الكثيرون رأوا في تعين حميدتي رئيساً للآلية الإقتصادية العليا هو إعلان فشل، وعجز صريح للحكومة في تحسين عجلة الإقتصاد المنهار، ومعاش الناس، الذي وصل الي مرحلة تضاعفت فيها المعاناة.
اعتقد هذا خطأ الي حد كبير، بقدر ما هو صراع بشكل صريح لكشف اوراق اللعبة امام الرأي العام بشكل او بآخر.
المؤكد انه ليس للحكومة ايّ سيطرة علي مفاصل الدولة، والتي بالضرورة ان تكون كل المؤسسات الامنية، وجهاز الشرطة تحت سلطتها بشكل مباشر، حتي تستطيع تنفيذ خططها دون معوق، وفي ذات الإتجاه تكون رادعة لبقايا النظام البائد.
للأسف حالت الوثيقة الدستورية بين الحكومة، وولايتها علي الجيش، والامن، وجهاز الشرطة، فالواضح إنها تعمل في وادي آخر، وتغرد في سربها بعيداً عن امنيات واشواق حكومة حمدوك..
المتابع لخطاب حميدتي في آخر لقاء له في إحدي القنوات السودانية قبل اسابيع، كان واضح حيث جأر بالشكوى من تحجيم دوره، ورفض مساعدته في حل الضائقة الإقتصادية،والمعيشية للمواطن.
اوضح الرجل بشكل جلي، وصريح صعوبة الإنسجام في مستويات الحكم، والمشاحنات، وظهر وكأنه يستجدي للعب دور في هذا المشهد، الذي ظل ورفاقه خارج مضماره بفعل فاعل، وهو شريك، ويعمل علي تشويه صورته، ورفض اي مساعدة، او خدمة يقوم بها، بل تتم شيطنتها، في محاولة للتقرب من الشارع.
اعتقد نجح حميدتي الي حد كبير في ردم الهوة بينه والشارع، علي الاقل ببُعده عن دائرة الضوء، في ظل تراجع شعبية الحرية والتغيير، وحالة الإنقسام التي يشهدها الشارع.
اعتقد الآن يتم جر حميدتي جراً إلي دائرة الضوء، لحاجة في نفس من وراء القرار.
اعتقد تعين حميدتي لم يكن إستسلام للفشل من قبل حكومة حمدوك، ولم يكن قراراً بريئاً بلا غرض سياسي.
لو لم يكن الامر كذلك فلماذا رُفضت مساعدات الرجل عندما إنتشرت عرباته في مواقف المواصلات، وامواله التي تدفقت عبر شركاته، في المخابز، وإمور معاش الناس،؟
اعتقد جازماً ان الرفض تبنته الحرية والتغيير لأنها ترى في الامر خطورة من فرض نفوذ للرجل علي الإقتصاد، بواقع جديد مما يهدد تماسك هذا الكيان، وسيطرته علي الموقف.
الطرف الآخر في المعادلة هو حمدوك، ربما الرجل كان يرغب في خدمات حميدتي لأن الفشل سيكون ملازم لإسمه قبل ان توصف به الحرية والتغيير.
هنا يمكن ان يكون حمدوك قد نجح في الضغط علي الحرية والتغيير بقبول حميدتي، ولكن ارى في حمدوك بالرجل الثعلب، الذي يدير امره بحنكة، ومُكر لا يمكن ان يخطر علي بال احد، وذلك نتيجة للمشهد الذي تحيط به الصراعات، وحرب المصالح الذاتية والمحاصصات.
في حقيقة الامر الآن كل اللعبة اصبحت في يد حمدوك، واعتقد ان هذا الرجل استطاع ان يلعب في مساحة ضيقة مليئة بالمطبات، والعوائق، بكل حنكة سياسية دون ان يخسر طرف من اطراف المعادلة، بما فيها الشارع.
هل حميدتي بلع الطُعم؟
نعم قد بلع الطُعم، في حال النجاح او الفشل..
في حال نجح الرجل في رفع الضائقة الإقتصادية، ستزيد الفجوة بينه والشارع، وستترسخ في الاذهان انه فعلياً هو من وراء هذه الازمة بمساعدة الدولة العميقة، في عرقلة اداء الفترة الإنتقالية، وانه بالفعل الخطر القادم علي الإستقرار، والتغيير.
في حال الفشل فلا يمكن للرجل ان يجد من يتعاطف معه، و ستكون الفرصة سانحة للإنقضاض عليه، والادوات موجودة، لا تحتاج إلي كثير عناء لإستدعائها.
و اصل النظرية ان لا يظل حميدتي بعيداً عن المشهد لان الكل يجمع علي ان هذا الوضع الشاذ لابد من تغييره، ولكن لا احد يمتلك الجرأة الكافية، ولا القوة التي يمكنها خلق معادلة في المشهد.
اعتقد انه سيستطيع النجاح بشكل مؤقت، وذلك لان هناك جهات إقليمية تعمل علي تلميع الرجل، وفتحت له الطريق في مسالة السلام في الجنوب، لتسويقه دولياً، ويمكنهم ضخ اموال لسد الفجوة الإقتصادية بشكل عاجل.
السؤال الذي لم يعره حميدتي إنتباه..
هل ستكون مسألة الدعم توازيها تنمية، وتأهيل للمشاريع التي يمكن ان تكون لبنة للإقتصاد، المنهار وتزيد من الناتج المحلي، لتفرضه بشكل قوى رجل المرحلة القادمة ما بعد الفترة الإنتقالية؟
ام هي سياسة اليوم باليوم للكسب السياسي حسب المرحلة، كما كانوا يفعلون مع المجرم البشير، و عندهم كل حالة لها ما يناسبها؟
اعتقد كان من صالح الثورة، والتغيير ان يتواضع الجميع بكل إخلاص وحسن نية، لاجل وضع هذا البلد في التراك السليم نحو التنمية المستدامة بعيداً عن المزايدات، والتناحر في فترة قل ما يمكن ان يكون فيها الشارع علي إجماع خلف شخص، او حكومة كما هو الحال..
للأسف لو فاقت قحت بعد عام من الثورة، وارادت ان تفرض علي حميدتي، والعسكر ان يكونوا شركاء بالامر الواقع في التغيير، وبحسن نية، وتحملهم الجزء الاكبر من المسؤولية، لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وحدثت شروخ عميقة، و بالبلدي، لسان حال حميدتي والعسكر يقول" الفيكم إتعرفت" والكل يعمل حسب اجندته، وقناعاته حتي لو كان النظام البائد، والمتربص بالجميع، هو المستفيد من المشهد، في شكله العام، ويا رويحة ما بعدك روح.
إحتدم الصراع الخفي، واعتقد الكل في إنتظار الضربة القاضية، لتنجلي الصورة لأحد الفريقين، وظل الشارع بعيداً عن هذه المعادلة، والصراع، برغم حالة الغليان التي يعيشها.
هل قابل حميدتي هذا القرار بعفوية، وحسن نية، ام للرجل مآرب، واحسن إلتقاط " الكورة المدردقة" في ملعبه، وله حسابات اخرى.
اتمنى ان اكون مخطئ في ما ذهبت إليه، وتكون مقاصد الجميع مخلصة، و بنوايا صادقة، لأجل الوطن، وإستحقاقات التغيير.
خليل محمد سليمان
العنوان
الكاتب
Date
حمدوك ما بين الفشل، والمكر، والدهاء.. بقلم خليل محمد سليمان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
خليل محمد سليمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست