|
احكام الله و الفقهاء و التطبيق - بقلم نوري حمدون
|
04:40 PM August, 04 2020 سودانيز اون لاين نوري حمدون-الابيض-السودان مكتبتى رابط مختصر
1= اذا امعنا النظر في مسألة الشريعة من زاوية أخرى , فسنرى حينئذ ان الشريعة تضم ثلاث قضايا جديرة بالمراجعة و التقصي . و فيما يلي بيان تلك القضايا .
2= القضية الاولى هي (احكام الله) . و نبدأ بالقول ان من المعلوم من الدين بالضرورة , كما يقولون , ان الشريعة قطعا تضم ما يمكن تسميته (احكام الله) , و هي مجموعة الاحكام الواردة في النصوص القرآنية . و كان المفترض ان هذه النصوص قطعية الدلالة و هو الامر الذي يعطيها قوة الالزام . بيد ان الواقع يقول ان قطعية تلك النصوص ليست شاملة لكل جوانب الحكم . فالنص الذي يجرم السرقة (مثلا) كان واضح الدلالة فيما يتعلق بنوع العقوبة و هي القطع , لكنه غير واضح الدلالة فيما يتعلق بنوع السرقة و ما يختص بكيفية القطع . في هذه اللحظة نقول ان النص يقدم قانونا غير مكتمل الصياغة و بالتالي غير قابل للتطبيق طالما انه كما يقول الفقهاء قد سكت عن هذا و هذا . و كان المفترض ان يتوقف الامر عند هذا الحد . الا ان الفقهاء ابوا له الا ان يكون قانونا قابلا للتطبيق فقاموا بالاجتهاد فيما سكت عنه النص . و كان المفترض أيضا بعد هذا التدخل ان لا يقال ان القانون المستنبط هو (حكم الله) . فهو بالتأكيد حكم الفقهاء . و في اعتقادي , ان لو أراد الله ان يجعل كل جوانب الحكم في النص واضحة الدلالة لما اعجزه ذلك . و كان الاجدر بالفقهاء ان يبحثوا عن حكمة سكوت النص عوض ان يتدخلوا فيه . و في اعتقادي ان الحكمة هي ان الله اراد لاحكامه ان تكون وسائل بيد المؤمن تعزز من (جذوة الايمان) بالله في قلبه , و تشد من ازره على اداء (العمل الصالح) , و هما سدرة المنتهي في طريق كل دين . فالصحيح ان احكام الله واجية التطبيق بواسطة المؤمن على نفسه , و لا شأن للدولة او الفقهاء بهذه الاحكام الا ان ييسروا لهذا الهدف ان يتحقق . اما و قد تدخل الفقهاء فقد شكلوا لنا القضية الثانية الجديرة بالمراجعة و التقصي و هي (احكام الفقهاء) .
3= (أحكام الفقهاء) لا غبار على وجودها ضمن منظومة قوانين الدولة حتى لو كانت ذات مرجعية دينية او قيل انها مستنبطة من النصوص المقدسة . ففي النهاية , طالما انها من اجتهادات الفقهاء , فهي قوانين وضعية بامتياز قابلة للطعن و المراجعة و النقد , و قابلة للتعديل بالحذف او الاضافة او الالغاء , و ليس لها أي نصيب من الحصانة او التقديس الذي تتمتع به (أحكام الله) . وفقا لتلك المواصفات و الشروط , يمكن لاحكام الفقهاء ان تجد طريقها للتطبيق عبر سلطان الدولة بواسطة العاملين عليها من القضاة و العسس و غيرهم . اما اعتبارها ضمن مجموعة احكام الله ثم فرضها بقوة السلطان تحت اسم الشريعة فهو أمر لا تدعمه مخرجات المراجعة و لا نتائج التقصي لما اعتبروه من الثوابت التي لا يجب المساس بها . احكام الشريعة هي احكام الله المأمورين بأن نحكم بها حتى لا يتحول المؤمنون الى فاسقين او ظالمين , و هي التي ستعلي من الاسلام امام الكارهين له . انها مجموعة احكام الله التي لا شأن للفقهاء و السلاطين بها , فلا هؤلاء يشرعونها , و لا أولئك يفرضونها للتطبيق . و قضية التطبيق هي القضية الثالثة التي نعالجها في الفقرة التالية .
4= تطبيق الشريعة موكول للمكلف الذي يعرفه الفقهاء انفسهم بانه الفرد المؤمن و الذي يتوجه اليه الخطاب في كل النصوص المقدسة حتى عندما تأتي اللغة بصيغة الجمع . الفردانية اساس التكليف لانها هي اساس الحساب يوم الدين حينما يقوم الناس اشتاتا ليروا اعمالهم . و تظهر فردانية الحساب في قوله تعالى ان من يعمل مثقال ذرة خيرا او شرا يره . و تظهر في قوله تعالى أيضا في مقام آخر ان يوم الحساب يفر المرء من ابيه و امه و بنيه لأن لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه . و قد مضى زمن طويل و السلاطين يطبقون في الناس احكام الله و احكام الفقهاء في ازدواجية ليست غريبة على تاريخ الاديان . و لكنها بكل تأكيد غريبة على نصوص القرآن المقدسة التي تؤكد ان النبي نفسه ممنوع عليه ان يسيطر على الناس , و ممنوع عليه اكراههم حتي يصبحوا مسلمين . في مسائل الدين ليس على احد من الانبياء او الفقهاء او السلاطين او اولياء الله الصالحين سوى البلاغ المبين الذي هو امر بالمعروف و نهي عن المنكر بالتي هي احسن و بفهم ان الله يفصل بين الناس يوم القيامة فيما اختلفوا فيه . و لم يرد في الدين حق الوصاية لأحد الناس على الناس . بل لم يرد في نصوص القرآن ان الله اراد للناس ان يتعبدوا بطريقة واحدة حينما قال انه جعل لكل امة شرعة و منهاجا . و الدين في القرآن واسع و عريض يضم العديد من الفرق تحت عنوان الايمان بالله و العمل الصالح , و يفهم ذلك من قوله تعالى ان الذين آمنوا و الذين هادو و النصارى و الصابئين من آمن بالله و عمل عملا صالحا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون . و نعتقد أن نظرية تطبيق الشريعة عبر سلطان الدولة هي برمتها مسألة ابتكرها الفقهاء حين اختلط عليهم الامر بين دورهم كمبلغين للدين و دورهم الآخر كمشرعين للسلطان وسط رغبتهم العارمة في ان يكون كل شئ لله . و ما زال بالامكان ان ندعو الى التطبيق و لكن دون الخلط بين ما هو لله و ما هو لقيصر . =====================
|
|
|
|
|
|