مقالات دكتور النور حمد في صحيفة التيار

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 11:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-29-2020, 02:59 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    حزب البعث متمسك باللاءات الثلاث!!
    النور حمد
    صحيفة التيار 29 أكتوبر 2020

    شاهدت فيديو مبثوث على شبكة الإنترنت للسيد، علي الريح السنهوري أمين سر قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، القطر السوداني. في هذا الفيديو رد السيد السنهوري على ما ذكره السيد رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان في اللقاء الذي أجراه معه الأستاذ لقمان أحمد، مفندًا الزعم بأنه قد جرت مشاورته في قضية التطبيع مع إسرائيل. وأضاف السنهوري انهم يرفضون بصورةٍ مبدئيةٍ أي اتصال أو حوار يجري مع "الكيان الصهيوني". مؤكدا أنهم في حزب البعث لا يزالون متمسكين باللاءات الثلاث، التي أقرها مؤتمر القمة العربية الرابع، الذي انعقد في الخرطوم في 29 أغسطس 1967، بعد ما يقارب الثلاثة أشهر من هزيمة يونيو.

    أكثر ما لفت نظري في البيان ذي الطبيعة الإنشائية الصدَّامية، إعلان السيد، علي الريح السنهوري، تمسُّك حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر السوداني بـ "لاءات الخرطوم الثلاث": "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف مع دولة إسرائيل". ولم يشر السيد السنهوري إلى أن هذه اللاءات قد نسفتها دولة المواجهة الرئيسية، مصر، باتفاقية كامب ديفيد بينها وبين إسرائيل في عام 1978. ووجه لها الفلسطينيون، أهل القضية أنفسهم، أكبر صفعة بتوقيعهم اتفاقية أوسلوا مع إسرائيل في عام 1993. ثم تلت ذلك الأردن بتوقيعها اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل في عام 1994. وأخيرًا باتفاقيتين حديثتين، جرى توقيعهما بين دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل في شهر أكتوبر الجاري. ودعنا لا نذكر اتفاق السودان، موضوع الجدل الثائر حاليًا، حتى تكتمل فصولها.

    مع تجاهل السيد على الريح السنهوري لكل هذه الاتفاقيات، تجاهل أيضًا أن العراق قد وقع، بسبب التَّخبُّط الصدَّامي البعثي، والتخبُّط الأمريكي، في قبضة إيران منذ 2003. وها هي سوريا قد تحوَّلت على يد البعث إلى خرائب ترزح تحت قبضةٍ حديديةٍ لأوليغاركية أسرية يسيطر على مجريات الأمور فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إن المرء ليعجب أن يمارس سياسيٌّ مخضرمٌ متمرِّسٌ في العمل السياسي كالسيد علي الريح السنهوري، الهروب إلى الأمام من صدمة تحطم الحلم البعثي القومي عبر ما يقارب الخمسة عقود، بهذه الصورة العاطفية التي تستدر الشفقة والرثاء. لكنها الأيديولوجيا التي تجعل المرء يتجاهل الواقع الموضوعي الحي ليعيش في السرديات النافقة. لقد تحدث السيد علي الريح السنهوري، وكأن كل تلك الأحداث وكل تلك الاتفاقيات التي نسفت لاءات الخرطوم الثلاث، لم تحدث قط.

    لقد نازعني عدد من المؤدلجين في حديثي عن "التكلس اليساروي". لكن، ها هو السيد على الريح يقدم لنا أسطع الأمثلة لما أسميته "التكلس اليساروي". لقد خرجنا بثورتنا من حفرة جعل السودان منصةً لمشروع إخواني، إسلاموي، أممي، عابر للأقطار، لنُفاجأ أن في حاضنتنا السياسية، وفي مجلس السيادة، وفي عديد المواقع الرسمية من تنفيذية وإعلامية، أشخاصٌ يعملون في خدمة مشروع قومي عربي عابر للأقطار، يستخدمون فيه السودان مجرَّد منصةٍ للانطلاق نحو الخارج، شأنهم شأن الإسلامويين. يقتضي التمسك باللاءات الثلاث أن يكون الرافضون للصلح والاعتراف في حالة حرب مع إسرائيل. فأين هي هذه الحرب الآن، بل أين هي دول المواجهة التي تحارب؟ لم أر في حياتي انفصالاً عن الواقع كالذي رأيته وأنا أشاهد هذا الفيديو للسيد، علي الريح السنهوري. على جماعة البعث، إن كانوا صادقين، أن يستقيلوا من جميع المواقع السيادية والتنفيذية وغيرها، التي تسربوا إليها في غفلة من أصحاب الثورة، وأن يعودوا إلى جماهيرهم المزعومة، لوضع الثورة، من جديد، في الطريق الصحيح الذي يرونه.
                  

10-31-2020, 05:07 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    والشيوعي الإسرائيلي كمان!!
    النور حمد
    صحيفة التيار 31 أكتوبر 2020
    لا يختلف الفلسطيني عن أخيه الفلسطيني في ممارسة ازدواج المعايير. كما لا يختلفون في ممارسة هذه الازدواجية دون أي شعور بالاستخذاء أو حتى القليل من الازعاج، بل، يمارسونها مع قدر مدهش من الطمأنينة وراحة الضمير. الأسوأ من ذلك، أنهم حين ينزعجون من أي موقف يقفه السودانيون تجاه القضية الفلسطينية يخرجون بسرعة البرق ما يخفونه من عنصرية تجاه السودانيين. فيمدون أيديهم إلى ترسانة الشتائم مما يحويه قاموسهم المعد لمثل هذه "النوائب". وهو قاموس معد خصيصا لتأديب أهل أقطار الهامش العربي الذين تختلط فيهم الدماء الحامية والزنجية والسامية. وكما لاحظ الجميع فقد حفلت وسائط التواصل الاجتماعي بكيل الفلسطينيين هذه الأيام سيلا من السباب العنصري للسودانيين. وهذه ليست المرة الأولى، لكني أظنها ستكون الأخيرة. فلعل من أهم فوائد ما جرى مؤخرا من سيرنا في وجهة التطبيع، أننا قد قفلنا الباب، وإلى الأبد، أمام هذا النوع الوضيع من الابتزاز. فالآن حصحص الحق، ووقفنا الموقف الذي كان ينبغي علينا وقوفه منذ عقود. ولسوف لن يضيرنا منذ هذه اللحظة إن شتمنا الفلسطينيون وكالوا لنا النعوت العنصرية بسبب لون بشرتنا وأصولنا العرقية المختلطة؛ من الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بأسودها وأسمرها وأصفرها وأسودها.

    لقد استطاع الفلسطينيون وقطاع عريض من العرب المشرقيين ابتزاز النخب السودانية على مدى عقود. وهذا عيب نخبنا بطبيعة الحال. فقد ارتدفونا على السرج العربي المشرقي في نزال في قضية لا تهمنا، إلا كما تهم بقية أحرار العالم. بل أراد لنا الفلسطينيون أن نظل على ذلك السرج شاهرين اسلحتنا بعد أن ترجلوا هم عنه. ولربما أعرج في مقالات قادمة، بشيء من الإيجار، لأسباب خضوع النخب السودانية للابتزاز الفلسطيني والعربي المشرقي. لقد بقيت نخبناعلى مدى عقود تتبنى خطابا فلسطينيا نافقا، لم يعد أهله أنفسهم يتبنونه. الطريف أن الفلسطينيين يصمتون صمت القبور حين يخرج العرب الخليجيون على توقعاتهم المرسومة لما ينبغي أن تتصرف وفقه الدول العربية تجاه قضيتهم. وكأني بهم يتمثلون الأغنية السودانية التي تقول: "تغلطوا إنتو يا الحلوين، نجيكم نحن بالأعذار"

    لكن، دعونا نعود لازدواجية المعايير لدى الفلسطينيين ونعرض نموذجا صارخا من نماذجها، وهو ما ورد على لسان نائبة سابقة في الكنيست الإسرائيلي من أصل عربي، تنتمي إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي. فقد انتقدت النائبة عايدة توما سليمان، الاتفاق السوداني الإسرائيلي قائلة: إنه لن يؤدي إلى تعزيز السلام أو الرفاهية لشعوب المنطقة. فالسلام الدائم في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية.كما أبرز بيان للحزب الشيوعي الإسرائيلي نُشر على صفحته مساء الإثنين الماضي موقف نظيره السوداني الرافض للتطبيع مع إسرائيل: "حتى يتوصل الفلسطينيون إلى حل عادل لقضيتهم". وقال: "يعتمد الحزب الشيوعي السوداني على موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل، على التضامن مع الشعوب التي تتعرض للاضطهاد من أجل الحرية والديمقراطية". فإذا كان مقاطعة إسرائيل والاستمرار في حالة حرب معها هما ما يؤدي إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، لماذا إذن تجلس هذه النائبة العربية الشيوعية في الكنيست الإسرائيلي، حاملة في جيبها جواز سفر اسرائيلي، وبطاقات إئتمان لبنوك إسرائيلية، وربما تملك منزلا وسيارة تدفع أقساطهما للبنوك الإسرائيلية، ثم تريدنا نحن في السودان أن نبقى رافعين من أجل نيافتها راية العداء والمقاطعة. فإذا كانت هذه النائبة تدافع عن وجودها في الكنيست بأنها إنما تستخدمه لخدمة الحق الفلسطيني، رغم أنها بكونها اسرائليةالجنسية قد طبعت حد الثمالة، فما الذي يمنعنا نحن السودانيين القاطنين جنوب مدار السرطان أن نطبع وندافع من خلال تطبيعنا عن الحق الفلسطيني؟

    إن ازدواجية المعايير لدى نخب الفلسطينيين مقرفة بحق، وتدل على اضطراب أخلاقي مريع. ما يصدر من الفلسطينيين تجاه السودانيين هذه الأيام لا يصدر إلا من عقول ملتاثة، وبنية وجدانية خربة وأفق معرفي بالغ البؤس. وكل هذا، في تقديري هو ما جعل الفلسطينيين ينزلقون باستمرار من خسران إلى خسران أكبر من سابقه.
    ا
                  

11-01-2020, 06:24 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    أدعياء الثورة يخنقونها
    النور حمد
    صحيفة التيار 1 نوفمبر 2020
    كثيرا ما كتبت أن الثورة ليست فعلا شكليا يبدل أشخاصا بأشخاص، وإنما هي فعل إنقلابي، بمعني تجاوزي، يبدل بنية عقلية معتلة ببنية عقلية معافاة. غير أن الذي يحدث لأغلب الثورات أنها لا تنجز هذا الفعل الانقلابي، وإنما تأتي بطاقم قيادي إلى أجهزة الحكم لا يختلف من حيث المفاهيم والبنية الأخلاقية عن الطاقم الذي أزاحته الثورة. فالثوار في تلهفهم لإزاحة النظام القديم، وانحباس أنفسهم خشية أن تفشل ثورتهم، يقبلون بقيادات لم يجر تمحيصها كما ينبغي. بل أن تصورات الجماهير العريضة الثائرة للقيادة المتمناة، يجري إسقاطها على أول من يمدون رقابهم متصدين لقيادة الحراك الثوري. ولكن بمرور الوقت، بعد أن تجرى إزاحة قيادة النظام القديم، ويبدأ الصراع من أجل تفكيك بنيته القاعدية، تبدأ الشروخ بين جمهور الثورة وقيادات الثورة في البروز. السبب في تقديري هو اتضاح أن البنية العقلية للقيادة الجديدة لا تختلف اختلافا بائنا عن البنية العقلية للقيادة القديمة. لذلك فإن الثورة الناجحة هي التي تصنع قياداتها المختلفة فكرا واخلاقا، قبل الاندفاع في الفعل الثوري. غير أن ذلك نادرا ما يحدث. وهذا هو ما يجعل معظم الثورات تمر بمرحلة مخاض عسيرة طويلة.

    ما جرني إلى هذا الحديث لقاء جمعني صدفة ببعض شباب الثورة الذين يصطرعون بلا هوادة مع قواعد النظام القديم، التي لازالت ممسكة بمفاصل البنية الإدارية القاعدية في بعض الأحياء وبعض الأسواق الشعبية، ولا يجدون إلا التعويق من قوى الحرية والتغيير وسائر منظومة السلطة الانتقالية. ذكروا في حديثهم معي أن نظام الإنقاذ لا يزال يتحكم، بقوانين الحكم المحلي التي سنها وبكوادره التي مكنها من مفاصل القرار الإداري القاعدي، في تحصيل الإيرادات وإدارة الخدمات في مجريات الأمور بذات الأساليب الفاسدة القديمة. وحسب قولهم، لا خدمات يجري تقديمها ولا إيرادات يجري تسليمها كاملة لخزينة الدولة. كما ذكروا أن اتصالاتهم بمكونات السلطة الانتقالية فيما يتعلق بصراعهم هذا ظلت بلا فائدة. وأن ما تفعله قوى الحرية والتغيير التي سيطرت على تصرفاتها الدوافع الحزبية هو احالتهم للمسارات البيروقراطية الروتينية، وإرسال أفراد حزبيين ليديروا هذا الصراع نيابة عن الثائرين الذين يعرفون مكامن العلل والألاعيب الإنقاذية. ومما جرت ملاحظته على هؤلاء الذين يجري إرسالهم من عل أنهم بلا كفاءة وبلا معرفة بمجريات الأمور على مستوى القواعد. وقد قاد ذلك لأن يتوقف صراع هولاء الشباب الثائرين مع كوادر المؤتمر الوطني التي تعمل على حجب المعلومات ومواصلة الخط القديم، ليصبح صراعا مع هؤلاء المرسلين من عل، الذين لا مؤهل لهم سوى انتمائهم الحزبي. الخلاصة، أن تمكينا جديدا يجري فرضه من عل ليحل محل التمكين الإنقاذي، وبلا نجاح يذكر.

    الشاهد فيما تقدم، أن قوانا الحزبية لا تختلف في لاديموقراطيتها عن الإنقاذ. فهي تمارس الآن إنزال القرارات من فوق على الجماهير الثائرة المكتوية بنيران القبضة الإنقاذية على القواعد الإدارية في منظومة الحكم المحلي. فالوضع الصحيح هو جعل هذه القواعد تنتخب من عندها من يتصدون لعملية تفكيك البنية الإنقاذية، لا إرسال حزبيين من فوق غرضهم الأساسي زرع خلايا حزبية في الأحياء والأسواق وجعل أهل المصلحة العارفين بالخبايا مجرد متفرجين. ما يجري باختصار شديد هو ذات النهج الشمولي الفوقي الذي لا يختلف عن نهج الإنقاذ. فهو يشترك معه في خدمة الغرض الحزبي وليس خدمة الصالح العام. ما يجري الآن هو أن الأجندة الحزبية لأحزاب لاديموقراطية تخنق الثورة خنقا لا هوادة فيه وتعطل تفكيك التمكين لتتمكن هي. لكن، كل عمل باطل مصيره أن يحبط مثلما حبط عمل الإنقاذ، فالله من ورائهم محيط.
                  

11-04-2020, 05:52 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    تحطيم الدولة للكسب السياسي
    النور حمد
    صحيفة التيار 4 نوفمبر 2020
    عانت الدولة السودانية منذ الاستقلال من انعدام الثوابت الوطنية. فكل ضابط للفعل السياسي السوداني بقي مرتكزا على رمال متحركة. فما يهم القوى السياسية في السودان هو الكسب الآني. ولا يهم إن قاد هذا الكسب الى هدم ثوابت الدولة وركائزها. شهدت ديموقراطياتنا الثلاث الكثير من الائتلافات. يحدث الائتلاف حين لا تمكن النتائج الانتخابية أي حزب الحكم بمفرده فيضطر من أجل احراز أغلبية في البرلمان إلى أن يأتلف مع حزب آخر. وقد قاد الحرص على المناصب إلى أن تأتلف أحزاب لا يجمع بينها جامع. بل إن بعض أركان الائتلاف في فترة بعينها يتحولون إلى حالة عداء حادة في فترة جديدة لاحقة، تكون فيها الخريطة السياسية قد أخذت شكلا آخر. والأمثلة لهذا من تجاربنا البرلمانية "على قفا من يشيل". لقد تفننت بعض الأحزاب في إثارة الاضرابات المطلبية، لا تعاطفا مع حقوق العاملين وإنما لإرباك من هم في السلطة وافقادهم الاستقرار والقدرة على الإنجاز ليكون فشلهم هو مركب المعارضة الذي يأتي بها إلى مقاعد الحكم. لا تتردد قوانا السياسية في إنتهاج أي أسلوب يمكن أن يمنحها كسبا سياسيا آنيا. ولقد ذكرت في مقالات سابقة كيف تفننت الجبهة الوطنية (حزب الأمة والاتحاديون والإسلاميون) في خلق الندرة في السلع في فترة حكم نميري. وكيف تفنن الشيوعيون في تحريك نقابة عمال السكة حديد لزعزعة حكم نميري ما قاد إلى انشاء ما سميت الكتيبة الاستراتيجية العسكرية التي تدير حركة السكة حديد في حالات الإضراب. وقد قاد كل ذلك إلى تكسير المرفق نفسه على يد نميري ثم على يد الاسلاميين في نهاية الأمر. وهذه هي نتيجة العبث بثوابت الدولة واستحلال هدم ركائزها.

    شاهدت بالأمس فيديو مصور من نافذة سيارة تسير على واحد من الطرق السريعة. وقد قطعت تلك السيارة التي جرى منها تصوير ذلك الفيديو قرابة الكيلومترين. وقد كانت تمتد على طول تلك المسافة مئات وربما الآلاف من براميل الوقود المنتشرة بمحاذاة الطريق، إضافة إلى الشاحنات المتوقفة، ما يدل على أن سوقا مفتوحا للمواد البترولية يجري هناك، (على عينك يا تاجر). إن أول ما يعكسه هذا الشريط هو أن ما تسمى الدولة السودانية لم يعد لها وجود. فنحن نعلم أن هناك شرطة للمرور السريع وهناك ولاة ومحليات وحكم محلي ومسؤلون تنفذيون فأين هم من هذا الانحلال الدولتي المقرف؟ هل هذه بلاد يرجى لها أن ينصلح حالها؟ والأنكأ من هذا أن المواطنين هم من يصورون هذه العورات ويبثونها على وسائط التواصل الاجتماعي، في حين ينشغل الإعلام الرسمي بالتفاهات وسفساف الأمور. أيضا، أين صحافتنا وتقاريرها الاستقصائية من هذا الانحلال الدولتي المريع؟ أين يقع هذا السوق؟ وتحت إدارة من تقع هذه المنطقة؟ إن أعتياد قبول مثل هذه الممارسات يعني أن نقرأ الفاتحة على روح الدولة السودانية وحكم القانون فيها.

    لا شك عندي أبدا أن هناك تحالفا غير مكتوب بين قوى مختلفة من عسكرية ومدنية غرضه إفشال الفترة الانتقالية. ويبدو أن هذا العمل قد حقق حتى الآن نجاحا كبيرا. فالأزمات بمختلف صورها لا تزال ترواح مكانها. وقد أصبحت ما سميت الحاضنة السياسية وحكومتها مجرد "هنبول"، "لا يهش ولا ينش". وحين نقول إن أزمتنا أزمة بناء نفسي قويم وأزمة أخلاق وأزمة ثوابت دولتية، يخرج علينا حفظة الألفاظ الفارغة ليصرفونا إلى ما اعتادوه من نمط الاستعاضة بالكلمات الرنانة عن الدلالات. من يريدون إفشال الفترة الانتقالية قد ينجحون، لكنهم حتما سيفشلون في ترميم ما خربوه. ولسوف يشربون من نفس الكأس التي سقوا منها شعبهم. فتخريب النظم قابل للإصلاح، لكن تخريب الإنسان يصعب إصلاحه. ما عكسه ذلك الفيديو يدل على أن تخريب الإنسان في بلادنا قد بلغ شأوا بعيدا.
                  

11-04-2020, 05:52 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    تحطيم الدولة للكسب السياسي
    النور حمد
    صحيفة التيار 4 نوفمبر 2020
    عانت الدولة السودانية منذ الاستقلال من انعدام الثوابت الوطنية. فكل ضابط للفعل السياسي السوداني بقي مرتكزا على رمال متحركة. فما يهم القوى السياسية في السودان هو الكسب الآني. ولا يهم إن قاد هذا الكسب الى هدم ثوابت الدولة وركائزها. شهدت ديموقراطياتنا الثلاث الكثير من الائتلافات. يحدث الائتلاف حين لا تمكن النتائج الانتخابية أي حزب الحكم بمفرده فيضطر من أجل احراز أغلبية في البرلمان إلى أن يأتلف مع حزب آخر. وقد قاد الحرص على المناصب إلى أن تأتلف أحزاب لا يجمع بينها جامع. بل إن بعض أركان الائتلاف في فترة بعينها يتحولون إلى حالة عداء حادة في فترة جديدة لاحقة، تكون فيها الخريطة السياسية قد أخذت شكلا آخر. والأمثلة لهذا من تجاربنا البرلمانية "على قفا من يشيل". لقد تفننت بعض الأحزاب في إثارة الاضرابات المطلبية، لا تعاطفا مع حقوق العاملين وإنما لإرباك من هم في السلطة وافقادهم الاستقرار والقدرة على الإنجاز ليكون فشلهم هو مركب المعارضة الذي يأتي بها إلى مقاعد الحكم. لا تتردد قوانا السياسية في إنتهاج أي أسلوب يمكن أن يمنحها كسبا سياسيا آنيا. ولقد ذكرت في مقالات سابقة كيف تفننت الجبهة الوطنية (حزب الأمة والاتحاديون والإسلاميون) في خلق الندرة في السلع في فترة حكم نميري. وكيف تفنن الشيوعيون في تحريك نقابة عمال السكة حديد لزعزعة حكم نميري ما قاد إلى انشاء ما سميت الكتيبة الاستراتيجية العسكرية التي تدير حركة السكة حديد في حالات الإضراب. وقد قاد كل ذلك إلى تكسير المرفق نفسه على يد نميري ثم على يد الاسلاميين في نهاية الأمر. وهذه هي نتيجة العبث بثوابت الدولة واستحلال هدم ركائزها.

    شاهدت بالأمس فيديو مصور من نافذة سيارة تسير على واحد من الطرق السريعة. وقد قطعت تلك السيارة التي جرى منها تصوير ذلك الفيديو قرابة الكيلومترين. وقد كانت تمتد على طول تلك المسافة مئات وربما الآلاف من براميل الوقود المنتشرة بمحاذاة الطريق، إضافة إلى الشاحنات المتوقفة، ما يدل على أن سوقا مفتوحا للمواد البترولية يجري هناك، (على عينك يا تاجر). إن أول ما يعكسه هذا الشريط هو أن ما تسمى الدولة السودانية لم يعد لها وجود. فنحن نعلم أن هناك شرطة للمرور السريع وهناك ولاة ومحليات وحكم محلي ومسؤلون تنفذيون فأين هم من هذا الانحلال الدولتي المقرف؟ هل هذه بلاد يرجى لها أن ينصلح حالها؟ والأنكأ من هذا أن المواطنين هم من يصورون هذه العورات ويبثونها على وسائط التواصل الاجتماعي، في حين ينشغل الإعلام الرسمي بالتفاهات وسفساف الأمور. أيضا، أين صحافتنا وتقاريرها الاستقصائية من هذا الانحلال الدولتي المريع؟ أين يقع هذا السوق؟ وتحت إدارة من تقع هذه المنطقة؟ إن أعتياد قبول مثل هذه الممارسات يعني أن نقرأ الفاتحة على روح الدولة السودانية وحكم القانون فيها.

    لا شك عندي أبدا أن هناك تحالفا غير مكتوب بين قوى مختلفة من عسكرية ومدنية غرضه إفشال الفترة الانتقالية. ويبدو أن هذا العمل قد حقق حتى الآن نجاحا كبيرا. فالأزمات بمختلف صورها لا تزال ترواح مكانها. وقد أصبحت ما سميت الحاضنة السياسية وحكومتها مجرد "هنبول"، "لا يهش ولا ينش". وحين نقول إن أزمتنا أزمة بناء نفسي قويم وأزمة أخلاق وأزمة ثوابت دولتية، يخرج علينا حفظة الألفاظ الفارغة ليصرفونا إلى ما اعتادوه من نمط الاستعاضة بالكلمات الرنانة عن الدلالات. من يريدون إفشال الفترة الانتقالية قد ينجحون، لكنهم حتما سيفشلون في ترميم ما خربوه. ولسوف يشربون من نفس الكأس التي سقوا منها شعبهم. فتخريب النظم قابل للإصلاح، لكن تخريب الإنسان يصعب إصلاحه. ما عكسه ذلك الفيديو يدل على أن تخريب الإنسان في بلادنا قد بلغ شأوا بعيدا.
                  

11-04-2020, 05:52 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    تحطيم الدولة للكسب السياسي
    النور حمد
    صحيفة التيار 4 نوفمبر 2020
    عانت الدولة السودانية منذ الاستقلال من انعدام الثوابت الوطنية. فكل ضابط للفعل السياسي السوداني بقي مرتكزا على رمال متحركة. فما يهم القوى السياسية في السودان هو الكسب الآني. ولا يهم إن قاد هذا الكسب الى هدم ثوابت الدولة وركائزها. شهدت ديموقراطياتنا الثلاث الكثير من الائتلافات. يحدث الائتلاف حين لا تمكن النتائج الانتخابية أي حزب الحكم بمفرده فيضطر من أجل احراز أغلبية في البرلمان إلى أن يأتلف مع حزب آخر. وقد قاد الحرص على المناصب إلى أن تأتلف أحزاب لا يجمع بينها جامع. بل إن بعض أركان الائتلاف في فترة بعينها يتحولون إلى حالة عداء حادة في فترة جديدة لاحقة، تكون فيها الخريطة السياسية قد أخذت شكلا آخر. والأمثلة لهذا من تجاربنا البرلمانية "على قفا من يشيل". لقد تفننت بعض الأحزاب في إثارة الاضرابات المطلبية، لا تعاطفا مع حقوق العاملين وإنما لإرباك من هم في السلطة وافقادهم الاستقرار والقدرة على الإنجاز ليكون فشلهم هو مركب المعارضة الذي يأتي بها إلى مقاعد الحكم. لا تتردد قوانا السياسية في إنتهاج أي أسلوب يمكن أن يمنحها كسبا سياسيا آنيا. ولقد ذكرت في مقالات سابقة كيف تفننت الجبهة الوطنية (حزب الأمة والاتحاديون والإسلاميون) في خلق الندرة في السلع في فترة حكم نميري. وكيف تفنن الشيوعيون في تحريك نقابة عمال السكة حديد لزعزعة حكم نميري ما قاد إلى انشاء ما سميت الكتيبة الاستراتيجية العسكرية التي تدير حركة السكة حديد في حالات الإضراب. وقد قاد كل ذلك إلى تكسير المرفق نفسه على يد نميري ثم على يد الاسلاميين في نهاية الأمر. وهذه هي نتيجة العبث بثوابت الدولة واستحلال هدم ركائزها.

    شاهدت بالأمس فيديو مصور من نافذة سيارة تسير على واحد من الطرق السريعة. وقد قطعت تلك السيارة التي جرى منها تصوير ذلك الفيديو قرابة الكيلومترين. وقد كانت تمتد على طول تلك المسافة مئات وربما الآلاف من براميل الوقود المنتشرة بمحاذاة الطريق، إضافة إلى الشاحنات المتوقفة، ما يدل على أن سوقا مفتوحا للمواد البترولية يجري هناك، (على عينك يا تاجر). إن أول ما يعكسه هذا الشريط هو أن ما تسمى الدولة السودانية لم يعد لها وجود. فنحن نعلم أن هناك شرطة للمرور السريع وهناك ولاة ومحليات وحكم محلي ومسؤلون تنفذيون فأين هم من هذا الانحلال الدولتي المقرف؟ هل هذه بلاد يرجى لها أن ينصلح حالها؟ والأنكأ من هذا أن المواطنين هم من يصورون هذه العورات ويبثونها على وسائط التواصل الاجتماعي، في حين ينشغل الإعلام الرسمي بالتفاهات وسفساف الأمور. أيضا، أين صحافتنا وتقاريرها الاستقصائية من هذا الانحلال الدولتي المريع؟ أين يقع هذا السوق؟ وتحت إدارة من تقع هذه المنطقة؟ إن أعتياد قبول مثل هذه الممارسات يعني أن نقرأ الفاتحة على روح الدولة السودانية وحكم القانون فيها.

    لا شك عندي أبدا أن هناك تحالفا غير مكتوب بين قوى مختلفة من عسكرية ومدنية غرضه إفشال الفترة الانتقالية. ويبدو أن هذا العمل قد حقق حتى الآن نجاحا كبيرا. فالأزمات بمختلف صورها لا تزال ترواح مكانها. وقد أصبحت ما سميت الحاضنة السياسية وحكومتها مجرد "هنبول"، "لا يهش ولا ينش". وحين نقول إن أزمتنا أزمة بناء نفسي قويم وأزمة أخلاق وأزمة ثوابت دولتية، يخرج علينا حفظة الألفاظ الفارغة ليصرفونا إلى ما اعتادوه من نمط الاستعاضة بالكلمات الرنانة عن الدلالات. من يريدون إفشال الفترة الانتقالية قد ينجحون، لكنهم حتما سيفشلون في ترميم ما خربوه. ولسوف يشربون من نفس الكأس التي سقوا منها شعبهم. فتخريب النظم قابل للإصلاح، لكن تخريب الإنسان يصعب إصلاحه. ما عكسه ذلك الفيديو يدل على أن تخريب الإنسان في بلادنا قد بلغ شأوا بعيدا.
                  

11-04-2020, 05:52 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    تحطيم الدولة للكسب السياسي
    النور حمد
    صحيفة التيار 4 نوفمبر 2020
    عانت الدولة السودانية منذ الاستقلال من انعدام الثوابت الوطنية. فكل ضابط للفعل السياسي السوداني بقي مرتكزا على رمال متحركة. فما يهم القوى السياسية في السودان هو الكسب الآني. ولا يهم إن قاد هذا الكسب الى هدم ثوابت الدولة وركائزها. شهدت ديموقراطياتنا الثلاث الكثير من الائتلافات. يحدث الائتلاف حين لا تمكن النتائج الانتخابية أي حزب الحكم بمفرده فيضطر من أجل احراز أغلبية في البرلمان إلى أن يأتلف مع حزب آخر. وقد قاد الحرص على المناصب إلى أن تأتلف أحزاب لا يجمع بينها جامع. بل إن بعض أركان الائتلاف في فترة بعينها يتحولون إلى حالة عداء حادة في فترة جديدة لاحقة، تكون فيها الخريطة السياسية قد أخذت شكلا آخر. والأمثلة لهذا من تجاربنا البرلمانية "على قفا من يشيل". لقد تفننت بعض الأحزاب في إثارة الاضرابات المطلبية، لا تعاطفا مع حقوق العاملين وإنما لإرباك من هم في السلطة وافقادهم الاستقرار والقدرة على الإنجاز ليكون فشلهم هو مركب المعارضة الذي يأتي بها إلى مقاعد الحكم. لا تتردد قوانا السياسية في إنتهاج أي أسلوب يمكن أن يمنحها كسبا سياسيا آنيا. ولقد ذكرت في مقالات سابقة كيف تفننت الجبهة الوطنية (حزب الأمة والاتحاديون والإسلاميون) في خلق الندرة في السلع في فترة حكم نميري. وكيف تفنن الشيوعيون في تحريك نقابة عمال السكة حديد لزعزعة حكم نميري ما قاد إلى انشاء ما سميت الكتيبة الاستراتيجية العسكرية التي تدير حركة السكة حديد في حالات الإضراب. وقد قاد كل ذلك إلى تكسير المرفق نفسه على يد نميري ثم على يد الاسلاميين في نهاية الأمر. وهذه هي نتيجة العبث بثوابت الدولة واستحلال هدم ركائزها.

    شاهدت بالأمس فيديو مصور من نافذة سيارة تسير على واحد من الطرق السريعة. وقد قطعت تلك السيارة التي جرى منها تصوير ذلك الفيديو قرابة الكيلومترين. وقد كانت تمتد على طول تلك المسافة مئات وربما الآلاف من براميل الوقود المنتشرة بمحاذاة الطريق، إضافة إلى الشاحنات المتوقفة، ما يدل على أن سوقا مفتوحا للمواد البترولية يجري هناك، (على عينك يا تاجر). إن أول ما يعكسه هذا الشريط هو أن ما تسمى الدولة السودانية لم يعد لها وجود. فنحن نعلم أن هناك شرطة للمرور السريع وهناك ولاة ومحليات وحكم محلي ومسؤلون تنفذيون فأين هم من هذا الانحلال الدولتي المقرف؟ هل هذه بلاد يرجى لها أن ينصلح حالها؟ والأنكأ من هذا أن المواطنين هم من يصورون هذه العورات ويبثونها على وسائط التواصل الاجتماعي، في حين ينشغل الإعلام الرسمي بالتفاهات وسفساف الأمور. أيضا، أين صحافتنا وتقاريرها الاستقصائية من هذا الانحلال الدولتي المريع؟ أين يقع هذا السوق؟ وتحت إدارة من تقع هذه المنطقة؟ إن أعتياد قبول مثل هذه الممارسات يعني أن نقرأ الفاتحة على روح الدولة السودانية وحكم القانون فيها.

    لا شك عندي أبدا أن هناك تحالفا غير مكتوب بين قوى مختلفة من عسكرية ومدنية غرضه إفشال الفترة الانتقالية. ويبدو أن هذا العمل قد حقق حتى الآن نجاحا كبيرا. فالأزمات بمختلف صورها لا تزال ترواح مكانها. وقد أصبحت ما سميت الحاضنة السياسية وحكومتها مجرد "هنبول"، "لا يهش ولا ينش". وحين نقول إن أزمتنا أزمة بناء نفسي قويم وأزمة أخلاق وأزمة ثوابت دولتية، يخرج علينا حفظة الألفاظ الفارغة ليصرفونا إلى ما اعتادوه من نمط الاستعاضة بالكلمات الرنانة عن الدلالات. من يريدون إفشال الفترة الانتقالية قد ينجحون، لكنهم حتما سيفشلون في ترميم ما خربوه. ولسوف يشربون من نفس الكأس التي سقوا منها شعبهم. فتخريب النظم قابل للإصلاح، لكن تخريب الإنسان يصعب إصلاحه. ما عكسه ذلك الفيديو يدل على أن تخريب الإنسان في بلادنا قد بلغ شأوا بعيدا.
                  

11-08-2020, 11:16 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    الأفول السريع لظاهرة ترمب
    النور حمد
    صحيفة التيار 9 نوفمبر 2020
    مثل فوز ترمب في انتخابات عام 2016 ظاهرة استثنائية بكل المقاييس. فرغم استهزاء الميديا الأمريكيةالداعمة للحزب الديموقراطي بفكرته ترشيح نفسه، ورغم نبشها كل تاريخه الشخصي بالغ السوء، وجهله وضحالة ثقافته العامة وعدم خبرته السياسية، استطاع ترمب بخطاب شعبوي بسيط أن يحرك ساكن أهل الريف الأمريكي من البيض، فالتفوا حوله. وانهزمت الصفوة المثقفة الداعمة للحزب الديموقراطي بآلتها الإعلامية الضخمة ومحلليها السياسيين وأكاديمييها، أمام زعيم شعبوي لا يحسن الحديث، ولا يملك سوى قاموس لغوي محدود. لكنه كان يرسل رسائل شعبوية قصيرة مؤثرة ضد صفوة واشنطن وضد المهاجرين وضد الإسلام والمسلمين وضد الصين وضد قوانين حماية البيئة، وضد برنامج أوباما للرعاية الصحية، فوصل إلى البيت الأبيض وسط دهشة الجميع.

    لقد ظل بيض أمريكا خاصة جمهور الريف من مناصري الحزب الجمهوري يحبسون أنفاسهم لعقود وهم يرقبون الاحصاءات التي تشير باضطراد إلى تنامي أعداد الأقليات، خاصة القادمين من أمريكا اللاتينية، وتأكيد تلك الاحصاءات أن البيض سوف يصبحون، في بضع عقود، أقلية في أمريكا. فالملونون سوف يصبحون قوة انتخابية ضاربة، لن تلبث أن تقلب موازين القوة في الحياة السياسية الأمريكية التي كانت على الدوام في صالح فئة البيض. ويزعج هذا، أكثر ما يزعج، الداعمين لسياسات الجمهوريين. في ظل هذا الوضع من المخاوف، خاصة وسط البسطاء من سكان الأرياف المعزولين يصبح للخطاب العنصري تأثير بالغ. وقد ساعد في ذلك أن صفوة المدن تجاهلت هذه الشرائح الريفية العريضة. وكان خطابها المكثف يمر دائما من فوق رؤوس أهل الريف. فالإكثار من الحديث عن حقوق المثليين وزواج المثليين وحق الإجهاض والحديث عن ضرورة تقييد امتلاك السلاح الناري كانت كلها مما يثير مخاوف القطاع الريفي المحافظ الذي وجد في ترمب بطلا منقذا.

    أمضى ترمب أربع سنوات عاصفات في البيت الأبيض وكان كالثور في مستودع الخزف. فلم يسنده خطابه الشعبوي الذي أوصله إلى البيت الأبيض. وأصبح وهو رئيس أقوى دولة على وجه الأرض، مثارا للسخرية في كل أرجاء العالم. وجاءت جائحة كورونا فقابلها بالتهريج وبنفس الرعونة ولغة الخطاب الشعبوية واللامبالاة. فكانت أمريكا الأضعف من بين دول العالم في التصدي للجائحة. ولذلك لم يكن غريبا أن يفقد ترمب الرئاسة عقب سنواته الأربع الأولى. وهو أمر لم يحدث لرئيس جالس على سدة الرئاسة منذ 1992.
    لقد وجهت القوى الأمريكية الجديدة صفعة بالغة القوة للوثة الترمبية العابرة. فقد كان وصول ترمب للرئاسة هو "فجة الموت" للمقاومة الكتيمة لمشروع الحرية والعدل والمساواة في أمريكا.

    حقق جو بايدن نصرا ساحقا على دونالد ترمب. وقد تغيرت الخارطة الانتخابية الأمريكية تغيرا كبيرا إذ تحولت عدة ولايات من حمراء إلى زرقاء. كما أن حجم المشاركة في هذه الانتخابات لم يحدث في تاريخ أمريكا. لقد انتفض الأمريكيون لكرامة وطنهم وقاموا بتطهير مقعد الرئاسة مما لوثه به دونالد ترمب. فهذا النصر، في تقديري، هو نصر الشعب الأمريكي بأكثر مما هو نصر الحزب الديموقراطي. فالحزب الديموقراطي حزب معتل تسيطر عليه مثل رصيفه الجمهوري مجموعات المصالح. ولسوف تظهر الأيام ما اذا سوف ينتهز الديموقراطيون هذه الفرصة العظيمة فيصلحوا من حال حزبهم، أم انهم سينغمسون فيما كانوا فيه أصلا فتضيع هذه الثورة ذات الدلالات العميقة التي فجرتها صناديق الانتخابات.
                  

11-10-2020, 05:17 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    ترمب يضمد جرح نرجسيته بالغولف
    النور حمد
    صحيفة التيار 10نوفمبر 2020
    في الوقت الذي منحت أجهزة الإعلام الأمريكية صباح السبت المرشح الرئاسي جوزيف بايدن لقب الرئيس المنتخب، وكمالا هاريس لقب نائب الرئيس المنتخب، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يلعب الغولف في ضاحية إستيرلنغ بولاية فرجينيا. وتقع ضاحية إستيرلينغ قريبا من منطقة واشنطن الكبرى. وهو مسلك يدل، في تقديري، على مدى غرابة شخصية ترمب. فبدلا أن يبقى وسط فريقه في البيت الأبيض يناقش حال مجده الذي أخذ ينهار أمام ناظريه، هرب إلى ملعب الغولف. وأخذ يبدد مرارة الهزيمة بقذف الكرات على مدى يومين، مبتعدا عن أعين أعضاء فريقه التي تحيط به في البيت الأبيض، وترمقه في إشفاق ورثاء. لم يحتمل ترمب نزع هيبته الزائفة. ولم يحتمل أن يراه المحيطون به والهزيمة تجلله من شعر رأسه إلى أخمص قدميه. فهو شخص تعود أن ينتصر، بأي طريقة، منذ أن دخل عالم المال والأعمال. ظل ترمب يعيش وهم "المنتصر الدائم"، غض النظر عن أخلاقية أو لا أخلاقية الكيفية التي ينتصر بها. وعموما كلما أوغلت الشخصية في هذه النوع من النرجسية والعجب بالذات، كلما كان جرحها عند الهزيمة أكثر غورا.

    كتبت صحيفة لوس أنجلز تايمز واصفة اعتياد ترمب على الفوز قائلة: "إن الهزيمة التي تلقاها ترمب يوم السبت هي المحصلة الحاسمة التي نادرا ما تلقى مثلها طيلة حياته. فقد بقيت البنوك تقدم له القروض حتى بعد أن أعلنت أعماله التفليس. كما بقي الناخبون الجمهوريون أوفياء له، رغم سلاسل الفضائح. أما سيطرة حزبه على مجلس الشيوخ فقد أبقته في مقعده رغم إجراءات خلعه التي قام بها الكونغرس". لقد صعد ترمب إلى سدة الرئاسة من حيث لم يحتسب أحد. فترمب ورث الثروة عن أبيه وعمل في مجال التطوير العقاري لعقود. أنشأ ترمب في عام 1995 شركة للفنادق والضيافة والتسلية، تضمنت كازينوهات للقمار. ولمع نجم ترمب أكثر عندما ظهر في عام 2004 ببرنامجه التلفزيوني الشهير The Apprentice ويقع البرنامج ضمن الفئة المسماة "تلفزيون الواقع" Reality TV ويبدو أن شهرة البرنامج هي التي دفعت بترمب إلى التفكير بالترشح للرئاسة في عام 2016، فظهر ضمن قائمة المرشحين الجمهوريين، رغم أنه لم يكن من السياسيين الجمهوريين المرموقين الذين يأتون لموقع الترشح للرئاسة من مقاعد الكونغرس ومجلس الشيوخ.

    استطاع ترمب بخطابه الشعبوي وجسارته وتنمره أن يقصي كل منافسيه من الجمهوريين، في الانتخابات التمهيدية، وأن ينفرد بتمثيل الحزب الجمهوري. وقد وجه ترمب وهو يصعد إلى موقع تمثيل الحزب الجمهوري إهانات بالغة لمنافسيه من كبار قادة الحزب، فلعقوا جراحهم وأحنوا له رؤوسهم وتقبلوا زعامته صاغرين. قبلوا رئاسته ودافعوا عنه حتى انهزم مؤخرا، وهكذا هي البراغماتية الأمريكية. لقد لقي ترمب من الشهرة عبر برنامج "ذي أبرينتس" فوق ما كان يتصور، وفوق ما تؤهله له قدراته المتواضعة. لكن ذلك النجاح جعله يطمع في أن يكون الشخص الأول في أمريكا، ففكر في خوض انتخابات الرئاسة.

    يحاول ترمب حاليا إنكار أنه هزم. وقد أخذ من قبل الإنتخابات يشكك في نزاهة الانتخابات ويمهد لعدم الاعتراف بنتائجها. وحتى بعد أن اتضح فوز منافسه بايدن، ظل يردد أنه هو الفائز. فوجهت إليه وسائل الإعلام الصفعة تلو الأخرى، بما في ذلك داعمته قناة فوكس. بهذا المسلك الشاذ يكون دونالد ترمب الرئيس الوحيد الذي عز عليه الاعتراف بالهزيمة. كما عازه نبل القادة الكبار الذين يهنئون منافسيهم بالفوز. لم يكن ترمب بحاجة إلى رئاسة أمريكا، فقد وجد من الشهرة والثروة ما يكفي ويزيد. لكن نرجسيتة وغروره وجهله بالعواقب وعماه عن خطاياه الكثيرة، وتاريخه الشخصي بالغ السوء، دفعت به إلى الحفرة التي ستنطمر فيها، مرة وإلى الأبد، نرجسيته ورعونته وغروره. فالآن انكشف غطاء الحصانة الذي كان يتدثر به، بذهاب الرئاسة عنه. وأتوقع أن تجري ملاحقته بالعديد من القضايا والفضائح "المتلتلة"، التي ربما قادته إلى السجن. فالنهم الذي لا يعرف الحدود مهلكة، و"التسوي إيدك يغلب أجاويدك".
                  

11-11-2020, 00:05 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    الفوضى الخلاقة السودانية
    النور حمد
    صحيفة التيار 11 نوفمبر 2020
    لا يمكن وصف المشهد السياسي السوداني الراهن سوى بأنه مشهد أضحت تتجاذبه الفوضى من جميع أقطاره. فبانسحاب الحزب الشيوعي السوداني من قوى الإجماع الوطني ومن قوى الحرية والتغيير، وانسحاب شريحة من البعثيين، أيضا، يصل المشهد السياسي السوداني الراهن إلى أعلى درجات التشقق. ولتصوير المدى الذي بلغه التشرذم، يكفي أن أن نشير إلى أن البعثيين، وهم بضع أحزاب صغيرة، قد دخل فصيل منها في دائرة الانسحابات الجارية حاليا. يشير المشهد المأزوم الراهن إلى أن طبختين رئيسيتين يجري إعدادهما على جبهتين كبيرتين متعارضتين. وربما تكون هناك أكثر من جبهتين، لكثرة اللاعبين في المشهد السياسي السوداني بالغ التعقيد. لكن، يمكن القول إن هناك جبهتين رئسيتين، وهما: (1) جبهة العسكر المكونة من الجيش وقوات الدعم السريع، والحركات المسلحة المنضوية تحت مظلة الجبهة الثورية. (2) جبهة القوى السياسية التي شكلت فيما مضى قوى الحرية والتغيير، وأخذ يصيبها القلق مع اقتراب قدوم قادة الجبهة الثورية الى الخرطوم، بعد أيام. حيث سيأخذون مواقعهم داخل بنية الشراكة العسكرية المدنية المعتلة التي تدير الفترة الانتقالية. فيصبح لهم حضور مقدر في المجلس التشريعي وفي المجلس السيادي وفي مجلس الوزراء. وتبقى حكومة حمدوك في برزخ، سمته الرئيسة كراهية الجهتين لها.

    في هذا التوقيت يخرج على الملأ، بعد صمت طويل، السيد علي كرتي، متحدثا باسم الحركة الإسلامية بتسجيل صوتي تتطابق لغته، وللغرابة الشديدة، مع لغة اليسار. انتقد كرتي إجراءات رفع الدعم والانصياع لسياسات المؤسسات المالية الدولية، متناسيا إجراءات الخصخصة وبيع مؤسسات القطاع العام التي انخرطت فيها الإنقاذ منذ أيام عبد الرحيم حمدي. ومتناسيا أيضا، سرقة ريع البترول والذهب وخلق الدولة الموازية وبيع أراضي البلاد وضرب منصات الإنتاج وطباعة العملة بلا غطاء حتى أصبح الدولار الواحد يساوي عشرات الآلاف، ثم مئات الآلاف من الجنيهات السودانية. ولا يدري المرء أين يصب خطاب كرتي هذا. هل أصبح الإسلاميون يساريين كما يبدو من ظاهر خطاب كرتي؟ أم هو تحريك للقواعد الإسلاميين لتثير غضب الشارع بسبب حالة الغلاء الطاحنة الراهنة، وخلق بلبلة عامة تمهد المسرح لقوى الإسلاميين داخل الجيش، إن كانوا لا يزالون يملكون وجودا فاعلا هناك.

    يحاول الحزب الشيوعي حاليا، ومعه من يسيرون على خطه "دك" أوراق اللعبة القديمة للثورة التي ارتضمت بجدار صلد، وإعادة "شك" ورق لعبة الثورة من جديد. غير أن هناك أسئلة مهمة تطرح نفسها، وهي: ما الذي سيجعل التحالف الذي يزمع الحزب الشيوعي بناءه الآن مختلفا عن تحالف "قحت"؟ وما الذي سوف يعصمه من التشقق والتشرذم هو الآخر، خاصة أن تجربة التحالف القديم لم تتجاوز العامين؟ أيضا هل الشارع الآن بنفس قوة تماسكه التي أوصلت الثورة نقطة انهيار نظام الإنقاذ، أم أن التشققات قد اعترت جسده، هو الآخر؟ من المهم جدا في تقديري ألا يتجاهل بناة التحالف الجديد أن للجبهة الثورية جمهورا عريضا، خاصة في العاصمة، ولسوف يقف هذا الجمهور حيث تقف. يضاف إلى ذلك أن الحزبين الكبيرين لهما ارتباطاتهما مع القوى الإقليمية التي لا تخفى على أحد، إضافة إلى تقاطعات هذه المنظومة مع كتلة الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة.

    لو ترك الجميع التدابر وتعاونوا على ترك الفترة الإنتقالية تمضي بهدوء، إلى حال سبيلها المرسوم، مع كل عللها الظاهرة، حتى تبلغ نقطة الانتخابات، لكان خيرا. وهذا ما دعا إليه بيان المؤتمر الشعبي الأخير، غير أنه ذكر باقتراحة بتقصير الفترة الانتقالية. خلاصة القول، لو أثمرت لنا هذه الفوضى كتلتين رئيسيتين كبيرتين لخوض الانتخابات، نكون قد وضعنا أقدامنا على الأرض السودانية الصلدة الجديدة. أما الحلم بأن من الممكن استعادة زمام الشرعية الثورية، عبر إعادة اصطفاف جديدة للجماهير، والظن بأن ذلك سوف يحقق على أرض الواقع ما ظلت تتصوره الأقليات السياسية اليسارية، في أدبياتها الكلاسيكية، فحلم بلا سيقان.
                  

11-12-2020, 10:32 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    مع الشيوعي في البحث عن بندقية
    النور حمد
    صحيفة التيار 13 نوفمبر 2020
    الميزة الرئيسة لثورة ديسمبر 2018 أنها تجاوزت كل أفق خطه ابن أنثى سوداني للكيفية التي سوف تجبر نظام الإنقاذ، المدجج بالسلاح والمحروس بجيوش من القوى الأمنية الشرسة، على الجثو على ركبتيه والتسليم لإرادة الشعب. لقد كانت ثورة ديسمبر من أنصع الثورات في تاريخ العالم، من حيث الالتزام بالسلمية بصرامة مدهشة. وكان ذلك هو ما خلب ألباب العالم، فطفق قادته وشعوبه يتغنون بها في كل مكان. لم تكن القوى الحزبية السودانية مؤمنة تمام الإيمان بالشعب في أي يوم من الأيام. ولو نظرنا إلى تاريخ مقاومة الأنظمة العسكرية الثلاثة التي حكمت السودان على مدى 52 عاما، لوجدنا أن استنفار الجماهير إلى الثورة ضد تلك الأنظمة قد ظل مصحوبا على الدوام، إما بمحاولات انقلابية، وإما بغزو أجنبي ينطلق من واحدة من دول الجوار. ويمكن القول بكل اطمئنان أنه لا يوجد جسم حزبي واحد، من الأحزاب الفاعلة، التي أدخلت نوابا إلى البرلمانات المختلفة، بقيت بلا تغلغل من نوع ما داخل المؤسسة العسكرية. خلاصة القول هنا، أن الثورة السلمية "كاملة الدسم" ، لم تكن مبدأ رأسخا لدى أي من أحزابنا الفاعلة. فهي أحزاب ذرائعية لا تعرف الالتزام بمبدأ، ولا تعرف اتساق المواقف.

    لعلنا جميعا نذكر أيام التجمع الوطني الديموقراطي المستضاف في أسمرا، والحديث عن الانتفاضة المحمية بالسلاح. حينها، اصطفت الأحزاب السودانية الفاعلة، بلا استثناء، وراء بندقية جون قرنق. لكن ما لبث جون قرنق أن انزلها من ظهره بهدوء وانخرط في التفاوض مع نظام الإنقاذ بمعزل عنها. ثم دخل في شراكة ثنائية للحكم مع الإنقاذ، حبست كل القوى السياسية خارج السور. انتهت تلك الشراكة الثنائية، بعد ستة سنين من اتفاقية نيفاشا، بانفصال الجنوب. وحاليا لا تمر مدة الا ونسمع بمذكرة للتفاهم جرى توقيعها بين حزب ما وفصيل مسلح. من ذلك، على سبيل المثال، التفاهم حول علمانية الدولة الذي جرى في أديس أبابا، بين الحزب الشيوعي السوداني ومجموعة عبد العزيز الحلو المسلحة. ومنها مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها في القاهرة بين الاتحادي الأصل ومجموعة مني أركو مناوي المسلحة. وأخيرا كانت مذكرة التفاهم بين الحزب الشيوعي السوداني ومجموعة موسى هلال المسلحة. وهي، في تقديري، الأغرب بين كل رصيفاتها.

    يمكن للمرء أن يقفز مباشرة للسؤل الذي يفرض نفسه بصورة تلقائية، وهو: لماذا لم يوقع الحزب الشيوعي مذكرة تفاهم مع قوات الدعم السريع، ما دام لديه ما يسوغ به توقيع مذكرة تفاهم مع مجموعة موسى هلال؟ فلو نحن نظرنا إلى بدايات التطهير العرقي في دارفور، ابتداء من عام 2003 لوجدنا أن المجتمع الدولي لم يكن يتحدث، ولم تكن أصابعه تشير إلى شخص غير السيد، موسى هلال. الغريب أن السكرتير العام للحزب الشيوعي فتح النار بصورة محددة، في مؤتمره الصحفي الذي أعقب مذكرة التفاهم مع مجموعة موسى هلال، بيوم واحد، على قوات الدعم السريع. وكأنه يريد بذلك الهجوم دعم مذكرة التفاهم التي وقعها وإرضاء حليفه الجديد. كما كان من الملاحظ، أيضا، تجنب السكرتير العام للحزب الشيوعي التحدث عن القوات المسلحة، رغم أنها هي التي تدير الصناعات الحربية ومنظومة شركاتها التي قال رئيس الوزراء عنها: إنها تستحوذ على 80٪ من مداخيل الدولة، وإنها خارج رقابة ومراجعة جهاز الدولة . يضاف إلى ذلك، أن القوات المسلحة، باعتراف الفريق أول، شمس الدين الكباشي، كانت هي التي أمرت مع بقية شركائها بفض الاعتصام، على النحو الوحشي الذي جرى. لابد والحال كذلك أن نقول للحزب الشيوعي إن هذا النوع من الانتقائية في المواقف، الذي تفرضه التكتيكات السياسية الوقتية، لن يجد الاحترام من أحد.

    السيد موسى هلال متهم من جانب المحكمة الجنائية الدولية، وعليه عقوبات من جانب الأمم المتحدة. وعموما، المتهم برئ حتى تثبت إدانته. لكن، ينبغي أن ننتظر حتى تثبت براءته. لماذا يريد الحزب الشيوعي، قبل أن يجري إخلاء ساحة السيد موسى هلال تماما، أن يدخل معه في تفاهمات يدخل بها نفسه في مدار خارجي معقد، تدور في مساراته المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة؟ هذه في تقديري ذرائعيةٌ بلا ضفاف وفقدان للبوصلة ومجافاة لما يقتضيه الموقف الأخلاقي ونسف كامل للاتساق في المواقف السياسية. يضاف إلى كل ما تقدم، فإن الحركات المسلحة تدافع عن قضايا الهامش، وهي، بهذا الوصف، لا تقع ضمن إطار تحليلات الحزب الشيوعي وتنميطاته. لقد خرج الحزب الشيوعي ليحرك الشارع ضد الحكومة التي أتى بها، رغم وجود كوادره داخلها. لكنه سرعان ما قام بهذه القفزة الهائلة في الظلام ليوقع تفاهما مع مليشيا لا تزال مطاردة قانونيا من قبل المجتمع الدولي.
                  

11-15-2020, 03:19 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    الأدوية والعبث بأرواح الناس
    النور حمد
    صحيفة التيار 15 نوفمبر 2020
    إن أسوأ ما يصيب أمة من الأمم هو تخريب الضمائر حد إماتتها تماما، وقتل الحساسية وسط الصفوة المتنفذة تجاه معاناة عامة الناس. وهذا ليس جديدا، وإنما هو قديم قدم التاريخ. فقد جاء في القصص القرآني: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا". وتحتاج هذه الآية إلى شرح كثير ليس هذا محله. الشاهد، أن نهج تدمير ضمائر الصفوة وإماتتها ظل يتنامى منذ نيل الاستقلال، وقد بلغ أوجه في فترة حكم الإنقاذ. ولا يوجد ما هو أكثر إنامة للضمائر، وإماتة لها، من المفاهيم الدينية الخاطئة. والمفاهيم الدينية الخاطئة هي ما روجت لها الإنقاذ طيلة سنوات حكمها الثلاثين، فانتهى الأمر بها إلى تحويل الحزب الحاكم وذيوله إلى أكبر سارق للمال العام في العالم. والآن، ما أكثر تمظهرات موت الضمير في حياتنا اليومية. فكل أزماتنا المتعلقة بأساسيات العيش؛ كالخبز والدواء والوقود، يمثل موت الضمير واحدا من أهم مكوناتها. ولا ينحصر موت الضمير وفقدان الحساسية تجاه معاناة الناس في حالتنا الراهنة، في كارهي الثورة وجيوشهم الناشطة بكل سبيل في العمل على إفشال الفترة الانتقالية، وإنما يمتد فقدان الحساسية وموت الضمير إلى التنفيذيين الذين أتت بهم الثورة. فالداء منقسم بين الفريقين. فلولا غفلة السلطات وقلة حساسيتها وعجزها الإداري، ما وجد المستهترون مجالا للاستهتار والعبث بحيوات الناس.

    لقد انشغلت وسائط التواصل الاجتماعي والأوساط الصحفية منذ قرابة الأسبوعين بالفيديو الذي صوره سائقو الشاحنات المحملة بالأدوية التي ظلت تنتظر التفريغ جنوب الخرطوم، لما يزيد عن عشرة أيام. غير أن المسؤولين لم يتحركوا سوى قبل بضعة أيام. فقام السيد عمر مانيس بزيارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية، كما قام الدكتور عبدالله حمدوك بإقالة مديرة الصندوق. وما دام أن تقصير المديرة قد ثبت بما برر إقالتها، فلماذا لا تقدم ضدها وربما بعضا ممن حولها من مرؤوسيها تهما جنائية؟ فالذي جرى فيه تلاعب صراح بأرواح الناس.

    تعللت إدارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية بأنها غير قادرة على استيعاب الشحنات الجديدة لنفاد السعة التخزينية لديها. فإذا كانت أرفف الصيدليات فارغة والناس في طول البلاد وعرضها يشكون لطوب الأرض من انعدام الأدوية، بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة، فما الذي يجعل مخازن الإمدادات ممتلئة؟ هل يحجزون الأدوية في المخازن لتستفحل الأزمة؟ ولماذا لم تحدث مشكلة التخزين هذه طيلة السنوات الماضية؟ لماذا حدثت الآن بالذات؟ ونحب أن نذكر الصندوق القومي للإمدادات الطبية أنه سبق أن تفاخر في سنة 2017 أنه زاد السعة التخزينية بمقدار 46 ألف متر مكعب بتكلفة بلغت 174مليون جنيه. والسؤال الأخير: ألا يعلم الصندوق أن هذه الأدوية قد تحركت من البلاد التي أتت منها، ثم تحركت بالشاحنات من بورتسودان متجهة إلى الخرطوم، وأن من واجب الصندوق أن يكون جاهزا لتفريغها من حمولتها؟ وأن من واجبه أيضا أن تكون له خطط احتياطية كاستئجار مخازن مبردة؟ فإما أن أمور البلاد وحياة الناس تدار بعبث واستهتار ولا مسؤولية تفوقان التصور، أو أن هناك قصدا مبيتا لاستمرار أزمة الدواء وهلاك المواطنين، لكي تكسب من ذلك جهات سياسية او تجارية بعينها.

    أما إعلامنا؛ الحكومي وغير الحكومي، فأمره عجب. حاولت أن أجد تحقيقا شافيا حول هذه القضية، وهي قضية رأي عام من الدرجة الأولى، فلم أجد ما يشفي الغليل. وشكرا لوسائط التواصل الاجتماعي، فقد أثار هذه القضية سائقو الشاحنات الذين تضرروا من طول الانتظار وتعطل عملهم، وإلا ربما لم نسمع بهذه المشكلة أصلا. وبعد أن سمعنا بها توقعت أن تتسابق محطات التلفزيون والصحف إلى الموقع لتنقل تقارير حية وتسأل هل هذه الأدوية في شاحنات مبردة أم في حاويات قابعة تحت شواظ الشمس. فدرجة الحرارة داخل حاوية مغلقة يمكن أن تصل منتصف النهار إلى أكثر من 50 درجة مئوية. وإذا كانت الأدوية في حاويات وليس في شاحنات مبردة فهل تصلح هذه الأدوية بعد أن بقيت عشرة أيام تحت درجة حرارة عالية؟ ينبغي على مجلس الوزراء أن يأمر المسؤولين في مثل هذه الحالات بإقامة مؤتمرات صحفية يسألهم فيها الإعلام. بل يجب أن يلزموا من قبل الحكومة بقبول دعوات الفضائيات لهم والحضور إلى الأستديو والإجابة على أسئلة حارقة يقدمها محاورون مقتدرون. بغير هذا سيبقى المسؤولون على هذه الحالة الكارثية؛ يرتكبون كل الموبقات ويستهترون بحياة الناس، ويندسون وراء وظائفهم، رافضين الحديث للإعلام.
                  

11-15-2020, 09:39 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    التخبط الجيواستراتيجي
    النور حمد
    صحيفة التيار 16 نوفمبر 2020
    التخبط الجيواستراتيجي في سياسية السودان الخارجية شأن قديم يعود إلى مرحلة العمل الوطني المنادي بالاستقلال، منذ الربع الثاني من القرن العشرين. وقد كان لحالة الشد والجذب التي نتجت عن الصراع بين تيار الاستقلاليين والاتحاديين تأثيرها السالب على توجه السودان الجيواستراتيجي. ورغم أن الاتحاديين، دعاة الوحدة مع مصر، انحازوا في اللحظات الأخيرة التي سبقت الاستقلال إلى الخط الاستقلالي، إلا أن الانجرار وراء مصر ودعوة القومية العربية استمر حتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970. حين وصل العقيد جعفر نميري إلى السلطة بالانقلاب العسكري عام 1969، بدأ حكمه يساريا متماهيا مع الخط القومي العربي، ودار السودان تبعا لذلك في فلك الناصرية والاتحاد السوفيتي. لكن تغير الوضع عقب محاولة الانقلاب التي قام بها الشيوعيون، وإبعاد السادات الخبراء الروس والتوجه نحو الغرب.

    في بداية تسعينات القرن الماضي، أخذ التوجه الجيواستراتيجي خطا راديكاليا، بسبب وصول الإسلاميين إلى السلطة، خاصة في العشرية الأولى التي سيطرت فيها رؤى الدكتور حسن الترابي العامدة إلى تصدير الثورة إلى ما وراء الحدود. فنشأت التوترات مع دول القرن الإفريقي وبلغت حد قطع العلاقات. وازدادت التوترات مع دول الخليج نتيجة لموقف الإسلاميين في السودان من غزو صدام حسين للكويت. كما أنجر السودان إلى المحور الإيراني نتيجة لإعجاب إسلاميي السودان بالثورة الإيرانية، وتصورهم لإمكانية نشوء حلف بين الإسلام السياسي وإيران، يعيد رسم خريطة المشرق العربي على نحو جديد. الشاهد، أن السودان بقي بلا بوصلة جيواستراتيجية منذ استقلاله وإلى يومنا هذا.

    بلغ التخبط الجيواستراتيجي في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس المخلوع عمر البشير، مبلغا لا يصدق. فبعد أن تغلغل الإيرانيون في السودان سياسيا وعسكري وعقديا في السودان، قلب لهم الرئيس البشير ظهر المجن وقطع علاقاته معهم. بل، وأرسل الجنود السودانيين إلى اليمن ليحاربوا ضد الحوثيين حلفاء إيران. حدث هذا بعد أن كانت إيران تهرب السلاح إلى حماس عبر الأراضي السودانية بتنسيق كامل مع حكومة الرئيس البشير، وبعد أن أصبحت البحرية الإيرانية ضيفا معتادا على ميناء بورتسودان، الأمر الذي أقلق السعودية ومصر ودول الخليج. وبلغ البشير في التخبط الجيواستراتيجي درجة العبط، حين طلب من بوتين بحضور أجهزة الإعلام حماية نظامه من خطر الأمريكيين، وعرض على روسيا إنشاء قاعدة عسكرية في السودان.

    في عام 2017 قال المدير الأسبق لإدارة الإعلام بوزارة الدفاع السودانية، اللواء متقاعد محمد عجيب، في مقابلة مع وكالة "سبوتينك": "أعتقد أن بلادنا بحاجة لتعاون عسكري مع روسيا إلى جانب التعاون السياسي والاقتصادي المستمر، مشيرا إلى أن بناء قواعد عسكرية روسية في البحر الأحمر سيؤدي إلى خلق توازن في المنطقة ويعيد للسودان الكثير من الأدوار التي كان يلعبها في محيطه العربي". ويبدو أن ما تحدث عنه اللواء المتقاعد محمد عجيب في عام 2017 حول ما يراه ضرورة لوجود قاعدة روسية في السودان، أصبح في طريقه إلى التحقق حاليا. فقد أوردت سكاي نيوز عربية، قبل بضعة أيام، أن روسيا ستنشئ قاعدة بحرية شمال بورتسودان. وأن مسودة الاتفاق تنص على أنه يحق لروسيا أن تنقل عبر مطارات ومرافئ السودان أسلحة وذخائر ومعدات تعد ضرورية لتشغيل القاعدة البحرية.

    من جانب آخر بدأت في الأيام القليلة الماضية مناورات مشتركة بين السودان ومصر يشترك فيها سلاح الجو المصري، منطلقة من مطار مروي. يجري هذا في ظل تلويح مصر المستمر بضرب سد النهضة، ما يجعل إثيوبيا تنظر إليها، وبالضرورة، بادرة عداء سودانية. خاصة بعد أن انخرطت الحكومة الأثيوبية في حرب مع إقليم التقراي الذي أخذ يخرج عن طوعها. وأيضا، في وقت لا تزال فيه قضية سد النهضة عالقة، ولا تزال فيه حلايب السودانية محتلة من جانب مصر. يجري كل ذلك في وقت تعود فيه العلاقات السودانية الأمريكية إلى طبيعتها السابقة لفترة فرض العقوبات، وأيضا، في وقت تجري فيه خطوات التطبيع مع إسرائيل. يشير كل ما تقدم إلى أن السياسة الخارجية السودانية لا تزال تعيش في ظل تخبط وتقلبات فترة حكم البشير. كما أنها، فيما يبدو، لا تنطلق من مركز حكم واحد، وإنما من مركزين، وربما أكثر. ولهذا التخبط ثمنه الذي ستدفعه البلاد عاجلا أو آجلا.
                  

11-17-2020, 11:37 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    خطر اللامبالاة تجاه الكورونا
    النور حمد
    صحيفة التيار 18 نوفمبر 2020
    أصبت بفيروس كورونا قبل ثلاثة أسابيع، وتأكدت إصابتي بالفحص المعملي بعد حوالي أسبوع من بداية الأعراض. وبحمد الله تجاوزت المرحلة الحرجة وأخذت أتعافى بصورة مضطردة، لكنها بطيئة. وأود أن أقول إن هذا المرض لا يشبه أي مرض آخر. لقد أصبت منذ طفولتي، وإلى الآن، بكل أمراض المناطق الحارة، ربما بلا استثناء، لكني لم أجد مرضا ممضا وهادما للقوى البدنية ومسببا لأقصى درجات الوهن واعتلال المزاج مثل هذا المرض العجيب. ويبدو لي أنه يعبث بكل كيمياء الجسد الطبيعية. فهو يطالعك كل صبح جديد بأعراض جديدة. ومن غرائبه التي حدثت لي، ارتفاع غير طبيعي في سكر الدم، رغم أنني لست مصابا بمرض السكري. فحتى في الأيام التي لم أكن قادرا فيها على تناول الطعام، يتعدي سكر الدم لدي، بعد ساعتين من تناول كوب شاي بالحليب من غير سكر 300. الشيء اللافت في مرحلة التعافي الشعور بالوهن الشديد واضمحلال القوى البدنية. ويبدو أن هذه المرحلة تستمر لدى بعض الناس لفترة قد تمتد لشهرين، وربما أكثر، حسب ما قرأت في العديد من التقارير الطبية المتخصصة. خلاصة هذه المقدمة، واستنادا على تجربتي، أنصح بأن نتجنب، بكل سبيل ممكن، الإصابة بهذا المرض.

    قادتني حالة الوهن البدني لأن أفكر في من يكسبون عيشهم بقواهم البدنية، كالحمالين والبناءين والحفارين والميكانيكية والحدادين والسمكرية والسباكين، وغير ذلك من المهن التي تعتمد على الجهد البدني، وعلى تحصيل رزق اليوم باليوم. فبالإضافة إلى خطر هذا المرض الذي يتسبب في الوفاة، لدى نسبة من المصابين، تزيد وتنقص وفقا لمختلف العوامل، فإنه يمكن أن يتسبب، أيضا، في ضيق بالغ في العيش للأسر التي تعتمد على عائل واحد يكسب قوته بالجهد البدني. الشاهد أن لهذا المرض آثارا اقتصادية مدمرة على الأسر. خاصة، أن الإصابة به يمكن أن تتكرر بعد بضعة أشهر من تلاشي المناعة المؤقتة المكتسبة. ورغم البشريات بالتوصل إلى لقاح، إلا أن وصول اللقاحات إلى دول العالم النامي سيأخذ وقتا، لأن هناك الكثير من العوائق التي تعترض وصوله بالسرعة المطلوبة. لذلك، تقتضي الفترة الحالية منا جميعا أخذ أقصى درجات التحوط و التعامل مع الأخطار الجمة لهذا المرض بالجدية اللازمة، والالتزام الصارم بالموجهات.

    لقد بدأت الآن الموجة الثانية لهذا الفيروس. ويبدو انها أكثر شراسة وأكثر انتشارا من الموجة الأولى. فقد ازدادت الإصابات في الولايات المتحدة، في شهر واحد، من 7 ملايين إلى 11مليون. وبلغ عدد الوفيات ربع مليون شخص. وقد كان لاستهتار الرئيس ترمب بالجائحة وتشجيعه على عدم لبس الكمامات وسط مناصريه، الدور الرئيس في هذا الانتشار المخيف. ويجري هذا الانتشار الآن بدرجات متفاوتة في مختلف دول العالم. المزعج في الأمر أننا هنا في السودان شرعنا في التعامل مع الموجة الثانية، بحذر أقل، بكثير، مما تعاملنا به مع الموجة الأولى. وقد ضربت حكومتنا مثلا في السلوك اللامبالي، حين سمحت بالاحتفال بتوقيع السلام على النحو الذي شاهدناه في ساحة الحرية. وأتوقع أن تظهر الآثار الكارثية لذلك التجمع الكبير في الأسابيع المقبلة، و"ربنا يكضب الشينة".

    لكي نتجنب حدوث وضع كارثي نعجز عن التعامل معه، ينبغي أن نتجنب التجمعات في صالات الأفراح وصيونات الأتراح. وأقترح أن يدخل المصلون المساجد بالكمامات، وان يقفوا متباعدين. وكذلك أن يخفف الإئمة الصلاة. وكذلك أن تفرض المحليات على المتاجر والمولات توفير المعقمات وأن تفرض لبس الكمامات داخلها. وهناك الكثير من الإجراءات الاحترازية التي يمكن أن نشرع فيها الآن، حتى لا تقع الفأس على الرأس. وأن نوسع من الإجراءات ونتشدد في تنفيذها كلما زادت الإصابات، بل قبل أن تتفاقم الأوضاع . لكن، ما أراه الآن أن حكومتنا ووزارة الصحة تغطان في نوم عميق. أما إعلامنا فلا زال على ماهو عليه من عدم المعرفة بأخذ زمام المبادرة. فجائحة الموجة الثانية لا تزال لا تحتل موقعا متقدما في سلم أولوياته. وعموما كان إعلامنا الرسمي، على الدوام، "عبد المأمور"، ويبدو أنه سيظل كذلك.
                  

11-20-2020, 09:51 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    لابد من إجراءات قبل الإغلاق الكلي
    النور حمد
    صحيفة التيار 21 نوفمبر 2020
    أوضحت اللجنة العليا للطوارئ الصحية يوم الخميس أنه ليس لديها اتجاه لفرض إغلاق كامل وتقييد للحركة. وذكر وزير الصحة المكلف فيما نسبته إليه صحيفة السوداني: "أن الإغلاق يتوقف على مدى انتشار المرض وقدرة المجتمع على التعامل مع كورونا". لكن، يمكن القول، وبثقة تامة، أن المرض ينتشر وبوتيرة متسارعة، وأن الإحصاءات الرسمية لا تعكس حقيقة ما يجري في الواقع. أما قدرة المجتمع على التعامل مع الكورونا بالانضباط الذاتي، فمتدنية للغاية، ولا ينبغي أن نعول عليها. وقد شاهدنا جميعا لامبالاة المجتمع بالاحترازات الصحية في تجربتنا مع الموجة الأولى. فتجربة الإغلاق الفائتة لم تفعل شيئا سوى أنها قيدت الحركة بين المدن الثلاث، وبقي سكان كل مدينة يتحركون داخلها طولا وعرضا بحرية تامة. ومع ذلك كانت لذلك الإغلاق على علاته فوائده. كما أن منع الحركة بين العاصمة والأقاليم لم يكن محكما، بل كان فاشلا بكل المقاييس.

    لا أدعو هنا إلى القفز إلى فرض الإغلاق الكلي الذي له آثاره المعيشية الضارة على كثيرين، وإنما أدعو إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الممكنة التي تقلل من الانتشار. ويقتضي ذلك شن حملة إعلامية وإدارية، ضخمة وفاعلة لفرض إجراءات محددة لمنع الانتشار. فالناس ليسوا أحرارا في الإضرار بالآخرين. عدت من الولايات المتحدة قبل شهر ورأيت كيف أن مؤسسات الدولة تفرض على المواطنين إجراءات بعينها. وكيف أن مؤسسات القطاع الخاص تلتزم بتطبيق تلك الإجراءات بحرفية. ومما يمكن فرضه حاليا على سبيل المثال، إيقاف حفلات الزواج في الصالات وجعل الزواج قاصرا على إجراءات العقد بين فئة قليلة من أهل الزوج وأهل الزوجة مع الاحترازات الأساسية كلبس الكمامة والتباعد في الجلوس. ومن لا يقبل بذلك عليه تأجيل الزواج حتى تتغير الأوضاع الصحية. أيضا لابد من حث الناس على لبس الكمامة عند دخول المساجد وأن يقوم الأئمة بالتنبيه المستمر والتحدث مباشرة مع المخالفين . أيضا، من الضروري أن يقف الناس في صفوف الصلاة متباعدين، بصورة تمنع اختلاط الأنفاس. ويشمل ذلك صلاة الجنازة مع قصر الدفن على فئة قليلة من الناس، مع أخذ كافة الاحتياطات. كما ينبغي تنبيه المصلين في المساجد إلى ضرورة أن يحتفظ المصلي بمنديل أو فوطة صغيرة ليضعها مكان وضع الرأس في السجود. فلربما وضع مصاب رأسه في نفس هذا المكان في الصلاة الفائتة واحتفظ بساط المسجد بالفيروس من أنفاس ذلك الشخص المصاب او الحامل للفيروس.

    أيضا، لابد للإعلام أن يخرج من غفوته ويجعل من التحذير من خطر الموجة الثانية هذه على رأس أولوياته. فالناس لا يحذرون إلا إذا أدركوا جدية الخطر وخافوا من العواقب. فعلى الإعلام أن يكثر من الحديث عن الكورونا وأخطارها الماحقة. ومن الملاحظ أن وسائط التواصل الاجتماعي تمتلئ بتحذيرات من مختصين، تصور مبلغ الخطر وتحذر منه بشدة، لكننا لا نجد تلك التحذيرات في الإعلام الرسمي. أيضا، للقطاع الخاص دورا هاما ينبغي أن يلعبه، ويقتضي ذلك أن تفرض الجهات الإدارية موجهات للمتاجر الكبيرة التي ترتادها أعداد كبيرة من الناس. من ذلك توفير معقمات الأيدي وتوفير الكمامات لمن يأتي من غير كمامة، وإذا لم يوفر المتجر الكمامة عليه منع من لا يأتي بكمامة من الدخول. وعلى المتاجر أن تضع مواجهات لضمان التباعد بين المتسوقين داخل المتجر.

    أيضا لابد أن تلعب الشرطة دورا في تنظيم صفوف المخابز وفقا للموجهات الصحية. ولابد للمحليات من مراقبة عمال المخابز وتجمعات بائعات الشاي والكافتيريات والمطاعم وفرض غرامات على من لايرتدون قفازات ولا يلبسون كمامات، خاصة عمال المخابز والجزارات والفواكه والخضروات الذين يعبئون السلع للزبائن في الأكياس. الشاهد أن هناك عدم احساس بالخطر من جانب السلطة ومن جانب الشعب، وهناك ما يمكن أن نسميه تراخيا عاما. عموما إن ما أقترحه هنا مجرد أمثلة وليس استقصاء لما يمكن فرضه بقوة القانون من إجراءات. وإذا لم تتخذ الإجراءات وتجري متابعة تنفيذها بصرامة، فإن هذه الموجة الثانية ستكون مدمرة، خاصة أن بلادنا لا تملك الإمكانيات الضرورية لمواجهة هذا النوع من الجوائح المدمرة.
                  

11-24-2020, 10:15 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    حرب التقراي: هل ينجح الحسم العسكري؟
    النور حمد
    صحيفة التيار 25 نوفمبر 2020
    حدثت الكثير من الحركات الانفصالية عن الدولة المركزية، في كثير من الأقاليم، في مختلف القارات، في التاريخ الحديث والمعاصر. وقد انقسم التعاطي مع النزعات الانفصالية، بصورة عامة، بطريقتين: تتمثل الأولى في قبول الدولة المركزية الانفصال عبر استفتاء قد يأتي غالبا بعد الفشل في الحسم العسكري. أما الطريقة الثانية فهي رفض التفاوض مع الإنفصاليين والاتجاه إلى الحسم العسكري واستئصال شأفتهم نهائيا، وتوحيد البلاد بالقوة العسكرية. من التجارب البارزة التي اختارت طريق الحسم العسكري، تجربة الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، التي اشتعلت بعد فترة قصيرة من تنصيب الرئيس أبراهام لينكلن. وقد كان قرار تحرير الرقيق سببا مباشرا في أن تعلن الولايات الجنوبية الانفصال عن الاتحاد الأمريكي لتشكل فيما بينها كونفدرالية تضمها معا، في انفصال كامل عن الدولة المركزية. اختار الرئيس أبراهام لينكلن محاربة الولايات الجنوبية وتمكن من هزيمة جيوشها وأخضعها بالقوة لسلطة المركز. ومن التجارب الآسيوية تجربة توحيد فيتنام بهزيمة أمريكا التي كانت معسكرة في الشطر الجنوبي، بواسطة قوات الفيتكونغ المدعومة، حينها، من الاتحاد السوفيتي والصين. ومن تجارب الحسم العسكري الإفريقية البارزة تجربة نيجيريا. فقد اندلعت الحرب الأهلية النيجيرية بين الحكومة المركزية وبين إقليم بيافرا الذي كان يسعى للانفصال في 6 يوليو 1967 وانتهت بهزيمة الإنفصاليين في 15 يناير 1970. وقتها كان يحكم نيجيريا الجنرال يعقوب قوون، في حين كان يتزعم الحركة الانفصالية الكولونيل أودوميقوو أوجوكو. وهناك حرب اليمن التي وحدت شطري اليمن في عام 1994 في عهد الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح. انهزمت قوات الشطر الجنوبي هزيمة ساحقة أمام قوات الشطر الشمالي، وسقطت مدينة عدن، وفرت قيادات الشطر الجنوبي الشيوعية إلى خارج البلاد. ومن التجارب المتأخرة تجربة سريلانكا في هزيمة نمور التاميل في عام 2009 واستئصال شأفتهم بعد عقود من النزاع المسلح بدأ منذ عام 1983. وهذا مجرد أمثلة من نماذج فرض الوحدة بالقوة.

    يجري فرض الوحدة بالقوة العسكرية حين تكون الحكومة المركزية قادرة على هزيمة الإنفصاليين عسكريا هزيمة ساحقة. ويقتضي هذا أن تكون الدولة المركزية تملك من القدرات العسكرية ما يمكنها من الحسم العسكري. يضاف إلى ذلك، أن تكون مصممة ومؤمنة بحقها في فرض الوحدة، ومستقلة تماما في قرارها السياسي، وكذلك تقف وراءها وحدة وطنية صلدة. ويمكن القول أن أغلب الحروب التي انتهت بالانفصال وقف وراءها عجز الدولة عن الحسم العسكري. وتمثل التجربة السودانية واحدة من أوضح الأمثلة في العجز عن الحسم العسكري. فالحرب الأهلية السودانية تعد من أطول الحروب الأهلية. وقد كان من الممكن تجنب تلك الحرب تماما وتجنب الانفصال، لولا غطرسة النخب المركزية وقلة حكومتها ووعيها السياسي. فالجنوبيون لم يطالبوا سوى بحكم فيدرالي داخل إطار الدولة الموحدة. فجرى رفض طلبهم وجرى التشنيع بالطلب وبطالبيه، وحدث التمرد، وانتهت الحرب بعد عقود طويلة بانفصال الجنوب عن طريق الاستفتاء.

    والآن تسير حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في طريق الحسم العسكري. فقد رفض أبي أحمد كل الوساطات والدعوات للمفاوضات التي جاءت من المجتمعين الإقليمي والدولي. وأصر على الزحف على مدينة ميكللي عاصمة إقليم التقراي والاستيلاء عليها وفرض سلطة الدولة المركزية على الإقليم بقوة السلاح. وكما أشرت في مقدمة هذه المقالة فإن طريق الحسم العسكري نجح في تجارب عديدة. بل إن تجارب نجاح خيار الحسم العسكري أكثر بكثير من تجارب تحقيق الانفصال. لكن شرط نجاح خيار الحسم العسكري هو، بطبيعة الحال، امتلاك القوة العسكرية الحاسمة وكذلك المهارات العسكرية المتفوقة على الخصم. ولذلك فإن حكومة أبي أحمد أمام امتحان عسير. فإذا تعقدت الأمور واستعصى الحسم العسكري في وقت وجيز، فإن لذلك خطره الكبير على الدولة الإثيوبية. لأن ذلك سوف يظهر ضعف الحكومة المركزية عسكريا. ولربما يغري هذا بعض الأقاليم المتململة لتبدأ صراعا مسلحا مع الدولة المركزية. وهذا سيزيد من عدم قدرة الحكومة المركزية على الحسم، أذ تجد نفسها تحارب في أكثر من جبهة. كما أن الحكومة الإثيوبية سبق أن تلقت تهديدات عسكرية مصرية بسبب سد النهضة. عموما سيتضح في الأسبوع، أو الأسبوعين المقبلين، ما إذا كان إصرار حكومة أبي أحمد مستند على تفوق عسكري حقيقي وإرادة إثيوبية شعبية داعمة، أو ما أذا كان الأمر مجرد "ركوب رأس".
                  

11-28-2020, 10:38 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    بين سلطة مهملة وجمهور لا يتقيد
    النور حمد
    صحيفة التيار 29 نوفمبر 2020
    ورد في بيتين من الشعر منسوبين إلى الإمام الشافعي، قوله: "جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي/ وما حمدي لها شكرا ولكن عرفت بها عدوي من صديقي". وأود في سياق ما أود الحديث عنه في هذه المقالة أن أستخدم هذين البيتين في وجهة ما أظهرته جائحة كورونا من مثالب المسلك لدى نخبنا القائدة ولدى عامة الشعب. فمقدار حصيلتنا من التمدن والتحضر لم يسبق أن اختبرت بمثل ما اختبرت به في هذه الجائحة الهوجاء. كما لم تنفضح ضآلة محصولنا من التحضر والتمدن بمثل ما انفضحت به في هذه الجائحة، أيضا. لقد أهدتنا هذه الجائحة عيوبنا كأوضح ما يكون وليتنا عملنا بجد على التخلص منها. وتتمثل بداية التخلص منها في الاعتراف بها وترك المكابرة بشأنها.

    منذ نهايات أكتوبر بدأ الحديث على مستوى العالم عن الموجة الثانية من جائحة كورونا. وقد بدأت الإصابات بها تتكاثر في نصف الكرة الأرضية الشمالي بصورة تنذر بخطر داهم. الأمر الذي حدا بالسلطات في عديد الأقطار للتفكير في الإغلاق الجزئي، وفي شن حملات التوعية الواسعة، وفي التشديد على ضرورة اتباع التوجيهات. وقد حدثت تفلتات في المجتمعات الغربية تمثلت في تظاهرات جماهيرية جرت هنا وهناك. وهذا طبيعي، فليس هناك مجتمع كامل التمدن. لكن، مع ذلك، لا مقارنة البتة بيننا وبين الغربيين في احترام القوانين وفي الانصياع لتوجيهات السلطات. الشاهد أن السلطات لدينا أظهرت افتقارا فاضحا للصفات القيادية وللقدرة على اتخاذ المبادرات التي تدرأ الأخطار.

    في 15 نوفمبر أقامت الحكومة احتفالا جماهيريا جرى فيه استقبال قادة الحركات المسلحة العائدين بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام. وقد جرى حشد الجماهير لهذا اللقاء الجماهيري، فتوافد الآلاف إلى ساحة الحرية بالخرطوم رغم نذر الجائحة التي جعلت العالم بأجمعه يقف على أمشاط أصابعه. بعد خمسة أيام من الحشد الذي جرى في ساحة الحرية أقام فنان الطمبور محمد النصري حفلا غنائيا حاشدا بنادي ضباط القوات المسلحة أمه الآلاف من الشباب، الذين جلسوا متلاصقين بلا احتراز لساعات. ثم جاءت وفاة الإمام الصادق المهدي، عليه الرحمة والمغفرة والرضوان، ليتدافع الآلاف من الأنصار وغيرهم لتشييعه في جامع الخليفة. هذه الحشود الجماهيرية الضخمة حدثت كلها في مدة لم تتجاوز 12 يوما. فقد جرت في 15و 20 و 27 من نوفمبر الجاري. ويحمد لهيئة شؤون الأنصار أنها طلبت من الأنصار في الأقاليم تلقي العزاء في أماكنهم. غير أن الحشد الذي حضر التشييع كان صخما جدا وينذر بخطر كبير في الأسبوعين المقبلين. وأعتقد أننا نجني حاليا خطأ إقامة احتفال الساحة الخضراء وحفل نادي الضباط في هذا الاستشراء الكبير. ونسأل الله اللطف فيما هو مقبل.

    نحن نعاني من أزمة تاريخية في القيادة، ومن ثم في القدرة على الأخذ بزمام المبادرة بإصدار التوجيهات وفرضها بقوة القانون على المواطنين. لقد جرت حشود نوفمبر بمباركة السلطات، بإستثناء تشييع الإمام الصادق المهدي، الذي لم يكن بمقدور السلطات التحكم المطلق فيه. لكن، كان من الممكن التحكم الجزئي فيه، وهو ما لم تقم به السلطات. أما الإعلام الحكومي فهو، كعادته، "صوت سيده". فهو لا يتحدث إلا بعد أن تتحدث السلطات، التي بدورها قليلا ما تتحدث حديثا مفيدا.

    نحن في أزمة بنيوية مزمنة ومزدوجة، تتمثل في نخب متنفذة بلا صفات قيادية. فهي مشغولة بنفسها بأكثر مما هي مشغولة بالشأن العام وبالصالح العام. كما تتمثل، أيضا، في جمهور تدفعه عاداته التي أضحت أصناما معبودة، للانقياد الأعمى لتلك العادات، بأكثر مما ينصاع للعقل وللحكمة. فهو لا يعرف الانصياع للتوجيهات والتحذيرات التي تملأ وسائط الإعلام العالمية ولا يحترم شيئا مما تقوله السلطات هنا في السودان، إن هي خرجت وقالت شيئا. ولسوف يحصحص الحق فيما يتعلق بفداحة هذه الجائحة الثانية في الأسبوعين المقبلين. فهلا وضعنا خيار الإغلاق التام على الطاولة؟ وهلا استبقنا ذلك بإعلان الطوارئ الصحية وشرعنا في فرض إجراءات صارمة ووقفنا جميعا على أمشاط أصابعنا لدرأ خطر الموت الزؤآم الذي أخذ يدق على الأبواب؟
    .
                  

12-01-2020, 09:46 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    ماذا أعددنا لعودتنا المتوقعة إلى العالم؟
    النور حمد
    صحيفة التيار 2 ديسمبر 2020
    بدأت أشائر انفتاح الفرص لبلادنا في وصل ما انفصم من صلاتها بالعالم، تتبدى مع اقتراب أوان رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ورغم أن الرفع ليس مؤكدا 100٪، إلا أن زيارة وفد شركة بوينغ، عملاق صناعة الطيران الأمريكية، للبلاد يعد مؤشرا قويا، أن رفع اسم السودان قد أصبح في حكم الأمر الأمر الواقع. خاصة، إذا أضفنا إلى ذلك مهاتفة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، قبل يومين، للسيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ويبدو أن شركة بوينغ قد سارعت بالوصول إلى السودان لتستعيد موقعا قديما فقدته بسبب التراجع المستمر في أداء الخطوط الجوية السودانية، ثم بسبب العقوبات التي استمرت لأمد طويل. فموقع السودان في خريطة الطيران في الإقليم، موقع بالغ الأهمية. يضاف إلى ذلك أن بوينغ قد فقدت لأسباب مختلفة، جزءا كبيرا من حصتها من السوق في هذه المنطقة الحيوية الواعدة بسبب المنافسة التي تسببت فيها عملاقة صناعة الطيران الأوروبية آيربص. ويمكن القول هنا إن المنافسة بين بوينغ وآيربص تمنح السودان نقطة قوة في أي اتفاق يجري إبرامه مع بوينغ. وقد كانت للسودان صلة قوية بشركة بوينغ. فأول نقلة كبيرة حدثت في أداء شركة الخطوط الجوية السودانية، إنما حدثت بعد استيراد الشركة طائرات بوينغ 707 وبوينغ 737 في بداية سبعينات القرن الماضي. ولقد كانت تلك الطائرات هي الأحدث والأكفأ في وقتها.

    أيضا تردد في الأنباء أن وفدا تجاريا أمريكيا في طريقه إلى السودان، وأن وفدا إسرائيليا استثماريا، هو الآخر، في طريقه إلى السودان. ولن يكون هذا الإقبال المبدئي على السودان، في تقديري سوى مقدمة لهجمة استثمارية كبيرة ستتوالى بقوة بعد أن يصبح رفع ايم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حقيقة واقعة. فالعالم كله يعرف ما يملكه السودان من موارد، إضافة إلى ما يؤهله له موقعه الجغرافي ليصبح منصة انطلاق، متعددة الوجهات لكبرى الاستثمارات العالمية. لكن يبقى كل ذلك رهين بإصلاح جهاز الدولة ومنظومة الخدمة المدنية واستئصال بؤر الفساد في المؤسسات الحكومية. فرؤوس الأموال الدولية متعطشة لفتح أسواق جديدة، خاصة في أفريقيا. لكن تبقى فرصة اغتنام هذه الفرصة الجديدة التي ربما لا تتكرر في وقت قريب، رهينة بما نقوم به نحن من إصلاحات إدارية، ومن جاهزية تخطيطية، ومن فهم مكتمل لما يعنيه ويتطلبه إدماج السودان مرة أخرى في المنظومة الدولية.

    إن مشكلة السودان مشكلة سياسية وإدارية. وهي مشكلة تفردت بها بلادنا، من حيث الحدة والاستدامة، عن غيرها من دول العالم والإقليم. هذه المشكلة جعلت من البلاد، على مدى عقود، أشبه ما تكون ب "قربة مقدودة"، لا يحدث النفخ فيها أي أثر. فالعلة كانت ولا تزال كامنة في النخب السياسية وفي النخب العسكرية. وكذلك في بؤر الفساد في الجهاز البيروقراطي الإداري. باختصار شديد، بدأت تلوح أمام بلادنا فرص جديدة واعدة. غير أن اهتبال هذه الفرص وجني ثمارها يتطلب وعيا جديدا ونوايا صادقة وجاهزية. كما أن رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب له متطلباته. وكما ذكر الكاتب والمحل السياسي شوقي عبد العظيم، أول أمس، في القناة السودانية، أن الحرب ضد الإرهاب أنتجت قوانين جديدة فيما يتعلق بالتحويلات المالية وبغسيل الأموال. ولسوف يصبح السودان مطالبا بالشفافية، وبتطبيق هذه القوانين في منظومته المالية والإدارية. يضاف إلى ذلك، أن نظام الإنقاذ الذي بسببه فرضت العقوبات لا يزال ممسكا بمفاصل الدولة. فالدولة الموازية لا تزال قائمة، ولا يزال الاصرار على استمرارها على أشده. ولا شفافية مع الدولة الموازية التي ستكون هي فضيحتنا الأكبر بين العالمين، والقوة المبددة للثقة الدولية، والمانعة لردم الهوة بين السعر الرسمي والموازي، والطاردة للاستثمار. باختصار، أمامنا فرصة جديدة . لكن سيكون احتمال ضياعها هو الأكبر، إن لم تكن نخبنا قد وعت الدرس بعد، كما ينبغي.
                  

12-03-2020, 09:50 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    أزمة القيادة والتدريب
    ( 1 من 2)
    صحيفة التيار 4 ديسمبر 2020
    النور حمد
    كل أمر من أمور حياتنا اليومية يصرخ بأعلى صوت أننا نعاني من مشكلة عويصة ومزمنة في القيادة وفي التدريب. فالقيادة leadership أصبحت علما يدرس في الجامعات، وتجري مواءمته مع مختلف التخصصات العلمية، والمجالات المهنية، بوصفه ركيزة من ركائز الإدارة؛ في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم. لذلك أصبحت المؤسسات تهتم كثيرا بالتدريب القيادي. فبغير قيادة مقتدرة لا يستطيع أي مرفق، سواء كان حكوميا، أو خاصا أن يؤدي وظيفته على النحو الأكمل، وأن ينمو أفقيا ورأسيا في أدائه. تعود أزمة القيادة والتدريب في مرافقنا، في تقديري، إلى انصراف الأداء المؤسسي لدينا عن الاستهداء بالبحوث الجامعية على مستوى الكوكب، وعما تنتجه مراكز الأبحاث من دراسات متجددة حول القيادة. يضاف إلى ذلك أن الاهتمام بالبحث العلمي والصلة بالجامعات وبمراكز الأبحاث المتخصصة لدينا، هو أصلا ضعيف للغاية. ويعود هذا، في تقديري، إلى جهل النخب السياسية المتنفذة بضرورة المؤهلات القيادية وما تعنيه حقيقة في مضمار التطوير المستدام. يضاف إلى ذلك، عدم إيمان هذه النخب بأهمية دور المستشارين المتخصصين. فهي حتى حين تستخدم المستشارين، تجعل منهم مجرد ديكورات.

    ربما يعود عجزنا المزمن عن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب إلى جملة من العوامل؛ منها الطائفية، والعشائرية، والحزبية، ومختلف صنوف المحسوبية، وغير ذلك من مشاكل الأمم الداخلة لتوها في نطاق الحداثة. ومنها أيضا الترقية في السلم الوظيفي بناء على استيفاء القيد الزمني فقط؛ أي، ترقية المهني او الموظف أو العامل في السلم الوظيفي بناء على الأقدمية الزمنية. فعلى عهدنا في الخدمة المدنية كان الخريج الجامعي الذي يمضي أربع سنوات في الخدمة، يجري ترفيعه من الدرجة Q إلى الدرجة DS بصورة شبه تلقائية. ويظل يتدرج عبر استيفاء القيد الزمني، كل بضع سنوات، حتى يبلغ أعلى الدرجات في السلم. المشكلة أن الترقية باستيفاء القيد الزمني تجعل الباب مفتوحا لكي يصل من لا يملك الصفات القيادية إلى أعلى المواقع القيادية. وهذه كارثة كبيرة. فليس كل مهني أو موظف أو عامل يملك الصفات التي تجعل منه قياديا. المؤسسات جيدة الأداء هي التي تنتقي، عبر نظم التقييم المبنية على معايير علمية دقيقة، من يستحقون التصعيد للمواقع القيادية. ويجري ذلك عبر التقييم المستمر للأداء، والتمحيص الدقيق الذي يستصفي للترفيع من يمتلكون القدرات القيادية. فالتصعيد إلى الموقع القيادية ينبغي أن يجري بالإضافة إلى الأقدمية الزمنية، أيضا، على امتلاك الصفات القيادية التي يثبتها التدريب والتقييم السنوي للأداء.

    من المهم جدا أن يكون الشخص القيادي في أي موقع، سواء في أعلى السلم الوظيفي أو في أسفله، صاحب رؤية ومبادرة، وصاحب قدرة على الملاحظة وعلى الاهتمام بأدق التفاصيل. أيضا، لابد أن يكون ذا شغف وكلف بالتطوير والتحديث، وأن تكون له شخصية ديناميكية لا يبتلعها الروتين اليومي، ولا يطفئ اتقادها ويبطئ توثبها. وأهم من كل ذلك أن يكون صاحب خيال يجعله قادرا على استباق الإشكالات. يضاف إلى كل ما تقدم، أن يكون صاحب حس نقدي وقدرة على المراجعة المستمرة وعلى التصحيح الفوري. وهذه صفات لا تتوفر سوى في قلة قليلة من الناس، وسط أي مجموعة بشرية. وكما سبق أن أشرت في صدر هذه المقالة فإن وصول الشخص الذي لا يملك المؤهلات القيادية إلى موقع القيادة يخلق إشكالات عويصة، ةلأن عدم الكفاءة يحول مثل هذا الشخص إلى عائق كبير جدا. وبما أن من وصلوا عندنا إلى مواقع سدة القرار لم يصلوا عبر تاريخنا السياسي سوى بالبندقية، أو الوزن الطائفي، أو الأيديولوجيا الصماء، فلا غرابة إذن أن كان جهاز الدولة لدينا في حالة تآكل مستمرة، وأن أصبح الفساد هو المسيطر. نحن بحاجة إلى تغيير آليات السياسة القديمة التي جعلت البندقية والطائفة والأيديولجيا المصمتة هي المؤهل للقيادة. كما أننا بحاجة أيضا إلى وضع النهج العلمي الذي يستصفي القيادات وسط كل مجموعة عاملة، بناء على امتلاك الصفات القيادية وامتلاك القدرة على تنميتها.
    (يتواصل)
                  

12-08-2020, 10:09 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    القمامة المستدامة
    النور حمد
    صحيفة التيار ٩ ديسمبر ٢٠٢٠
    تفضل مواطن كريم، وهو يقود سيارته بحي المعمورة في الخرطوم، بتصوير فيديو للرصيف الذي يقسم الشارع إلى نصفين، حيث امتلأ ذلك الرصيف، على طول الشارع من أقصاه إلى أدناه، بالقمامة التي يضعها أصحاب البيوت والمحلات التجارية المحيطة بالشارع. تصوروا!! أن فكرة وضع القمامة على طول الشوارع الرئيسية فكرة تفتفت عنها عبقرية المحليات، بعد أن عجزت، بسبب النقص المريع الذي تعانية في شاحنات نقل الأوساخ، وربما قلة الأيدي العاملة أيضا، وأعتقدت أن ذلك حل مثالي. كانت المحليات قبل أعوام قد بدأت في تسيير سيارات الأوساخ داخل الأحياء في أيام محددة من الأسبوع، نظير تقاضيها رسوما من كل منزل ومحل تجاري نظير هذه الخدمة. لكن، بسبب حالة التراجع المستدامة في كل شؤون حياتنا، دون فرز، فقد عجزت المحليات عن تسيير العربات الناقلة للأوساخ داخل الأحياء. وقد سبق أن رأينا في وسائط التواصل الإجتماعي قبل فترة فيديو يصور رتلا من سيارات نقل الأوساخ وهي رابضة في حوش يخص إحدى المحليات بسبب الأعطال، التي لا ندري إن كانت حقيقية أو مصطنعة. الطريف أن بعض تلك العربات كانت واقفة وهي محملة بالأوساخ. تعجز المحليات، كعادتها، في إدارة الخدمات كما ينبغي، فتتفتق عبقريتها عن حلول كارثية.

    نفس هذا المشهد الذي صوره الفيديو في حي المعمورة، ظل لفترة هو نفسه في شارع الثورة بالنص. فقد ظل الرصيف الذي يقسم الشارع إلى نصفين هو مكب الأوساخ بعد أن أعلنت المحلية أن عربات نقل الأوساخ لن تطوف بالمنازل كما كانت تفعل في السابق. ولذلك على سكان كل حي وضع أكياس الأوساخ على الشوارع الرئيسية. وهكذا نشأت ظاهرة الشارع الرئيس بوصفه مكبا للنفايات. ما فات على عباقرة المحليات أن هذا حل يتسم بضمور الخيال، بل بالغباء الفاضح. يحضر المواطنون أكياس الأوساخ مغلقة ويضعونها على طرف الشارع. لكن، تأتي الكلاب والقطط الضالة فتثقب الأكياس بحثا عن بقايا الطعام فينتثر محتواها في الشارع. أيضا يأتي بعض الصبية الذين يبعيون قوارير البلاستيك الفارغة فيفتحون الأكياس بحثا عن تلك القوارير وغيرها وينثرون محتوياتها خارج الأكياس. ثم تمر عرية الأوساخ فيأخذ العمال الكيس المغلق ويرفعون على العربة. أما المتناثر، وهو الغالب، فيتركونه في مكانه، لأنهم لا وقت لديهم لجمعه، خاصة أنه متناثر في الشارع من أقصاه إلى أدناه. هذه الفكرة الغبية التي تفتقت عنها عقول عباقرة المحليات هي التي حولت الشوارع الرئيسية التي ينبغي أن تزين وتجمل بالأشجار، بل وبأصائص الزهور إلى مكب للنفايات يمتد لكيلومترات.

    هذا المنظر المقزز الدال على الفشل الفاضح للمحليات لا تراه في أي مدينة أخرى، اللهم إلا حينما يضرب عمال النظافة في بعض البلدان. لكن، ما أن يجري رفع الإضراب تعود المدينة نظيفة كما كانت. مشكلتنا أننا نصعد للمناصب القيادية أشخاص بلا كفاءة وبلا خيال وبلا حس جمالي. أشخاص لا يملكون قدرة على التخطيط السليم ولا على المتابعة اللصيقة التي تضمن التصحيح والتحسين المستمر للخدمات. فنحن لا ينبغي أن نعيد اختراع العجلة من جديد، وإنما علينا نتبع من سبقونا في هذا المضمار. فنقل النفايات علم يدرس، وهو فعل يقوم على منظومة متكاملة system. لذلك لا مجال فيه للحلول المرتجلة، ولا للفورات الوقتية المسماة "حملات النظافة" ، التي ظللنا نراها تجري منذ عهد الرئيس نميري، ولم نر لها أثرا يذكر في نظافة مدننا. إن واحدة من أكبر آفاتنا انشغالنا بالسياسة وبالخطاب السياسي التجريدي الأجوف، الذي لا صلة له بقضايا الواقع، وانصرافنا عن رسم السياسات الإدارية وتنمية القدرات، وعجزنا المزمن عن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .

    .
                  

12-09-2020, 10:00 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    ثورة عملاقة اختطفها كالعادة أقزامالنور حمدصحيفة التيار ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠كانت ثورة ديسمبر 2018 ثورة بلا قائد. فقد نبعت من روح الشعب وسارت بقوة الدفع التي قيضها لها الإجماع الشعبي منقطع النظير. لكن، قفز إلى مقود عربة الثورة من تحرك غرائزهم البدائية نزعة الاصطياد في زخم الثورات، من أجل الكسب الحزبي الضيق والشخصي. وعموما لم يكن الفراغ البنيوي المزمن المتعلق بعدم توفر قيادات حقيقية، والطرائق الملتوية في إدارة الأمور السياسية في السودان، التي أدمنتها أحزابنا السياسية، لتسمح ببروز قيادات غير هذه التي برزت بالفعل. فالوصف بالقزمية للقيادات التي تصدرت مجريات الثورة ليس مقصودا منه النيل من هذه القيادات، بصفة شخصية. وإنما المقصود منه توصيف حالة التقزم العامة التي ليس في مقدورها أن تنتج وضعا أفضل مما جرى.ربما لا ينتبه كثيرون إلى الارتباط بين النظم العسكرية التي حكمت السودان، وبين تخلق انقلاباتنا العسكرية المتكررة في رحم الثورات التي سبقتها. فانقلاب نميري 1969 تخلق في رحم ثورة أكتوبر 1964. فلو أدارت القوى السياسية ثورة أكتوبر على نحو صحيح، لما حدث إنقلاب نميري بعد خمس سنوات منها. أيضا، تخلق انقلاب البشير في رحم ثورة أبريل 1985. ولو أن القوى السياسية أدارت ثورة أبريل، على نحو صحيح، لما حدث انقلاب البشير، بعد أربع سنوات منها. ولهذين الملاحظتين عن ارتباط الإنقلابات بالثورات السابقة لها، حيثيات ساندة كثيرة، لا يتسع المجال لسردها. والآن تتكرر نفس الملهاة، التي لم يملك سياسيونا، عبر تاريخنا السياسي لفترة ما بعد الاستقلال، أي قدرة على تجنبها. فهم يقومون بنفس الخطوات، كل مرة، وينتظرون نتيجة مختلفة. وأرجو ألا تنتهي بنا تجربتنا الثالثة هذه مع الثورات، إلى نظام عسكري جديد. بحكم البنية العسكرية للجيوش، من حيث تسلسل الأوامر chain of command، تملك المؤسسات العسكرية في البلدان النامية قدرة أكبر على إصدار القرارات وعلى إنزالها إلى أرض الواقع. وذلك على عكس القوى السياسية التي تتجاذبها، في البلدان النامية، الولاءات الطائفية والعشائرية والحزبية الضيقة،ح ويسود فيها الخلاف المستدام. هذا الوضع جعل العسكريين يظنون أنهم أصلح للحكم من المدنيين. لكن التجارب العملية أثبتت، وبتواتر كبير، أن هذا التصور خاطئ تماما. فلا جعفر نميري دفع بأحوال البلاد إلى الأمام، ولا البشير كذلك. بل كان البشير أفشل وأفسد حاكم عرفه السودان، ربما منذ العصر الكوشي. الخلاصة، أن العلل الجوهرية المقعدة، المعيقة للنمو، علل يتقاسمها الجانبان. يقول الأستاذ محمود محمد طه: هناك علتان تحرفان الشخص عن التفكير المستقيم، هما: "الخوف والطمع". فالمناداة بمدنية الدولة لا تعني استبدال شخص ببزة عسكرية بآخر يرتدي سترة ورباطة عنق. وإنما تعني إسناد القيادة لشخص ديموقراطي فكرا ومسلكا، وصاحب عقل يتسم بالحيدة، إضافة إلى تأهيل معرفي وعلمي، وتعافي تام من علتي الخوف والطمع. أمسك بقياد ثورتنا أقوام لم يعرف الشعب أكثريتهم فأتونا بالوثيقة الدستورية المعيبة. ثم قفزت الحركات المسلحة إلى مقود القيادة بآخرة، فأفرغت الوثيقة الدستورية من كثير من جوهر محتواها. كما قدمت قوى الحرية والتغيير أشخاصا إلى مجلس السيادة، فأصبحت أكثريتهم في صف العسكر. لذلك مجرد المناداة بتسليم الحكم إلى المدنيين لا تكفي. فالمسألة تكمن في الجوهر وليس في مجرد إلصاق بطاقة "مدنية". القيادات المدنية التي تصدت إلى قيادة الثورة انتهت بعد قرابة العامين، إلى عجز شامل في كل شيء، وإلى "فركشة". ومع ذلك، لا ينبغي أن يقود فشلها العسكريين ليظنوا أنهم المنقذين الوحيدين. فتجربة البشير لا تزال ماثلة للعيان في كل شيء، بما في ذلك العوار الذي يحتوش بعض أوضاع المؤسسة العسكرية حاليا. ما يجري الآن يعكس استقطابا حادا واصطفافا في معسكر حملة السلاح وأيضا في معسكر المدنيين. وقد بدأت بعض الحركات المسلحة في شيطنة المكونات المدنية. هذا الوضع المعقد والملتهب لا يحتمل الشد. فهو بحاجة للحكمة وللتوافق. ويقتصي هذا أن تسموا جميع القيادات على تصوراتها المسبقة وكراهياتها لبعضها وهمومها الصغيرة. وهذه أمنية ربما لا تتحقق في مثل أوضاعنا البئيسة التي نعرفها إلا بمعجزة. لكن المعجزات تحدث أحيانا.

    (عدل بواسطة Salah Musa on 12-11-2020, 09:36 PM)

                  

12-11-2020, 09:36 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    أين روح السلام في اتفاق جوبا؟
    النور حمد
    صحيفة التيار ١٢ ديسمبر ٢٠٢٠
    السلام ليس كلمات مرقومة توضع على الورق في صورة اتفاق أو ميثاق، وحسب. أيضا، هو ليس مصفوفة من الخطوات المجدولة التي تنتظر الإنجاز. هو ليس هذا ولا ذاك وحسب، وإنما هو قبل ذلك، وفوق ذلك، تغيير روح الشراسة التي سادت طويلا واقتضها ضرورات القتال، بروح جديدة مسالمة. وينبغي أن تنعكس هذه الروح في الخطاب الذي يعقب اتفاق السلام. غير أن ما شاهدناه وسمعناه في عدد من التسجيلات الصوتية والمرئية التي جرى تناقلها بكثافة من على وسائط التواصل الاجتماعي، عكس أن الشراسة تزداد، وأن لغة الخطاب قد انتكست، فأصبحت أكثر عدوانية وحدة، مما كانت عليه قبل توقيع الاتفاق. بل أن نبرة التهديد والوعيد تتصاعد. هلل الناس للسلام وأقاموا له احتفالا ضخما وانخرطت وسائل الإعلام الحكومية في التغني به. وظهر قادة الحركات المسلحة في كل الأقنية الإعلامية مبشرين الجميع بقدوم السلام، لكن أخذت تلك الصورة تتغير.

    لم يمض شهر واحد، حتى اتضح أن روح السلام مفقودة تماما. أظهرت بعض القيادات الكبرى في الحركات المسلحة عداء حادا للمكون المدني في الشراكة. وهو مكون منصوص على دوره في الوثيقة الدستورية التي جرى إدراج اتفاق جوبا في متنها. أما بعض القيادات الوسيطة فقد انخرطت في التهديد والوعيد بما أسمته نقل الحرب إلى المنشية والرياض، بل وإلى عتبة كل دار في العاصمة. هذا في حين تقتضي هذه المرحلة بالغة الحساسية أن يتسم الخطاب السياسي بالانضباط وبالمسؤولية. وينبغي على القيادات العليا في الحركات المسلحة أن تلزم القيادات الوسيطة بحدود واضحة للغة الخطاب السياسي، اللهم إلا إن كانت القيادات العليا، نفسها، تود أن تستثمر في هذا الخطاب الحاد الملتهب. إن السلام الذي يجري فرضه بلغة التهديد والوعيد، إن كان ذلك ممكنا حقا، ليس سلاما. وإنما هو سلام صوري زائف يحمل بذور فنائه في داخله. وعادة لا تخرج لغة التهديد والوعيد من قائد سياسي محنك واثق من نفسه، وإنما تخرج ممن يستولي عليهم الشعور بالإحباط، بسبب مختلف إكراهات الواقع المتسم بالتعقيد السديد، فينزلقون بسرعة إلى الحنق ونفاد الصبر.

    هناك تلكؤ واضح وبطء من جانب السلطات في كل شيء. وسبب ذلك روح "المكاجرة" السائدة. وقد حاول الفريق البرهان أن ينحي في خطابه الأخير بلائمة الفشل على المكون المدني، وهو إنحاء جانبه التوفيق. فالمكون العسكري شريك أصيل في هذا الفشل، بل، ربما تحملو فيه القسط الأكبر. فهذه شراكة كان ينبغي أن ينهض طرفاها برتق الخروق معا، لا أن يحفر طرف منها للآخر حتى يقع ليجري إلقاء اللوم والتبعة عليه. الشاهد أن عقلية الإنقاذ التآمرية التخريبية العنيفة لا تزال تعيش بيننا في كل شيء. ولسوف لن نفلح أبدا مالم نستأصل شأفة هذه العقلية التآمرية التخريبية الخسيسة، ونتعلم كيف نعمل مع بعضنا نحو الأهداف المشتركة.

    ختاما، علينا أن نعي دروس التاريخ، القديم منها والحديث. فالتهديد بحرب المدن والمضي نحو إشعالها، لن يكسب أي طرف من الأطراف نصرا مؤزرا. كانت بيروت الستينات ومطلع السبعينات مدينة وادعة يأتيها رزقها رغدا. فقد كانت قبلة للسياح الغربيين والشرق أوسطيين. ثم اندلعت فيها الحرب. وفي لمح البصر تحول الشباب البيروتي المعروف حينها بمخملية العيش وتتبع خطوط الموضات الغربية إلى مقاتلين بالغي الشراسة. تقسمت المدينة إلى دشم عسكرية تسيطر كل مجموعة عسكرية فيها على جزء منها. جرى تخريب المدينة تماما. ولم ينتصر طرف على آخر رغم الدمار الشامل. أضاع اللبنانيون 15 عاما في قتال الشوارع، وجلسوا في النهاية ليتفاوضوا ليعودوا للسلام. فهل نريد أن نضيف على عقود الاقتتال التي مضت سنوات إضافية من قتال الشوارع وكوارثه الفظيعة؟
                  

12-13-2020, 00:56 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    فقدنا إنسانا من طراز فريد
    النور حمد
    صحيفة التيار ١٣ ديسمبر ٢٠٢٠
    رن جرس الهاتف في بيتنا صباح السبت ١٢ ديسمبر لينقل لنا من كان على الطرف الآخر الخبر الفاجع بانتقال أخينا الطبيب الإنسان، بروفيسور الطيب أحمد النعيم. ولقد ظللنا عبر الأسابيع القليلة الماضية نبتهل إلى الله أن ينتصر الطيب على داء الكورونا الفتاك، ويعود إلى أسرته وأهله وأصدقائه معافى، ليواصل ما بدأه من جليل الأعمال في إعمار المدارس والإسهام في النهوض بحياة أهل الريف. لكن غلبت الإرادة القديمة الحكيمة واصطفته إلى جوارها في دار الخلود التي لا يدخلها شر ولا بلاء.

    عرفت الطيب النعيم منذ ما يزيد على الأربعة عقود. كان وقتها طالبا بالمرحلة الثانوية، وكنت مدرسا للفنون بنفس المرحلة. وقبل معرفتي به عرفت أخاه الأكبر، البروفيسور بجامعة إيموري بالولايات المتحدة الأمربكية، عبد الله أحمد النعيم. كما عرفت أيضا والدهما، طيب الذكر، أحمد النعيم. وقد تقاطعت صلتي بهذه الأسرة الكريمة في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، بسبب ارتباط الأسرة بالأستاذ محمود محمد طه وحركة الجمهوريين. ولقد كانت أولى الندوات التي حضرتها للأستاذ محمود محمد طه، ندوة انعقدت بمنزل هذه الأسرة، الذي كان وقتها في الحارة السادسة بمدينة الثورة بأم درمان. جرت الندوة بدعوة من الأسرة لوداع عبد الله أحمد النعيم، الذي أكمل حينها دراسة القانون في جامعة الخرطوم، وكان على أهبة الاستعداد للسفر إلى أدنبرة باسكوتلندة للتحضير لدرجتي الماجستير والدكتوراه.

    جاءني الطيب وهو في نهاية المرحلة الثانوية، راجيا مني أن أقدم له دروسا خاصة في الفنون، لأنه يود الإلتحاق بكلية الفنون. لكنه تخلى عن الفكرة، واختار دراسة الطب وسافر من أجل ذلك إلى باكستان. وقد عرفت لاحقا أنه كان يود دراسة الزراعة أيضا. أكمل الطيب دراسة الطب في باكستان ثم هاجر وعمل طبيبا ببريطانيا. وانتهى به الأمر استشاريا بمستشفيات بالمملكة العربية السعودية. أما بروز إسم د الطيب النعيم في مجال العمل العام فقد حدث عقب الحادثة المؤسفة التي غرقت فيها مجموعة من الطالبات في منطقة المناصير، وهن على ظهر مركب كان ينقلهن عبر مياه النهر إلى حيث مدرستهن. قاد الطيب حملة لتشييد مدرسة في تلك القرية بمبادرة فردية وجدت تجاوبا ودعما من مختلف السودانيين في الداخل والخارج. وما لبث ذلك الجهد أن تبلور لتظهر إلى حيز الفعل المنظمة السودانية لدعم التعليم (سيدسو).

    شاهدت الطيب في فيديو بثته الفضائية السودانية قبل بضعة أيام من رحلته الأخيرة إلى قرية أبو سنون في ولاية شمال كردفان للاحتفال بإكمال صيانة مدرسة هناك. وقد ذكر الطيب في ذلك الفيديو انهم وجدوا أن أهل تلك القرية يعانون من شح الماء. فقامت المنظمة بمساعدتهم في حفر بئر. تحدث الطيب في احتفال قرية أبو سنون أن منظمتهم لا تتلقى دعما من أي منظمة أو دولة خارج السودان. كما أنها لا تعتمد على أي دعم حكومي داخلي. أيضا هي لا تصرف على العاملين فيها. فمورد المنظمة الوحيد وهو اشتراكات المنتسبين إليها، الذين بلغ عددهم 8000 منتسب.

    جاء الطيب من مقر عمله بالسعودية ليمكث مدة أسبوعين يقوم خلالها بطواف على المواقع التي تعمل فيها المنظمة في أرياف للسودان. وشاءت إرادة الله أن يصيب الفيروس الطيب في هذه الزيارة القصيرة ولينتقل إلى دار البقاء بعد بضعة أسابيع أمضاها في مصارعته. ألا رحم الله الطيب النعيم رحمة واسعة وأنزله منه منازل القرب مع الصالحين المجتبين الأخيار. لم أعرف فيمن عرفت شخصا مهتما اهتماما أصيلا مبرأ من أي غرض بمشاكل الناس، مثلما عرفت ذلك في الطيب النعيم. وما أعرفه مما ظل يقوم به الطيب النعيم طيلة حياته في مساعدة المحتاجين، من غير من ولا أذى، يمثل أضعافا مضاعفة لجهوده التي ظهرت له مؤخرا في العمل العام الطوعي.

    لقد دشن الطيب النعيم حقبة الإصلاح من الجذور استنادا على الجهد والتضامن الشعبي الخالصين. قال وهو يخاطب الناس في قرية ابو سنون قبل أسابيع من وفاته داعيا الجميع للانخراط في العمل الذي تقوم به منظمتهم لأنه حسب عبارته: "فيه خير الدنيا والآخرة" . لقد أنجز الطيب النعيم بين عامي 2018 و 2020 إنجازات مذهلة بدأت من الصفر. ولقد ختم حياته شهيدا وهو يسعى في خير الناس وفي إصلاح أحوالهم. كان الطيب النعيم ممدودا بعلم هو قبس من علم الأنبياء النافع، وبهمة هي قبس من همم المرسلين أولي العزم. فسلام عليه في أعلى عليين.
                  

12-13-2020, 10:51 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    حكومة الحي وحكومة القرية
    1 من 2
    النور حمد
    صحيفة التيار 14 ديسمبر 2020
    كتب مرات عن الحكم المحلي وعن ضرورة إصلاحه وجعله فاعلا وممثلا حقيقيا للجماهير، ومحققا لما يصبوا إليه الناس في مضمار تحسين أحوالهم. فالقرارات الديموقراطية الحقيقية التي تلمس واقع الناس، ليست تلك التي يتخذها البرلمان المركزي في قمة الجهاز التشريعي، ولا تلك التي يتخذها البرلمان الولائي، أو مجلس المدينة، بقدر ما هي تلك التي يتخذها مجلس الحي ومجلس القرية، في ما يتعلق مباشرة بشؤون حيهم أو قريتهم. فمجلس الحي ومجلس القرية هم الحكومة التي ينبغي أن تكون قائمة وفاعلة، في قاعدة الهرم. فمنذ عقود طويلة، كتب المتخصصون في علم السياسة وعلم الإدارة أدبيات ثرة في نقد الديموقراطية التمثيلية، وبينوا الكثير من ثقوبها وعوارها. فالظن بأن النائب المنتخب من القواعد إلى البرلمان المركزي هو ممثل حقيقي للجماهير، ظن خاطئ. وهو ظن أثبتت خطأه التجارب العملية، وهي لا تزال مستمرة في إثباته كل صبح جديد. فالنواب البرلمانيون في أرسخ الديموقراطيات الغربيات يصبحون، في كثير من الأحيان، أدوات في أيدي مجموعات المصالح التي تتناقض مصالحها، إلى حد كبير جدا، مع مصالح الجماهير. ومع ذلك، ليس هناك نظام أصلح من النظام الديموقراطي. لكن، لابد من الانتباه والتدقيق في ثقوبه وعيوبه البنيوية ورفده بما يسد ثقوبه.

    من العبارات الجامعة، مما كتبه الأستاذ محمود محمد طه، قوله: "إن آجلا لا يبدأ عاجله اليوم، ليس بمرجو". فلابد أن يكون لكل آجل صحيح البنية، عاجل يجد الناس طعمه في أفواههم، الآن. فإن لم يجدوا، من الناحية العملية، طرفا من ذلك الآجل المرجو، في التو والحين، فإنه يصبح محض وهم، لا أكثر. لذلك، علينا أن ننتبه إلى أن الديموقراطية التي نحلم بتحققها عقب الفترة الانتقالية، ينبغي أن يبدأ طرف منها في التحقق في حياتنا اليوم، وإلا فإنها ليست بآتية أبدا. فنحن في السودان، إلى جانب العلل البنيوية التي تعتور نظام الديموقراطية التمثيلية في أصله، نعاني، أيضا، من علل بنيوية عديدة مندغمة في ثقافة مجتمعنا. منها، على سبيل المثال: وصول غير المؤهلين وغير الأكفاء إلى المواقع القيادية، بسبب أنظمتنا الحزبية وعلاقتنا العشائرية وانتماءتنا الطائفية. يضاف إلى ذلك تفشي المحسوبية والفساد الإداري وانعدام الشفافية. ولكي تصبح الديموقراطية فاعلة، لابد أن تقوم على نظام لامركزي، يفتت السلطات، ويمنح سلطة اتخاذ القرار والمتابعة والمحاسبة للقواعد، في تناغم مع مجمل هرم السلطة في جميع مستوياته.

    لقد حول نظام الإنقاذ البائد الحكم المحلي إلى أداة حزبية محضة. وأصبح بذلك أداة قامعة ومغيبة لدور الجماهير ومنكرة لحقها في رعاية مصالحها ورافعة ومعلية لمصلحة نظام الحكم وحزبه المسيطر، "المؤتمر الوطني"، على كل شيء. فاتساخ الأحياء والأسواق وتردي أحوال الشوارع والاعتداء عليها بالاضافات العشوائية من أصحاب المنازل والمحلات التجارية، وما تسميه ولاية الخرطوم: "التشوهات البصرية"، سببها الأساسي نظام الحكم المحلي الفاسد بنيويًا العاجز عن الفعل الصحيح، وليس سلوك الجمهور وحده. بل لا توجد مقارنة من حيث ثقل اللائمة والتبعة، بين دور المحليات الكبير جدا في هذا الخراب العام، ودور الجمهور. فالإدارة المدركة الحازمة تضبط جمهورها ولا تتيح له مجالا للتفلت. وقد كان الجمهور منضبطا حين كانت الإدارات المحلية منضبطة، منذ فترة الحكم الاستعماري، وإلى أن حل الخراب والفساد بحلول نظام جعفر نميري ونظام البشير. كان الضباط الإداريون وضباط الصحة وغيرهم من الطاقم الإداري حاضرين في الميدان بصورة شبه يومية، ولم يكونوا جلوسا في المكاتب جل وقتهم. كانوا يطوفون ويضبطون إيقاع الحياة اليومية، بمثابرة لا تني، ولا يتركون المخالفات تتفاقم وتزمن حتى تصبح طابعا عاما. ما يجري حاليا من فورات وحملات مؤقتة للنظافة ولضبط المشهد العام لا جدوى منها. فهي حملات علاقات عامة لا أكثر. وهي أكبر دليل على ذلك الفشل الإداري المزمن المتراكم.
    (يتواصل)
                  

12-15-2020, 00:15 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    حكومة الحي وحكومة القرية
    ٢ من ٢
    النور حمد
    صحيفة التيار ١٥ ديسمبر ٢٠٢٠
    التعريف الشائع للديموقراطية هو أنها: "حكم الشعب، بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب". ولما لم يكن حكم كل الشعب، لنفسه بنفسه، ممكنا من الناحية العملية، فقد جرى اختراع الديموقراطية التمثيلية، التي تنتخب فيها المجموعة فردا أو أفراد يمثلونها. وقد أوضحت في المقالة السابقة عيوب التمثيل، وأجملتها في تحول الممثلين إلى أدوات في يد أهل المصالح. إضافة إلى انصرافهم عن خدمة مصالح من اختاروهم، إلى خدمة أنفسهم، أو أحزابهم. أيضا يدخل في الحؤول بين الشعب وبين حكمه لنفسه بنفسه، الجهاز البيروقراطي المكتبي، الذي يتولى شؤون التخطيط والتنفيذ والإدارة. ولابد من القول هنا إن الحكومة من حيث هي، وبطبيعتها، جهاز قامع ومصادر، لصوت الشعب، بقدر من المقادير. ينطبق ذلك، بدرجات متفاوتة، حتى على أكثر الديموقراطيات رسوخا. أما الجهاز البيروقراطي، في ظل الأنظمة الديكتاتورية، فيصبح، بالضرورة، حاضنة ومفرخة للفساد. ولقد حولت سنوات حكم جعفر نميري الستة عشر، وسنوات حكم البشير الثلاثون الجهاز البيروقراطي إلى جهاز فاشل، وموبوء ببؤر الفساد. والوعي بهذه الحقائق، هو الذي يفتح الباب للإصلاح، ويضع نهج إشراك القواعد الشعبية في السلطة على رأس مصفوفة الأولويات.

    ينبغي أن يكون هدف الديموقراطية المركزي أن يتعلم الناس كيف يحكمون أنفسهم بأنفسهم. وبما أن عامة الناس غير ملمين بالكثير من الأمور المتعلقة بالسياسة وبالإدارة، فقد تولت الدولة، نيابة عنهم، عبر ممثليهم في الحكومة وعبر الجهاز البيروقراطي، مهمة حكمهم. غير أن هذا الوضع، المتسم بالفوقية، ينبغي أن يكون وضعا إعدادي، مرحليا، أملاه قصور معارف عامة الناس وخبراتهم، وليس وضعا دائما. لكن بما أن التعليم قد انتشر، وشاعت الثقافة السياسية والإدارية، فقد تهيأ الظرف الآن لكي يشرك الناس على مستوى القواعد الشعبية في حكم أنفسهم بأنفسهم. وقد تجد، حاليا، في غالبية أحياء المدن، وفي أكثرية القرى، من يفهمون في السياسة وفي الإدارة بقدر يؤهلهم لكي يكونوا ممثلين للأحياء والقرى في مؤسسة الحكم المحلي، نيابة عن مواطني الأحياء والقرى. وليصبحوا صلة وصل بين الدولة وجهازها البيروقراطي، من جهة، والمواطنين، من الجهة الأخرى.

    لكن، تعودت الحكومة وجهازها البيروقراطي على الوصاية على الشعب. لذلك، هناك مقاومة شديدة لعودة السلطة إلى أهلها. فمنذ نجاح الثورة قبل عامين، لم يتغير شيء في أحوال الأحياء والقرى التي تنطق أحوالها العامة بالإهمال الشديد وبالفوضى. فالأوساخ في كل مكان، والمدارس تحولت إلى خرائب، والتعدي على الشوارع من جانب السكان والأعمال التجارية في تزايد. والمواطنون يدلقون ماء النظافة على الشوارع فيخلقون بركا يتوالد فيها البعوض، كما يخربون بذلك الشوارع المسفلتة ولا أحد يراقب أو يحاسب. أيضا يترك المواطنون أنقاض البناء ومواده في الشارع لتبقى هناك شهورا بل وسنينا. كما أن تحويل الساحات العامة لصالح أفراد أو منظمات لا يزال دون مساءلة. والتصديق للورش وللمقاهي، وبعض الأماكن المشبوهة، ونشوء الأسواق العشوائية وسط الأحياء السكنية لم تجر له مراجعة تذكر. كما أن كثيرا من المخابز تعمل بطريقة غامضة. ولقد حاولت لجان المقاومة في عديد الأحياء، محاولات مستميتة، ليصبح لها صوت في إدارة شؤون حيها، غير أن محاولاتها ظلت ترتضم بصخرة صلدة.

    خلاصة القول، لا مناص من إنشاء مجالس منتخبة للأحياء والقرى في صورة "حكومات مصغرة"، لتصبح الأداة التي تعين المحلية على إدارة شؤون الحي. إذ لابد من إحكام الرقابة الشعبية على أعمال المحليات بواسطة هذه الحكومات المصغرة التي لها صلاحية المشاركة في وضع الخطط والميزانيات وتحديد أوجه صرفها. وكذلك، التأكد من سلامة صرفها، إضافة إلى الاطلاع على مراجعات الحسابات فيما يخص أوجه الصرف. وكلما ابتعد تشكيل هذه الحكومات المصغرة عن الأغراض الحزبية الضيقة، وانحصر في اختيار القادرين على وضع الخطط والبرامج النهضوية، وعلى أحكام الرقابة على القرارات والميزانيات، كلما أمكننا مغادرة مربع العجز والفشل المزمن. فإذا لم تظهر لهذه الثورة ثمرة تتمثل في تغيير ظاهر على مستوى الجذور، فإن انتظار أن تأتي ثمارها من الديموقراطية التمثيلية ومؤسساتها في أعلى هرم السلطة، ومن الجهاز البيروقراطي الذي ينضح عداء لمصالح الجمهور، محض عبث. فإن آجلا لا يبدأ عاجله اليوم، ليس بمرجو.
                  

12-16-2020, 11:51 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    حانت الفرصة للابتعاد عن المحاور الإقليمية
    النور حمد
    التيار 17 ديسمبر 2020
    برفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، تدخل البلاد مرحلة جديدة. وقد بدأت بشائر هذه المرحلة الجديدة واضحة في نبرة خطاب السيد رئيس الوزراء، الذي أظهر فيه ثقة بنفسه وبشعبه الذي أنجز الثورة، وبمستقبل البلاد، أكثر مما عهدناه عنه في كل خطاباته السابقة. يضاف إلى ذلك، التحول الكبير في موقف الإدارة الأمريكية تجاه السودان وإقبالها، من جديد، لوضع السودان في دائرة اهتمامها المباشر. بعد أن كانت تعتمد في ذاك، إلى حد كبير، على شركائها الإقليميين. وقد ازدحمت الصحف ومختلف الوسائط الإعلامية في اليومين الماضيين بمختلف صور الحراك الأمريكي الإيحابي تجاه السودان. وأرى، من ناحيتي، أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قد فتح بابا ظل مغلقا، إلى حد كبير، منذ عقود، بسبب الزوبعة السياسية التي اتسمت بالغوغائية تجاه مشروع المعونة الأمريكية في نهاية عقد الخمسينات. وقد تكررت تلك الزوبعة، مرة أخرى، عقب الهزيمة العربية الكبرى في حرب 1967. فقد وقفت حكومة الديموقراطية الثانية (1965 - 1969)، في صف العرب في مقاطعتهم لأمريكا. وانعقد مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم، وجرى طرد الأمريكيين الذين كانوا يشيدون طريق الخرطوم مدني. فتركوه في منتصف المسافة، عند مدينة الكاملين، وغادروا البلاد. فأكملته وزارة الأشغال التي تدربت طواقمها على يد الأمريكيين، وبلغ الطريق ودمدني في عام 1969 مع بداية انطلاق الدورة الأفريقية في كرة القدم التي انعقدت حينها بمدينة ودمدني.

    برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب انغلقت دورة من التشاكس الذي وقفت وراءه المراهقة السياسية السودانية، لينفتح الباب لدورة جديدة من التعاون. وهو تعاون نرجو أن يكون مثمرا، وأن يكون حاديه وهاديه النضج السياسي، والتصور الاستراتيجي السليم. فلولا الانجرار الغر وراء وهم القومية العربية، ووراء شعارات ووعود الشيوعية الدولية السرابية، لكان السودان قد قطع شوطا كبيرا جدا في التنمية الاقتصادية عبر التعاون مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد أظهر الأمريكيون اهتمامها كبيرا بالسودان لحظة نيله الاستقلال. وأقبلوا عليه بكليتهم لمعرفتهم لأهميته الجيواستراتيجية بالنسبة لهم، وكذلك لموارده الطبيعية الضخمة وفرص الاستثمار الثرة الواعدة فيه. لكن الماعون السياسي السوداني بنخبه التابعة لمصر الناصرية، وعنترياتها المصادمة للغرب، بدعوى الاستعمار والصهيونية العالمية، وتغنيها الفج بصداقة الاتحاد السوفييتي، كان أضيق بكثير من أن يستثمر في ذلك الإقبال. وهاهي الفرصة تلوح مرة أخرى، بعد أكثر من ستين سنة. فهل سنكرر خطأنا الذي ارتكبناه من قبل، أم أننا وعينا الدرس، وأصبحنا قادرين على أن نمخر بسفينة بلادنا بمهارة، ووفق وعي جديد، في بحر العلاقات الدولية وأمواجه المتلاطمة، بصورة تجعل التنمية الاقتصادية أولوية؟

    تتسم هذه المرحلة الجديدة، فيما ألمح من المؤشرات، بتهيؤ الفرصة لكي نخرج من منزلق الانجرار وراء المحاور الإقليمية. فهو انجرار غير مثمر بل ومضر. هذه القوى التي شكلت المحاور الإقليمية العربية لا تملك سوى المال، وهو في طريقه إلى النضوب. هي لا تملك معارف ولا تقنيات لتكون مفيدة لمن يدورون في فلكها، بل هي لا تعرف غير تعطيل غيرها. ينبغي أن يكون التحالف مع القوى الكبرى. وفي حالتنا، فإن الخيار المطروح لنا من حيث القدرة على الإعانة، وعلى خلق ارتباط بمنظومة مصالح جيواستراتيجية مشتركة، تتسم بالعضوية، هو الولايات المتحدة الأمريكية. ولا ينبغي أن يمنعنا ذلك من التعاون مع أي جهة أخرى، وفق ما تقتضيه مصالحنا الوطنية، لكن مع مراعاة التقاطعات والحسابات الدقيقة. لكن الملاحظ الآن أن السلطات الحاكمة في بلادنا في هذه الفترة الانتقالية، تعاني من انقسامات. ولا مخرج إلا بأن يتسق كلا المكونين؛ المدني والعسكري، في نظرتهم الجيواستراتيجية. ويحتاج هذا لحوار شفاف تشارك فيه إلى جانب المكونين؛ المدني والعسكري للسلطة الراهنة، الأكاديميون والمفكرون وقادة الطيف السياسي. وهذا ما لا نراه حادثا منذ بداية الفترة الانتقالية. لقد جاءت اللحظة الدقيقة الفارقة لإعادة ترتيب الحسابات الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية. وهي فرصة أرى أن اهتبالها يعتمد على تناغم المكون العسكري والمدني وتضافرهما لخدمة أهداف الثورة وتطلعات جماهيرها .
    .
                  

12-18-2020, 03:06 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    نقض غزل الوثيقة الدستورية أنكاثا
    النور حمد
    صحيفة التيار 18 ديسمبر 2020
    مما اعتادت عليه القوى السياسية عبر مرحلة ما بعد الاستقلال هو نقض العهود". وقد وثق لطرف من هذه الخلة السياسية السيئة، مع آخرين، كل من المثقف والسياسي الجنوبي، أبيل ألير، في كتابه" جنوب السودان: التمادي في نقض العهود والمواثيق"، ويوسف محمد علي، في كتابه" السودان: الوحدة الوطنية الضائعة". سبب هذه الخلة السياسية السيئة، هو الحرص على النفع الشخصي، والجهوي، والفئوي، والتنكر المستمر لنداءات الصالح العام. وما جرى عبر العام والنيف المنصرمين من نقض لغزل الوثيقة الدستورية أنكاثا، ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل نقض العهود والمواثيق، الذي ساد حياتنا السياسية منذ الاستقلال. أيضا، لهذه الخلة السياسية السيئة جذورها في التاريخ السياسي العالمي، منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا. ولو أننا، على سبيل المثال، تأملنا التاريخ الإسلامي، منذ الفتنة الكبرى، لوجدناه تاريخا حافلا بالمكيدة و الغدر والوقيعة والدسيسة والتآمر. ويدل هذا على أن تعاليم الإسلام قد جرى وضعها جانبا، منذ الفتنة الكبرى، وحل محلها المكر والدهاء، والشطارة الشيطانية، الموظفة لخدمة المصلحة. ولا تزال تعاليم الإسلام يجري توظيفها، إلى يومنا هذا، بطرق شيطانية، بالغة السوء، كارثية المردود، لخدمة الجشع والطمع واستدامة الاستبداد. ويمثل الاستبداد الأداة الرئيسة لخدمة أغراض من امتلأت عقولهم وقلوبهم بحب المال والشهوات والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة.

    لقد كانت الوثيقة الدستورية معيبة في عدد من جوانبها. والسبب أن غالبية من وقفوا وراء تدبيجها وتسويقها، من المدنيين، كانوا من الهواة، والديماغوجيين، والحزبيين من أصحاب الأغراض الضيقة، الذين طفوا على سطح الأحداث. والآن نرى أن ثلة من هؤلاء ارتضت أن تكون جزءا من مجلس شركاء الانتقال، الذي خرج للناس فجأة. وتسللت طائفة من انتهازيي قحت إليه، ليصبح الشركاء المتشاكسون، وللغرابة، هم أنفسهم الحكماء والوسطاء. هذا في حين وقف رئيس الوزراء وحكومته موقفا متحفظا من الصيغة التي ظهر بها هذا المجلس. ثم ما لبث أن عاد ليظهر في أول اجتماع يلتئم للمجلس، معلنا بصورة ضمنية مباركته.

    أحد أطراغ التنازع القائم هو المكون العسكري في الشراكة، الذي جر إلى جانبه الحركات المسلحة، أما الطرف الآخر فيمثله المكون المدني الذي يضم حكومة حمدوك ومدنيي المجلس السيادي، إضافة إلى جماعة قحت. أما جماهير الثورة فقد أصبحت غاضبة على الفريقين. وبما أن الوضع جاء منذ المفاوضات بهذه الصورة المنقسمة، لا يصح أن يكون الشركاء المتشاكسون هم أنفسهم الحكماء والوسطاء، وكأن البلاد عدمت غير هؤلاء. وكما أشار د. إبراهيم الأمين، فإن رئاسة الفريق البرهان للمجلس، وجعل أعضاء المجلس السيادي من المدنيين، مجرد مراقبين، لا يملكون حق التصويت، يضع الأمر كله في يد الشق العسكري. فرئاسة الفريق البرهان للمجلس طيلة الفترة الانتقالية تمثل في حد ذاتها خرقا جديدا للوثيقة الدستورية، التي أضحت خرقة مهترئة مليئة بالثقوب. وكلنا يذكر أضحوكة المصفوفة التي رسمت جدولا زمنيا لإنجاز ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، ثم تبخرت.

    تنص الوثيقة الدستورية على أن رئاسة المجلس السيادي ينبغي أن تنتقل في النصف الثاني من الفترة الانتقالية إلى المدنيين. وأكثر ما نخشاه أن يحدث خرق آخر للوثيقة الدستورية، أكثر فداحة مما سبق، فيجري لها تعديل جديد، يستمر به المكون العسكري في رئاسة المجلس السيادي، حتى نهاية الفترة الانتقالية. وهو أمر يشير كثير مما يجري الآن إلى كونه غير مستبعد.

    إن أفضل ما يمكن أن نصف به ما ظل يجري منذ توقيع الوثيقة الدستورية وإلى الآن، هو أنه مجرد "خرمجة". ورغم أنني محب، حد العشق والوله، للحرية وللديموقراطية وللسلام وللعدالة ولحكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب، إلا أنني لست شخصا حالما ينقاد للتفكير الرغبوي. فما يجري حاليا غالبا ما سيضع الأمور، جميعها، في يد العسكر. فحين يتنازع المدنيون أمرهم ويصعد للقيادة الأدعياء والهواة، وأصحاب الأغراض، تؤول مقاليد الأمور إلى العسكر بصورة تلقائية. هكذا كان تاريخنا السياسي، ولا يبدو أننا خرجنا من حفرة ذلك التاريخ المخزي. نحن الآن في انتظار الولادة المتعسرة للتشكيل الوزاري الجديد، وللمجلس التشريعي وللمفوضيات. من ذلك سنعرف هل انتهت ثورتنا إلى مجرد محاصصات يجري تقديمها لعشاق المناصب والوجاهة، لإسكات حناجرهم "اللعلاعة"، والاستجابة لأساليبهم الانتهازية الزلقة، أم أنها تتجه بجد نحو بناء وطن كل شيء فيه منهار.
                  

12-21-2020, 11:37 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    هل العالم الذي نعرفه يتصدع؟النور حمدصحيفة التيار 22 ديسمبر 2020 هناك احتمال، ولو كان ضئيلا، ألا يستمر العالم الذي عرفناه ونعرفه، على ما هو عليه، في الشهور القليلة المقبلة. ولهذا الاحتمال، رغم ما يمكن أن يدور حوله من جدل، مؤشراته. الشاهد، يوجد حاليا مؤشران رئيسان يشيان باحتمال حددوث هزة ضخمة غير مسبوقة في حياتنا المعاصرة، وهما: فيروس كورونا الذي أخذ يضيق الخناق على نمط الحياة العادية الذي ألفناه منذ بزوغ فجر الحداثة، ومنذ نشوء الديموقراطيات التعدديات. وكذلك الاختبار العسير الذي ينتظر الديموقراطية الأمريكية، في الأسابيع المقبلة. فالرئيس الأمريكي، المنتهية ولايته، دونالد ترمب يحاول بكل السبل البقاء في سدة الرئاسة. فهو لم يعترف، حتى الآن، اعتراف صريحا بفوز الرئيس المنتخب جو بايدن. هذا على الرغم رفض المحاكم الأمريكية لكل الطعون التي تقدم بها، زاعما أن تزويرا جرى في الانتخابات، به تقرر أن بايدن هو الفائز، في حين أنه هو الفائز. وهذا هو ما ظل يردده منذ إعلان النتيجة. أوردت قناة MSNBC، الداعمة للحزب الديمقراطي، أن الرئيس ترمب ربما يكون يعد لإعلان ما يسمى martial law، أي قانون الأحكام العرفية، الذي يعلق كل أنشطة الحياة المدنية، ويجعل الجيش هو الآمر الناهي. ويبدو أن إقالة ترمب لوزير الدفاع، في آخر شهر له قبل انتهاء ولايته، وكذلك استقالة النائب العام، إنما كانتا بسبب رفضهما اقتراحه بفرض الأحكام العرفية. لقد صوت لترمب أكثر من 70 مليون ناخب، وفي هذا دليل على أن شعبيته ضخمة، رغم خسارته. وقد سير أنصاره، قبل حوالي أسبوعين، تظاهرات في العاصمة واشنطن احتجاجا على نتيجة الانتخابات، شهدت بعض أعمال العنف. يبدو أن خطة ترمب واليمين المتطرف العمل على إحداث أعمال شغب وعنف، واسعة النطاق، في الخامس من يناير، موعد الإعلان الرسمي بفوز بايدن. ويبدو أن ترمب يرى أن إحداث فوضى وعنف واسعي النطاق سوف تمنحانه تمنح حق فرض الأحكام العرفية. ويتوقع ترمب، فيما يبدو، أن تتدخل المحكمة العليا، المكونة من قضاة معروفين بمحافظتهم وميولهم إلى الحزب الجمهوري، لإلغاء نتيجة الانتخابات، ليبقى ترمب في سدة الرئاسة لدورة ثانية، درءا للفتنة وللانشقاق المجتمعي الحاد، المتسم بالعنف. غير أن المحاكم الأمريكية، بما فيها المحكمة العليا نفسها، رفضت قبل أيام طعونه المتعلقة بتزوير الانتخابات. وكان ترمب قد عين اثنين من القضاة المعروفين بميولهما المحافظة عقب موت قاضيين من قضاة المحكمة العليا، ليضمن لنفسه وقوف المحكمة العليا إلى جانبه في حالة نشوب نزاع. ويبدو أن ترمب قد بدأ يستعد لمجابهة احتمال خسارته الانتخابات، منذ فترة طويلة. ويؤشر هذا الاحتقان الحاد، أن الديموقراطية الأمريكية تواجه الآن، بسبب وصول شخص بنزق وشوفينية ولا أخلاقية دونالد ترمب الى دست الحكم، أعسر اختبار تواجهه في تاريخها. فإذا حدث وأن اهتز النظام الأمريكي وتصدع نتيجة لحرص ترمب على البقاء في السلطة، بسبب ذاته المتضخمة، وتجنبا للقضايا العديدة التي يتوقع أن تنتظره في المحاكم، فإن تداعيات ذاك التصدع ستنعكس على العالم برمته. الأمر الآخر هو فيروس كورونا الذي أخذ يفاجئ الناس بتحورات جديدة. فقد أعلنت بريطانيا عن تحور جديد للفيروس، جعله أكثر شراسة وأكثر قدرة على الانتشار. وقد دفع هذا بدول أوروبية إلى إيقاف حركة الطيران بينها وبين إنجلترا. بل تردد في الأنباء إن الفيروس بدأ في الظهور فعلا، في بلدان أخرى في غرب أوروبا. معضلة دونالد ترمب ومعضلة الكورونا اللتان تشيان باحتمال حدوث تصدع غير مسبوق في نمط الحياة التي ألفناها، ربما تكونان قد حدثتا في هذا التوقيت مصادفة. وربما تكون أن نتيجة لتدبير وتخطيط طويل الأمد، من جانب ما يراها البعض حكومة سرية، ظلت منذ قرون ترسم للعالم وجهته التي تجعل الجميع خاضعين لمركز واحد. وقد بدأ كثيرون يقولون إن فرض لبس الأقنعة الواقعية، والحث على التباعد الاجتماعي، وانهيار الأعمال التجارية الصغيرة لصالح المؤسسات الضخمة، وفقدان الملايين لوظائفهم. والدعوة لانهاء استخدام العملة الورقية واستبدالها ببطاقات الدفع الإلكتروني. وانتظار العون المالي من الدولة، واحتمال فرض أخذ لقاح على الجميع، لم تعرف آثاره الممتدة بعد، تقود كلها، إلى خلق قطيع واحد مطيع، في طول الكوكب وعرضه. أو على الأقل في جزء كبير مؤثر منه. عموما، يبدو أن علينا أن نستعد لمجابهة تغير صورة العالم في أخلادنا. وهي صورة سبق أن بنينا عليها أحلامنا وآمالنا وتطلعاتنا. فربما نصبح غدا ونجد أنفسنا في عالم جديد تماما، لا نعرف عنه شيئا. لذلك، علينا ربط الأحزمة جيدا، أذ يبدو أن ليل العام 2021 سيكون ليلا طويلا، مليئا بالمطبات الهوائية.

    (عدل بواسطة Salah Musa on 12-23-2020, 10:20 PM)

                  

12-23-2020, 10:21 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    "دغمسة" مريبة في منح الحصانة

    النور حمد
    صحيفة التيار 24 ديسمبر 2020

    هللت حكومتنا بقرار منح الحصانة الذي أصدره الكونغرس الأمريكي، رغم ما فيه من "دغمسة" مريبة. استثنى ضحايا 11 سبتمبر من الحصانة، ومنحهم، من ثم، حق تقديم شكاوى أمام المحاكم الأمريكية، ومطالبة حكومة السودان بتعويضهم. وكان محامو هذه الأسر جاهزون لرفع مظالم ضحايا سبتمبر 11. غير أنهم عرضوا في مقابل ألا يذهبوا إلى لقضاء لقاء أن تدفع حكومة السودان مليارات الدولارات، كتسوية خارج المحاكم، ويجري من ثم، اسقاط القضايا، لكن جرى رفض ذلك الطلب. ولكي ينقذ الرئيس ترمب خطته لجر السودان إلى إكمال التطبيع مع إسرائيل، عرض مبلغ 900 مليون دولارا لأسر الضحايا هؤلاء، بدلا عن مبلغ المليارات المطلوبة. لكن رفض عرضه. كان غرض ترمب، فيما أحسب، إرضاء اللوبي الصهيوني واليمين المسيحي لاسناده في مجريات الراهن المعقد الذي يحيط به، وفي خططه المستقبلية. فترمب، رغم أنه لم يعترف بفوز بايدن، حتى الآن، وأنه يعتقد، فيما يبدو، أنه لا يزال قادرا على قلب الطاولة على الجميع، إلا أن تقارير رشحت، من ناحية أخرى، تشير إلى أنه يخطط لخوض انتخابات 2024.

    كان من الممكن أن يمنح السودان حصانة كاملة، لا استثناء فيها، لولا اعتراض كل من السيناتور شومر والسيناتور منيندز وإصرارهما على أن تحصل الأسر المتضررة من حادثة سبتمبر 11 على تعويض من حكومة السودان، مثلما حصل على ذلك متضررو تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام. وكذلك متضررو تفجير المدمرة الأمريكية كول على سواحل عدن. ويبدو أن استخدام جوازات سفر سودانية بواسطة بعض الأجانب الضالعين في تلك التفجيرات، جعلت حكومة السودان ترضخ للتسوية. خاصة أن المفاوضين السودانيين نجحوا في خفض المبلغ المطلوب من مليارات إلى بضعة مئات من الملايين من الدولارات. يضاف إلى ذلك ما يترتب على الرضوخ من إعفاء للديون وادماج للبلاد في الاقتصاد العالمي. لكن يبدو أن هذا القبول بالمسؤولية عن تفجيرات السفارتين في شرق أفريقيا والمدمرة كول، فتح شهية أسر ضحايا سبتمبر 11 المحامين الذين يسيل لعابهم لما يدره عليهم هذا النوع من القضايا من أموال طائلة، للعمل من أجل الحصول على تعويضات مليارية من حكومة السودان. والذريعة هي أن السودان سبق أن آوى بن لادن في تسعينات القرن الماضي. ويمكن القول بكل ثقة أن هذه محض "سلبطة". فأسامة بن لادن صناعة أمريكية سعودية مشتركة. كان الغرض منها مجابهة الغزو الروسي لافغانستان، عسكريا، بواسطة المتطرفين الإسلاميين. يضاف إلى ذلك أن تفجيرات الخبر في السعودية كانت من فعل تنظيم القاعدة. أما من قاموا بضرب برجي التجارة في سبتمبر 11 فأكثريتهم الغالبية سعوديون. ورغم ذلك. لم نر إلى الآن مطالبة أمريكية للسعودية بتعويضات. أكثر من ذلك عرضت حكومة البشير على الأمريكييين استلام بن لادن حين كان في الخرطوم، لكنهم تقاعسوا.

    يرى محامو حكومة السودان أن فرصة إضعاف دعوى تعويض متضرري سبتمبر 11 أمام المحاكم الأمريكية مسألة ميسورة. فسبتمبر 11 قام بها أفراد غالبيتهم العظمى من حاملي الجنسية السعودية. ولم تثبت التحقيقات أن من بينهم سوداني واحد. لكن لا ينبغي أن نعول على مثل هذه النظرة المتفائلة. فلو حكمت المحاكم الأمريكية لصالح الضحايا، وهذا محتمل، فإن كل هذه الجولة الطويلة في محاولة فك القيد الأمريكي عن الأقدام السودانية غالبا، ما ستذهب أدراج الرياح. لقد أثبت مسلك النخب السياسية الأمريكية باستمرار أنها لا تحفل كثيرا بالتحول نحو الديموقراطية في العالم النامي. بل لقد دعمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الأنظمة الديكتاتورية مرات عديدة. يضاف إلى ذلك هناك اختلالا مريعا في ميزان القيم بدرجة تجعل بعض النخب السياسية الأمريكية تحفل بالكسب السياسي، عبر تعويض بضعة آلاف من الناخبين، مليارات الدولارات، وبطرق لا تخلو من التلفيق، على حساب أربعين مليون سوداني يعانون قسوة العيش ولا يجد أطفالهم الحليب والدواء، وهم الخارجون لتوهم من ظلمات ثلاثين عاما من القهر والكبت، وقد بدأوا يتطلعون إلى تحول ديموقراطي يرسي دعائم الاستقرار والنمو في بلادهم.
                  

12-26-2020, 00:42 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    معضلة الاستيراد ومعايير المستورد
    النور حمد
    صحيفة التيار 25 ديسمبر 2020
    لقد أشرت مرات عديدات إلى أننا ننشغل بالسياسة عن السياسات. فالسياسة politics تختلف عن السياسات policies. فالأولى يسودها التنافس بين القوى السياسية المختلفة من أجل الوصول إلى كراسي الحكم. وقد تجري ممارستها بأخلاق، أو بغير أخلاق. خاصة، حين ينحصر هم السياسي في الكرسي والوجاهة والفرص التي تجلب الثراء الشخصي، له ولمحاسيبه. أما السياسات فهي الخطط التنموية والإصلاحية، إضافة إلى القوانين والقواعد والضوابط التي تضبط أداء جهاز الدولة ليكون خادما للصالح العام. ويدخل إحكام تطبيق معايير صارمة على ما نستورد من سلع ،في إطار السياسات الراشدة.

    سبب اختيار هذا الموضوع لعمود اليوم، هو ملاحظتي رداءة الصنعة في كثير مما نستورده من سلع. فنحن نستورد السلع بالعملة الصعبة. واستيرادنا سلعا متدنية الجودة، يعني المزيد من إهدار العملة الصعبة. يضاف إلى ذلك، إثقال كاهل المستهلك المحلي باستنزاف جيبه باستبدال تلك السلعة بسلعة أخرى ردئية الصنع، أو القيام بصيانة مستمرة لتلك السلعة التي اشتراها. لهذا السبب أنشأت الدول هيئات لمعايير الجودة، للتأكد من أن كل سلعة مستوردة مستوفية لمعايير الجودة الموضوعة. فالصانع يهمه تحقيق أكبر هامش ممكن للربح. وإنتاج سلع متدنية الجودة يتيح ذلك الهامش الكبيرا للربح. كما يتيح أيضا انتشارا أوسع للسلعة. لأن تدني ثمن السلعة، بسبب قلة جودتها، يجعلها في متناول قطاع أوسع من المشترين. كما أن السلعة جيدة الصنع تدوم طويلا، ويتسبب هذا في إبطاء معاودة انتاجها. وقد أدرك المنتجون ذلك وأصبحوا يتعمدون إنتاج سلع لا تدوم طويلا. وبما أن المشتري ليس خبيرا في معايير الجودة، ولا يستطيع أن يجري اختبار للجودة بنفسه، فهو يعتمد على حكومته في الحماية.

    من إحسان السياسات، قفل باب استيراد السلع التي يمكن أن يجري إنتاجها محليا. فكثيرا ما يجري فتح باب الاستيراد لسلع يمكن أن يجري إنتاجها محليا، ما يوفر على البلاد عملات حرة، ويمنح الصناعات الوطنية فرصة للتطور. لكن حين يكون الاستيراد خادما للثراء الشخصي، وفق منظومة التحالف المعروفة بين السياسيين وأصحاب العمل، تجري التضحية بالصالح العام، لكي تمدد فرص الصالح الخاص. بل يجري قتل الصناعات المحلية عمدا، لتتسع دائرة الاستيراد للمستفيدين من الاستيراد. الأمر الذي يعيق التطور الصناعي للبلاد. ولقد استشرى هذه التوجه في حقبة الإنقاذ البائدة، التي أصبحت فيها المصالح الشخصية المتحكم الرئيس في السياسات وعلى رأسها سياسات الاستيراد والتصدير. وامتلأت متاجر البلاد بطائفة ضخمة من المصنوعات ردئية الصنع. من ذلك، على سبيل المثال، الأدوات الكهربائية، من مصابيح إضاءة، ومفاتيح، قصيرة العمر، ووصلات كهربائية تتلف بسرعة او تشتعل أحيانا. ومن سيارات لا توفر أي حماية لسائقيها في الحوادث المرورية. ومن ذلك أيضا الأبواب الصينية التي تتلف أقفالها ومقابضها بصورة لافتة وأصعب صيانتها. وهذا غيض من فيض من السلع متدنية الجودة التي تزحم أرفف متاجرنا المختلفة. وفي هذا دليل على أن معايير الجودة لدينا ليست وافية، او انها لا يجري تطبيقها بصورة دقيقة على كل ما نستورد.

    لا تدخل صناعة الأثاث وصناعة الأبواب والشبابيك في باب الصناعات التي تتطلب تكنولوجيا عالية. وكان من الممكن أن تتجه سياستنا على التضييق على المستورد وتشجيع المحلي، لتنهض صناعتنا فنكتفي محليا، بل ونصبح مصدرين لدول الجوار. وعلى سبيل المثال، ظل طلاب كلية الفنون ينتجون، منذ منتصف القرن الماضي، خزفا لا يقل جودة عن الخزف الصيني، يجري استخراجها من جبل المرخيات ومن مروي. لكن أحدا لم يستثمر في ذلك. ولكلية الفنون قسم للتصميم الصناعي منذ سبعينات القرن الماضي، ربما لم يسمع به أكثرية السودانيين. خلاصة الأمر أن مواردنا مهدرة ومعارفنا ومهاراتنا مهدرة. وسياساتنا بلا بوصلة. والمشكلة تكمن في السياسيين ضامري الخيال، محدودي المعارف، الذين ظلوا يقودننا من الاستقلال وحتى يومنا هذا.
                  

12-27-2020, 10:36 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    معذرة المقال المرسل من قبل معاد وجرى إرساله خطآ
    هذا هو المقال الجديد

    سلة الغذاء تستورد الغذاء!
    النور حمد
    صحيفة التيار 27 ديسمبر 2020
    نبهني الصديق العزيز صلاح الأمين، في تبادل للرسائل بيننا، بعد أن قرأ عمودي ليوم أمس، حول معايير الاستيراد ورسم السياسات، إلى جانب مهم يتعلق باستيراد السلع الكمالية. ومنها سلع غذائية تستهلكها الشرائح المسيورة الحال، التي ربما لا تتعدى 3٪ من مجموع السكان. ومسألة استيراد السلع الكمالية مسألة قديمة، لطالما احتدم حولها النقاش في برلمانات الديموقراطيات الثلاث التي وأدتها الانقلابات العسكرية. حينها كان الناس يتجادلون حول استيراد السجائر والخمور والمعلبات والأقمشة الفاخرة والعطور، وغيرها. ولم يدخل المجتمع السوداني آنذاك في حالة الجنون الراهنة بمستحضرات التجميل، التي ملأت الأسواق حد التخمة. وأخذت تأكل مقادير كبيرة جدا من العملات الحرة. وهذه لا تمثل سوى جانب واحد من جوانب هدر العملات الحرة على السلع الكمالية. وليس من حق الدولة أن تمنع ميسوري الحال تماما من الحصول على السلع الغذائية الفاخرة، لكن ما معنى استيراد برتقال مصري، على سبيل المثال، أو أجبان ولبن بدرة يمكن صناعتها محليا، وفقا لمعايير الجودة العالمية؟ وقس على ذلك.

    لابد من القول هنا أن السياسات الراشدة لا تكون إلا في ظل نظام ديمقراطي، يقوم فيه الجهاز التشريعي بدوره كاملا؛ في رسمها، ومراقبة تطبيقها. وكل الانفلات الذي حدث فيما يتعلق بسياسات الاستيراد، إنما حدث بسبب الأنظمة العسكرية الديكتاتورية. ولابد من القول هنا، إن دكتاتورية عبود كانت أرشد وأنضج في هذا الجانب، من ديكتاتوريتي نميري والبشير. في عهد عبود كانت النظم التي ورثناها من البريطانيين، لا تزال في محلها. كما اهتم القطاع العام بالتصنيع، فكانت مؤسسة التنمية الصناعية. وقامت، حينها، مصانع عديدة، منها: مصنع البلح في كريمة، ومصنع البصل في كسلا، ومصنع الألبان في بابنوسة، ومصنع الكناف في أبو نعامة، ومصنع الكرتون في أروما. إضافة إلى مصنعي السكر في الجنيد وخشم القربة. ونشط القطاع الخاص، أيضا، في مجال التصنيع. وبدأ، حينها، وكأن البلاد تسير نحو تحقيق توازن بين المنتجات المحلية والمستوردة، سعيا نحو تغليب المنتجات المحلية على المنتجات المستوردة. غير أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح. وفي هذا مبحث خصب للباحثين.

    جرى تسويق السودان للمستثمرين الأجانب، في فترة حكم نميري، بوصفه سلة غذاء العالم الموعودة. غير أن عدم الاستقرار الداخلي وتقلب السياسات الذي تتسم به عادة الأنظمة الديكتاتورية، جعلت من ذلك النداء صرخة في خلاء قفر. تجنب المستثمرون البلاد بسبب عدم الاستقرار السياسي ونزق السياسات وفساد المسؤولين. وحين نشط الاستثمار العربي في السودان، في أخريات فترة حكم الإنقاذ، جرى وفقا لاتفاقيات مجحفة في حق السودان. لقد كان إهدارا لمياه البلاد الجوفية وإنهاكا لتربتها، بلا عائد يصب في محصلة الصالح العام. وقد جرى ذلك في الخفاء، نظير عمولات ورشاوى لرئيس فاسد ولبعض الولاة الفاسدين. قضت الإنقاذ على الدولة بالمعنى المتعارف عليه، فأصبحت قوفعة فارغة. كانت الدولة عقب الاستقلال وحتى جزء من حكم نميري، هي المتحكم الرئيس في العملات الحرة. وكانت هي التي تمنحها للمستوردين، بعد استيفاء الشروط الموضوعة. لكن حين انهار تماسك الدولة الاقتصادي، وأصبح المستورد هو الذي يحصل على العملة الحرة بنفسه، من السوق الموازي، داخل البلاد، تحت سمع وبصر الدولة، بل وبمباركتها، فقدت الدولة نتيجة لاتساع منظومة الفساد والترهل الإداري العام القدرة على ضبط الاستيراد. وهكذا أصبحت التجارة مع الخارج عالما قائما بذاته يمتع بحرية واسعة . بل، أصبحت ركنا ركينا لما سبق أن أسميته منذ سنوات "الدولة الموازية" . فالسودان اليوم ليس به دولة، ولا يمكن إطلاق إسم دولة، على حالة البلاد الراهنة، إلا مجازا.

    كل شيء يجري الآن في السودان تتحكم فيه المصالح الخاصة. فليس للمصلحة العامة أي نصيب في ما آلت إليه سياساتنا الاقتصادية والمالية. فاصحاب المصالح الذين يبنون ثرواتهم على الاستيراد هدفهم الربح. ولا يهمهم أن يتحول المجتمع السوداني إلى مجتمع مستهلك لا ينتج شيئا. وواضح أن الدولة فقدت قدرتها على ضبط المال العام وقوى السوق. وسيبقى شعار سلة غذاء العالم، بل شعار سلة غذاء العالم العربي، أو سلة غذاء نفسه ،مجرد شعار معلق في الهواء. نحن لا تزال نستورد أغذبتنا الأساسية. ومشكلتنا المزمنة هي الغرق في جدل السياسة العقيم، والانصراف عن رسم السياسات الراشدة وتطبيقها بإحكام.
                  

12-31-2020, 08:11 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    عبد الخالق محجوب في كتاب متميز
    النور حمد
    صحيفة التيار 31 ديسمبر 2020
    عنوان هذا الكتاب المتميز: "عبد الخالق محجوب: الوعي وأزهار القناديل". اسم مؤلفه: حسن محمود الريح. الناشر: دار المصورات - الخرطوم. تاريخ النشر: 2020. عدد الصفحات 265، من القطع المتوسط، متضمنة قائمة المراجع.

    عالج هذا الكتاب أحداث انقلاب يوليو 1971 ابتداء من هروب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، عبد الخالق محجوب من معتقله بميز الضباط بمصنع الذخيرة في المنطقة العسكرية بالشجرة، جنوبي الخرطوم، وحتى حدوث الانقلاب. وقد منح الكاتب اهتماما خاصا للأيام الخمسة الأخيرة في حياة هذا الزعيم والنجم السياسي البارز، التي أمضاها وهو مطارد، عقب فشل انقلاب يوليو 1971.

    أورد المؤلف تفاصيل تلك الأيام المفعمة بالحزن والأسى، التي حاول فيها الزعيم إيجاد مخبأ لنفسه،، في عديد البيوت، فتعذر عليه إيجاده. وظل يتنقل من بيت لبيت طالبا الملجأ، وهو بين الرجاء واليأس. فقد اعتذرت له عدد من البيوت عن منحه مخبأ. وربما كان السبب الغالب وراء ذلك، أن وسائل إعلام نميري ظلت تكرر النداءات للإرشاد عليه. وتنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، كل من تحدثه نفسه بإخفائه. خرج الزعيم من الخرطوم، حين تأكد له فشل الانقلاب. واتجه إلى أمدرمان، حيث منزل القيادي الشيوعي المعروف، حسن الطاهر زروق، في الحارة الثانية بمدينة الثورة. وقد كان حسن الطاهر زروق وقتها غائبا في بلغاريا. وكان هناك شاب قريب لحسن الطاهر يعيش في المنزل. في لحظة ما سمع عبد الخالق ومضيفه الشاب من التلفزيون، التهديد الشديد والوعيد المزلزل لكل من يؤي الزعيم الهارب. أحس الزعيم أن الشاب قد اعتراه قلق واضطراب. فغافله لحظة ذهابه إلى جزء آخر من المنزل، وخرج ميمما شطر الحارة السادسة سيرا على الأقدام، مستخدمها الشوارع الداخلية، قاصدا بيتا آخر لأحد الرفاق. وهناك صده صاحب الدار على عقبيه. فسار راجلا مرة أخرى، عبر الشوارع الداخلية من الحارة السادسة، عبر الحارة الثانية، عبر مقابر أحمد شرفي ثم سار شمال كلية التربية شرقا عبر حفر القمار والكبجاب وصولا إلى أبوروف، حيث منازل الأقارب.

    في بيوت أقاربه آل حسن وحسين الكد، في حي ابوروف العريق، وهي بيوت معروفة بانتماء بعض أفرادها للحزب الشيوعي السوداني، وضح أن الاختباء فيها غير مناسب. فخالد الكد، ابن هذه الأسرة، كان هو الآخر مطاردا. كما أن نسوة تلك البيوت شعرن بالخطر الداهم الذي يتهدد ابن الأسرة خالد الكد وخاله زعيم الحزب الشيوعي، وبالفجيعة القادمة، فانخرطن في العويل والبكاء. وهو ما كان سيلفت نظر الجيران وسكان الحي. حاول الزعيم المطارد أن يجد مخبأ لدى رفاقه من أعضاء الحزب في حي أبو روف، بدلا عن بيوت أقاربه. لكن كثيرين منهم كانوا حينها قد نزلوا تحت الأرض، كعادة الشيوعيين ساعات الخطر، أو آثروا النجاة بأنفسهم. تحت وطأة الشعور بالتنكر والخذلان أملى الزعيم على قريبه طه الكد، هذه العبارة المفعمة بالأسى: "الذين كانوا يتمنون تقبيل حذائي تخلوا عني الآن". ولقد وقف طه الكد، وهو الأقرب إلى الإسلاميين، موقفا اتسم بالشهامة والنبل مع خاله، زعيم الحزب الشيوعي المطارد. فقد كان هو الذي رافقه، طيلة رحلة البحث عن مخبأ، عبر أزقة أبوروف.

    أورد الكاتب سعي الزعيم المطارد في البحث عن مخبأ بتفاصيل دقيقة، عبر بحث دؤوب وتوثيق لشهادات أخذها من مختلف الشهود. ومن أهم ما وثق له هذا الكتاب إثباته لحقيقة تخطيط عبد الخالق محجوب للهروب من معتقله بالشجرة إلى منزل قائد الحرس الجمهوري في داخل القصر الجمهوري. وكذلك تخطيطه لإنقلاب 19 يوليو مع الجناح العسكري للحزب، من غير علم اللجنة المركزية للحزب، بإستثناء قلة قليلة. وكان ذلك حرصا على إحكام السرية حول الانقلاب المخطط له. ومما يؤكد تلك الحقائق ممارسة عبد الخالق محجوب في أيام الانقلاب القليلة مهام رجل الدولة، من مقره في الخرطوم. فقد تولى المقابلات الرسمية، ومنها مقابلة القائم بالأعمال العراقي، والصحفي المصري، أحمد حمروش الذي بعثه الرئيس السادات.

    تميز هذا الكتاب بسرد روائي ممتع بلغة بسيطة واضحة، كما تميز بأمانة علمية. فرغم تعاطف الكاتب مع الزعيم الخالد، وربما تماهيه مع أفكار الزعيم وتجربة الحزب الشيوعي ودوره في الحياة السياسية والثقافية السودانية، فإن ذلك لم يخرجه من الحياد التوثيقي. فقد أجلى هذا الكتاب حقائق أحداث جسام طالما لفها غموض والتباس. وسيبقى هذا الكتاب مرجعا متميزا، لا غنى عنه، لكل من يتناول أحداث انقلاب 19 يوليو 1971.The
                  

01-02-2021, 00:13 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    هل نحن مستقلون حقا؟.
    (١ - ٢)
    النور حمد
    صحيفة التيار 2 يناير 2021
    في البدء التهنئة لكل السودانيين والسودانيات بعيد الاستقلال المجيد، و أيضا، ببداية العام الميلادي الجديد. جعله الله عام خير وأمن وسلام واستقرار في البلاد. ونرجو أن يشهد هذا العام الجديد انقشاع وباء الكورونا الفتاك، الذي حصد الكثير من الأرواح في أرجاء المعمورة، وأربك إيقاع الحياة اليومية في كل مكان، وتسبب في ضوائق اقتصادية حادة، لقطاع كبير جدا من سكان الكوكب .

    علينا، ونحن نحتفل بالذكرى 65 لإعلان استقلال بلادنا من الحكم الثنائي، البريطاني المصري، من داخل البرلمان عام 1955، أن نقوم بجرد حساب لهذه السنوات الخمس والستين، لمعرفة إلى أي مدى تحققت لنا فيها معاني الاستقلال. فهل يعني الاستقلال، وهل تعني الحرية مجرد خروج الجيوش والادارة الأجنبية، أم أن للاستقلال تجليات أخرى، ينبغي أن تتجسد في إنجازات ملموسة تنتظم كل أوجه حياتنا؟ فخروج الجيوش الأجنبية، والإدارة الأجنبية، من بلادنا لا ينبغي أن يمثل سوى العتبة الأولى في السير نحو تلك الانجازات. وأي جرد أمين لتجربة الحكم الوطني السوداني، على مدى الخمس وستين عاما الماضية، لا يصل إلا إلى نتيجة واحدة. مفاد تلك النتيجة أننا لم نحقق، لا وحدة وطنية، ولا استقرارا سياسيا، ولا سلاما، ولا تنمية اقتصادية، بل ولا حتى استقلالا يذكر في قرارنا السياسي. فقد بقي تأثير الخارج على سياستنا أكبر من تأثير الداخل. ولا تزال أيدي الخارج ظاهرة في كل ما تأتي نخبنا المتنفذة، من عسكريين ومدنيين، وما تدع.

    لقد كان مفهوم الاستقلال لدى آبائنا المؤسسين غائما منذ البداية. فهم لم يروا بأسا، بادئ الأمر، أن يخرج البريطانيون لينضوي السودان، تحت التاج المصري تحقيقا لشعار "وحدة وادي النيل". فقد جاء في خطاب السيد إسماعيل الأزهري، رئيس مؤتمر الخريجين، الذي أرسله إلى لجنة المؤتمر الفرعية بودمدني، في 4 أبريل 1945، ما يلي: "إن الوضع الذي يفصح عن رغبات البلاد الحقيقية والذي يحقق لها مصالحها ويكفل لها حريتها ورفاهيتها هو قيام حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر تحت التاج المصري". (راجع: معتصم أحمد الحاج، بعض وثائق مؤتمر الخريجين، الجزء الثالث، ص 152). ولا يخفى أن هذا التوجه نحو تذويب الدولة السودانية في الدولة المصرية، قد عكس تجاهلا لحقيقة أن التاج المصري، في الأصل، هو تاج خديوي، متجذر في تركيا. بل، وقبلها في ألبانيا، التي أتى منها محمد علي باشا، حاكم مصر الأجنبي، الذي غزا السودان عام 1821. فاستعبد رجاله ووضعهم في سلك جنده قسرا، وهو يسعى لبناء امبراطوريته في وادي النيل والجزيرة العربية. وأيضا، لينهب ثرواته وعلى رأسها الذهب. وليذيق شعب السودان الأمرين بالضرائب الباهظة والعسف والتعذيب والتنكيل، إلى أن خلصتهم منه الثورة المهدية.

    لم يستحضر آباء الاستقلال تلك الحقائق، وهم ينادون بوحدة وادي النيل. ولقد خرج السودان من منزلق التبعية المطلقة لمصر، بمحض العناية الإلهية. فقد غير السيد إسماعيل الأزهري ورهطه توجههم في آخر لحظة، 180درجة. وهكذا جرى أعلان الاستقلال عن كل من بريطانيا ومن مصر، من داخل البرلمان. ولربما كان لوجود تيار استقلالي مناهض لتيار الوحدة مع مصر، ولتناميه وبروزه في المفاوضات مع المصريين والبريطانيين، إضافة إلى حرص بريطانيا ألا يقع السودان في القبضة المصرية، أثره في أن يغير الزعيم الأزهري ورهطه توجههم الاتحادي، إلى توجه استقلالي.

    لكن لم يسلم السودان، في عموم تجربة ما بعد الاستقلال، من التبعية. رغم أعلانه جرى بوصفه قطرا مستقلا. وعموما، لم تخل أغلبية أقطار العالم من تبعية، بقدر ما، لقطر من الأقطار ينطبق هذا بصورة أكبر على أقطار العالم النامي، التي كانت واقعة تحت نير الاستعمار. فلقد أطلق مفكرو العالم النامي على الهيمنة الاقتصادية الغربية، التي بقيت عقب استقلال المستعمرات، ثم تنامت، مصطلح: "الاستعمار الحديث". وإلى جانب الهيمنة الاقتصادية كانت هناك التبعية الأيديولوجية الاختيارية لواحدة من بؤر الأيديولوجيا الكبيرة، كالمعسكر الغربي والمعسكر الشيوعي. وكانت هناك، أيضا، التبعية للبؤر الأيديولوجية الإقليمية كالقومية العربية، أو المنظومة الإخوانية الإسلامية العابرة للأقطار.
    (يتواصل)
                  

01-03-2021, 06:45 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    هل نحن مستقلون حقا؟
    ( 2 - 2 )
    النور حمد
    صحيفة التيار 3 يناير 2021

    قلت في المقال السابق أننا غير مستقلين حقا، بسبب جرنا واستقطابنا، بمختلف القوى الخارجية، في مختلف مراحل تكوين الدولة السودانية الحديثة. وكانت ضربة البداية الملموسة للانجرار والاستقطاب، الغزو الخديوي المصري للسودان في عام 1821. كتب طه جابر العلواني، في مقدمته لكتاب غريغوار مرشو، الموسوم: "من الاستتباع إلى الاستبداد: حفريات في آليات احتلال العقل"، أن الأمم التي توسعت على حساب غيرها شيدت حقولا معرفية كاملة بغرض استخدامها كأداة مسوغة لفرض الهيمنة والاستتباع. من ذلك تدبيج خطاب جديد من المعارف التاريخية والجفرافية والجيوسياسية والأيديولوجية، ليصبح ذلك الخطاب ذراعا ثقافية قاهرة، تسير في مقدمة مكونات القوة الغازية، كالتجارة والجيش. وهذا هو ما قام به محمد علي باشا حين غزا السودان. فقد أرسل مع جيشه الغازي ثلاثة من علماء الدين، يمثلون المذاهب الإسلامية، بإستثناء المذهب الحنبلي. هؤلاء العلماء الثلاثة هم من بذروا بذور المؤسسة الدينية الرسمية الداعمة للحاكم، والحاضة على طاعته وقبول استبداده. هذا الأثر الخديوي ظهر جليا حين عارض العلماء السودانيون، الذين تعلموا على أيدي علماء الخديوي، الدعوة المهدية الاستقلالية التحررية، وانحازوا إلى صف المحتل الأجنبي. ولقد استمر هذا التأثير، إلى يومنا هذا، في المؤسسة الدينية الرسمية السودانية، المنحازة دوما للحاكم المستبد، المبررة لتجاوزاته. وكان الخطاب الديني الفقهي الأزهري، الذي غير المزاج الديني السوداني الصوفي السناري، بمثابة التربة الصالحة التي نبتت عليها لاحقا حركة الإخوان المسلمين السودانية، التي أربكت الحياة السياسية السودانية، وأضاعت على السودان والسودانيين ثلاثين عاما عزيزة، حين وصلت إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري. كما جاءتنا مم مصر، أيضا، الحركة الشيوعية. لتصبح بؤرة أخرى من بؤر الانجرار إلى الخارج.

    حين فقدت مصر فرصة انضمام السودان إليها عقب خروج البريطانيين ونيل الاستقلال، اتجهت إلى القوة الناعمة وتكثيف جهودها من أجل مواصلة الاحتلال العقلي للسودانيين. فأنتج الأكاديميون المصريون، (الموجهون استخباراتيا)، أدبيات ثرة، ركزت على إثبات عروبة السودان. وبما أن مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية قد أسند البريطانيون تدريسها في كلية غردون للمصريين، فقد نتج عن ذلك صياغة عقول طلائع المثقفين السودانيين عروبيا ومصريا. وهذا هو الذي جعل انقياد نخبنا للمصريين سلسا، بعد أن ترسخت فيهم عقدة الدونية والشعور بالتبعية. أيضا، كان منهج اللغة العربية والتربية الإسلامية في المدارس الثانوية والمتوسطة السودانية، منهجا مصريا صرفا. أضف إلى ذلك إنشاء البعثة التعليمية العربية الممولة والمدارة مصريا، مدارس ثانوية في غالب المدن السودانية الكبرى . كما جرى إنشاء جامعة القاهرة فرع الخرطوم. وجرى تقديم منح دراسية بالغة الكثرة، على مدى عقود، للسودانيين في الجامعات المصرية. وفي مجال الإعلام الموجه، جرى انشاء إذاعة ركن السودان من القاهرة. كل ذلك كان امتدادا للجهد الخديوي في احتلال العقل السوداني واستتباعه. وهو احتلال آتى أكله، فقد جعل النخب السياسية السودانية تعمل في خدمة مصر والأمة العربية، بأكثر مما تعمل في خدمة السودان. من أمثلة ذلك ترحيل أهالي حلفا، وغمر الآثار السودانية والمدن والقرى ومئات الآلاف من أشجار النخيل، لتنشئ مصر السد العالي. ومن ذلك الانشغال بمآسي الفلسطيين وإغاثة أهل غزة أكثر من الانشغال بمآسي مشردي دارفور وإغاثتهم. وغير ذلك كثير. وحتى بعد أن احتلت مصر بالقوة حلايب وشلاتين، صمتت نخبنا المتنفذة، صمت القبور. والسبب في تقديري هو هذا الاحتلال العقلي، والتخدير المستمر بالجيرة والأخوة الكذوبة. وحين جيشنا الجيوش لوضع ايدينا على أراضينا في الفشقة، لم نجرؤ حتى على طلب التحكيم الدولي في احتلال مصر لحلايب وشلاتين.

    لقد انجررنا لعقود وراء جمال عبد الناصر والقومية العربية. وقد قادنا ذلك إلى الانجرار في إلى مخططات الشيوعية الدولية. تراجع اليسار العربي وصعدت الدول العربية النفطية، فأصبحنا، بفعل الفشل الاقتصادي والحاجة للعون الخارجي، منجرين وراء السعودية. ومؤخرا وراء المحورين القطري التركي، الداعم للحركة الإسلامية السودانية، والمحور الإماراتي السعودي المصري، المناهض لحركات الإسلام السياسي. وبين هذا وذاك جرنا نظام البشير إلى ركب إيران لسنوات. وحاليا يمكن القول بلا تردد أن السياسة الخارجية السودانية يجري رسمها خارج الحدود. بل هناك طمع خارجي حتى لرسم السياسة الداخلية للسودان، أيضا. نحن بحاجة لمراكز بحوث مستقلة حقا، ولتعليم جديد غير مفخخ بحبائل الاستتباع، ولإعلام يعرف حقيقة وظيفته. إلى جانب ذلك، نحن بحاجة إلى نهضة اقتصادية تعصمنا من مد أيدينا للأجانب. فقديما قالوا: "الحاجة رق"، كما قالوا: "من لا يملك قوته لا يملك قراره". وبعبارة أخرى: لا يملك استقلاله.

    .
                  

01-06-2021, 05:42 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    05 يناير 2021
    محمد حلفاوي
    خبير اقتصادي: موازنة "سرية صادمة" تعتزم الحكومة تطبيقها الشهر القادم

    قال المحلل الاقتصادي وعضو لجان مقاومة وزارة المالية حسام الدين إسماعيل إن "الكابينة الاقتصادية" بين مجلس الوزراء والمالية أعدت موازنة سرية لعرضها على وفد البنك الدولي وتنفيذها في شباط/فبراير القادم.
    وكشف إسماعيل في تصريحات لـ"الترا سودان" أن الموازنة السرية اعتمدت سعر صرف (260) جنيهًا مقابل الدولار، وزيادة سعر الدولار الجمركي من (18) جنيهًا إلى (55) جنيهًا مع زيادات شهرية بنسبة (30)% إلى جانب تحرير أسعار الأدوية والقمح تدريجيًا علاوة على تنفيذ زيادة سعر الكهرباء بنسبة (600)% مؤخرًا.
    وأشار إسماعيل إلى أنه شارك مع اللجان الفنية في إعداد الموازنة بوزارة المالية وعلم بوجود موازنة سرية وأن الموازنة التي ستجاز بعد أيام هي صورية لخداع الرأي العام.
    وطبقًا لمشروع موازنة 2021 حصلت وزارة الدفاع على (89.818) مليار جنيه بينما حصلت في العام 2020 على (32.010) مليار جنيه، بزيادة بلغت (173)% أما قوات الدعم السريع فحصلت في مشروع موازنة 2021 على (37.010) مليار جنيه بينما حصلت على (14.500) مليار جنيه في العام الماضي وبلغت الزيادة (155)%.
    فيما خصصت موازنة 2021 لوزارة الداخلية مبلغ (52.535) مليار جنيه بينما حصلت العام الماضي على (17.370) مليار جنيه بزيادة بلغت (202)% وحصل جهاز الأمن والمخابرات على (22.100) بينما حصل العام الماضي على (9039) مليار جنيه وبلغت الزيادة (145)%.
    أما القطاعات السيادية والحكومية فخصص مشروع موازنة 2021 مبلغ (5.680) مليار جنيه فيما حصل القطاع العام الماضي على (2.513) مليار جنيه بزيادة بلغت (126)% بينما حصل مجلس الوزراء (2.628) مليار جنيه فيما حصل العام الماضي على (298) مليون بزيادة (782)% وخصص مشروع موازنة 2021 للسلطة القضائية (10.700) مليار جنيه وحصلت العام الماضي على (3.660) مليار جنيه وبلغت الزيادة (192)% وحصلت وزارة الخارجية في مشروع موازنة 2021 على (328) مليون جنيه من (182) مليون جنيه العام الماضي وبلغت الزيادة (80)%.
    أما القطاع الصحي فحصل على (42.385) مليار جنيه من (21.049) مليار جنيه العام الماضي وبلغت الزيادة (105)% وحصل قطاع التعليم في مشروع موازنة 2021 على (6.235) مليار جنيه متراجعًا عن (14.869) مليار جنيه العام الماضي، وانخفضت المبالغ المخصصة للتعليم هذا العام بنسبة (58)% عن العام الماضي.
    بينما بلغت الأموال المخصصة للقطاع الزراعي في مشروع موازنة 2021 (11.320) مليار جنيه من (6.148) مليار جنيه العام الماضي بزيادة بلغت (84)% فيما حصل قطاع النقل والبنى التحتية على (3065) مليار جنيه من (1.927) مليار جنيه العام الماضي بزيادة بلغت (59)%.
    وجاءت ميزانية التنمية للعام 2021 شحيحةً مقارنة مع الانفاق الحكومي والعسكري إذ حصلت التنمية على (78.363) مليار جنيه من (57.975) مليار جنيه العام الماضي بزيادة بلغت (35)%.
    من جهته انتقد عضو لجنة مقاومة وزارة المالية والمحلل الاقتصادي حسام الدين إسماعيل إخفاء الموازنة الحقيقية بواسطة الكابينة الاقتصادية بين مجلس الوزراء ووزارة المالية مشيرًا إلى أن الموازنة السرية تحرر سعر الصرف للجنيه من (55) جنيها إلى (260) جنيهًا مقابل واحد دولار، ما سيؤدي إلى ارتفاع الدولار في السوق الموازي إلى (720) جنيها إذا نفذت الموازنة السرية في شباط/فبراير القادم.
    ورأى إسماعيل أن الحكومة الانتقالية المدنية لم تستغل قانون الانتقال الديمقراطي والشفافية المالية الصادر عن الكونغرس الأمريكي فيما يتعلق بالشركات العسكرية والأمنية موضحًا أن مجلس الوزراء ووزارة المالية يتحاشون إجراء نقاشات مع المكون العسكري حول شركات المنظومة الأمنية.
    وأضاف: "اقترحنا طلب تمويل الموازنة من المكون العسكري بقيمة خمسة مليار دولار بسداد (300) مليون دولار شهريًا للموازنة لكنهم لا يبلغون العسكريين بهذه المقترحات والأطراف المخولة بلقاء العسكريين هي وكيلة المالية والوزيرة فقط".
    واتهم حسام الدين إسماعيل الطاقم الاقتصادي بالحكومة الانتقالية بالضغط على المواطن لتغطية العجز الذي بلغ في الموازنة الرسمية خمسة مليار دولار، فيما يبلغ العجز في الموازنة السرية مليار دولار.
    وتابع إسماعيل: "الطاقم الاقتصادي ينتظر وفد البنك الدولي الشهر القادم لعرض الموازنة السرية عليه والتي تحتوي على تحرير سعر الصرف والدواء والقمح وحال تطبيقها سيحدث صعود كبير للأسعار والدولار في السوق الموازي".
    وأضاف: "اتحاد أصحاب العمل متحالف مع الطاقم الاقتصادي وجميع هذه الأطراف لا ترى سوى جيب المواطن لتمويل الموازنة".
    واستبعد إسماعيل تراجع الحكومة عن التعرفة الجديدة التي نفذتها على الكهرباء وقال إن الحكومة تقوم بهذه الإجراءات لأنها تعول على ضخ منح وقروض غير موجودة سوى في مخيلتها، لأن المجتمع الدولي لا يدفع لحكومة تتردد ألف مرة في إبلاغ المكون العسكري بتمويل عجز الموازنة.
    ورجح حسام الدين إسماعيل اندلاع اضطرابات شعبية بسبب الضائقة الاقتصادية التي ستنتج عن تنفيذ الموازنة السرية الشهر القادم موضحًا أن السودانيين قادرين على فرض إرادتهم التي فرضوها قبل عامين وأجبروا الرئيس المعزول على الرحيل.
                  

01-10-2021, 09:04 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    التاريخ : 10 يناير 2021م
    ثورة ديسمبر : تكون أو لا تكون
    مستقبل أطفالنا والسودان على المحك
    محمد الأمين أحمد التوم

    1- مقدمة
    يتطلب الفهم الصحيح لبيان السيد / رئيس مجلس الوزراء، الصادر بتاريخ 06/1/2021م، والمتعلق بالمناهج النظر في السياق العام الذي ظهر فيه.
    2- السياق العام
    لو حاولنا رصد التحديات الكبرى التي تواجه الثورة، لما وجدنا من بينها صورة لوحة مايكل أنجلو أو خطر الفكر الجمهوري على الأمن القومي.
    • فالسلام لم يُستكمل بعد. ليس ذلك فحسب، بل إنَّ الحكومة وحاضنتها السياسية ليست لديهما رؤية واضحة لاستكماله. ولا ندري حتى هذه اللحظة إجابة واضحة عن السؤال التالي : هل ستتولى الحكومة قيادة التفاوض أم ستتركه لمجلس السيادة؟
    • والحكومة مطالبة بمخاطبة الشعب بشفافية، موضحة له رؤيتها لمعالجة معاناته من قسوة الأوضاع المعيشية التي تزداد شدة مع مر الساعات. وهي مطالبة بالتنسيق مع اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير (قحت) لتحديد هذه الرؤية.
    • إنَّ قوى الثورة تتجاوز كثيرا المجموعات التي يمثلها المجلس المركزي لقحت. وقحت مطالبة بإعادة النظر في هياكلها لتتمكن من استيعاب القوى الموقعة على الاعلان، إضافة إلى التوافق على برنامج حدٍ أدنى لما تبقى من المرحلة الانتقالية.
    أمَّا الحاضنة الشعبية ( لجان المقاومة بصورة أساسية)، فتحتاج إلى تمتين تنظيماتها على مستوى القرى والأحياء والمحليات والولايات وإلى تأسيس قيادة ديمقراطية لها.
    • يلزم الحكومة أن تنظر جادة في مطالب الجماهير التي رفعتها إليها في عدد من المسيرات المليونية المتتالية، لا سيما ما تعلق منها بملف العدالة.
    أما كان الأجدر بالحكومة أن تُمعن النظر في هذه التحديات وفي توسيع دائرة الحوار بشأنها بدلاً من أن ينصرف اهتمامها إلى صورة لمايكل آنجلو على نحو أغرق البلاد في متاهات المتاجرين بالدين؟
    3- سياق التربية والتعليم
    تشكَّلت لديّ، منذ سنوات مضت، رؤية واضحة عن نظام التعليم ( العام والعالي) في السودان تقوم على فرضية أنَّه غدا وطناً ديمقراطياً يحتفي بتنوع أعراقه وثقافاته ويلتزم بحقوق الانسان وينشد التنمية المستدامة ويسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وإلى امتلاك القدرة على المساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية.
    وقدمتُ ملامح هذه الرؤية، إضافة إلى راهن التعليم العام، في مؤتمر صحفي عقدته وكالة سونا في 19 نوفمبر 2019م. ودعوت المسؤولين عن التعليم في جميع الولايات لتنظيم مؤتمرات لأصحاب المصلحة في التعليم (أولياء الأمور والتلاميذ والطلاب والمعلمون والإداريون والتربويون ومنظمات المجتمع المدني والحكومة) يتفاكرون فيها في راهن التعليم العام ومستقبله. وشاركت، خلال فترة يناير- فبراير من العام الماضي، في مؤتمرات لأصحاب المصلحة بجميع الولايات، ما عدا ولايتي الشمالية والنيل الأزرق وذلك لأسباب لوجستية.
    وعقدنا مؤتمر ثورة ديسمبر للنهوض بالتعليم في أغسطس 2020م اسفيرياً في جميع الولايات. ونظر المؤتمرون في توصيات الولايات، فبتنا نمتلك الآن مشروعاً قومياً متكاملاً لتغيير التعليم العام تغييرا جذريا. ويمكن الاتصال بمكتبنا للتعرف على ما تم إنجازه في مجالات القوانين والتشريعات والمناهج ووضع المعلمين المادي والمهني والبيئة المدرسية ومجانية التعليم والتعليم الالكتروني.
    إنَّ بيان السيد/ رئيس الوزراء، بتجاوزه وزير التربية والتعليم في أمر يقع ضمن اختصاصات وزارته الحصرية وبإلغائه جهود اللجان التي أعدَّت المناهج دون إخضاعها للدراسة، إنمَّا يدفع الوزير ومدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي دفعا إلى الاستقالة الفورية.
    وثمة جانب آخر في هذا البيان ينبغي أن يُشار إليه ألا وهو: من هو صاحب هذه الفكرة أساساً؟ ومن الذي انتقى هذه المجموعات الدينية؟ ولماذا رتب لها مكتب السيد / رئيس الوزراء أمر مقابلته بدلاً من توجيهها بمقابلة مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي إبتداءً، ثم مقابلة الوزير إن تعذر التوصل لحل مقبول لقضيتها؟ ويقال أنَّ المجموعات ذاتها التقت أيضاً السيدين / رئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه للغرض ذاته. وإن صح ذلك، فهل لمجلس السيادة اختصاص في المناهج ؟
    وثمة دلائل تشير إلى أنَّ هذا التحرك من قِبل هذه المجموعات الدينية ينبغي أن يُنظر إليه على أنَّه يندرج في إطار المخطط الناعم لفلول النظام المباد لإجهاض الثورة. فإيقاف مشروع التغيير الجذري في وزارة التربية والتعليم إنما يمثل الخطوة الأولى فحسب في هذ المخطط. لقد جربت هذه الفلول الحل العسكري وأجهض الشعب مسعاها. وهاهي الآن تجرب الأساليب الناعمة. ولا بد لنا جميعا من التصدي لها بقوة.
    فليذهب الوزير وليذهب المدير وليبقى مشروع التغيير الجذري .
    4- مأزق قحت
    إنَّ المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بإفساحه المجال أمام عناصر الحركة الإسلامية المعادية للثورة لولوج مواقع متقدمة في الجهاز التنفيذي، يكون قد أصاب الثورة في مقتل.
    إنَّ مستقبل أطفال السودان ومستقبل الوطن يرتبطان ارتباطاً متينا بمشروع التغيير الجذري في نظام التعليم. وتقع على عاتق المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير مسؤولية الخروج من المأزق الذي أوقع نفسه فيه والعمل على ضمان بقاء هذا المشروع.
    وختاماً، أعتقد أنني نهلت، كغيري، من النبع الصافي لقيم الشعب السوداني والإنسانية ومن ضمنها العزوف عن السعي وراء المناصب والنأي عن التشبث بها والوقوف في وجه الظلم والسعي وراء الحقيقة والجهر بها. لذلك، أجد نفسي جزءاً من المعركة الدائرة الآن من أجل الإنتصار لثورة ديسمبر المجيدة.
                  

02-14-2021, 11:25 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    بعض مما فضحه التشكيل الوزاري الجديد
    النور حمد
    صحيفة التيار 14 فبراير 2021

    يمكن القول، بكل بساطة، أن ما ظل يعتمل داخل الوسط السياسي، منذ اقتلاع نظام الإنقاذ وبداية التفاوض مع العسكر ، قد كانت سمته الرئيسة التدليس المستمر، المتمثل في نقض العهود والمواثيق. من أمثلة ذلك، عدم الالتزام بما نصت عليه الوثيقة الدستورية. فقد مر على إعلان الوثيقة الدستورية عام ونصف، ولم نر مجلسا تشريعيا. وإنما رأينا ما سمي "مجلس الشركاء"، الذي نبت فجأة وجرى تشكيله بسرعة البرق. هذا، في حين ظل كل ما نصت عليه الوثيقة الدستورية من استحقاقات يسير بسلحفائية قاتلة، أضحت تشير بوضوح إلى التعمد في تأخير تلك الاستحقاقات، بل، وربما التنكر لها بصورة نهائية. وعموما، لا ندري من أين جاءت فكرة "مجلس الشركاء" هذه، التي أضحت واقعا بين يوم وليلة. وأصبح قياديو قوى الحرية والتغيير أعضاء فيه، وهم المفترض فيهم أن يكونوا حراس الثورة وحراس وثيقتها الدستورية. أيضا لم نر تشكيلا لمفوضية الانتخابات وغيرها من المفوضيات. ولم يكن كل هذا المطل والتباطؤ ممكنا لولا أن الذين استلموا مقود عربة الثورة قد كانوا قوما بلا مبادئ وبلا صدقية.

    أحدث الوزير السابق، مدني عباس مدني، أول خرق لما ألزمت به قوى الحرية والتغيير نفسها، وهو عدم تولي أي فرد منها منصبا تنفيذيا أثناء الفترة الانتقالية. والآن سار الجميع على نهج مدني، فجاء إلى المناصب التنفيذية كل من إبراهيم الشيخ، وخالد عمر يوسف، ومريم الصادق، وحمزة بلول، ويوسف آدم الضي، وغيرهم. ويبدو أن حرص الجبهة الثورية على نهج المحاصصة في المناصب أثناء الفترة الانتقالية، الذي كان بندا من بنود المفاوضات التي جرت لإبرام إتفاقية السلام في جوبا، قد فتحت شهية الأحزاب السياسية وقيادييها للاستوزار أثناء الفترة الانتقالية، شأنهم شأن رصفائهم في الجبهة الثورية. وقد حفلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع المنصرم بإعادة تدوير أحاديث إبراهيم الشيخ وخالد عمر يوسف من على منصات الاعتصام، التي أكدوا فيها نأيهم بأنفسهم عن تسنم أي منصب تنفيذي في الفترة الانتقالية. وقد أظهرت مقاطع الفيديو تلك مدى تناقض المواقف لدى سياسيينا، بل ومدى عدم اكتراثهم بأن يناقضوا أنفسهم. وهذه جانب واحد من جوانب "تخانة الجلد"، التي ظلت السمة الرئيسة لسياسيينا منذ الاستقلال. ويبدو أن حلمنا بأن تنشأ من بين قوانا السياسية قامات ذات مبادئ ومصداقية وانحياز لنبض الشارع، لا يزال حلما طوباويا معلقا في الهواء.

    كان من الأفضل في نظري أن تكتفي الجبهة الثورية بمناصب في السيادي، إضافة إلى تولي مفوضية السلام لتشرف على تنفيذ اتفاقية السلام، وتنصرف بكليتها إلى تحويل نفسها إلى حراك مدني تنشغل عبره بالاستعداد لخوض الانتخابات، عقب الفترة الانتقالية. أيضا، كان على الأحزاب، فيما أرى، أن تنأى بنفسها عن المناصب التنفيذية، وتنشغل هي الأخرى بتوسيع قواعدها الجماهيرية، وتمتين هياكلها التنظيمية، لخوض الانتخابات. غير أن الفريقين هرعا إلى المناصب التنفيذية، ظنا منهما أن هذا النهج يوصلهما إلى موارد الدولة، فيستغلانها في تمتين بنيتيهما. خلاصة القول أن عقلية الإنقاذ في تجيير موارد الدولة للصالح الحزبي ليست وقفا على الإنقاذ وحدها، وإنما تشمل أيضا من يظنون أنهم البديل للإنقاذ. سوف تنقضي الفترة الانتقالية إن عاجلا أم آجلا. ولسوف تجد الأحزاب الصغيرة، قصيرة النظر، التي تتسيد حاليا هذا المشهد المتشظي، نفسها، عقب الفترة الإنتقالية، منفية خارج دائرة القرار السياسي. وسيكون كل ما كسبته هو استوزار بعض منسوبيها لبضع سنوات، غالبا ما لا تبلغ أجلها المكتوب. فكل المؤشرات تشير إلى أن الحكومة الجديدة ربما واجهت أوضاعا أعسر بكثير مما واجهته سابقتها. لكن يبدو أن المناصب تعمي البصائر.
                  

02-16-2021, 09:16 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Re:مقالات دكتور النور حمد في جريدة التيار (Re: Salah Musa)

    ظاهرة النهب والتخريب والحرق
    النور حمد
    صحيفة التيار 16 فبراير 2021

    ما من ثورة في التاريخ إلا ونشأت في مواجهتها ثورة مضادة. ولكل ثورة مضادة عدة أذرع تعمل من خلالها لإرباك الأوضاع الجديدة وإفشالها، أملا في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة. ولقد أبدع الكاتب المصري، علاء الأسواني، في توصيف أساليب القضاء على أي ثورة عبر ست خطوات. من أذرع الثورة المضادة، شديدة الفعالية، المنافذ الإعلامية، التي كانت قبل الثورة في قبضة النظام القديم. يضاف إلى ذلك وسائط التواصل الإجتماعي التي أضحت متاحة للجميع بفضل ثورة المعلومات. تستخدم الثورة المضادة مختلف هذه القنوات الإعلامية في بث الأكاذيب والشائعات لبلبلة الرأي العام وشق الصف الثوري، عبر خلط الأوراق. وقد ذكر علاء الأسواني أن من الأساليب الفعالة في إرباك الثورات، تبني الثورة المضادة لذات الشعارات التي جاءت بها الثورة، وتحريك جمهور الثورة، أو قطاع منه، ليصبح هو نفسه أداة لهدم الثورة التي قام بها.

    ما من شك أن العام الأخير قد شهد أزمات خانقة في السلع الاستهلاكية؛ من دقيق ووقود وغاز طبخ وغيرها. كما شهد تصاعدا في كل أسعار السلع في الأسواق، بلغ في بعض السلع 600%، بسبب التراجع غير المسبوق في سعر العملة المحلية. الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لمخاوف التجار ولجشعهم. فجنحوا إلى المغالاة في رفع الأسعار فيما يعرف ب price gouging. اهتبلت الثورة المضادة التي تديرها عناصر المؤتمر الوطني وجمهرة المنتفعين من النظام القديم داخل أجهزة الدولة، فرصة السيولة التي اتسمت بها مجمل الأوضاع فأعملت معاولها في كل شيء. وقد كان السبب الرئيس في تلك السيولة، من وجهة نظري، كراهية المكون العسكري للمكون المدني، ولكل ما يمثله وما يرمز إليه. وكذلك، ابتعاد المكون المدني، من جانبه، عن نبض الشارع الذي أتى به. يضاف إلى ذلك حالة الارتباك التي وسمت أداء التنفيذيين الذين جاءت بهم الثورة، بسبب ضعف الكفاءة وقلة الخبرة، وعدم القدرة على إبعاد عناصر الإنقاذ في أجهزة الدولة عن المجاري التي تتنزل بها القرارات.

    ازدحم العام المنصرم من عمر حكومة الفترة الانتقالية بسلسلة متصلة الحلقات من الاضطرابات. فقد جرى اقتتال إثني الطابع في بورتسودان. وجرت اضطرابات في كسلا بسبب اختيار الوالي. وتفاقمت حالة الانفلات الأمني في مختلف المدن، بما في ذلك العاصمة. فلا يكاد يمر أسبوع أو أسبوعان إلا وينشأ اضطراب ما، في مكان ما. إلى أن وصلنا إلى قطع الطرق القومية، وإلى مأساة مدينة الجنينة، ثم اندلاع مسلسل النهب والتخريب والحرق الذي طال كبريات المدن في مختلف الولايات، تحت ذريعة الغلاء والندرة. ويبدو أن الثورة المضادة قد ظنت أنها قد أوصلت الحالة الأمنية عبر مسلسل الاضطرابات الطويل إلى نقطة التحول. فجاءت خطوة التحريض على النهب والحرق والتخريب ليصل الانفلات الأمني التي تحتم حدوث انقلاب عسكري. غير أن ذلك حساب خاطئ يحركه الغرض الأعمى وقصر النظر وعدم أخذ المزاج الشعبي الغالب والأوضاع الدولية والإقليمية في الاعتبار.

    لقد ظل الثوار مرابطين في الشوارع لأربعة أشهر عصيبة، ظلوا يتلقون فبها رصاص قناصة الأمن وكتائب الظل بصدور مكشوفة. ومع ذلك، لم يفكروا في العنف وحافظوا على سلميتهم حتى انتصرت ثورتهم، فأذهلوا بذاك العالم كله. خلاصة القول إن النهب والحرق والتخريب الذي جرى مؤخرا لا صلة له بالثورة ولا بنهجها. هذا فعل وضيع يوضع عند عتبة الفلول. وهكذا هي أخلاق الفلول. ولقد شهدنا كيف افتعلوا حرق محطات الوقود في انتفاضة سبتمبر 2013 ليتخذوا من ذلك ذريعة لحصد الثوار بالرصاص. لقد أرادوا بالتخريب والحرق والنهب أن يقولوا إن العوز والجوع والمسغبة ألجأت الناس لهذه الأفعال الشنيعة. غير أننا لاحظنا من لقطات الفيديو المتداولة أن من قاموا بهذه الأعمال كانوا في الغالب من صبية وصبيات المدارس، ومن هم في سنهم ممن تركوا المدارس. وهؤلاء بحكم السن عرضة للاستدراج. إن الإنقاذيين كعهدهم لا يبالون إن هم دمروا أخلاق الأمة وقيمها وأفسدوا تربية النشء. الهدف الأوحد لهؤلاء الدجاجلة هو أن يعودوا إلى مراتع السحت التي طالما ولغوا فيها.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 3 „‰ 3:   <<  1 2 3  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de