شاب ياباني واحد استطاع منح اليابان (بمجهوده الشخصي) مستقبلها في صناعات السيارات. تعتبر صناعة محركات السيارات صناعة معقدة، هي ليست بذلك التعقيد المستحيل، لكن الحكومات العربية تنظر للأمر بشكل تجاري وليس استراتيجي. وهذه هي مشكلتها الاولى. اليوم اطلقت تونس سيارتها الاولى "واليس"، وهنا خطر في بالي السؤال الاهم من تلك الدعاية المجانية، وهو: هل استطاعت تونس تصنيع محرك سيارتها؟ الإجابة بالنسبة لي كانت متوقعة مسبقاً بالنفي. كنت قد دخلت على موقع بعض المهندسين العرب، كانوا قد طرحوا فيه صعوبات صناعة المحركات، وكالعادة، انتشرت المغالطات، ومحاولات تضخيم الجثث لنفسها، ففي الحقيقة لم تستطع حتى الآن أي دولة عربية انتاج محرك سيارة بثلاث عجلات. أو هناك عدم رغبة، رغم اهمية ذلك. تنفق دول الخليج مليارات على شراء اشياء ليست ذات قيمة، الإمارات وحدها اشترت نسخة شبيهة بمتحف اللوفر بالمليارات، دون اي يكون داخل هذه النسخة رسمة واحدة لرسام إماراتي واحد مشهور. الفرنسيون وجدوها فرصة فحملوا النفايات المخزنة وبعض نسخ الرسومات وباعوها بالمليارات. (شيء مثير للغثيان والضحك في نفس الوقت). مصر وحدها بها مائة وعشرين مليون شاب، منهم ملايين المهندسين العاطلين عن العمل، ولا زالوا يعافرون من أجل الحصول على وظيفة مهندس سباكة في مدرسة في محافظة (مش ع الخريطة). تونس عدد سكانها قليل، الجزائر في عالمها الخاص، المغرب تقاتل بمفردها، سوريا والعراق تحت الاحتلال، اليمن والسودان وموريتانيا والصومال، لا يجدون ثمن صناعة السرنجات. والواقع بائس جداً. ولا دولة واحدة عربية استطاعت انجاز مشروع صناعي ذا قيمة (لا علمية ولا تجارية). المهندسون في ذلك الموقع كانوا ضائعين ولا يعرفون المشكلة لأن المشكلة في الواقع لم تكن أبداً هندسية ولا اقتصادية. لكنها مشكلة تتعلق بالسياسة. بعد ان قام محمد علي باشا بمجزرة القلعة واستتبت له السلطة، بدأ في تطوير مصر نحو الحداثة، فابتعث الدارسين إلى فرنسا. ثم أنشأ مصانع لتصنيع القطع البحرية بدءً من ترسخانة بولاق وحتى ترسانة الاسكندرية. لكن الاوروبيين حاصروا تلك القوة حصاراً شديداً مما افضى إلى نهايتها. وذات الامر كان في السودان، فقد صنع الانجليز مصنعاً لصناعة السيارات، لكنهم اوقفوه فجأة، ويبدو ان السبب هو رغبتهم في الخروج من السودان دون ترك تلك المزية الهامة للشعب. إذا فمسألة صناعة المحركات ليست مسألة ذات طبيعة تجارية، بل استراتيجية. وليس بالضرورة ان تكون هناك قفزات في تطوير تلك الصناعة ولكن من الواجب ان تبدأ على الأقل..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة