ارتكب د حمدوك في خطابه بالدعم السريع خطأين فادحين هما: ١- زعمه أن الدعم السريع كان له مساهمة إيجابية في التغيير، و الدعم السريع جزء من اللجنة الأمنية التي قامت بإنقلاب القصر الذي قطع الطريق على التغيير. ٢- مطالبته بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة لتكوين جيش وطني موحد، و هذه مخالفة صريحة لنصوص الوثيقة الدستورية التي يستمد منها مشروعيته و صلاحياته، و التي تنص صراحة على أن القوات المسلحة و الدعم السريع يكونان المؤسسة العسكرية. أي أن الدعم السريع مستقل و مساوي للقوات المسلحة بحكم النص الدستوري، و لا يجوز المطالبة بدمجها دستورياً. كذلك للدعم السريع قانون مستقل عن قانون القوات المسلحة، يعزز استقلالية هذا الكيان المسخ. و السؤال هو كيف يطالب حمدوك بدمج الدعم السريع في القوات المسلحة و هو مستقل دستوريا و قانونيا، و كيف يتحدث عن شراكة نموذجية أسست لها الوثيقة الدستورية ثم ينادي علنا بخرق هذه الوثيقة الكارثية؟ فالمادة (٣٥) من الوثيقة الدستورية تنص حرفيا على ما يلي: (١) القوات المسلحة و قوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن و لسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة و خاضعة للسلطة السيادية. (٢) ينظم قانون القوات المسلحة و قانون الدعم السريع علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية. و يترتب على هذا النص ما يلي: أ- القوات المسلحة و الدعم السريع كيانين منفصلين يقومان على قدم المساواة و يشكلان معا المؤسسة العسكرية. و هذا اعتراف صريح بإستقلال الدعم السريع عن القوات المسلحة، و لا يقدح في ذلك تبعية الاثنين معا للقائد العام للقوات المسلحة، لأن هذه التبعية المشتركة تؤكد الانفصال أكثر منها تأكيدا للوحدة، فهي تعزز وجود الكيان عبر الاعتراف بوجوده المنفصل، قبل أن تحدد الخضوع لسلطة منظمة واحدة. ب- الفقرة الثانية من المادة تكرس الاستقلالية، حين تؤكد أن قانون كل كيان على حدة، هو الذي يحدد علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء)، فلو كان هذان الكيانان جسم واحد ، لما احتاجا لقانونين لتنظيم علاقتهما بالسلطة التنفيذية. ج- في الثلاثين من يوليو ٢٠١٩م ، أصدر رئيس انقلاب القصر الفريق أول عبدالفتاح البرهان مرسوما دستوريا بالرقم ٣٤ لسنة ٢٠١٩ بتعديل قانون، عدل بموجبه المادة (٥) من قانون الدعم السريع التي كانت تخضع هذا الكيان لقانون القوات المسلحة، و بالتالي أصبح هذا الكيان غير خاضع لهذا القانون و محكوما بقانونه فقط، مما يعزز استقلاليته و انفصاله عن القوات المسلحة. يلاحظ أن المادة (٢) من الوثيقة الدستورية اعتبرت أن المراسيم الصادرة من انقلاب القصر سارية المفعول و اعتمدتها، و هذا يعني أن المرسوم الذي نص على تعديل قانون الدعم السريع ساري المفعول الآن. و هو مرسوم يشكل سابقة في تاريخ البشرية، لانه اول مرسوم دستوري يعدل قانون في حدود علمي. فالتعديل الآن دستوري و أعلى درجة من قانون الدعم السريع نفسه، الذي كان يجب تعديله بموجب قانون لا أداة دستورية. لكن يبدو أن انقلاب القصر أراد أن يكون عدم خضوع قوات الدعم السريع لقانون القوات المسلحة دستوريا تعزيزا لاستقلالها. و الواضح من النصوص الدستورية الثلاثة (المادة ٢ و ٣٥ من الوثيقة الدستورية و المرسوم الدستوري لقائد انقلاب القصر المعدل لقانون الدعم السريع الذي اعتمدته الوثيقة الدستورية)، أن قوات الدعم السريع كيان مستقل قائم بذاته يقف على قدم المساواة مع القوات المسلحة، و لا يصح دستورياً اعتبار هذا الكيان جزءا منها. و لا يقلل من ذلك المزاعم بأن المادة (٦) من قانون الدعم السريع تنص على تبعيتها للقوات المسلحة - لم استطع التحقق من صحة هذا الزعم لعدم توفر قانون الدعم السريع، لأن مثل هذه المادة إن وجدت تتعارض مع النصوص الدستورية المثبتة أعلاه، و هي واجبة الأبطال لعدم دستوريتها. و الخلاصة هي أنه من ناحية دستورية، قوات الدعم السريع كيان مستقل قائم بذاته، و المطالبة بدمجه في القوات المسلحة مخالفة صريحة لنصوص الوثيقة الدستورية. لذلك على من يريد أن يطالب بهذا الدمج كأحد استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة و كأمر لا بد منه لخلق جيش وطني موحد، أن يطالب اولا بإسقاط هذه الوثيقة الدستورية. فمن يستمد شرعيته و سلطته من هذه الوثيقة الدستورية و يعترف بمشروعيتها و دستوريتها - كرئيس الوزراء مثلا د. حمدوك- لا يجوز له المطالبة بهذا الدمج بالمخالفة للوثيقة الدستورية. مودتي
مقالات سابقة ل د.أحمد عثمان عمر بسودانيزاون لاين الان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة