التيار الإسلامي في السودان، خلال تجربته في الحكم منذ انقلاب 1989 بقيادة "الجبهة الإسلامية القومية"، قدّم نموذجًا متميزًا في تفاعل الدين مع السياسة، لكنه واجه إخفاقات كبيرة لا يمكن إغفالها. أحد الانتقادات الأساسية لهذا التيار يتعلق بفلسفة الدولة التي حاول تطبيقها، والتي شملت خلط الدين بالسياسة، مما أدى إلى تقويض أسس الحكم المدني الديمقراطي والابتعاد عن مبادئ التعددية السياسية. النقد الفلسفي التناقض بين الشمولية والإيمان بالتعددية: من الناحية الفلسفية، التيار الإسلامي في السودان حاول تقديم نموذج حكم يقوم على مبدأ "شمولية الإسلام" كنظام شامل للحياة، بما في ذلك السياسة. إلا أن هذا التصور يتناقض مع مبدأ التعددية السياسية والفكرية التي تتطلب احترام التنوع الثقافي والديني والسياسي في المجتمع. فرض رؤى دينية محددة على مجتمع متعدد الثقافات أدى إلى انقسامات سياسية ودينية وأعاق محاولات بناء مجتمع يتسم بالتسامح والمساواة. لقد فشل في تحقيق العدالة الاجتماعية على الرغم من الشعارات التي رفعها الإسلاميون حول تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن تجربتهم في الحكم كشفت عن فجوات كبيرة في هذا الجانب. الفقر والفساد والاستبداد كانت سمة بارزة في حكمهم. يمكن القول إن التيار الإسلامي فشل في تحقيق مبادئ العدل والمساواة التي يدعو إليها الدين الإسلامي ذاته. بدلًا من ذلك، تم استخدام الشريعة كأداة للسيطرة السياسية وليس لتحقيق المصلحة العامة. إقصاء الآخر باسم الدين التيار الإسلامي في السودان اعتمد على خطاب ديني-سياسي يؤكد على حصرية الإسلام كمصدر للتشريع، مما أدى إلى إقصاء التيارات الفكرية والسياسية الأخرى. هذه الحصرية الفكرية تتعارض مع فلسفة الدولة الحديثة القائمة على الاعتراف بالتعددية والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم السياسي. من هنا، يتبين أن التيار الإسلامي أوقع البلاد في أزمة هوية، حيث فرض نموذجًا واحدًا دون مراعاة تنوع المجتمع السوداني. وهنا الإشكالية في مفهوم الحرية والديمقراطية: الفلسفة السياسية الإسلامية، كما طُبقت في السودان، قدمت مفهومًا مقيدًا للحرية والديمقراطية. حيث تم استخدام الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى السلطة، لكنها لم تُستخدم كآلية لترسيخ الحرية الفردية وحرية التعبير. تم قمع الصحافة، وقيدت الحريات المدنية تحت مسمى "حماية الشريعة"، مما أدى إلى إفراغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي. قضية الاستقواء بالجيش التجربة السياسية للتيار الإسلامي في السودان لم تقتصر فقط على هذه التحديات الفلسفية، بل تضمنت أيضًا الاستقواء بالجيش كأداة للحفاظ على السلطة. هذا الموقف يعكس استغلالًا متكررًا للمؤسسات العسكرية في الصراع السياسي، وهو ما يعبر عن مشكلة أعمق تتعلق بإدارة السلطة في السودان. تسييس الجيش التيار الإسلامي استخدم الجيش كأداة للبقاء في السلطة، وهو ما تجلى بوضوح في فترة حكم البشير، حيث تم عسكرة السياسة السودانية بشكل كبير. هذا الربط بين الجيش والسياسة يؤدي إلى إضعاف المؤسسات الديمقراطية المدنية وتحويل الجيش من مؤسسة وطنية مستقلة إلى أداة سياسية تخدم مصالح فئة معينة.
إضعاف سلطة القانون المدني: عندما يتدخل الجيش في السياسة بتشجيع من التيار الإسلامي أو غيره، يتم تقويض سيادة القانون وإضعاف النظام القضائي المدني. هذا التدخل يعزز ثقافة العنف السياسي ويضعف الحوار الوطني السلمي. ومن هنا، يتضح أن التيار الإسلامي في السودان ساهم في خلق بيئة سياسية متوترة غير مستدامة، بسبب اعتماده على القوة العسكرية بدلاً من الحلول السياسية الديمقراطية. إعادة إنتاج الديكتاتورية ورغم الانتفاضة الشعبية في السودان والإطاحة بنظام البشير في 2019، لا تزال البلاد تواجه تحديات متعلقة بالانتقال الديمقراطي، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى التاريخ الطويل لتدخل الجيش في السياسة. الإسلاميون الذين سعوا للتشبث بالسلطة عبر الجيش، ساهموا في ترسيخ نظام ديكتاتوري وليس نظامًا ديمقراطيًا تعدديًا، مما أدى إلى انحسار الحريات وتراجع التنمية. تجربة التيار الإسلامي في الحكم بالسودان تكشف عن إخفاقات متعددة على مستوى الفلسفة السياسية والاجتماعية، فضلاً عن الاعتماد المتزايد على الجيش كأداة لحسم الصراع السياسي. هذه الإخفاقات أدت إلى إضعاف الدولة السودانية، وزيادة حدة الانقسامات الداخلية، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية. من الضروري تبني مقاربة جديدة تعتمد على فصل الدين عن السياسة، وإعادة بناء المؤسسات الديمقراطية بعيدًا عن تأثير الجيش، لضمان مستقبل أفضل للسودان. الاستقطاب المفرط والسياسات التهديدية: خطاب التيار الإسلامي بعد الحروب عادة ما يكون مهددًا للتيارات المدنية واليسارية. هذه الاستراتيجية التي تعتمد على التخويف بدل الحوار تشكل خطرًا على أي محاولة لتحقيق الاستقرار أو التقدم السياسي. الإسلاميون يسعون للعودة إلى السلطة بأي ثمن، وهذا يُثير حفيظة القوى المدنية التي تؤمن بأن السلطة يجب أن تبنى على حوار وطني شامل، يضمن حقوق الجميع. فشل تجربة الإسلاميين في الحكم: التاريخ السياسي للعديد من الدول العربية بعد الربيع العربي أثبت أن التيارات الإسلامية فشلت في تحقيق التنمية أو إرساء قواعد دولة القانون. تجربة الإخوان المسلمين في مصر مثلًا، تظهر كيف أن التيار الإسلامي واجه صعوبة في إدارة شؤون الدولة بطريقة عادلة ومنفتحة. هذا الفشل يعزز منطق اليسار في دعوة لعدم عودة التيارات الإسلامية للسلطة. القيم الإنسانية و من منظور يساري، التيارات الإسلامية غالبًا ما تتعارض مع مبادئ الحقوق والحريات الشخصية. فاليسار يدافع عن قيم إنسانية أساسية مثل الحرية الفردية، المساواة بين الجنسين، وحقوق الأقليات. بينما تسعى التيارات الإسلامية لفرض أيديولوجية دينية قد تقيّد هذه الحريات وتضعف سيادة القانون. هذا يشكل نقطة أساسية للصراع الفكري، حيث يدافع اليسار عن مجتمع تعددي حر بينما يريد الإسلاميون فرض نموذج واحد. التعددية السياسية و يركز اليسار على أهمية التعددية السياسية والديمقراطية. التيارات الإسلامية، رغم أنها قد تشارك في الانتخابات، إلا أنها تروج لفكرة أن الإسلام يجب أن يكون مصدرًا وحيدًا للتشريع. هذا يتعارض مع روح الديمقراطية التي تقتضي فصل الدين عن الدولة. ولذلك، يحذر اليسار من العودة إلى نموذج سياسي قائم على التفرد الديني. الفساد والانقسامات و العديد من التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة أظهرت انقسامات داخلية وصراعات على النفوذ والسلطة، بالإضافة إلى اتهامات بالفساد. القوى المدنية ترى أن هذا يُعزز الحجة بعدم السماح لهم بالعودة للحكم دون مراجعة شاملة لأفكارهم وسياساتهم. إن الدعوة لعدم عودة التيار الإسلامي إلى السلطة ليست فقط مسألة أيديولوجية، بل هي مبنية على دروس تاريخية ومخاوف عملية تتعلق بمستقبل الديمقراطية في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة