ما تعيشه بلادنا من واقع سياسي وإقتصادي، لا يعبر بأي حال من الأحوال عن روح الثورة العظيمة التي رفعت شعار: حرية سلام، وعدالة.! هذه الكلمات الثلاثة لخصت أزمة السودان منذ إستقلاله. حصيلة فعل مؤسسات الفترة الإنتقالية، ممثلة في مجلس السيادة ومجلس الوزراء، ومن خلفهم قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، بكل صدق وأمانة مخيبة للآمال.! نتيجة لأزمة في الفهم والمفاهيم، قادتها للبحث عن السلام في المكان والزمان ومع الجهات الخطأ.! أي سلام هذا، الذي يمكن أن تحققه الثورة في دولة جنوب السودان ..؟ هل نظام الحركة الشعبية الحاكم هناك، أقصد جنوب السودان، يؤمن بشعارات الثورة ...؟ حتى يساهم في تحقيقها ..؟ هل حققت تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان، شعاراتها التي رفعتها، وبموجبها فصلت الجنوب عن بقية السودان ..؟ هل قضت على الحروب، والمجاعات، والفقر وحالة عدم الإستقرار، ووفرت الأمن والعمل والعلاج والتعليم وحققت تحول ديمقراطي حقيقي مكن القوى المعارضة من حكم الجنوب ..؟ أم وقعت في ذات الفخ الذي وقع فيه السودان القديم، وفرضت سيطرتها على الحكم بقوة السلاح وقمع الأصوات المعارضة، حتى داخل مؤسسات الحركة الشعبية نفسها ...؟ والسؤال الأهم، ما هو السلام الذي تبحث عنه مؤسسات الفترة الإنتقالية مع مالك عقار وياسر عرمان والتوم هجو وجبريل إبراهيم ومناوي ..؟ علما أن كل هؤلاء كلهم أو أغلبهم كانوا جزءا من النظام السابق ...؟ والسؤال الأكثر أهمية هل الحركات المسلحة، وحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، قائد نداء السودان، هذا المكون الذي كان جزءا من الأزمة، هل سيكون جزءا من الحل بعد الثورة..؟ الإجابة بكل صدق وأمانة، هي كلا. لأن السلام لا يتحقق بالتفاوض من أجل الظفر بأكبر حصة من السلطة والثروة، وإنما يتحقق بالتوافق والتحلي بقيم نكران الذات، إستجابة للمصلحة الوطنية العليا التي إنتصرت لها ثورة ديسمبر المجيدة. رغم دعمنا لحكومة الثورة، إلا أن الإستراتيجية المتبعة من قبلها،تذهب في الإتجاه المعاكس لروح الثورة وأهدافها وشعاراتها. وكأنها بذلك تمهد الطريق لإفشال الثورة، وتجزئة ما تبقى من السودان، تحت شعارات البحث عن السلام.! السلام، حسب الوثيقة الدستورية يجب التوصل إليه في مدة أقصاها ستة أشهر.! حتى الآن مرت تسعة أشهر، لا سلام تحقق، لا مجلس تشريعي تم التوافق عليه، لا ولاة مدنيين تم تعيينهم، ولا تحسن في معاش الناس، ولا محاكمات لرموز النظام البائد.! الشمعة المضيئة في هذه المرحلة، هي لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد وإسترداد أموال. بقية المشهد لا يطمئن، بأي حال من الأحوال.! بل يمكن تعريفه بمسرح العبث.! الذي سيقود الجميع إلى الضياع. لذلك لابد من ضبط المفاهيم وتحديد الأولويات وفرز الكيمان، لأن الإستمرار بهذا الوضع، هو تفريط في ثورة عظيمة، بل هو لعب بالنار. صحيح الثورة قامت ضد نظام فاسد، لكن هدفها المركزي هو القضاء على الثقافة والظروف التي إنتجت النظام وسياساته. لذلك لابد من قطيعة شاملة وكاملة مع الماضي ورموزه وسياساته وتوجهاته. الطيب الزين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة