|
Re: هرمونات هرمونات الأنوثة المجنونة: (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
رضت الطفرة المتحورة لفايروس كورونا المستجد عزلة مجتمعية شديدة الحدة، حتى بين الأهل والأصدقاء، فهذا الوافد السخيف المسمى “كوفيد – 19” سريع الحركة، طافر بحدة لا يمكن معها توقع فعله للحظات.
وحده يقرر متى يلتصق بأحد ضحاياه، فمن الأسلم لنا جميعا اِلتزام المنازل والخروج للضرورات القصوى فقط، حتى العلاقات الاجتماعية والمناسبات الملحة باتت من الماضي، ننظر لها بعين الحزن تارة، وعين الحنين تارة أخرى، والحقيقة الواحدة الثابتة أن التباعد بات ضرورة لا مفر منها.
التزمت بيتي، أخرج للضرورات، العمل، والتسوق السريع، أعتذر عن الدعوات والزيارات، فلا أزور ولا أستقبل أحدا.
تلقيت مكالمة هاتفية غاضبة من صديقة يبعد بيتها عن بيتي عدة أمتار، تصرخ بقوة زلزال 9 ريختر، تشتكي زوجها، لا يقدّر ما تقوم به رغم الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، ويضج منها العباد، اِخترق صوت صراخها طبلة أذني الداخلية ووصل تقريبا إلى أبعد من هذا بكثير.
هادرة كموج البحر تتدافع كلماتها، أعرف صديقتي وقت غضبها، لكنها للأمانة لا تخطئ، تحافظ على لسانها من الزلات، لكنها غاضبة وهذه حقيقة لا مفر منها، تطالبني بالحضور لبيتها حالاً، يا لمصيبتي! لم أستطع الفكاك من بين طرفي المقص، هي صديقتي وزوجها في منزلة أخي، وبيتها مهدد بالانهيار، تمتمت بيني وبين نفسي: يبدو أني لا أعيش في عزل، منذ أربعة أيام كاملة أعتكف في بيتي هربا من هذا الكورونا المتربص في الطرقات، حتى مع وجود كمامات الوجه، فاللعين يعرف ماذا يفعل!
هرولت لبيتها مسرعة، متسلحة بكافة وسائل التخفي، أصابتني قشعريرة شديدة بعد أن مددت يدي لجرس الباب بلا قفازات، فعلى الرغم من كل هذه الاحتياطات نسيت قفازي.
يا لهول الصاعقة، أنا التي تخشى أكياس السوبر ماركت، وأزرار المصعد، وحوائط البنايات، تمتمت: لطفك يا لطيف.
ما إن فتحت صديقتي لي الباب حتى ارتمت في حضني وانفجرت بالبكاء، اِلتصقت بي بما ينذر بكارثة، توقف عقلي عن التفكير، ويداي معلقتان في الهواء، هل أدفعها بعيداً إرضاءً لاشتراطات منظمة الصحة العالمية بتحري المسافة الآمنة بين الناس وعدم التواصل الجسدي بتلك الصورة المرعبة، وطلبا للرضا من هذا الكورونا الغادر، الذي أخاف أن يتربص بي لأني لم أحترمه بتلك الجريمة الشنعاء، أم أحتضنها في لحظة ضعفها وأجبر روحها الجريحة؟
طوقتها بذراعي مراعاة لمشاعرها وترميما لقلب طيب أعرف أنه لم يحمل ضغينة لأحد يوما ما، وقلت في نفسي، للحجر ربّ يحميه، فلعل طيور الأبابيل تعمي عينه عني.
كانت الصديقة الأربعينية الرقيقة في قمة ثورتها من زوجها شحيح المشاعر كما تصفه، متبلد الأحاسيس، بخيل العاطفة، فهو لا يقدّر تحملها لمسؤولية البيت ومراعاة الأبناء والاعتناء بالجميع وحدها، فخشية تفشي الأمراض حرمتها لذة الراحة يوم إجازتها الأسبوعية، و”الأنتخة” على أريكة غرفة المعيشة بينما الشغالة تنهي أعمال المنزل والأبناء في تدريب النادي، والغريب أنه على علم بكل مسؤولياتها ولا يبالي.
كانت تبكي بحرقة وتتحدث في أمور غاية في الأهمية وأنا منصتة للغاية، وزوجها مشدوه بما تقول، وفجأة ودون مقدمة منطقية تعد توطئة معقولة لفعلتها، صرخت: رائحة الكيك يبدو أنها احترقت!
أدركت وقتها أن لا أساس لمشكلة تذكر، هي فقط هرمونات العزل تنغص عليها مزاجها الرائق، وتحرمها ساعات الهدوء والسلام النفسي التي تخرج أجمل ما فيها من مشاعر.
وهرمونات أنثوية تتشاجر دائما فيما بينها، ألمحت إلى أنه ربما هرموناتها هي المخطئة، فلا ذنب لك حبيبتي، هي الهرمونات اللعينة المتأرجحة بين السكينة والضجر، وكأنما تتقافز على مقلاة ساخنة.
راقها هذا التحليل لبضع دقائق وابتسمت، فظننت أنني نجوت، وعليّ العودة إلى بيتي لتقديم فروض الولاء والطاعة للسيد “كوفيد” بالاغتسال والتعقيم والتطهر من إثم المصافحة والعناق، لعل حجري يقبل، وأتطهر من ذنوب اختراق الحجر.
لكنها صاحت مرة أخرى وأنا أمسك بمقبض الباب، فتملكتني ذات القشعريرة التي رافقتني منذ لمس جرس الباب، تخيلت أنها تحذرني من فايروس معلق على المقبض، قد يكون أحدهم نسيه منذ ساعات وظل يكافح للفتك بضحية ووجدني أمامه.
لكنها كانت تشكو عدم اهتمام زوجها بالثناء على مظهرها الخارجي وقوامها الممشوق رغم الحجر وكثرة المأكولات فهي تحافظ على شرب لترين كاملين من الماء يومياً وهو لا يقدر هذا، ولم يعلق على قوالب الحلوى التي تعدها، نظر إليها المسكين وعيناه تكاد تدمع وقال: أنت بالفعل خسيت كثيراً يا حبيبتي!
ضحكت وكأنها طفلة لم تغضب من قبل، هممت بالخروج فقالت لي: لم تتذوق الكيك يا حبيبتي، كان محترقا، ومضغوطا، لكنني تناولته مجبرة ومشفقة على زوجها!
تباً للكيك والحجر وهرمونات الأنوثة المجنونة التي تخرج من النساء عشرات الشخصيات في ساعة واحدة، وتباً للحجر مرة أخرى وهرموناته المتقلبة.
| |
|
|
|
|