وردت في الأنباء ان جامعة الدول العربية قد قررت ان ترفع مسألة سد النهضة الإثيوبي الي مجلس الأمن الدولي من اجل التدخل الأممي لحل المسألة بين إثيوبيا و السودان و مصر. و أري ان هذه الخطوة فيها الكثير من التدخل المتهور من جانب هذه المؤسسة الصورية؛ و لكن رغم صوريتها هذه، فلا بد من ان تكون لدي الأفارقة موقفاً واضحاً بخصوص هذا التطفل الدبلوماسي الغير مبرر. وجامعة الدول العربية، و هي تجمع عنصري في المقام الاول، هي منظمة فاشلة لم تحل اَي معضلة بين مكوناتها. كيف الأوضاع الآن في كل من اليمن و سوريا و ليبيا و لبنان و الصحراء الغربية و قطاع غزة؟ انها دليل فشل و عدم القدرة علي حلحلة تلك القضايا العربية.
ان مسألة سد النهضة هي فرصة عظيمة لشعب جنوب السودان لفهم نوايا مصر و من خلفها العرب، فيما يختص بمياه النيل. هذه المواقف التي تلوح فيها مصر و السودان و جامعة الدول العربية باستخدام القوة العسكرية، هي درس لنا من اجل ان ننبه الأجيال القادمة، و التي ستكون في مقدارها إنشاء سدود علي بعض روافد النيل من اجل توليد الطاقة الكهربائية و ري مشارع زراعية لأغراض الإكتفاء الذاتي و التصدير. العالم صاحي و نحن النيام!
جامعة الدول العربية التي تقطرها مصر لأي اتجاه تشاء، اين هي من سدود تركيا علي نهري دجلة و الفرات؟ اين هذه الجامعة الكسيحة من سدود ايران المقامة علي كل روافد نهر دجلة التي تنبع من أراضيها. المسألة الإرانية ليست فقط إقامة سدود علي تلك الروافد و إنما تحويل مجاريها مما أدي لحرمان العراق من المياه الآتية من تلك الروافد. لم نسمع بقيام جامعة الدول العربية بتقديم اَي شكوي للأمم المتحدة من اجل التدخل في شأن السدود التركية و الإيرانية. لماذا هذا الممانع؟ الإجابة بسيطة: تركيا و ايران عسكرياً قويتان و تهابهما هذه الجامعة التائهة و لذا لم تناقش قضايا مياه نهري دجلة و الفرات و لن تفكر يوماً ما في التداول حولها.
من اجل توضيح خطورة مسألة السدود المقامة علي نهري دجلة و الفرات و روافدهما و تأثيرها علي كمية المياه التي تصل الي كل من سوريا و العراق و التي صمتت عنها الجامعة، هنا مقتطفات مما قيلت عن سدود تركيا و إيران علي نهري دجلة و الفرات:
(استخدمت تركيا نهر دجلة للضغط علي العراق و تجفيف موارده المائية عبر بناء سد إليسو الضخم علي النهر و الذي افتتح في فبراير [شباط] 2018، و تؤكد التقارير ان بناء السد أدي الي انخفاض حصة العراق من مياه النهر بنسبة 60%.) (حرب تركيا المائية القت بظلالها علي سوريا أيضا. و تسبب سد "أتاتورك" المقام علي نهر الفرات في محافظة أورفا التركية و الذي يعد اكبر سد في البلاد، الي تراجع حصة السوريين من مياه النهر، الي أقل من ربع الكمية المتفق عليها دولياً، و هي مستويات غير مسبوقة) بلال كباش (https://www.24.ae/article/578248)
(الا أن سد النهضة الإثيوبي و رغم استئثاره بتغطية إعلامية واسعة، ليس الوحيد الذي يحدد الأمن المائي لدول عربية) (و توزعت السدود التركية بواقع 14 سداً علي نهر الفرات و ابرزها سد أتاتورك، و 8 سدود علي نهر دجلة و ابرزها سد اليسو) https://www.arabic.sputniknews.com/Arab_word/202102061048032389 و ابرزها سد اليسو) (اما في ايران، فيهدد سد إليسو بحيرة الحور العظيم بالجفاف، و الذي سيؤدي الي كارثة بيئية في المناطق المحيطة بالبحيرة. و رغم شكوي الإرانيين لدي الأمم المتحدة عن أضرار سد إليسو التركي علي البحيرة، الا انهم (الإيرانيون)غيروا مجري 43 رافداً من اصل 45 التي كانت تتدفق الي العراق و تصب في نهر دجلة، و هذا عجل من جفاف نهر دجلة في مناطق شمال بغداد و كردستان). (https://www.bbc.com/Arabic/middleeast-44370381)
اين جامعة الدول العربية من قضايا المياه (العربية) بين تركيا و ايران و العراق و سوريا؟ هذا الاهتمام بمسألة سد النهضة هو دليل قاطع علي ان جامعة الدول العربية عبارة عن مقطورة مصرية، تآكلت عجلاتها منذ ايّام زيارة انور السادات الي اسرائيل و اتفاقية (كيمب ديفيد). علي رغم من صورية هذا التنظيم العربي الا أن جعجعتها مزعجة و تسبب الصداع الدبلوماسي بين الدول الأفريــــقيــة جنوب الصحراء و مكونات هذه الجامعة. كل هذه المأساة علي مياه دجلة و الفرات و الجامعة بكماء لا تقول شئياً الا عن سد النهضة، الذي لا يقلل و لا يمنع وصول المياه للسودان و مصر و لا يجفف النيل في دولتي (المصب)
نلاحظ عاملاً مشتركاً بين مصر و تركيا و هو عامل تاريخي استعماري، و هو ان تركيا تنظر للدولة العربية بمنظور الامبراطورية العثمانية التي جثت علي الدول العربية ردحاً من الزمن تستغل مواردها؛ و مصر تنظر بمنظور مصر الخديوية في القرن التاسع عشر، عندما مارست تجار الرق في السودان و علي التخوم الإثيوبية. إنهما اَي مصر و تركيا تتوقان علي الماضي البغيض لدينا و المزدهر لديهما. نقف ضد تلك العقلية الاستغلالية و السعي للهيمنة بكل السبل.
اتمني ان تتخلي مصر عن لغة القوة و العنترية، و تبدأ التحدث بلغة الند للند، و ليست لغة مالك مياه النهر و حارس منابع مياه النهر. اللجوء لجامعة الدول العربية هو تهرب من الاتحاد الأفريقي، و ذلك لن يحل المسألة و إنما سيزيدها تعقيداً. مصر تعلم اكثر من غيرها ان هذه الجامعة هي سراب لم و لن تهطل منه قطرة ماء يوماً و إنما هي صخرة صماء.
انا كمواطن من جنوب السودان، أدين هذا التدخل العربي السافر و الغير مبرر أبداً، و أدعو كل مواطن و كل تنظيمات المجتمع المدني في بلادي، لادانة موقف جامعة الدول العربية بأغلظ العبارات، و نرفض التطاول علي حقوق اثيوبيا في مياه النيل. ما تواجهها اثيوبيا اليوم بلا ادني شك ستواجهنا غدا، عندما نقوم بمشروع تنموي يرتبط باستخدام مياه النيل داخل أراضينا؛ و لذا لا بد ان يكون موقفنا من سد النهضة واضحاً و لا يكتنفه اَي غموض.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أتيم قرنق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست