|
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� (Re: النصرى أمين)
|
باختصارٍ شديد، يُمكِنُ أن يُقالَ بأنَّ الزَّمن الذي يُحدَّدُ بموجبه المدَّة التي يستغرقها قطعُ المسافةِ بسرعةٍ بعينها لإكمالِ الإسراء قد تمَّ استعادتُه بالرُّجوع إلى الزَّمنِ المعتاد لتنفيذ الهجرة النَّبويَّة، وأنَّ زمن المِعراج قد تمَّ استعادتُه باتِّباع ما جاء في خطبة حَجَّة الوداع. كيف كان ذلك، إذاً؟ أوَّلاً: أُسرِيَ بالرَّسولِ الكريم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أي أنَّ اتِّجاه الرِّحلة التي تمَّت بسرعةِ البرق كان من الجنوب إلى الشَّمال؛ أمَّا اتِّجاه الهجرة، فقد كان أيضاً من الجنوب إلى الشمال (أي من مكَّةَ إلى المدينة)، بصحبةِ مَن لَعِبَ دوراً حاسماً في إقناعِ أهلِ مكَّةَ بصِحَّة دعواه؛ وقد تمَّتِ الهجرةُ بسرعةٍ اعتيادية، بل احتاج فيها الاثنانِ أن يمكُثا قليلاً في غار ثور (الذي يبلغ ارتفاعه 760 متراً عن سطح البحر) ريثما تفترُ همَّةُ مَن جدَّ في أثرهِما. ثانياً: عُرِّجَ بالرَّسولِ الكريم إلى سدرةِ المنتهى، أي أنَّ اتِّجاه الرِّحلة التي تمَّت بسرعةِ البُراق كان من أسفل إلى أعلى (أي من الأرض إلى السَّماء)؛ وقد احتاج النَّبي بعد اكتمال تبليغه رسالة الدِّين التي جاءته من السَّماء أن يُؤكِّدَ بشكلٍ مُركَّزٍ في خطبته الختاميَّة لسكَّانِ الأرضِ قاطبةً، عبر مخاطبته لأهلِ مكَّةَ خاصَّةً، أهمَّ ما نزل إليه في نَيفٍ وعشرين عاماً. ويهمُّنا في هذا المقال ما وجَّهه النَّبيُّ إلى أهلِ مكَّةَ بصددِ النَّسيء، بعد أن رأى من أعيانها تلاعباً بتقديمِ أواخر الشُّهور الحُرُم أو تأخيرِ أوائلها، وذلك بحسب مقتضى الفائدة التي يجنونها في الأسواق من جرَّاء التَّقديم أو التَّأخير (ممَّا يُذَكِّرُ بتلاعب المتأسلمين الجُدُد بسعر الدُّولارِ صعوداً أو هبوطاً، بحسب مقتضى الفائدة التي يجنونها في الأسواق جرَّاء هذا التَّقلُّب المتعمَّد). فقرأ عليهم النَّبي آية النَّسيء التي تقول: "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"؛ (سورة التوبة، الآية رقم "٣٧"). ثمَّ أعقبه بتأكيدٍ جازمٍ بقوله: "إنَّ الزَّمانَ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأرض"، ثمَّ حدَّد لهم شهور السَّنة، وبينها أربعةُ أشهرٍ حرم، هي ذو القعدة، وذو الحجَّة، ومحرَّم؛ ورجب الذي بين جُمادى وشعبان. هذا وقد جاء تأكيد أهميَّة الالتزام بالتَّوقيت القائم على السُّرعة المعتادة لحركةِ الأجرام في سورة الإسراءِ نفسِها: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً"؛ (سورة الإسراء، الآية رقم "١٢"). في الختام، نوضِّحُ بالقول إنَّ ما استلزم استعادة الزَّمان في السَّابق واستوجب استدارته كهيئته الأولى، هي أنَّ زمانَ الإسراء الذي يمضي بسرعة البرق لا يُمكِنُ الإيفاءُ به في وقتِ الحقيقةِ بإيقاعها المُعتاد، وأنَّ زمانَ المِعراج الذي يمضي بسرعةِ البراق لا يُمكِنُ تكرار حدوثه على وجهٍ منتظم في الواقع المُعاش، إذ لا تتهيأُ مواقيته إلَّا بتدخُّلٍ غير مُطَّردٍ يتمُّ بمشيئة الحقِّ وإرادته الغالبة. إلَّا أنَّ ما استلزم استعادة الزَّمان في عصرنا الحالي واستوجب إرجاعه إلى هيئته الأولى المُتعارَف عليها، هو إبطاءٌ غير متوقَّعٍ بسبب الكتلة، وآخرُ مدهشٌ بسبب السُّرعة؛ غير أنَّ ما يُدخِلُ في النَّفسِ عجباً وحَيرَة، هو انقسامُه وتفتُّتُه إلى جزيئياتٍ متناهية الصِّغر بسبب الأثر الكمومي (نسبةً إلى ميكانيكا الكم)، بحيث يستحيلُ الزَّمان، كما الجبالِ في سورة النَّمل (الآية رقم "88") إلى أبخرةٍ متراكمة، فيما هي تمُرُّ كمَرِّ السَّحابةِ الماطِرة. قد يستدعي كلُّ ذلك تقليصاً للبعدِ الرِّياضي للزَّمانِ النِّيوتونيِّ الآسر بثوانيه ودقائقه المتلاحقة بإيقاعٍ منتظمٍ لا يتغيَّر، والذي قامت عليه رَدَحَاً أبنيةُ الحداثة، لِيفسحَ المكانَ بجانبه لاحمرارٍ وشروقِ شمسٍ وتعامدٍ عند ظهيرةٍ قائظة، ثمَّ احمرارٍ آخرَ قبيلَ الغروبِ، ومواسمَ للاحترارِ وأُخرى للموجاتِ الباردةِ، ومواسمَ للنَّسائمِ وأخرى لتساقطِ الأوراقِ والشَّعرِ في آخرِ العُمُرِ، إيذاناً بتجدُّدٍ قادمٍ وميلادٍ لصُبحٍ جديد. بناءً على ما ذكرناه بشأنِ الإسراء والمعراج، سنسعى في حلقةٍ مُقبِلة إلى إحداثِ رتقٍ على قاعدةِ اللَّاتماثلِ بين الحقِّ والحقيقة، والسَّاعةِ والسَّاعة؛ وفوق ذلك كلِّه، بين المُحايثة (التي تقومُ عليها فكرة "وحدة الوجود") والتَّجاوز (الذي يُشيرُ إلى "وجودِ الواحدِ" الذي ليس كمثلِه شيء)
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّاعة: تأمُّلاتٌ في زمنٍ مُستعاد(محمد خلف) | النصرى أمين | 04-12-20, 02:20 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | نعمات عماد | 04-12-20, 07:40 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-12-20, 02:49 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-12-20, 04:26 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | نعمات عماد | 04-13-20, 01:29 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | محمد على طه الملك | 04-13-20, 03:08 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-14-20, 04:05 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | نعمات عماد | 04-15-20, 05:06 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-18-20, 03:55 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-18-20, 03:55 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-20-20, 03:19 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-28-20, 12:43 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-28-20, 12:44 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | بدر الدين الأمير | 04-28-20, 12:59 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 04-30-20, 00:42 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-01-20, 04:34 AM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-06-20, 09:24 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-06-20, 09:26 PM |
Re: من الحقيقةِ للحقِّ، ومن السَّاعةِ للسَّا� | النصرى أمين | 05-06-20, 09:27 PM |
|
|
|