1= تسببت مادة الرياضيات التي تقدم في المدارس في التمييز السلبي بين الطلاب في حياتهم الدراسية و لاحقا في حياتهم العملية . قدرة الطالب على التعامل مع الرياضيات هي التي تتحكم في توجيه الطالب نحو مجال الدراسة المعين و ليس كما كان متصورا ان يكون المتحكم هو الرغبة او الميول الفكرية . و منذ فترة مبكرة يجبر الطالب على اختيار المجال الدراسي الخطأ عندما يتخصص بعضهم في الدراسات الادبية و البعض الاخر في الدراسات العلمية دون ان يكون للرغبة او القدرة العقلية دخل في هذا الاختيار أو ذاك . فالانظمة التعليمية تعتمد في احداث هذه القسمة على موقف الطالب من مادة الرياضيات . و موقف الطالب من الرياضيات دائما هو النفور و عدم الارتياح . معظم الطلاب يجدون الرياضيات صعبة و عسيرة على الفهم . فهل فعلا هي كذلك ؟
2= النظرة الفاحصة لهذا الموضوع تبين لنا ان المشكلة ليست في المعلمين و لا في الطلاب . انما المشكلة في واضعي مناهج الرياضيات الذين تعمدوا ان يختاروا الجناح الاصعب للرياضيات . الفحص يبين ان هناك نوعان من الرياضيات : البحتة و التطبيقية . و للاسف , فان ما يدرس في المدارس هو الرياضيات البحتة , و اما الرياضيات التطبيقية فالاعتقاد السائد هو ان مجال تدريسها هو العلوم التطبيقية مثل الفيزياء و الكيمياء و الحاسوب فقط . و الصحيح ان الرياضيات التطبيقية مجال تطبيقها هو الحياة العريضة سواء كان عبر الفيزياء و الكيمياء او غيرهما . ان اختيار الرياضيات البحتة يناقض القاعدة التربوية الداعية لربط التعلم بالواقع عند تدريس الرياضيات و غير الرياضيات . و الرياضيات البحتة عادة ما تعرف عند كثير من معلميها بأنها تجريدية و غير تجريبية , أي لا رابط يربطها بالواقع . و كلما تمت مطالبة هؤلاء المعلمين بربطها بالواقع اعتذروا بالقول ان الرياضيات في الاساس مادة تجريدية . و لكن الحقيقة التربوية الراسخة هي ان أي مادة لم تربط ربطا جيدا بالواقع سيفشل مدرسوها فشلا ذريعا في نقلها للطلاب .
3= و عليه فالمطلوب ببساطة شديدة هو اعادة كتابة مقررات الرياضيات بالتركيز على الرياضيات التطبيقية . مطلوب رياضيات تركز على المفاهيم و ليس الحفظ الالي للقوانين . الواقع ان الحفظ كان احدى ادوات و وسائل حفظ المعرفة و اداء الاعمال قبل عصر التقنية . و اليوم , بات في الامكان ان يكون في متناول أي انسان جهازا صغيرا بحجم راحة اليد تحفظ فيه كل القوانين و المعادلات و نماذج البراهين الاساسية للنظريات . و صار بالامكان ان يقوم نفس الجهاز بكل العمليات الحسابية الاساسية جمعا و ضربا و طرحا و قسمة . و هذان الامران , حفظ القوانين و عمليات الحساب هما العثرتان الكبيرتان امام احلام كل الطلاب بتحقيق رغباتهم في الدراسة العلمية و ملاحقة احلامهم المشروعة . و هما ايضا من يقف وراء تزييف قدرات الطلاب الذين يعتقدون ان قوة الحفظ و سرعة و سلامة اجراء العمليات هما جواز امتلاك ناصية التفكير العلمي و الطريق لان يصير الواحد منهم طبيبا مرموقا او مهندسا لا يشق له غبار . بينما تعج فصول الادبيين بالعدد الكبير مما كانوا سيحسبون في عداد العلماء الافذاذ لو لا الرياضيات البحتة التي فرضت عليهم و على الانظمة التعليمية في غفلة من الزمان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة