اكتب هذه المؤانسة و في الخلفية مقطع أغنية هاشم ميرغني:
( هسي خايف من فراقك .. لما يحصل يبقي كيف ..! )
لم اختر الاغنية و لكنها اختارت ان تؤانسني هذا المساء ، و صحبة المُؤاِنس تخفف لوعة الحنين أو تسعِّره ، فهي كهبة الرياح ؛ تمسح العرق عن جبين المتعب ، و لكنها قد تزيد نيران القلب اشتعالاً إذا صادفت فيه جذوة متقدة من الأشواق ..! و هذا ما فعلته بي صاحبتي هذه الليلة ، وما فعلته بالشاعر المعذّب إ.ج قبلي عندما حنّ لحاله أهل البلدة و ترجوا محبوبته المستحيلة أن تزوره الزياره الأخيرة ، فوقفت علي رأسه المثقل بالمرض و القلق و الحب المهزوم و حركت طرف ثوبها علّها تحرك الهواء فوق جبينه المرهق ، و لكنها في ما يبدو حرّكت مشاعر هائلة لم يحتملها قلبه المتعب فسلّم الروح لبارئها و أّدعي أحد الحضور لاحقاً أنه قد إشتّم رائحة كبد محروقة ، بينما أقسم آخر أنه قد رأي شفاه الشاعر تتحرك بهذه الكلمات :
إنّ الريح تزيد النّار إشتعالا ...!
أخبرني الراوي أن المحبوبة تزوجت قبلها في غياب الشاعر الذي أستطال بقاؤه في طلب العلم في مصر سنينا عددا ، و عندما توقف (تاكسي ) المطار بشاعرنا عند باب داره في الخرطوم كانت جارته العروس تستعد لركوب (تاكسي) مطار آخر في رفقة ( عريسها ) و عليها كل ما لا يحوج الناظر الي مجهود ليعرف انها عروساً ...! قطّب ( العريس ) وجهه في وجه الشاعر الذي أصيب بذهول منعه أن يحول نظره عن ( العروس ) فنطق ذهول الشاعر قائلاً:
أعلي الجمال تغار مِنا .. ماذا علينا إذا نظرنا ..! هي نظرةُُ تُنسي الوقار و تسعد القلب المعنّي ..!
ثم وجه حديثه إلي محبوبته التي أدرك انها سافرت في درب الاستحالة الي الابد :
أنتِ السماء بدّت لنا و أستعصمت بالبعد عنّا ..!
لاحقاً - قال بعضهم - أن العقاد قد أشار الي هذا البيت كأجمل بيت شعر عربي و أن المرحوم سيد خليفة قد عزي إصابته بمرض القلب لترديده لأغاني إ. ج و العهدة علي الراوي ..
وربما إفتقد العاشق هذه الصحبة اذا غابت عنه كما فعل شاعر البطانة المجهول في ليلته الطويلة:
البارِح طِير السُقدة ما جلس وزّرنيْ قلبي مسدِّي ظنيتو البريده ذكرنيْ ما عِندُه مانع إنْ دار دّمي وإن أفقرنيْ معصوم فاهه أبداً ما جسر ناقرنيْ
يا للهول .. هل جرّبت ( فرّة القلب ) عند ذِكر الحبيب ..! ، ربما نعم و لكنك غالباً لم تجربها عندما يتذكرك هو أذا لم تكن من الراسخين في العشق ...!
هي عادة قديمة : تفتح ( الساوندكلاود ) علي الترتيب العشوائي و تتركه ليأخذك الي المجهول .. المعني قديم و مكرر في الشعر و الغناء.. قديمه و جديده فصيحه و دارجه :
(هو جنبك و مشتهيك يا عيون .. و كيف لمّا الفراق يحصل)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة