنوب بتكوين وحدة عسكرية مشتركة يتساوى في عددها الشماليون والجنوبيون، وتستوعب العناصر المسلّحة من حركة تحرير جنوب السودان، وتُسمّى القيادة الجنوبية.
    18
    عليه فإن ادعاء السيد الصادق المهدي أن مؤتمر المائدة المستديرة أثمر مشروعاً لحلِّ مشكلةِ الجنوب في أطار التنوّع وإقامة الحكم الذاتي، وأن هذا البرنامج طبّقه نظام 25 مايو 1969 الانقلابي، هو قولٌ غيرُ صحيحٍ البتّة، ووجبَ تصحيحه بكل هذه التفاصيل الدقيقة.
    19
    بعد أشهر قليلة من المصالحة الوطنية بين العقيد جعفر نميري وأحزاب الجبهة الوطنية المعارضة (الأمة والاتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي) عام 1977 قرّر العقيد نميري ألّا يكون استثناءً لمن سبقه من السياسيين الشماليين – مدنيين كانوا أم عسكريين – فيما يختصُّ بقضية جنوب السودان. قام العقيد نميري بنقض عهوده للجنوب، وأهدر في غطرسةٍ واستعلاء إنجازه الذي كان سيميّزه إلى الأبد عن بقية السياسيين الشماليين.
    بدأ العقيد نميري في تمزيق اتفاقية أديس أبابا بنداً بعد الآخر، وأعن الشريعة الإسلامية قانوناً للبلاد. وقد عبّد ذلك الخرق الكبير للاتفاقية الطريقَ لقيام الحركة الشعبية واشتعال الحرب الأهلية الثانية التي قادت إلى مشاكوس، ثم نيفاشا، ثم الاستفتاء وانفصال الجنوب.
    وهكذا دخل العقيد نميري التاريخ من أوسعِ أبوابه بأن أصبح السياسي السوداني الذي أنهى الحرب الأهلية الأولى، ولكن بعد عشرة أعوامٍ أشعل الحرب الأهلية الثانية في السودان.









                  

العنوان الكاتب Date
تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحوم منصور خالد. Abureesh04-26-20, 01:19 AM
  Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� خضر الطيب04-26-20, 02:00 AM
    Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� عبدالله عثمان04-26-20, 07:30 AM
      Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-26-20, 08:29 AM
        Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-26-20, 08:37 AM
          Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-26-20, 08:44 AM
        Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-26-20, 08:47 AM
          Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-26-20, 08:56 AM
            Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� عمر نملة04-26-20, 09:53 AM
              Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-26-20, 10:16 AM
            Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-26-20, 10:56 AM
              Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Osman Musa04-26-20, 11:18 AM
                Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-26-20, 04:05 PM
                  Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-26-20, 05:01 PM
                    Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-27-20, 11:07 PM
                      Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� نادر الفضلى04-27-20, 11:42 PM
                        Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-28-20, 00:01 AM
                          Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-28-20, 00:10 AM
                            Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� نادر الفضلى04-28-20, 01:19 AM
                          Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-28-20, 01:00 AM
                            Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-28-20, 02:39 AM
                              Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-28-20, 02:42 AM
                                Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� نادر الفضلى04-28-20, 09:32 AM
                                  Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Al Sunda04-28-20, 11:30 AM
                              Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-28-20, 11:27 AM
                                Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-28-20, 01:44 PM
                                  Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� نادر الفضلى04-28-20, 04:23 PM
                                    Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-28-20, 07:09 PM
                                      Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Al Sunda04-28-20, 08:38 PM
                                        Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-28-20, 08:56 PM
                                          Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-29-20, 00:19 AM
                                            Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-29-20, 01:05 AM
                                              Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-29-20, 08:23 AM
                                                Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-29-20, 10:31 AM
                                                  Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-29-20, 01:23 PM
                                                    Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� عبدالله الشقليني04-29-20, 01:51 PM
                                                      Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-29-20, 10:37 PM
                                                        Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-30-20, 00:00 AM
                                                          Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-30-20, 00:51 AM
                                                            Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-30-20, 02:56 AM
                                                              Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Abureesh04-30-20, 04:35 AM
                                                                Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-30-20, 04:46 AM
                                                                  Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Yasir Elsharif04-30-20, 10:39 AM
                                                                    Re: تعليق على بيان السيد الصادق فى نعى المرحو� Mohamed Doudi04-30-20, 08:56 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de