شهد السودان هذا العام فيضانات غير مسبوقة طوال القرن الميلادي المنصرم وبديات قرننا الحالي. ما يزيد القلق أكثر تساؤلات غريزية: هل ما حدث هو أمر عرضي؛ أم أن مستحدث له احتمالات التجدد والاستمرارية والتفاغم عاماً بعد عام؟ وهذا ما أود محاولة استكشافه في هذا المقال الابتدائي. ولفهم أصل الحكاية، منذ الأزل فان كمية الهطول السنوى للأمطار على أرض السودان فى حد ذاتها هى اكبر من كمية مياه النيل المتدفقة خلال العام، علماً بأن كمية، وموقع هطول الأمطار مرهونة كذلك بحركة الفاصل المدارى. فمثلاً، وبعد تحديد موقع الفاصل المدارى فأن جميع المناطق التى تبعد عنه بمسافة 30 كم جنوباً، مبشرة بهطول الامطار الغزيره. علماً بأن حركة الفاصل المداري هى الاخرى مرهونة بحركة الرياح الرطبة والجافة معاً، وهنا تكمن المشكلة. لماذا؟ والإجابة: لأن الفاصل المدارى يفصل بين الخط الفاصل بين الرياح الرطبة والجافة. إذن، فإن تفسير ظاهرة الفيضانات غير المسبوقة فى السودان، يكمن في ارتفاع الرطوبة على مستوى السودان النيلى، بحيث أضحى الفاصل المدراى يتسكع فى اقصى شمال السودان كغير عادتة، بسبب عامل جديد مستجد؛ يتمثل في الارتفاع غير المسبوق في الرطوبة، والتي تعزى لعامل وافد جديد وهو: سدى النهضة ومروى، مما جعل الدور الهيدرولوجية أي "دورة تكوين المياه" مستمرة على مدار الساعة، وخاصة بعد الظهيرة. فبناء السدود المذكورة أعلاه نتج عنه تكوين أكبر بحيرتين صناعيتين، شكلا بدورهما تجمع وتبخر للمياه، وبالتالى أوقع السودان النيلى فى وضع "كماشة" ودوامة تبخر مستمر فى ساعات الصباح نتيجة لارتفاع درجات الحرارة نهاراً، وأعلى درجات الرطوبة في طبقات الجو. وباتصال الرطوبة الى نقطة اتزان معينة ينعكس الجهد المائى بعد ساعات الظهيرة فى الاعلى، بما يؤدي لهطول الامطار الغزيرة والمستمرة. وهذا ما يفسر حركة هطول معظم الأمطار فى السودان خلال فترة ما بعد الظهر غالباً، واستمرارها لمنتصف الليل. لست خبيراً، فى بناء السدود، أو عوامل المناخ، ولكن وفقاً، لما درسناه خلال سنوات الجامعة الاولى فأن هذا اقرب تفسيراً لواقع فيضانات السودان الحالية، بما يرجح القول بأن كمية الهطول السنوى فى السودان النيلى تأتي غالباً نتيجة للتبخر العالى من بحيرتى سدى النهضة ومروى معاً، إلى جانب التغيرات المناخية الأخرى بالطبع؛ والتي تتداخل جميعها بما أوصلنا حالياً الى ما نحن عليه. من ناحية أخرى؛ وبالرجوع الى ارتفاع مناسيب النيل عبر محطاتة المختلفة يمكن أيضاً ملاحظة ارتفاع بعض المناسيب فى الشمال اكثر منها في الجنوب. وهذا بدورة يعزز أكثر من فرضية زيادة كمية الهطول السنوى للأمطار فى السودان النيلى نتيجة لارتفاع الرطوبه من بحيرتى سدي مروى والنهضة معاً. وعلية يمكن أن نوجز القول: بأن انخفاض المناسيب، وانحسار مياه الفيضان مرهونة بحركة الفاصل المدارى، وليست فقط لما ورد من بعض تكهنات المسئولين، وتحذيراتهم الروتينية للمواطنين بأخذ الحيطة والحذر. إذ أن الأمر أضحي أخطر من مجرد التحذير من انعكاسات الفيضانات المستقبلية السلبية على مساكن وحياة البشر فحسب، بل وعلى طبيعة ونوعية محاصيل السودان الغذائية والنقدية، وخاصة التى تلك تتأثر بتغير الحرارة والرطوبة (ليلاً ونهاراً) كالدخن والذرة، والسمسم والفول السودانى، وحب البطيخ والصمغ العربى، والتي يمكن أن تتلف اثناء فترة نموها وحصادها، خاصة إذا ما أمتد هطول الامطار إلى موسم الحصاد. والذي ظل متزامناً مع حركة الفاصل المدارى جنوب كوستى والرنك. وقد بانت وبالفعل ما وددنا التنبيه اليه من تبدل الظواهر فى مناطق: جنوب دارفور مروراً بكسلا والقضارف وعلي أمتداد مناطق حزام الصمغ العربى. وبالطبع فإن مثل هذه المتغيرات المناخية لها تأثيراتها الحتمية على أمن السودان القومى والغذائي معاً؛ مما ينبغي التحسب لها مبكراً . نخلص بالتنبيه إلى أن تحديات كثيرة تواجه السودان و اهله تحتم على الجميع: تكاتف الجهود لمواجهتها. وبالطبع لا يتحقق ذلك إلا بوجود عزيمة شعبية قوية ووجود حكومة مقتدرة، ذات افق سياسى واسع تعي ما يدور ويتبلور حولها من مخاطر وفرص إيجابية وسلبية، تعينها في تضافر عزائم وجهود متحدة من جميع ابناء السودان داخليا وخارجياً، بما يمكن سفينة الوطن من العبور بسلام آمنين. ولعل ما شهده ويشهده الوطن اليوم من فيضانات مدمرة يرسل جرس إنذاراً مبكراً، ورسالة تنبه للجميع بإن استدامة الوضع الحالي على ماهو عليه؛ فإن غضب الطبيعة، والطوفان المقبل (لا قدر الله) سيصيب الكل، ولن يترك أحداً بمنجاة؛ ولو استعصم بالقصر الجمهورى؛ كما توقظنا قصة إبن سيدنا نوح (عليه السلام). ولكن للاسف الوضع سيختلف اذا قدر الله بأنهيار سد النهضة فمن المتوقع وصول ارتفاع الماء الى اربعه امتار عند معرض الخرطوم الدولى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أحمد آدم حسن
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست