|
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� (Re: النصرى أمين)
|
حسن موسى: الفنَّانُ الذي سكت عنَّا سَرداً واستنطقنا شِعرا شتَّانَ ما بين مفهومَي الأُسلوب والأُسلوبيَّة السَّائدين في الأوساط النَّقديَّة؛ الأوَلُ فرديُّ يختصُّ بذائقةِ الكاتب وخياراتِه الفنِّيَّةِ الشَّخصيَّة، والآخرُ يندرجُ في الخطابِ العام لمدرسةٍ أدبيَّة بعينِها أو الوضعِ العام للغةٍ ما في فترةٍ تاريخيَّةٍ محدَّدة. فيما يختصُّ بالمفهومِ الأوَّل، سنَدَعُ ما لِحَسَنٍ لِحَسَن، مع تمنِّياتنا له بمزيدٍ من النّجاح في تطوير ذلك المنحى الإبداعيِّ المتفرِّد، بشهادةِ أقرانِه ومُحِبِّيه من كافَّةِ القرَّاء الذين يجِدون متعةً حقيقيَّة في هذا الضَّرب المتميِّز من الكتابة الخاصَّة. أمَّا بالنِّسبة للمفهوم الثَّاني، فسنتخيَّرُ أفضلَ ما جادت به قريحتُه النَّقديَّة، وسنلتقطُ المعاني التي بثَّها في الطَّريقِ العام، توطئةً لتحليلِها والانتفاعِ بأفضلِ دَلالاتِها التي تُساعِدُ على تطويرِ النّهجِ الذي سلكناه منذ ما يُقاربُ السِّتِ سنواتٍ في هذا الرُّكن (أو الخيط، مثلما يحلو لصديقي القصَّاص تسميته). وأهمُّ ما جاد به حَسَنٌ في تموُّجاته المتلاحقة، التي تُمسِكُ فيها الكلمةُ بتلابيبِ أخرى حتَّى تنسَرِبُ بغتةً من الأسلوبِ إلى الأسلوبيَّة، هو طرحُه لموضوع الشِّعر وعلاقتِه المُلتبِسة بإنتاجِ المعرفة؛ وكُنَّا قد خصَّصنا الرِّسالة إلى السَّردِ وحصرناها على أفضلِ القصَّاصينَ الذين جمعتنا بهم صِلةٌ في المدارسِ والجامعات أو الحقلِ الثَّقافيِّ العام، ولم نغفلِ الإشارةَ إلى بعضِ التَّشكيليين والسِّينمائيين؛ وكنَّا قد عقدنا العزمَ على تغطيةِ النَّقصِ في المشاركاتِ اللَّاحقةِ للرِّسالة، والتي لم تتوقف حتَّى كتابةِ هذه السُّطور. ولكنَّ مشاغلَ طرأت على مَنْ عهدنا إليهم بابتدارِ النِّقاشِ بشأنِ كلِّ جانبٍ من جوانب الإبداع: من رسمٍ، ونحتٍ، وتصوير؛ ومسرحٍ، وتلفزيونَ، وسينما؛ ونقدٍ، وروايةٍ، وشعر (وخصوصاً الشِّعر، لأنَّ الشُّعراءَ قد ظلُّوا يُحيطونَ بنا إحاطةَ السُّوارِ بالمِعصم)؛ فلم ننجح بسببِ تلك المشاغل في مسعانا الذي لم يُفارقِ البالَ لحظةً واحدة، ولكن لم يفُتِ الأوانُ بعدُ، فها هو ذا حَسَنٌ يفتتحُ ما نراه بالفعلِ حَسَناً، وهو تناولُ موضوعِ الشِّعرِ، وعلاقتِه المُبهَمةِ بإنتاجِ المعرفة، بصفتِه لغةً ذاتَ خصائصَ مميَّزةٍ قد تتداخلُ مع لغةِ الفرعِ المعرفي، فتُؤثِّرُ سلباً أو إيجاباً على المُحَصِّلةِ النِّهائيَّة للإنتاجِ المعرفي. وقد يقودُ هذا الافتتاحُ الحَسَنُ أيضاً إلى الكلامِ على الشِّعرية (بويطيقيا)؛ وهي بخلاف تفسير الشِّعر، تقومُ على تبيينِ تأثيرِ استخدامِ التَّعبيرِ الشِّعريِّ على التَّلقِّي وإنتاجِ الدَّلالةِ الخاصَّة، مثل استخدامِنا للعبارةِ الشِّعريَّةِ المكثَّفة في نهايةِ المقال لإحداثِ أثرٍ يُشيرُ إلى الانتقالِ من إيقاعِ الزَّمنِ النِّيوتونيِّ الرَّتيب، بساعاتِه ودقائقه وثوانيه التي تنتظمُ في سياقٍ خطِّيٍّ لا يتغيَّر، إلى استعادتِه في ذائقةِ المُتلقِّي بأيَّامٍ تطولُ وتفصُرُ، نهاراً وليلا؛ وليالٍ تطولُ شتاءً وتقصُرُ صيفاً؛ وبشمسٍ تحترُّ بتعامدٍ إستوائيٍّ، وأخرى تتلطَّفُ على الخلقِ باعتدالينِ ربيعيٍّ وآخرَ خريفي. وأيضاً، مثل استخدامِ حَسَنٍ لاستيلاد الدَّلالة بتقليبِ الدَّوال، لتعزيزِ الأثر التَّهكُّمي لدى المُتلقِّي؛ وعلى سبيل المثال، "الجمل الزَّميل" (عِوضاً عن الزَّمنِ الجميل)، ورجل "الشَّاعر" (عِوضاً عن رجلِ "الشَّارع")، هذا إضافةً إلى اقتباساتِه من شعراءَ يمتدُّونَ من أبي العلاء المعرِّي إلى محمَّد المكِّي إبراهيم؛ هذا بالطَّبع غير اقتباسِه الطَّويل باللَّونِ الأحمر الذي ظنَّه شِعراً، فنصَّبني بناءً عليهِ شاعراً، لا ليسهُل عليه دحضٌ لحججٍ، وإنَّما تعزيزٌ لأثرٍ تهكُّمي (كان قد برع فيه ونشره بيننا فطاحِلةٌ أفذاذ، مثل عبد العزيز العميري، وخطَّاب حسن أحمد، ومهلَّب علي مالك، وتماضر شيخ الدِّين، وعموم آل همرور). بخصوصِ التَّأثيرِ البويطيقيِ، قسَّمَ الفيلسوفُ البريطاني، جي إل أوستن، الأفعالَ اللُّغوية (إسبيتش آكتس) وفقاً لثلاثِ خصائص: لفظيَّة (لوكيوشنري)، وإنجازيَّة (إلوكيوشنري)، وتأثيريَّة (بيرلوكيوشنري)؛ وقد اعتبر الفيلسوفُ الأمريكيُّ، جون سيرل، أنَّ الخصيصة الإنجازيَّة هي أهمُّ الخصائص الأدائيَّة، ودمج معها الخصيصة الدَّالَّة باللَّفظ. إلَّا أنَّ الخصيصة التأثيريَّة هي التي تهمُّنا في هذا المقام، إذ إنَّها مرتبطةٌ بحماية المستهلك؛ وكان صديقي مسعود محمَّد علي يُطالبُ في عِقرِ دارِ اِتِّحاد الكُتَّابِ السُّودانيين بإقامةِ اتِّحادٍ للقرَّآء (وليته أشرف على إنشائه من دونِ حاجةٍ إلى عونٍ من لجنةِ الاتِّحاد)؛ ولو كان صديقي عبد السَّلام حسن عبد السَّلام حيَّاً يُرزق، لأقنعته بما له من صلةٍ حميمةٍ بالأدب، وخبرةٍ قانونيَّةٍ واسعة، وعلاقةٍ وُثقى بحقوقِ الإنسان، بأن نسعى سويَّاً إلى صيانةِ حقوق المُتلقِّي وتضمينِها في "ميثاق جنيف"، باعتبارِها جزءاً لا يتجزأ من حقوقِ الإنسان؛ وكان سيرى، مثل اسمه الأوسطِ، ذلك حَسَناً؛ فالنقدُ التَّطبيليُّ مُؤذٍ بطبعه لرجاحةِ العقلِ واتِّزانِ الجسد؛ أمَّا النَّقدُ الجارج، فإنَّه محضُ استهدافٍ آثمٍ للنَّفسِ والمعنوياتِ التي لا غِنًى للكاتبِ عنها. من حُسنِ الصُّدَفِ أنَّ هناك مقالاً منشوراً بصحيفة "الحياة"، العدد 15694، بتاريخ الجمعة 24 آذار 2006، تحت عنوان "مسار مخالف لـ "مدارات" أدونيس"، سَعَينا في مُفتَتَحِه إلى تمييزِ مفهومَينِ للشِّعر: أحدهما ينظرُ للشِّعر "بصفته صَنعَةً لُغويَّة مُنتِجَةً للصُّور الفنِّيَّة، ومُتَّخذةً إيَّاها وسيلةً ذهنيَّة موازية لإنتاج المعرفة، وبين الشِّعر بصفتِه إبداعاً تِلقائياً للقصائدِ التي تأتي وفقَ نَسَقٍ معيِّن، أكان ذلك وفقاً لأبحُرِ الخليل المعروفة، أم كان بغيرِها ممَّا تحقَّقَ بالفعل أو ما يُمكِنُ أن يتحقَّقَ بالقوَّة. وقلنا أيضاً "إنَّ الشِّعرَ بصفتِه الأولى هذه: شيطانٌ مريد، مناقضٌ للحقِّ ولا مناصَ من محاربته وإخراجه عنوةً من حرم المعرفة، إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. والشِّعرُ بصفته الثَّانية: غريزةٌ لُغويَّة فطريَّة لا يُمكِنُ دفعُها، لأنَّها في أساسِ اللُّغةِ الطَّبيعيَّة التي تتوسَّطُ بين الفكرِ والعالَم. كما قلنا إنَّه "إذا كان الشِّعر، بصفتِه صَنعَةً لُغويَّة، واحداً من المداخل التي اعتمدها الفكرُ النَّقديُّ الحديث ــ بدءا ًمن هايدغر وانتهاءً بجاك دريدا ــ لتليينِ بنيةِ الفكرِ الأوروبي وإعادةِ تركيبِها أو تفكيكِها، فإنَّ ذلك المدخل كان مناسباً له تماماً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار تمسـُّكَه بالوظيفةِ المرجعيَّةِ للُّغة، وتضييقِه على الشِّعر، وطردِه إيَّاه من ساحةِ الفكر. أمَّا اعتمادُ هذا المدخل نفسه داخل الثَّقافة العربيَّة، فلم يكن ذلك سوى دفعٍ للأبوابِ المفتوحةِ أصلاً، فالشِّعرُ لم يكن مُحَارَباً أو مطروداً، بل كان هو سيِّدُ الموقف في معظم فتراتِ التِّاريخِ العربيِّ المعروف".
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّاعة: تأمُّلاتٌ في زمنٍ مُستعاد(محمد خلف) | النصرى أمين | 04-12-20, 02:20 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | نعمات عماد | 04-12-20, 07:40 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-12-20, 02:49 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-12-20, 04:26 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | نعمات عماد | 04-13-20, 01:29 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | محمد على طه الملك | 04-13-20, 03:08 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-14-20, 04:05 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | نعمات عماد | 04-15-20, 05:06 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-18-20, 03:55 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-18-20, 03:55 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-20-20, 03:19 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-28-20, 12:43 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-28-20, 12:44 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | بدر الدين الأمير | 04-28-20, 12:59 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-30-20, 00:42 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-01-20, 04:34 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-06-20, 09:24 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-06-20, 09:26 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-06-20, 09:27 PM |
|
|
|