في مسرحية الآلهة عطشى، لأناتول فرانس، أكلت الثورة الفرنسية بنيها، حيث أن بطل المسرحية تحول إلى ضحية كما كان جلاداً بثوريته العمياء. ففي ظل الضجيج الذي يثيره تجار الثورات من أجل تحقيق مكاسبهم، والتدخلات الأجنبية، تنهار العدالة، ثم يتحول المدافعون عن الظلم لضحايا ذلك الظلم. إننا في فترة يلقى فيها بعشرات من أكباش الفداء إلى الزنازين. حقبة سوداء، تُستغل فيها عاطفة الشعب الهمجية، لإفلاة الجناة الحقيقيين من العقاب، ووضع رقاب الأبرياء تحت المقاصل. وإذا كانت العدالة في السودان عرجاء منذ الإستقلال، فلا مندوحة في قولنا بأنها كسيحة اليوم، واهنة السيقان. وأن الشعب نفسه يفتقر للنزاهة والضمير المستنير، ليس ذلك نقصاً جينياً، ولكن لأنه لم يحصل على جرعة كافية من التحضر اللازم لولادة الضمير. فالعدالة روح، يغذيها ويثريها التطور الإقتصادي، وثبات النُّظم السياسية واستقرار الأنظمة القانونية. إن أحكام الإعدام اليوم، ستفتقر بلا شك إلى سند النقاء المطلوب ليرقى الحكم فوق الشك المعقول إلى اليقين. وللأسف فإن القحاطة يلوثون العدالة، ويمنحون الفوضى مبررات إنتقامية، ليقبلها الشعب، ثم سيرى الشعب بعدها أنه قد وقع في شر أعماله. لقد أنار الله بصيرتنا، لكننا لا نعلم إن كان ذلك نعمة أم نقمة، فاستنارة البصائر في بلاد تعتم فيها الرؤية، مورث للهم والغم، ويبدو طريق نضالنا طويلاً بلا نهاية، وهذا ما يراهن عليه تجار الثورات كما يحدث اليوم. إننا نشق أرضاً صخرية لكي نزرع بذرة، في مجتمع مشبع بالسلبيات، من عنصرية وحقد وحسد ولصوصية وزيف وإجرام تزيده الفوضى حضوراً على حضور، وزهواً بالفسق على زهو. فمعاركنا طويلة طويلة. في عهد البشير، وإبان عملية الذراع الطويل صدر قرابة ثمانين حكم بالإعدام، وكان ذلك رقماًوخرافياً، وقد وقفنا ضده، وأعلنا موقفاً صارماً من استغلال العدالة للقيام بالمجازر، في الوقت الذي كان الشعب فيه في الخرطوم صامتاً، ليس خوفاً، ولكن لعدم (الإكتراث). إن العالم بأسره غير عادل، غير أن البشرية تعافر من أجل رفع نسبة العدل لترجح على الظلم عبر المبادئ التي دُبجت بها الدساتير. ولم أجد شعباً يدعم الفوضى مثل ما يفعل هذا الشعب. ثم يتباكى على ما اختلسته يداه من يد العدالة. حينما يكون هو بذاته في موضع الظلم. إن كل الأحكام بالإعدام في هذا العهد المظلم، يجب أن تراجع، في ظل حكم شرعي، وقضاء مستقل، وهذا لن يحدث في الوقت القريب. والناس عطشى لرؤية الجثث مدلاة من فوق المشانق، وهذا مما لا يسعفنا كثيراً عندما نطالب بمحاكمات عادلة. لقد كانت المحاكمة الأخيرة مهزلة سخيفة. لا تقل سخافة عن محاكمات الذراع الطويل. وكل شيء سيرتد على الشعب من حيث لا يحتسب، حينما تسيل الدماء بغير ذنب. وتفيض الأرواح بمشانق المقت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة