بالرغم من حبي واحترامي للقائد جمال عبدالناصر وثورة 1952 الا اني انتقد عبدالناصر في مجال الوعي بالتاريخ الحقيقي. وهذا سبب قصور كبير وخطير في إدارة وآمن مصر وترك المستقبل غامض بعد رحيله المفاجئ. الزعيم لايحتاج إلي أشخاص مثل هيكل بل الزعيم يصنع مجموعة من المفكرين والباحثين والمؤسسات. لا يجوز الخلط بين القائد والزعيم وبين الكابتن والمدرب وبين المدير والرئيس التنفيذي. فكلاهما مهمين وضروريين ولكن وظائفهما مختلفة جدا
عبدالناصر كان قائد وكابتن ومدير ممتاز لكن مصر سنة 1952 كانت محتاجة اكثر ايضا الي زعيم ملهم مبدع يري اسرار التاريخ وتفسير الواقع ويضع خطط لما بعد حياته ويكون مدرب ورئيس تنفيذي لا ينشغل بأمور الإدارة والمعيشة والمعارك بل يكتشف الخطوط العريضة ويبسطهم لمن حوله ويخلق كوادر للمستقبل ولو كان تم ذلك لما حدثت ردة وتغيير جذري في المسارات في زمن السادات وخراب مبارك. مصر كانت تحتاج إلي رسول يبلغ الوحي وليس فقط لأنبياء ومصلحين
كان علي عبدالناصر الغوص في تاريخ مصر والمنطقة والعالم ومعرفة وتعريف الشعب والقيادة بالهكسوس وأشكالهم صراحة وتكرارا والتنبيه بأنهم لازالوا حول مصر في المنطقة وأوروبا وأمريكا ولهم اذرع داخل مصر وان الصراعات ليست حول قناة السويس والسد العالي فقط بل تلك واجهات للصراع. وان الاستعمار والرجعية ليسوا مصطلحات مبهمة عامة بل هما تجسيد لاعداء ممالك مصر القديمة وسومر ووادي النيل وبلاد بونت والعرب الذين لازالوا طوال 3500 سنة يهاجموا مصر وشعبها والمنطقة
كان لابد من تفسير التناقضات والصراعات والخلافات بين مصر والانظمة العربية بينما مصر تدعوا للقومية العربية. وكان لابد من تعزيز مكانة التاريخ والحضارات المصرية القديمة. مصر دعمت ثورة اليمن ودخلت بقوة لسنين في حرب اليمن والتي وصفت بحق بفيتنام مصر ضد المملكة المتوكلية اليمنية التي كان يدعمها السعودية وايران وبريطانيا وإسرائيل والأردن. وكانت نتيجة الحرب كارثية علي الإقتصاد والمجتمع المصري. ولا أحد كان يعلم السبب الحقيقي التاريخي سوي محاربة الرجعية والعمالة. ولكن الحقيقة هي أعمق من ذلك ولم ينتبه لها عبدالناصر وبالتالي لم يعلم الشعب. تدخل مصر في ثورة وحرب اليمن أضعف مصر سياسيا وعسكريا واقتصاديا قبل حرب يونيو 1967
أرسل جمال عبد الناصر ما يقارب 70 ألف جندي وعلى الرغم من الجهود العسكرية والدبلوماسية وصلت الحرب إلى طريق مسدودة واستنزفت السعودية بدعمها المتواصل للملكية المتوكلية طاقة الجيش المصري وأثرت على مستواه في حرب 1967 وأدرك جمال صعوبة إبقاء الجيش المصري في اليمن. المغامرة العسكرية المصرية في اليمن كانت كارثية. بحلول عام 1965 كان الدين الخارجي المصري قد بلغ 400 مليون جنيه مصري. وقام عبد الناصر بتلخيص الوضع الاقتصادي في الخطبة في بورسعيد بتاريخ 21 ديسمبر من نفس العام. فصارح الشعب بأنه يحتاج إلى 3 مليارات جنيه مصري للصرف على الخطة الخمسية الجديدة 1965-1970 وبأنه قام برفع أسعار بعض السلع.
وقد حدث الكثير من التذمر والاعتراض في مصر من إرتفاع الأسعار وقد كتب هيكل عام 1965 تعليقًا على خطاب الرئيس أن حرب اليمن لم تكلف مصر 200 مليون جنيه. الوضع الاقتصادي كان قد وصل لمرحلة سيئة فعلاً بعد حرب سنة 1967. فقد تضاعف الإنفاق العسكري وتم وقف العديد من المشاريع الصناعية الكبرى كما خسرت مصر الكثير جراء قرار إغلاق قناة السويس بالإضافة إلى آبار النفط في سيناء.
سافر ثوار اليمن إلى القاهرة لعرض الخطة على المسؤولين المصريين وقابلوا السادات وصلاح نصر وجمال عبد الناصر ورغم تردد عبد الناصر في بداية الأمر إلا أنه وافق على دعم الثوار اليمنيين. أدرك عبد الناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما توقع. وفي بدايات عام 1963 وجد نفسه مضطراً لإرسال المزيد من القوات. ودبت الخلافات بين الثوار اليمنيين وزاد تورط مصر. وكان عدد القوات أقل من 5 ألف جندي في أكتوبر من عام 1963. وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15 ألف. وفي نهاية عام 1963 بلغ 36 ألف وفي نهاية عام 1964 وصل إلى 50 ألف وبلغ العدد ذروته في نهاية عام 1965 ليبلغ 55 ألف.
وقد أرسل سفير مصر إلى المملكة اليمنية العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو أنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية. فقد حذر السفير المسؤولين في مصر بأن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي إحساس بالولاء أو الانتماء للوطن. وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح. وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة.
لم يتفهم عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة المصريون أن تمركز قوات مصرية في اليمن على أبواب السعودية مسألة حياة أو موت لهم وكذلك تهديد على القوات البريطانية في عدن. ولم تُأخذ هذه العوامل في الاعتبار عندما تم اتخاذ القرار النهائي بإرسال القوات المصرية إلى اليمن. وتضاربت آراء ومصالح الثوار في اليمن لأنهم لم يجدوا تفسير تاريخي وعلاقات موضوعية مقبولة. وإضطر عبدالنلصر للإنسحاب وفي النهاية أتهم السلال عبدالناصر بالخيانة ودعم عبدالناصر إنقلاب ضد السلال https://wp.me/p1TBMj-160https://wp.me/p1TBMj-160
<نقد الفكر الناصري وثورة الضباط الأحرار عام 1952.docx>
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Tarig Anter
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست