تناولنا في المقال السابق تلخيص لما كتبه الأستاذ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﻲ في صحيفة "الديمقراطي" تحت عنوان (ﻧﻤﻮﺫﺟﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﻤﻈﻠﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ "ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﻭﺗﺠﻤﻊ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ"). إن صناعة مبادرة المجتمع المدني لم تتم نتاج تفاعل وحوار بين منظمات المجتمع المدني للقيام بدور تحالفي خدمة للوطن، وإنما نشأت فكرتها لإظهار اتساع أكبر لتحالف قوى نداء السودان. شكلت المبادرة الضلع الرابع في نداء السودان الذي وُلد في ديسمبر ٢٠١٤ في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذي ضم، بجانب المبادرة، الجبهة الثورية، وحزب الأمة، وتحالف قوى الإجماع الوطني . وعندما وقع الدكتور أمين مكي مدني نيابة عن مبادرة المجتمع المدني، لم يكن هنالك تحالف بهذا الاسم! عاد أمين إلى السودان فاعتقله نظام الإنقاذ بمعية آخرين. ولم تنعقد الجمعية العمومية التي أسست المبادرة إلا في يناير ٢٠١٧. تحفظت على المبادرة كونفدرالية منظمات المجتمع المدني وتحفظت عليها مبادرة القضارف للخلاص، وربما آخرون. وربما تكون قد جرت محاولة لإقناع الكونفدرالية بالتوقيع ورفضت؛ لأن المنطق يستدعي أن توقع الكتل الموجودة سلفا، وليس أن يوقع جسم باعتبار ما يكون!! ووفقا لكاتب المقالات فإن شبكة المنظمات دارفورية (دافس) تحفظت عليها في الأول، ولكن رئيسها الأستاذ حامد علي نور أصبح الأمين العام للمبادرة لاحقا ، ولم يكن ل(دافس) تنظيم بمعناه الدقيق، بل تجمع لقوى مدنية مثل حملات المناصرة، ولم تكن لها اجتماعات راتبة. رفضت مبادرة القضارف للخلاص الانضمام والمشاركة في الاجتماع باعتبار أن "مبادرة المجتمع المدني" عبارة عن رأس، يُبحث له عن جسم، أي تم بناؤه بالمقلوب . ورأت اللجنة التنفيذية لمنتدى شروق الثقافي، في الدورة العاشرة، أن تنضم وشاركت في اجتماع الجمعية العمومية للمبادرة يوم الاثنين الثاني من يناير ٢٠١٧ بأم درمان. انتخبت الجمعية العمومية للمبادرة د. أمين مكي مدني، الموقع باسم مبادرة المجتمع المدني على ميثاق نداء السودان في ديسمبر ٢٠١٤ ، رئيساً لها، كما أبقت على اسمها "مبادرة المجتمع المدني، وهذان هما الشيئان الضروريان المرتبطان بنداء السودان. وكذلك انتُخب أعضاء اللجنة التنفيذية البالغ عددهم ٢١ عضواً،. وقبل أكثر من خمسة أشهر من انعقاد الجمعية العمومية لمبادرة المجتمع المدني، كان أمرها حاضرا في أروقة منتدى شروق، فقد قدمتُ ورقة في المنتدى، تحديدا يوم ٢٣ يوليو من العام ٢٠١٦ ، تحت عنوان (على أعتاب يوبيله البرونزي.. أين يقف منتدى شروق وإلى أين المسير ؟) ،وهي منشورة في الأسافير، وفي ما يخص التوجه العام للمنتدى نصت الورقة على أن "هنالك اتجاهان أساسيان لمنظمات المجتمع المدني في ما يتعلق بقضايا السياسة والتغيير الكلي : ١/ اتجاه يسعى للتنسيق مع الأحزاب السياسية بل والقوى المسلحة في أعلى مستوياته ، ويعمل على إنجاز التغيير السياسي . تبلور هذا الاتجاه في مبادرة المجتمع المدني التي كانت أحد الأركان الأربعة التي وقعت على وثيقة نداء السودان . ٢/ واتجاه يعمل على التغيير التحتي طويل المدى بالعمل في المجتمع وينأى بنفسه عن التحالف والتنسيق مع القوى السياسية في قضايا التغيير السياسي" وأضافت الورقة "وقد كان الأستاذ أمين مكي مدني ، رئيس مبادرة المجتمع المدني ، أمينا حين أكّد أنه لم يكن يمثل المجتمع المدني عند توقيعه على نداء السودان . وفي حقيقة الأمر لم يكن ذلك التوقيع سوى عمل فوقي منقطع عن منظمات المجتمع المدني على الأرض" . واقترحت في الورقة المنشورة "وأرى أنه ينبغي لمنتدى شروق ، الذي أعياه النضال ، أن يكون ضمن الاتجاه الثاني ، يضمد جراحه ويعمل على التغيير ، طويل المدى ، ببث الوعي ، يناهض الانتهاكات التي تقع عليه وعلى الأجسام الثقافية الشبيهة" . وكان ذلك الموقف في تقديري ينسجم مع حال منتدى شروق والظرف التاريخي الذي أدى لإنبات جسم يحمل اسم المجتمع المدني لكنه منبت عنه. ولكن، ورغم ذلك، انضم منتدى شروق لمبادرة المجتمع المدني خلال الدورة العاشرة كما أسلفت، وجاء في خطاب الدورة العاشرة، الصادر في مايو ٢٠١٧ ، والمنشور في الفيسبوك ومواقع أخرى، أن المنتدى شارك في الجمعية العمومية لمبادرة المجتمع المدني. ولكن المنتدى انسحب من مبادرة المجتمع المدني في الدورة اللاحقة مباشرة، وقد ورد ذلك في خطاب الدورة الصادر في يوم ١٩ مايو ٢٠١٨. ولم يكن المنتدى وعلى مدى شهور يعلم بما يدور في دهاليز المبادرة؛ مما يعني أن كثير من المنظمات مهمتها انتهت بانعقاد اجتماع الجمعية العمومية. اضمحلّت مبادرة المجتمع المدني لأسباب عديدة أهمها أنها افتقرت للبناء المؤسسي الصحيح، ولكنه اضمحلال لم يؤد إلى موتها، بل أضحت تلعب دورا سالبا في مجرى الثورة! ووفقا للنظام الأساسي لمبادرة المجتمع المدني يفترض أن ينعقد اجتماع الجمعية العمومية كل أربع سنوات، وها قد انقضت السنوات الأربع منذ يناير الماضي ولم تنعقد الجمعية العمومية! كانت مبادرة المجتمع المدني تحالف لمنظمات لكنها مع مرور الوقت تحولت لتحالف أفراد، وتمددت في ظل وجودها ضمن كتلة نداء السودان ضمن قوى الحرية والتغيير، وصارت تستقطب أفرادا يمثلونها في مختلف ولايات السودان. ووفقا للأستاذ الصادق حسن فقد سيطر الصادق الزعيم على مقاليد الأمور في المبادرة ، وصار من بطانة المكون العسكري!! فأي مآلات أسيفة أكثر من ذلك. إن استقطاب منظمات مثل شروق والخلاص لتحالفات مثل مبادرة المجتمع المدني هو أقرب للاستقطاب الديكوري الذي ينتهي بإعطاء شرعية للمحركين للأمر، وينتهي العزاء بانتهاء مراسم دفن المؤسسية. إن هنالك منسوبون لمبادرة ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ مارسوا الاحتيال ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ولا يزالوا يمارسونه، ولا بد من إصلاح هذا الاعوجاج. ونواصل حول تجمع القوى المدنية في المقال القادم بإذن الله .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
جعفر خضر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست