الحركة الإسلامية اليوم تبدو أقوى مما كانت عليه حتى إبان تسلطها على الحكم. فبعد وفاة الصادق المهدي كآخر ديناصورات السياسة، وبعد تخلي الحزب الشيوعي عن شيوعيته والبعثي عن بعثيته، وهما كلاهما ضعيفان كل الضعف في كل الأحوال، حتى إبان التمدد الثوري العروبي، كان البعث يعاني معاناة كبيرة في تلميع نفسه كحزب، فما بال الحال بعد أن تبدد الحلم العربي وغنت له سمية حسن أغنية الوداع مع بقية المطربين العرب. أما الشيوعي فقد أدرك أنه بات من مخلفات المستحاثات السياسية.
اليوم هناك: الجيش (تقريبا استطاع ترويض الجميع) الاحزاب المتهافتة بلا اي انياب. الحركات المسلحة التابعة للهامش. حميدتي ومليشياته. الحركة الإسلامية. عندما سقط النظام، كانت الحركة الإسلامية تعاني من تخبط شديد. فهي منقسمة لثلاث فئات: أقلية تدرك كل شيء ولها يد فيه. وأغلبية لا تدرك أي شيء. وثالثة لم تفهم أي شيء. غير أن سير الأحداث قد جعلها تستجمع انفاسها من جديد، فقد كان فشل حمدوك في إدارة الفترة الانتقالية، واهتمامه بقضايا انصرافية، كسيداو وطهور المرأة ومقرر الدين، وزواج المثليين، ومثل هذه الخزعبلات، أدى إلى اكتشاف الشعب للحقيقة المرة، وهي انهم تعرضوا لأكبر عملية نصب واحتيال دولية، عملية أصر مخرجها ان يروح ضحيتها مئات الشباب من الأبرياء، بلا ذنب جنوه، سوى اتباعهم الأعمى لتجمع الوهميين من أولاد قوش والذي حذرناهم منه منذ ظهوره الشيطاني بعد الثورة بأسبوعين، وقد ركب الانتهازيون منه ليس الثورة فقط بل السيارات الفارهة وسافروا لأمريكا وبالطبع (للإمارات)، ورأى الثوار وأسر الشهداء، أن كل هؤلاء المتسلقين الكذبة والجواسيس والعملاء قد استفادوا من الثورة ما عدا الشعب. إثر هذا كله، وإثر التردي الاقتصادي، والانفلات الأمنى وارتفاع الأسعار وضنك العيش، وصعوبة التداوي والعلاج، وقرارات وزارة التعليم المتعسفة التي أضرت بالطلاب المساكين وإثر الانفلاتات الأمنية؛ إثر كل هذا استردت الحركة الإسلامية أنفاسها، وظهر علي كرتي بتصريح أقل ما يقال عنه أنه استفزازي. لكنه لم يكن تصريحاً اعتباطياً، فالساحة اليوم باتت خالية أمام قوى منظمة وقوية، سوى الحركات المسلحة التابعة للهامش والجيش وحميدتي والحركة الإسلامية). هؤلاء هم اليوم أسياد الرصة بلا منازع (شئنا أم أبينا)، مهما كان هناك حديث عن اعتقالات ومصادرات، فالواقع، أن ما تم مصادرته من أموال لا يساوي واحد من عشرة في المائة من ممتلكات الحركة الإسلامية. وأن كل ما حدث كان مجرد حمى خفيفة. لذلك ظهر كرتي، في الوقت الذي أضحى هناك ظهر للحركة الإسلامية داخل الحكومة الكاريكاتورية الراهنة وهو جبريل إبراهيم. واليوم هناك تياران: تيار ضعيف بقيادة دكتور عبد العزيز الحلو يتوجه نحو العلمانية. واتجاه غالب مناوئ للعلمانية. وهكذا نستطيع أن نقول أن الحركة الإسلامية الآن تستند إلى متكئها العقائدي بقوة أكبر عندما ظهرت الأطروحة العلمانية. لكن ما أتوقعه، أنه سواء كان الطرح العلماني بقيادة الحلو أو عبد الواحد، فإن التفاوض حوله والذي (يجري) الآن مع المجلس العسكري، سيتحول إلى تفاوض مع الحركة الإسلامية، وفي الغالب، لن يجد العسكر أي مبرر لتفاوضهم حول مسألة آيدولوجية، وسيكون من الأنسب لهم أن يتركوها للجهة المناهضة للعلمانية وهي الحركة الإسلامية. حمدوك التعبان، اتبع خطى مبعوث أمريكا وذهب للطرق الصوفية، ومع احترامي للطرق الصوفية، لكن الطرق الصوفية لا بتهش ولا بتنش. لأن تكوينها الفلسفي نفسه لا يسمح لها بأن تتبع منهجاً ثورياً. كما أن حمدوك نفسه شخصية باردة (لا تتناسب مع العقلية السودانية التي لا تحبذ الملامح الموميائية). إذاً؛ هناك الآن ثلاثة أقطاب اساسية: اولاً: الجيش + الدعم السريع. ثانياً: الحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على إتفاق جوبا. ثالثا: الحركة الإسلامية. والبقية ديكورات لا قوة لها ولكن أهميتها في أنها تجمل الصورة الراهنة، والتي لا اعرف إن كانت قبيحة ام جميلة.. أترك هذا لتقديركم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة