|
Re: كورونيات (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
العشق في زمن كورونا: في نيويورك حب عبر السطوح وفي القاهرة في البلكونة
منذ 12 ساعة العشق في زمن كورونا: في نيويورك حب عبر السطوح وفي القاهرة في البلكونة
مريم مشتاوي 1 حجم الخط
لا أعرف لِم كل الأوجاع المتقدة انتظرت زمنا لتتطاير في الأفق؟ لكنه ليلنا، على الرغم من حزنه مضيء. أو ربما هي لوعتنا. كلما ازدادت تكاثرت النجوم في السماء؟ نعم إنه زمن عشنا فيه الحروب على أشكالها وآخرها أو ربما، وبشكل أصح، «آخرنا» حرب ضد فيروس شرس، أنهكنا جميعاً، فاستحالت الكرة الأرضية إلى أرض معركة لا نجاة منها، إن لم نتعلق بخيط شارد أبيض رفيع يربطنا بوعد قادم. أهناك ما ينهض الشمس، التي طال نومها، سوى الحب؟ أهناك ما يرفع المدن فوق الضباب الكثيف وفوق البحار سوى وعد أو بريق متواطئ مع الخيال؟ أجمل ما قرأته مؤخراً كانت كلمات للروائي خالد خليفة أضاء بها مخيلتي وعدت لأتمسك بالحياة من جديد. كتب على صفحته في «العالم الأزرق»: في هذه الأيام يصبح أي حب وعداً بالحياة المقبلة والنجاة». قرأتها مراراً لتمطر لي كلماته مطراً دافئاً براقاً معطراً يطل على الحلم المنشود. حلم قد يعيد ترتيب خريطة من المدن بعثر المرض أشجارها فأسقطت بدل الأوراق خضارها لينام وحيداً على الأرض. وأطفأت الأنهار بريقها فأبحر بعيداً. صار سفناً من وهم. بعد أن سكّنت حواسي تلك الكلمات، التي جاد بها خليفة استيقظت في داخلي طفلة مشاغبة كانت قد كبرت بسرعة قبل أن يكشف الصباح عن صدره للورود. هكذا تفتحت في عينيّ الحياة كالمرايا فوق المياه. فأصبح الحب ينادي الحب وكل الطرقات الفارغة أصبحت تضج بترانيم يتعالى صداها في الزواريب الضيقة. إنه الحب في زمن كورونا وقصصه كثيرة… من أين نبدأ؟ أنبدأ من تكساس، هناك حيث ارتفع حاجز بين مستشفى الأمراض السرطانية وزوارها. نعم لقد مُنعت الزيارات كي لا يتسلل فيروس «كوفيد التاسع عشر» فينهي لصالحه معارك بدأها السرطان قبله. امتنع المرضى عن رؤية أحبائهم، وغصة كبرى في قلوبهم. قد يمضون، وقد لا يرونهم بعد الآن قط. لن يستطيعوا حتى أن يلمسوا جباههم، ويلقوا عليهم نظراتهم الأخيرة المحبة، المنكسرة. قبلة الوداع صارت حلماً مستحيلاً. ولكن هل هناك حاجز يعلو على الحب؟ هل هناك شيء مستحيل في قاموسه؟وقفت سيدة تعاني من السرطان عند شباك غرفتها تلوح لحبيبها، الذي جلس على الطريق المواجه للمستشفى حاملاً في يده يافطة كبيرة كتب عليها:لا يمكنني أن أكون معك، ولكني سأبقى هنا لأجلك. وأضاف: أشكر كل العاملين في المستشفى. ومن تكساس إلى مدينة نيويورك قصة حب تشعل مواقع التواصل الاجتماعي وتتناقلها الفضائيات العربية. نيويورك، التي كانت تضج بالحياة، أغلقت بشكل كامل وانطفأت أضواؤها، التي كانت تنادي السياح عبر العالم. ولكن هناك من يعيد بنبضه بث الحياة في شوارع المدينة ومن فوق سطوحها.هكذا نجح جيرمي كوهين، المصور الشاب، في أن يعيش قصة حب تستفز الصمت وتعيد تدفق المياه الدافئة في قلوب فقدت كثيراً من نبضاتها، بفعل الحجر والوحدة والمرض. راقب من شقته فتاة ترقص على سطح منزلها على أنغام أغنية «كلنا معاً في هذا».أصر أن يتواصل معها ولوّح لها بيديه حتى انتبهت فردت له التحية.أراد أن يرسل لها رقم هاتفه فاستخدم طائرة درون الصغيرة ليبعث برسالة كتب فيها رقمه. بدأت الرسائل والتليفونات بين جيريمي وحبيبته توري. ودعاها لأول حفلة عشاء. وفي ظل الحظر كانت حفلة مميزة فريدة من نوعها. وضع كل منهما، بشكل متقابل، على سطح بنايته طاولة عليها وردة حمراء وكأس شامبانيا. رفعا معاً نخب الحياة المقبلة ونخب وعد بحب حر قريب. وتحدثا عبر «الفيديو كول» طيلة المساء، وقد أشعلا السماء الكحلاء فوقهما لتستنفر المدينة النائمة وتتأهب للحياة. ومن نيويورك إلى جوهرة الشرق مدينة القاهرة، حيث قرر عازف الكمان المصري محمد عادل أن يطرب جيرانه بأجمل الأنغام الموسيقية، مغنياً للحب، منشداً للحياة. وقف في لبلكونة ليوقظ النبضات التعبة. ولا بد أن تكون هناك. في مكان ما. على سطح ما. شابة تتراقص على ألحانه. إنه الحب، الفائز الوحيد في كل زمن وفي كل معركة. فلنشرّع قلوبنا للضوء.
*كاتبة لبنانية
|
|
|
|
|
|
|
|
|