لجيل اليوم من الشباب أن يعلموا أنه قبل ثلاثين ونيف من السنوات ، كانت جميع الصحف الصادرة بالخرطوم تحتوي على زاوية عنوانها (أين تسهر هذا المساء) ، فقد كانت للمؤسسات السينمائية في بلادنا في ذلك الحين (شنه ورنه) وكان يرتادها الأفراد والكثير من الأسر (المتحضِّره) ، بُغية الإستمتاع بفن راقي ومُميَّز ، أقل ما يمكن أن يستفيده منهُ المتلقي إمكانية التعرُّف على ثقافات وأفكار جديده ، فضلاً عن الترويح والترفيه ، ولما كانت السينما عندنا كممارسة ومهنة حتى ذلك الأوان تخطو ببطء في إتجاه التطوُّر الفني والتأثيري على المجتمع ، داهمها فجأةً وقبل أن تقف على رجليها كما ينبغي دخول وإنتشار القنوات الفضائية في البيوت عبر شبكة الأقمار الصناعية ، فطُعنت السينمات في مقتل وقبع الناس في دورهم معتقدين أن الأفلام التي يبثها التلفاز تمثل بديلاً منطقياً للفن السينمائي من حيث تكلفة المال والزمن ، ولو كان الأمر كذلك لضاعت و ذبُلت صناعة السينما في بلدان كثيرة دخلها البث الفضائي التلفزيوني قبلنا كالهند والولايات المتحده وسائر دول أوروبا فضلاً عن مصر القريبة والتي يماثل وجدانها الثقافي والمزاجي ما نحن عليه كمجتمع تقريباً ، إذ لم يكن لإنتشار القنوات الفضائية في البيوت أيي تأثير يُذكر على صناعة السينما أو القاعدة الجماهيرية العريضة التي تحوز عليها دور السينما في مصر ، وذلك ناتج عن طول المدة الزمنية التي مكث فيها الحراك السينمائي في مصر بالقدر الذي عمٌّق جذورهُ في البنية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية ، مما جعل دور الصناعة السينمائية في مصر مشهوداً لها كمركز توثيقي ثقافي وإجتماعي وسياسي على مر تاريخها المعاصر، وفي هذا الإطار أعتقد أن الزمن والحظ لم يسعف العاملين والمهتمين بالمجال السينمائي في السودان حتى يستطيعوا أن يقفوا بصناعة السينما على في عتبة التأثير الإيجابي بدرجة تحميها من منافسة الفنون المشابهة الأخرى وفي مقدمتها البث التلفزيوني المُكثَّف والذي أصبح على مدار الساعة ويحتوي على ميزة هامة تتمثل في وفرة الخيارات والعروض المُقدَّمة للمتلقي ، كما لا يفوتنا أن نشير إلى أن صناعة السينما على العموم لا يمكن أن تقوم على قواعد ثابته دون مساهمة الدولة ورعايتها من الناحية المادية والتقنية ، حيث تعتبر من أكثر الصناعات تكلفة وتعقيداً ، وبعيداً عن حُلم إعادة إحياء فكرة تنشيط الإنتاج السينمائي السوداني ودعمه بواسطة الدوله ، دعونا نبدأ من حيث يمكن أن يكون الحلم معقولاً وواقعياً ، لماذا لا تعود السينمات إلى العمل مرةً أخرى وفق شكليات ومضامين جديدة ؟؟ ، ولماذا لا يقوم المتخصِّصون والمهتمون بأمر السينما كفن عالمي بمواصلة التبشير والتعريف بأهمية السينما في البناء الإستراتيجي لمؤسساتنا الثقافية ؟؟ وكيف أن بلداً كالسودان كان له قصب السبق في مجالات فنية وثقافية ومعرفية كثيرة (من المخجل) أن لا يكون فيه دوراً سينمائية فعّاله يرتادها الناس ، حين يعرفوا أن العرض السينمائي هو فنٌ آخر له خصوصيته وطعمه الخاص الذي لا يشبه أبداً لا من قريب ولا من بعيد العرض التلفزيوني !!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست