حتى لا نشتجر على خرقـةٍ بالـية أحقاً قتلنا طائر النورس فتُهنا في اللُجّة كالمـلّاح القديم بقلم:محمد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 00:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-13-2020, 12:45 PM

محمد موسى جبارة
<aمحمد موسى جبارة
تاريخ التسجيل: 04-18-2019
مجموع المشاركات: 15

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حتى لا نشتجر على خرقـةٍ بالـية أحقاً قتلنا طائر النورس فتُهنا في اللُجّة كالمـلّاح القديم بقلم:محمد

    12:45 PM October, 13 2020

    سودانيز اون لاين
    محمد موسى جبارة-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    يستمر الجدل سجالاً بين الصفوة السياسية حول أزمة السياسة والحكم في السودان، ويذهبون في ذلك مذاهب شتى، فمن قائل منهم بإن الأزمة تكمن في طبيعة تكوين أحزابنا السياسية، ومنهم من رمى باللوم على المؤسسة العسكرية التي ظلت تتوالى على السلطة مع تلك الأحزاب، ومنهم من يذهب إلى القول بإن مساحة السودان الجغرافية وتنوع سكانه العرقي والإثني والديني هي من بين العوامل الرئيسية في ذلك، وإن الحرب المستعرة في جنوب البلاد والتي أمتد إوارها ليشمل جنوبه الشرقي وجنوبه الغربي بل وفي وسطه، هي من إفرازات هذا التنوع والإختلاف...وينعون عليها إنهيار الحكم الديمقراطي.
    غير أن عدد غير قليل يعتقد بأن الوسيلة المتّبعة في حكم السودان ديمقراطياً، كانت السبب الرئيسي في التقلبات السياسية التي شهدتها البلاد في الخمسين سنة الماضية، وإن الديمقراطية البرلمانية هي التي أودت بنا إلى مهاوي التهلكة بعدم ثباتها وبسبب تنازع الولاء داخل السلطة التنفيذية التي عادة ما تتشكل من حزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي... وتمضي السنون ثقالا وتقارب الإنقاذ عامها الحادي عشر دون أن يلوح في الأفق شيئ جديد، تختزل في داخلها الأزمة وتتشرنق في إنتظار صبح لمّا يسفر بعد.
    وبمقاييس الزمن الحديث، يعني هذا إهدارنا لمائة عام من التنمية المستدامة فقد اختصرت التقنية المحدثة الزمان كاختصارها للمكان...
    والعالم يمضي في سياقه الموضوعي وفي إتساقٍ مع نفسه...ثورة معلومات، وهندسة جينات واكتشاف للغونوم، لكننا ما زلنا نناطح طواحين الهواء، نتجادل كأهل بيزنطة تحت شجرة هجليج وظل من يحموم...دين ودولة أم دين بالدولة ... مقررات أسمرا أم إتفاق جيبوتي...مبادرة الإيقاد أم لقاء الإسياد...المنشية أم القصر بالردمية...الشيخ أم الحوار الغلب الشيخ؟..
    وبين هذه وتلك تزهق أرواح وتُهدر مهج وتثكل نساء وتضيع أعوام من التنمية المستدامة ويصبح الوطن هباءاً منثورأ، وفي عصر العولمة نظل نحن مثقفو الشتات المستعصمون بالغربة، نستهلك منها ما يرضي غرورنا... نتدثر من بيير كاردان وننتعل من باليه ونتعطر بباكو رابان وننظر بعيون لاكوست ... نتمعصم بالرولكس ونتمطي المرسيدس.
    نتخصر نساء الفرنجة ونرشف رحيق البوردو ونستهل طعامنا بالكافيار الذهبي في مطعم ماكسيم... ومن علٍ ننظر إلى السودان كأنه بلدٌ لإناس آخرين...نرميه من بعد بنظرة عطف وبضع دريهمات ندسها في جيب الأهل علها تقي الأود وتفي بالوعد، وهذا كل ما لدينا من إيمان...وغداً يوم آخر.
    أحقاً غادر الشعراء من متردم...أم أن بيزنطة ما تزال في خدر الجدال؟... في مقال سابق في صحيفة الخرطوم، ذكرت إن هذا النظام أوهن من بيت العنكبوت...وورد في ذلك المقال أيضاً أن الأيام ستكشف كم كان أهل المعارضة في سذاجة من أمرهم عندما ظنوا أنهم يواجهون نظاماً بالغ التعقيد، ويبدو أن الأيام لم تخذلني طويلاً لإثبات صحة ما ورد في ذلك المقال... في تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، قال الإمام النيسابوري في شرحه لقوله تعالى، "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت"، بأنه لا يصلح للبقاء ولا للإستدفاء ولا للإستظلال ولا للإستكنان.
    أذكر أنني في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم، ذكرت لصديق في الجبهة الإسلامية بإن جبهتهم تلك سوف تنقسم في نهاية المطاف إلى الذين يملكون والذين لا يملكون... لم يرضى الرجل قولي وظنّ أني ما زلت في ضلاليّ القديم، وجادلني قائلاً : "إن الذي يجمع بيننا عروة وثقى لا إنفصام لها بإذن الله" صديقي هذا كان من بين الذين يملكون..إذ كان من الذين يستنير برأيهم الأمير محمد الفيصل في بعض الأمور، كان تقييمي ذلك مبني على روؤيتي لبعض قادة ورموز الجبهة الإسلامية يتهافتون على أموال المسلمين المودعة بدار المال الإسلامي تهافت الضباع على جيفة، لم يردعهم عن ذلك قول المصطفى، الذي يشتجرون بإسمه ما بين القصر والمنشية، بأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب، لم يدر بخلدي وقتها بأن الجبهة الإسلامية ستقفز فوق المراحل وتستلم السلطة بالقوة العسكرية...فقد كنت أثق في ذكاء بعضهم ومقدرته على الإستفادة من تجارب الآخرين... كان بإمكانهم تمرير كل السياسات التي يريدونها عن طريق الحزبين الكبيرين، ودون أن يحرقوا أنفسهم كالفراشات الحمقى بنار السلطة، كانت أموالهم كفيلة بشراء كل الذمم وأكبر اللحي في المؤسسة السياسية والعسكرية ومؤسسات المجتمع المدني، وكان في مقدورهم مسك الزعامات الدينية من تلابيبها بالمزايدة عليها بشرع الله... لكنهم آثروا مغامرة الإنفراد بالسلطة.
    ورغم تمثلهم لخطى الحزب الشيوعي السوداني في كل شيئ حتى لأن دخل جحر ضبٍ دخلوا خلفه، إلا أنهم لم يعتبروا بتجربته الثرة، تلهفهم للسلطة أعماهم عن تجربة كانت ماثلة للعيان وقتها في أوروبا، تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوعي الفرنسي اللذين تمكنا من فرض رؤيتهما ومفاهيمهما على السلطات الحاكمة في كلا البلدين دون أن يجلسا على مقاعد الحكم، عمى البصيرة قادهم إلى هذا الموقف الذي لا يحسدهم عليه أحد، أغراهم المال بطلب السلطة والجاه وفعلوا ما فعلوا في الثلاثين من يونيو من عام 1989م، عندها فقط إكتشفوا أنه ليس هناك مشروع يطبق، وأن الكعكة لم تكن بذلك الحجم الذي ظنوا أنه سيكفي الأنصار والحواريين والمؤلفة قلوبهم وابناء السبيل، كان أكثر الناس إستفادة من النظام، أكثرهم صياحا وعلو صوت "لا للسلطة لا للجاه ..هي لله هي لله"، قامت بيوت لم يذكر فيها أسم الله، بل كان في أروقتها يتداول الدولار والدرهم والدينار، وانفصمت العروة الوثقى إلى أناس يضربون في الأرض بحثاً عن أفضل الأماكن لإيداع الأموال المنهوبة، وآخرين ضربوا "الوغش" واحراش السفانا طلباً للجنة ونكاح الحور، المشروع الحضاري كان مشروعاً عشوائياً لا تسنده دراسة جدوى، كان في بعض جوانبه يلبي طموحاً شخصياً لشيخ حسن الترابي في عولمة نفسه بإقامة نموذج حكم أسلامي يتم تعميمه فيما بعد على البلدان الإسلامية، وحتى يتجنب إنتقاد البعض أو منافسته له، فقد أزاح الشيخ القيادة التاريخية للجبهة الإسلامية وأستعان بجيل يصغره بعشرين عاماً، وبما أن شيخ حسن كان صاحب فكرة المشروع، فقد كان هو أيضاً المرجع في كل ما يتعلق بالتنفيذ، كان الرئيس والوزير والوكيل والسفير ومسئول الجهاز الأمني يرجعون إليه في كل كبيرة وصغيرة، حتى لو كان الأمر يتعلق بتغيير حركة السير في إحدى شوارع الخرطوم، لذا لم يكن مستغرباً أن يراه البعض يوماً على التلفاز سائراً على قدميه مفتتحاً جسراً يربط الخرطوم بالفتيحاب، وهو شأن كان يجب أن يقوم به وزير الطرق والإسكان الولائي أو والي الخرطوم في أرفع الحالات، لا أن يكون إنجازاً لمشروع حضاري أُريد له أن يعم البشرية جمعاء، رغم ذلك ضاق الشيخ ذرعاً بتردد المسئولين على المنشية طلباً للمشورة وأعتبره دليل غباء، فصار يسمعهم نعوتاً تأّبت لها أذانهم، وبعضهم يحمل درجات علمية رفيعة.. دكتور وبروفسير..إلا أن معظمهم كان سعيداً بالجلوس عند قدمي الشيخ كحيران الخلوة، قال أحدهم وكان وزيراً للخارجية، إنه في طريقه للخارج لا بد من أن يمر بالمنشية للإستزادة بنصائح الشيخ، وفي عودته إلى الخرطوم تكون المنشية أول مكانٍ يغشاه قبل أن يعود قافلاً إلى منزله، البشير قال إن الترابي كان يقلل من شأنه ويسخر منه.
    الحقيقة أنه كان يوبخه في كل مرة لا ينجز عملاً بالصورة التي يرجوها الشيخ أو عندما يهدد بالإستقالة كلما أحتدم النقاش داخل أروقة الحكم، المجموعة التي كانت وراء عملية محاولة إغتيال الرئيس مبارك، سمعت من القول ما لم يرد على لسان مالك في الخمر، وبإشارة واحدة من الشيخ فقدوا جميعهم مواقعهم التي كانوا يتنفذون بها على المجتمع، لذا نراهم اليوم أشد الناس عداوة وحرباً عليه، كظموا غيظمهم ونفثوه زعافاً في مذكرة العشرة...وكان ذلك شرخاً كالأخدود لا يلأمه إلا صدع آخر، الشيخ يئس من قدرات حوارييه على تنفيذ مشروعه الحضاري، وصُدم بتطاولهم عليه بمذكرتهم تلك، وهو الذي رعاهم منذ أن كانوا إيفاعاً يلعبون في الحواري، وجعل لهم ألقاباً ومناصب وطاولهم في البنيان، بل أختار لبعضهم زيجات محسوبة تمكنهم من التغلغل في المفاصل العليا للمجتمع، وظلم ذوي القربى أشد على النفس من وقع الحسام المهند، كظم غيظه هو الآخر وطوى في نفسه شيئاً، أن يعيد تنفيذ مشروعه الحضاري بمقاول من الباطن، فكان لقاؤه المحضور مع الصادق المهدي في جنيف، اللقاء كان بصدد التخلص من طاقم الإنقاذ إلا من رحم ربي، ومن ثمّ الإستعانة بالصادق المهدي في عملية الإحلال تلك، ولهذا السبب قال شيخ حسن "ما تمّ الإتفاق عليه في جنيف أوسع بكثير من الذي أتُفق عليه في جيبوتي، فالذي أتُفق عليه في جنيف بعضه خاص... المجالس أمانات"، الشيخ كان صادقاً فيما رمى إليه، غير أن الصادق المهدي استرابه الأمر، لم يتسع زوره لإبتلاع تلك اللقمة الكبيرة غير السائغة، فساقته الريبة إلى جيبوتي لإستجلاء الأمر من الطرف المغاير دون الإهتمام كثيراً بصراع المتناقضات، في ذلك اللقاء علم البشير بنوايا الترابي وما يضمره له ولمجموعته من شر، فأنقلب عليه في الرابع من رمضان إنقلاباً أرضى الجيران ولم يحدث تغييراً في التركيبة السياسية للإنقاذ، أستمر في نفس الخطاب السياسي الإسلامي، مزايداً بمشروع حضاري لم يكن له يد في توليفه وما كانت له المقدرة على تنفيذه، أحبط مشاعر الذين تعاطفوا معه من أبناء الشعب السوداني الذين يرون الشر كل الشر في حسن الترابي وينسون أداة تنفيذ ذلك الشر.
    لم يعاقب الحق عزَّ وجلَّ إبليس وحده، بل طال العقاب آدم وزوجه فهبطا من الجنة في معية إبليس، وبإستمراره في نهجه الإسلامي، خذل البشير جيرانه الذين شدّوا من أزره، كما خذل نفسه، لأنه لا يمكن أن يكون إسلاميا أكثر من الترابي... وبالرغم من كل التأويلات التي يتناقلها البعض من هنا وهناك، إلا أن الشئ الذي لا تخطئه العين هو أن أهل الإنقاذ قد رفعوا الرايةالبيضاء وقالوا "الرووب"، إنهم لا يشتجرون حالياً على السلطة، أنهم يصطرعون حول الفرار بالغنيمة، لصوص دخلوا منزلاً بليل وأهله نيام، نهبوا ممتلكاته وحزموا الأمتعة، لكنهم ضلوا طريقهم للخروج فصاحوا : "الحرامــي" حتى يدلهم أهل المنزل على مخرج، لكننا كنا في سبات أهل الكهف...نستيقظ لا لنقبض على من سرقنا، بل لنبدأ جدالاً من جديد... أحد زعمائنا ومنظرينا السياسيين إلتقيته مؤخراً في جنيف... سعيت لملاقته عساني آتي منه بقبس أو أجد لديه هدى... لم يصبني إحباط في حياتي كالذي عانيته عندما خرجت من عنده في ذلك المساء... لا شئ في الأفق يبشر بخير، ولا رؤية واضحة للأشياء، وكل شئ بيد الغير... أحسست بأنني أمام مخلوق قادم لتوه من المريخ رغم علمي بأنه هلالابي... نعجز عن تشخيص وعلاج أزمة قابضة بخناقنا وباينة للعيان ويريد كل منا أن يكون رئيساً لحزب أو مسئولاً عن وزارة، دون أن يخبرنا بماذا يريد أن يفعل بذلك الحزب أو بتلك الوزارة... إنه لإول مرة منذ كتشنر يحتاج السودان إلى تدخل خارجي ليعيد الأمور إلى نصابها... تصطرع المبادرات حولنا وكأنها أمر لا يهمنا... مبادرة الإيقاد، والمبادرة الليبية، ثم المصرية الليبية، وربما مبادرة عيديد الأبن لحل المشكل السوداني...كل شئ جائز في هذا الزمن المأزوم.
    أما آن لنا أن نعيد قراءة تاريخنا السياسي الحديث؟.
    هل كان الإستقلال حقاً إرادة وجهداً سودانياً أم رغبة بريطانية؟.
    هل كان الرجال الذين صنعوا الإستقلال يعملون بإرادة ذاتية أم بإيعاز خارجي؟.
    من الذي أوحي للذين ذهبوا إلى نيويورك أن يذهبوا إليها في ذلك الوقت من عام 1946؟ من سهّل لهم الأمر وأدخلهم في دهاليز وأروقة الأمم المتحدة بينما كان البريطانيون يذبحون الماوماو كالشياه في كينيا المجاورة؟ هل كان إعلان الإستقلال من داخل البرلمان نتاج عبقرية سودانية أم عملاً تحريضياً من الحاكم العام أسّر به لبعض زعمائنا السياسيين؟ عجزنا الحالي عن مواجهة مشاكلنا جعلنا نشك في كل شئٍ أنجزه أباؤنا، ومع ذلك يخرج علينا البعض بكتاب أسود، أحلك ما فيه أن كاتبيه تدثروا بالعتمة، وهذا أصل المأساة...الخوف من تسمية الأشياء باسمائها والتحدث من خلف الحجاب رغم أن "البرقص ما بغطي دقنه" لقد أطلقوا عياراً في الظلام فاخطأ الهدف وأصاب قوماً بجهالة، مشكلة السودان ليست في أبناء الشمال النيلي كما يدّعي الكتاب...إنها مشكلة إدارة management إدارة موارد وبشر وعلاقات دولية...وذلك لعمري علمٌ يُدرّس في الجامعات والمعاهد العليا وليس له علاقة بالجهوية وسوء الإدارة يمكن أن يتمتع به أبناء الشمال النيلي كغيرهم من أبناء المناطق الأخرى الذين نالوا نفس المستوى من التعليم والدرِبة، ويبقى من المنطقي أن نسأل، ماذا فعل أبناء المناطق المهمشة بمناطقهم عندما تولوا أمر إدارتها تحت كل العهود؟، ماذا فعل جوزيف لاقو وأبيل الير وجوزيف طنبرة لتنمية الجنوب ونهضته؟.
    ألم يكن دريج حاكماً لدارفور كما كان الفاتح بشارة ومحمود حسيب والطيب المرضي حكاماً لكردفان؟ وكان شاش حاكماً للبحر الأحمر؟... لماذا ترفعوا عن العيش بين عشائرهم وأهلهم حيث القرب من إحساسهم ونبضهم، وجاءوا ليبتنوا لهم بيوتاً في الخرطوم وليس الفاشر أو الأبيض أو كادوقلي أوجوبا أو كسلا؟ ومع تسليمنا التام بحق المواطن السوداني في أن يعيش حيث شاء في المليون ميل مربع، إلا أن "الذي ينشد الإنصاف عليه أن يأتي بأيادٍ نظيفة" (he who comes to equity must come with clean hands)...أو هكذا علِمنا من Lord Denning أحد دهاقنة القانون الإنجليزي... نقول مرة أخرى إنه في عصر العولمة وبداية إضمحلال الدولة القومية وتمدد الشركات متعددة الجنسيات، لم يعد هناك من عذرٍ لإحد في إدعاء المسكنة والتهميش ... حيث أصبح في مقدور كل الناس الإستفادة من مدخلات العولمة من إستثمار مباشر وعلاقات دولية مفتوحة... يجب أن يسعى كل فردٍٍ لتنمية موطنه من موقعه الذي هو فيه، سواءاً كان في السلطة أو خارجها لإن ذلك هو السبيل الوحيد المتاح في ظروفنا الحالية...ويجب أن يرجع كلٌ إلى موطنه ويسعى لتنميته وإستخراج خيراته والإستفادة منها بما أتيح له من علم ومعرفة وعلاقات دولية... وما أكثر أبناء المناطق المهمشة الذين يلقون عطفاً من المجتمع الدولي ومن المنظمات الطوعية والشركات العالمية.
    علينا أن نتوقف عن رمي اللوم على الغير...فما العيب إلا فينا، وإن لم نعالجه سنظل ندور كثور الساقية دون أن نرفع ماءاً من الجابية... فليبدأ الذين أصدروا الكتاب الأسود بالعمل على مستوى الإستثمار الفردي، فالمسألة ليست مناصب كما حاول أن يختصرها الكتاب، إنها مسالة الإستغلال الأمثل للموارد البشرية للأقليم المهمش حتى ينهض به أبناؤه...وبينهم أناس في كل الأحزاب وطوائف السودان السياسية، ومنهم أكبر قوة منظمة داخل هذا النظام، لم تفعل شيئاً سوى الجلوس في المكاتب الوثيرة في الخرطوم او بناء منزل للوالي في كردفان أو نهب أموال طريق الإنقاذ الغربي.
    الكل يريد أن يعيش في الخرطوم وينعي لإهله تخلف منطقته...فلإن ذهب أهل النيل الشمالي للإستثمار في خيرات المناطق المهمشة، فذلك لأن ابناء تلك المناطق تركوها ولم يلتفتوا لها حتى عندما أصبح بعضهم يحسب أمواله بالملايين من العملات الحقيقية لا من ورق السودان المهترئ... ونسأل مرة أخرى : ماذا فعل أغنى أغنياء السودان القادم من دار فور بثروته الكبيرة؟ ألم يجد أبن السودان البار ما يستثمر فيه أمواله في غرب السودان؟ لماذا أنشأ جار النبي مصفاة بتروله على بعد عدة أمتار من مصفاة أخرى كبيرة ولم يبنها في الأبيض أو الفاشر؟.
    أو ليست تلك مواقع إنتاج وإستهلاك أيضاً؟ وهل أخطأ أبناء الشمال النيلي عندما أقاموا مسلخاً حديثاً في دار فور لتصدير اللحوم للخارج وليقوم بتشغيل مئات الأيادي العاملة وإدخال التقنية والحداثة إلى تلك المنطقة وخلق سوق كبير للماشية؟ ألم يكن ذلك من أوجب واجبات آدم يعقوب هارون نحو منطقته؟ لقد رفض أبناء غرب السودان بصفة خاصة الإنتماء لقوى الحداثة وأختاروا قوى الهيمنة وتكريس التخلف ودعموها بقوة، فما الذي ينتظرونه سوى إزدياد التخلف والتهميش؟ وعندما ينتمي معظم متعلمي دار فور وكردفان إلى الجبهة الإسلامية، فما الذي يتوقعونه سوى الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ فإن كان أكثر الشهداء من دار فور وكردفان كما ذكر الكتاب الأسود، فذلك لأنهم كانو من أكثر المنتمين للجبهة الإسلامية ومشروعها الظلامي وأكثر المنخرطين في الدفاع الشعبي، وأكثرهم حماساً في مقاتلة قوى هي أيضاً مثلهم مهمشة وتسعى لأخذ حقها عنوة من الثروة والسلطة...وما أختلفوا معها إلا لأنها ترفع شعار الحداثة، وهذا هو عين التناقض... فليحرر الناس أنفسهم أولاً من ربق القوى التي تسومهم كالهوام، ولن تكن لهم بعد ذلك مشكلة مع أبناء النيل الشمالي... فهم كانوا وما زالوا ناقلي علم ومعرفة وحداثة وتنمية...ينشدون الحرية والعدل والإستواء لهم ولغيرهم...تعرفهم المشانق والسجون ورصاصات العسكر...عبد الخالق والشفيع والأستاذ...بعضٌ من قوى الحداثة التي يرفض البعض الإنتماء إليها... دخلوا فقراء على الدنيا... وكما دخلوا، منها خرجوا، حملوا قضايا الشعب في حدقات عيونهم وأغمضوها عليها وهاماتهم تنسدل من حبال مشانقٍ نصبها جلاد جاهل لا يخيفه شئٌ أكثر من العلم... ولإن حصص الحق، فإنّ نظام الإنقاذ ليس هو الأزمة، بل هو أحد أعراض الأزمة a symptom .
    الأزمة تكمن فينا نحن الذين ظللنا نشاهد السيرك السياسي الذي يدور منذ وقت في الخرطوم دون أن تكون لنا القدرة على إيقافه... ماذا حدث لإمتنا ونُخبها السياسية؟ أين تلك الأمجاد والبطولات التي نتغنى بها؟ أحقاً قتلنا طائر النورس فتُهنا في اللُّجة كالملاح القديم؟...وهل نعدو الحقيقة إذا قلنا إن حزب الطبقة العاملة كان دليل الأداء السياسي في مثل هذه الظروف؟، ورغم كل شيئ جاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى، قال يا قوم خذوا عني هذا الحديث، فأن لم يوافق هواكم أقذفوه في اليم يأخذه عدوٌ لي وعدوٌ لكم ويفرضه على الكل بصواريخ توماهوك...وإن لم تدركوا المسألة فهي كما يلي:
    ظاهر الأزمة : محاولة فرض رؤية آحادية لحزب سياسي عقائدي على بقية المجتمع بالقهر العسكري والمعنوي...
    رفض عناصر المجتمع الأخرى لتلك الرؤية ومحاربتها بالوسائل السياسية والعسكرية... عناصر الأزمة : الجبهة الإسلامية الحاكمة.
    الحركة الشعبية لتحرير السودان الأحزاب الشمالية وتنظيماتها العسكرية نتاج الأزمة : قهر وكبت سياسي قاد إلى إقامة دولة بوليسية شمولية لا تتورع عن القيام بإي عمل يؤدي إلى إستمراريتها.
    فرض الرؤية الآحادية (الإسلام السياسي) أدى إلى تفاقم العمل العسكري في جنوب البلاد وغربها وشرقها بدورها أدت الحرب إلى وقف التنمية وتردي الحالة المعيشية للمواطنين وقتل وموت الكثيرين منهم ونزوح ما تبقى إلى شمال القطر أو إلى خارجه...
    أسلمة الحرب قادت إلى إنفراط عقد الثقة والمواطنة بين الشمال والجنوب وأدت إلى المطالبة بحق تقرير المصير لجنوب السودان... اسباب إستمرارية الأزمة : عدم مقدرة الفئة الحاكمة على فرض أجندتها السياسية التي كانت مجرد شعارات سقطت عند التجريب.
    مقاومة محاولة الفرض تلك وتأليب المجتمع الدولي على السلطة الإسلامية عندما حاولت تخطي حدودها الجغراقية ونشر إيدولوجيتها السياسية إلى المنطقة، الأمر الذي قاد إلى تخطي حدود حمر لآخرين وتهديد مصالح حيوية لدولٍ عظمى.
    عدم مقدرة أي من طرفى النزاع على حسمه عسكرياً.
    ضعف الأداء السياسي للأحزاب الشمالية وعدم قدرتها على تفعيل عناصر المجتمع المدني وتحريكه لإحداث إنتفاضة شعبية أو عصيان مدني يقود إلى تغيير النظام، إنعدام الرؤية الواضحة للبديل الذي يمكن أن يحقق السلام والإستقرار والتنمية... الحـل : -إستبدال النظام الحاكم في الخرطوم بوسيلة حكم فعالة تقود إلى الآتي : إيجاد تسوية دائمة لمشكلة جنوب السودان (فيدرالية-كونفيدرالية-إنفصال)... تحديد الوسيلة المثلى لحكم السودان في ظل إي من الحالات المذكورة لتسوية مشكلة الجنوب... فيدرالية خماسية هي الخيار الامثل بحيث تتشكل على النحو الآتي : أقليم جنوبي ويضم المديريات الجنوبية حسب الترسيم الجغرافي لسنة 1956 إقليم غربي ويضم مديريتي دار فور وكردفان إقليم شرقي ويضم مديرية كسلا سابقاً د - إقليم أوسط ويضم مديرية الخرطوم والنيل الأزرق سابقاً ه - إقليم شمالي ويشمل المديرية الشمالية سابقاً.
    يُحكم كل إقليم بواسطة حكومة إقليمية منتخبة يتولى رئاستها حاكم إقليمي منتخب كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
    حُكم جمهوري رئاسي على الطريقة الأمريكية.
    يترشح لدورة رئاسية واحدة مرشحون من إقليم واحد بحيث يتاح لكل إقليم أن يتولى أحد أبناءه رئاسة الجمهورية...
    يقترع على مرشحي الإقليم الذي تكون له نوبة الرئاسة، كل أفراد الشعب السوداني الذين يحق لهم الإقتراع، ولا يقتصر التصويت على مواطني الإقليم المعني فقط...كما لا يحق للإقليم أن يقدم مرشحاً واحداً ليتم إنتخابه دون منافس من نفس الإقليم.. 8 – على رئيس الجمهورية المنتخب من إقليم بعينه إختيار مساعديه بنسب متساوية من الأقاليم الأخرى...
    لبناء الثقة بين الجنوب والشمال، يستحسن أن تكون النوبة الرئاسية الأولى لأحد أبناء الإقليم الجنوبي بحيث يترشح أكثر من شخص من ذلك الإقليم ويقترع عليهم كل من يحق له التصويت من أبناء الشعب السوداني...ويتوالي من ثم الترشيح من اقاليم الأخرى للنوبات الرئاسية اللاحقة...
    تكون الدورة الرئاسية لخمس سنوات فقط ولا يجوز إعادة إنتخاب الرئيس لدورة رئاسية تالية...
    يتولى السلطة التشريعية على النطاق القومي مجلس نواب ومجلس أقاليم...وبينما يكون عدد ممثلي الأقاليم متساوياً، يتم تحديد الدوائر الجغرافية لمجلس النواب وفق الكثافة السكانية...
    يحدد الدستور السلطات التشريعية وسلطات رئيس الجمهورية وحكام الأقاليم بالقدر الذي يؤدي إلى أن يتولى كل أقليم حكم نفسه بنفسه وتحديد أولوياته التنموية وفقاً لخطة قومية شاملة... وسيلة التغيير : الضغط السياسي الداخلي والخارجي ووقف المبادرات التي قد تقود إلى إفلات النظام من ذلك الضغط بالمراوغة والعزف على أوتار كل المبادرات... الدعوة لمؤتمر قومي جامع يقود إلى إقرار الحلول المقترحة ووضعها موضع التنفيذ... تحديد إطار زمني لإحداث التغير
    فإن لم ينصلح حال السودان بعد ذلك فعلى الله العوض..
    23 مايو 2000م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de