ليس حمدوك فقط الذي يفتقد لوضوح الرؤية. إن الشعب بأكمله يفتقد لوضوح الرؤية. ولن أتوسع اكثر من ذلك لأشمل الدول الفقيرة بأكملها. فهناك عدة أسباب تفضي بالافراد لعدم وضوح الرؤية، من أهمها إنعدام مؤسسية الدولة. إن إنعدام مؤسسية الدولة يجعل الجميع في حالة حيرة، وقراراتهم كلها ارتجالية. إن عمل مشروع صغير في دولة لا تتمتع بمؤسسات قوية، يعد مجازفة خطيرة، حيث تتغير القرارات الحكومية كل رأس ساعة. وقد تتخذ لتحقيق مكاسب سياسية، حتى لو أفضت لكوارث بعد ذلك، كقرار زيادة الحد الأدنى للأجور، أو تعويم الجنيه، أو طباعة العملة، بدون أي خطط مسبقة لامتصاص الآثار السلبية الناجمة عن هذه القرارات. يستطيع موظف صغير عرقلة مشروعك حتى تضطر لدفع رشوة، لأن الطريق القانوني -فضلاً عن طوله- فهو غير مضمون، لذلك يتجنب المواطن اللجوء إلى القانون إلا في الحالات الحرجة. بالرغم من أن اللجوء إلى القانون هو ما يجب أن تحث عليه الحكومات شعوبها، وذلك عبر إعادة صياغات القوانين وإصلاح عيوبها وتقصير مدتها وتطوير الأجهزة العدلية. وهذا ما لم يحدث حتى الآن. بل نحن حتى الآن بلا محكمة دستورية. إذ تعاني هي بدورها بسبب اخطاء قانونية جسيمة حدثت بسبب الوثيقة الدستورية التي لا أعرف من صاغها بهذه الركاكة اللهم إلا جزئية وثيقة الحقوق المقطوعة (بضبانتها) من دستور ٢٠٠٥. لا أحد في السودان يملك رؤية واضحة لمستقبله، فالجميع في مهب الريح. فكل يوم هناك مستجدات راديكالية، وارتفاع في أسعار السلع وتردي في الخدمات، وجداد يكاكي مع النظام المشوه وجداد يكاكي ضده، وما بدلوا تبديلا. إن الأشياء الجيدة في السودان تحدث بالصدفة.. حصولك على وظيفة، أحدهم يرسل لك مالاً، شخص أو جهة توفر لك علاجاً مجانياً...الخ. أما الأشياء السيئة فتحدث لك دائماً.. وهكذا لا يستطيع رب الأسرة اتخاذ قرارات مدروسة في ظل بيئة فوضوية. إن التاجر يشتري سلعة وقبل بيعها يرتفع الدولار، او يتم اصدار قرار بفرض رسوم او ضرائب جديدة، أو قرار بغلق ميناء جوي او بحري او بري أو عدم دفع الحكومة لسفن الشحن...الخ..وبالتالي فالتاجر سيخسر قبل أن يبيع بضاعته، ستحدث اضرار لاصحاب البضائع، لسيارات النقل، للعمال، للمصانع. نفس الأمر عندما يصدر قرار بعدم الاعتراف بشهادات مدارس خاصة معينة او إصدار قرار بإغلاقها فجأة بدون اي ترتيبات مسبقة لامتصاص الصدمة، حيث يجد الآباء أنفسهم في مأزق خلقته الحكومة ولم تفكر في حل. وعندما يجهتد طالب ويحصل على درجات علمية عالية ثم يفاجأ بقرارات تطيح بطموحاته فجأة فيتساوى موقفه سوءً مع موقف من رسب في الامتحان. انعدام وضوح الرؤية، ليس مشكلة سياسية فقط، فكل يوم تصدر اتفاقيات لا تراعي الحقائق على الأرض، فتصبح بدورها كارثة تضاف إلى باقي الكوارث. فالاضطراب حاصل في كل شيء، في الزراعة والتجارة والصناعة والطب والقانون والمدارس والجامعات، في الوزارات، في الكهرباء والمياه، عند الوزير والغفير وست الشاي، وبائعة الكسرة، ومحلات الغاز ومحطات البنزين..عند العمال واصحاب العمل والمتقاضين أمام القضاء..إن كل شيء جيد يخرج من كل هذا الإضطراب هو محض صدفة قد تتكرر وقد لا تتكرر إلا بعد عشرات السنين كانتصار منتخبنا على جنوب أفريقيا قبل يومين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست