من رأى في الإنقاذ مشروع حكم في إطار التسابق، والحماقة بين مكونات العمل السياسي فقط يبقي واهم.
الإنقاذ كانت مشروع لتغيير وجه الدولة السودانية، و فرض للثقافة، و الدين، و التغيير الديموغرافي لوناً، و عرقاً، و لغةً.
شئنا ام ابينا لا نزال تحت وطأة دولة الكيزان القميئة بجيشها، و مليشياتها، و عسسها، و لا تزال تعمل إرادة هذه الدولة، و ما ادراك ما الإستسلام لقوى الامر الواقع التي تمثل العلاقة بينها و بين الثورة كعلاقة كاتب هذه الاسطر باللغة الهيروغليفية، عبثاً قالوا "سانات، و ثوار واقفين قنا"!!!
فرض المستعمر علي دول العالم الثالث نمط الإنقلابات العسكرية في الحياة السياسية، لتصبح ثقافة مجتمع يفرح، و يخرج بالتأييد مهللاً، و مكبراً، و الوهم المشترك " الوطنية" و الإنقاذ.. و بالضرورة الإنقلابيين هم الاكثر وطنية، و حباً لشعوبهم.
كيف تغيّر النمط السياسي السوداني من تعاسة الإنقلابات العسكرية، الي بؤس التاتشرات" ثقافة الصحراء" بين ليلة، و ضحاها؟
عندما بدأ صراع الهوية الوجودي في إقليم دارفور، لينتقل الصراع من ثقافة قطع الطرق، و النهب المسلح " الهمبتة" كما في سائر اقاليم السودان قديماً، إلي صراع فرض للنفوذ، و التغيير الديموغرافي، و السياسي، لتكون الهوية هي محدد للصراع.
مشروع الإنقاذ الذي يعرفه الجميع هو الدولة الإسلاموعروبية، و ما ادراك ما ذهاب الجنوب الزنجي المسيحي بالمجان، و ما به من دليل قاطع، يُشير إلي اننا تحت تأثير جهة ما عابرة للحدود حددت نوع الصراع الذي يجب ان نقوده، و علي ايّ وجه نكون.
هشاشة الدولة السودانية سياسياً، و إجتماعياً فرضت التغيير بوتيرة اسرع، و اصبح التغيير عميقاً يحمل ملامح الصحراء في كل مفاصل الدولة السودانية، التي تبعد نسبياً عن هذا العمق الثقافي، و الإجتماعي الذي فرض نفسه في غياب الدولة الوطنية المحترمة ذات المؤسسات العميقة، التي إستدعت هذا العبث المقيت حين غفلة من الزمان.
التغيير الذي حدث فتح شهية "القادمين الجدد"!! لتصبح كل دول الإقليم غير بعيدة عن بؤرة الصراع، و التحول الذي ستفرضه القوة، و موجات حركة المجتمع التي تتدفق من علٍ فارضة لثقافة جديدة في الشكل، و الجوهر، و المضمون.
إستوقفتني زيارات الوفود في عزاء إدريس ديبي، ثم صورة قائد مليشيات الدعم السريع حميدتي، وهو يرفع الفاتحة في وجه مستقبله نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم في شاد، المسيحي الديانة.
* عندما يذهب رئيس الدولة، او من يمثلها، الي عزاء بشكل رسمي إذن هو يمثل شعبه، و يقف بالنيابة عنه، و عن حكومته، و ما دونه يُعتبر هرج، و عبث ليس إلا.
خطورة المشهد الذي رأيته في حجم الوفود التي ذهبت الي العزاء، و كلٌ يمثل نفسه من نائب رئيس الي وزراء، و رؤساء احزاب، و نجوم مجتمع يعني غياب الدولة، و ذهابها إلي مجاهيل العشوائية، و التخلف، و إعتماد منطق الاقطاب المتعددة، و مراكز القوى، بعيداً عن الدولة بمؤسساتها التي مثلها رأسها عبثاً، و لسان حال الجميع يقول " كلنا اولاد تسعة".
نرى كل هذا الصرف البذخي، و كثافة رحلات الطيران ذاهاباً، و إياباً، و يُعتبر السودان من افقر دول العالم، و الاكثر بؤساً، و إنحطاطاً في كل مناحي الحياة.
يا هؤلاء عندما ذهب البرهان، وقد صرفنا علي رحلته من حر مالنا، برغم حاجتنا لكل دولار مما أُهدر، إذن فهو يمثلنا و ينوب عنّا جميعاً.
من يرى هذا المشهد يعتقد ان للدولة السودانية، و المجتمع تأثيراً علي مجريات الاوضاع في تلك البقاع التي ظلت الخرطوم تتأثر بما يدور فيها بشكل مباشر، و العكس غير صحيح!
السؤال..
من دفع نفقات هذه الوفود التي ذهبت بالعشرات، ولا تزال تتقاطر؟
عندما تغيب ملامح الدولة المحترمة، يبقي الجميع في ظل التخلف، و العشوائية، و من ثم تغيب الشفافية، و تنعدم المحاسبة، و السؤال عن المال العام " السايب" يُعتبر رفاهية، و اهله ترهقهم صفوف الخبز، و غاز الطبخ، و الوقود، و إنعدام الدواء، و قطوعات الماء، و الكهرباء.
* الصورة الاكثر بؤساً لغياب الدولة في نظري، و لا يجب ان تمر مرور الكرام، هي صورة قائد مليشيات الدعم السريع وهو في مطار العاصمة الشادية.
درسنا في البروتوكول انه توجد إدارة في الدولة مهمتها تضع امام الرؤساء، و المسؤولين تفاصيل رحلاتهم الرسمية من نوع اللبس إلي التحية، و إختيار المفردات، التي بالضرورة تمثل الشعب، و الامة.
حتي في الزيارات الداخلية لابد للزائر ان يعرف ثقافة، و تفاصيل حياة الذين ينتظرونه، و توضع النصائح، و موجهات الرحلة لطالما يمثل سيادة الشعب، و الدولة.
المؤسف نائب رئيس دولة لا يعرف شيئ عن الذي سيستقبله، لا ثقافته، و لا دينه، و لا جنسه ذكر كان ام انثى، فكانت الفاجعة التي تمثلت في الصورة، و لسان الحال يقول : " لم تعد لدينا دولة، و لا مؤسسات محترمة، و لا بطيخ" الفااااااتحة!!!!!
إذن ملامح دولتنا الجديدة محدداتها .. هي تاتشر، و مقاتلين من ابناء الغلابة الكادحين المغيبين، ثم بدلة راقية من احدث بيوتات الموضة، فحاكم بإسم الثورة، و الشعب، و "الفااااااتحة".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة