التاريخ حدث (من) الزمن، اما الماضي فحدث (في) الزمن. الدولة التي لها تاريخ، هي الدولة التي لها أحداث من الزمن، أي أحداث مفاصلات تاريخية بين ما قبلها وما بعدها، على مستوى التأثير الإقليمي على الاقل. أما الماضي فهو أحداث داخل سيرورة حضارات محلية، وهنا لا يطلق عليها تاريخ، بل ماضي. فالانقلابات داخل مملكة من الممالك أو السلطنات البدائية، هذا على القياس الإنساني الكلي ليس تاريخاً. فماذا يهمنا إذا انقلب ابن ملك سلطنة في مجاهل امريكا اللاتينية على والده. هنا يمكن دراسة هذا الموضوع في مستواه المحلي. مثل سلطنة الفونج في السودان. الناس يعتقدون بأنها مثل السلطنة العثمانية، اي بذات الإنجاز الحضاري لها، وهذا غير صحيح، فسلطنة الفونج مجرد مجموعة سكانية تقطن قطاطي واكواخ، قد يتميز عنهم السلطان باتساع الكوخ مثلاً، لا أكثر ولا أقل. ولا تأثير لها إقليمياً ولا دولياً، والأهم لا تأثير لها على واقع الإنتاج الإنساني الإبداعي. الآن لو ذهبنا إلى أي منطقة في أفريقيا، فسنجد قبائل بدائية لها سلطان. هذا لا يجعلنا نستخدم كلمة تاريخ للدولة التي تقطنها تلك السلطنات. يمكننا مثلا ان نعتبر الثورة المهدية حدث من الزمن وبالتالي تاريخاً، ولكن بشكل متعسف قليلاً. لكن استعمار بريطانيا لهذه الأرض فهو تاريخ (لبريطانيا) وليس للسودان. فهذا فرق شاسع. مع ذلك يمكن دراسة تاريخ السودان في عصر كوش. ونقول بأنه تاريخ. إن ميلاد توأمين، احدهما عاش حياة عادية والآخر اصبح ملكاً، هي حدث في الزمن (ماضي) للأول، وحدث من الزمن (تاريخ) بالنسبة للثاني. ولذلك الحديث عن تاريخ للسودان (وهو أرض لم تكن معروفة كدولة إلا بتحديد من الانجليز مؤخراً يعتبر تهافت في نظري).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة