حبّ في ظلّ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 01:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-30-2019, 08:36 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حبّ في ظلّ

    07:36 PM November, 30 2019

    سودانيز اون لاين
    عبد الحميد البرنس-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    يدلف طوني، بوجه مُستاء، إلى البناية، حيث يعمل كحارس، وهو يعلّق على كتفه شنطة. يغيب في الداخل، قليلا. يعود، إلى مدخل البناية، يجلس صامتا إلى جواري، وراء الكاونتر. تراه، تالياً، ينهمك، بانضباط يشوبه فتور، في تحضير أوراق التقرير، مع مراجعة دقيقة لتقرير وردية المساء، كأن يُطالِع: «في تمام الساعة 18: 16 حضر مندوب "الدي. إتش. إل" قاصداً الشقة رقم 1453، حيث قام بتسليم مستر مارك لووك طرداً، وغادر المبنى في تمام الساعة 27: 16». أو «لم يتم رصد نشاط مريب في هذه الساعة»، أو حتى «تغوّط متشرد على إحدى عتبات البوابة الخلفية ثم فرّ هاربا».

    كان من شأن مثل تلك المهام، أعني هنا بصورة عامة مهامَ حارسٍ ليليّ، بالطبع في مقامي أنا ومقام طوني الكنديّ بالمولد هذا، والتي يمكن لأي إنسان آخر في هذا العالم أن يقوم بها؛ أن تدفع أغلب السكان إلى تجاهل تحيّات طوني، خاصّة!

    هكذا، بدأت أفهم، تدريجياً، أن طوني، كرئيس مباشر لي، بحكم الأقدمية والثبات في "الموقع"؛ يعاني لا شك في لحظات القهر تلك من وجودي، بالضبط كما لو أنني مرآة "لوضاعته"، أو للدقة لما ظلّ يشعر به من وضاعة، حيث ظلّ يتجاهل تحيتي، بل يصطنع لي مشاوير لا داعٍ لها، كأن يأمرني ثانية، ولما يمضي وقت يذكر، بتفقد غرفة الميكانيكا وقاعة الطعام في الدور الأرضي، أو الجراج المجاور للبناية، أو يصدر قراره لي بتوزيع موجِّهات مجلس إدارة البناية عبر حشرها أسفل أعقاب الأبواب المقفلة، حيث يطيب لي تشمم الروائح المتسربة واستراق السمع لما يدور في الخفاء ويستحق كتم الأنفاس، كتأوهات امرأة ما تتناهى مكتومة في هدأة ليل الشتاء، أو توقع سماع خطة حاذقة لسرقة بنك.

    كان تقرر أن أكون الحارس البديل في ذلك الموقع لحارس ليليّ آخر ذهب في إجازة ما. لم يغب عن دائرة الفهم طويلاً، حين أخذتُ أدرك أن طوني هذا يعاني أكثر ما يعاني خلال الساعتين الأخيرتين من عمر الوردية، حيث تبدأ الحركة تدب عند المدخل وتنشط الأقدام صعوداً وهبوطاً، بينما تبدو الأشياء أكثر وضوحاً في الخارج، وقد أخذ ذلك الامتعاض المقبض يغادر صفحة وجهه استعداداً لملاقاة ما بدا حدثاً سعيداً بكل المقاييس القلبية لعاشق، وللدقة لعاشق لا يشعر به "أحد". كيف لا! وقد كانت هناك حسناء وحيدة من سكان الطابق الحادي عشر تدعى سلفيا. كانت سلفيا هذه تقوم في تلك الصباحات الباردة بمرافقة كلبها الأسود الضخم في جولة خارجية، قبل أن تعود أدراجها بعد مرور نحو النصف ساعة تقريباً، استعداداً للذهاب إلى مكتبها، حيث تعمل كمستشارة قانونيّة لحساب إحدى المؤسسات الفدرالية. وقد بدا بما لا يدع مجالاً للشك أن العاشق السريّ طوني هذا ظلّ طوال الوقت خارج حسابات سيلفيا الجميلة. الأكثر مدعاة للتعاطف، أن سلفيا كلما زادت من تجاهلها له، زاد هو في المقابل «لزوجة». وأكثر من ذلك، أخذ تملقه ينتقل مع يأسه إلى كلبها، الذي لسبب ما لم يكن يشعر، في ظهوره المتعاقب ذاك، بأدنى قدر من الراحة الغريزيّة تجاه الحارس الليليّ، طوني.

    مرة، تشجع، طوني هذا، واقترب، ربما لحظّه العاثر ذاك نفسه، من كلبها. لقد أراد المسكين فقط أن يمرر يده على فروة رأس الكلب كتوطئة لا بدّ منها للدخول إلى رحاب قلب صاحبته "المقفر". مع أنني ظللت أسمع بعض الروايات التي تفيد بوجود علاقات ما حميمة ما بين بعض النسوة وكلابهنّ. على أي حال، شجعته ابتسامة سلفيا للمرة الأولى من بعد مرور أسابيع قليلة على وجودي هناك من أن يقترب من كلبها على ذلك النحو. كشَّر اللعين على الفور كما لو أنّه دُعِيَ إلى مبارزة شرف عن أنياب أنا متأكد من إمكانية مرورها القاطع عبر قالب حديد بسهولة ويسر. ثم قفز بغتة باتجاه طوني. هنا، لم أشعر بخفقان قلبي. لا بدّ أنّه توقف. سلفيا كادت أن تسقط، وهي تحاول السيطرة بصعوبة على الموقف، بينما تمسك بمقبض السلسلة المنتهية بدائرة جلدية حول عنق الكلب، وقد ارتسم على وجهها ذلك الشعور، الذي قد يدفع بأي إنسان نزيه في هذا العالم إلى أن يتساءل «مَن هو ذلك الوغد الذي تسبب في معاناة هذا الكائن الجميل»؟

    كانت تشير إلى الثانية صباحاً. الثلوج المتحجرة متراكمة على جانبي المدخل الزجاجي للبناية، والناس القليلون من المارة ظلّوا يعبرون على فترات متباعدة سراعاً، وقد أدخلوا أياديهم داخل جيوبهم، بينما بدت أشجار الآش المحيطة بحديقة سنترال بارك وراء شارع أليس عارية من أوراقها، وكنت أجلس كالعادة خلف «الكاونتر»، إلى جانب طوني داخل بهو الاستقبال، عندما طلب مني طوني اللعين نفسه الذهابَ لتفقد الجراج التابع للبناية، ذلك المُشيَّد كبناية مجاورة ومنفصلة من طوابق لا جدران لها مقامة على أعمدة خرسانية جهمة، بينما واصل هو تحديقه كالعادة قبالة شاشات المراقبة وأزرار تأمين المبنى والتحكم إلكترونياً في مداخله ومخارجه الكثيرة. هناك، بين طوابق الجراج المكشوفة للهواء والصقيع والمطر، أخذت أتجول بمشيةٍ مجنحة مخيفاً بها أشباح اللصوص، وسرعان ما بدأ ذلك التعاطف ينبعث من داخلي تجاه السيارات الغارقة في جحيم البرد، وإن لم يغب عن ذهني في الأثناء معاودة التفكير في أشواق العراء نفسه إلى الدفء والغطاء.

    عدتُ إلى البناية. كان طوني لا يزال جالساً في مكانه بالهيئة نفسها والنظرة المحدقة في مواتها الغامض ذاك نفسه، ولو أن الصمت استمر ثانية أخرى لعانقته كما قد يعانق الأشقاء بعضهم وقت محنة وشرعنا نبكي معاً لأسباب مختلفة. ذلك أن شخصاً ما أخذ يركل فجأة البوابة الزجاجية الأماميّة للمبنى من الخارج، وقد بدا في حال تامّة من السكر والهياج. كذلك انتفض طوني. واتجه مندفعاً نحو مصدر الركلات. وقد بدا أنه وجد أخيراً متنفساً لما ظلّ يعانيه خلال فترات صمته، حين رأيته وهو يتنحى جانباً بالرجل، ويوسعه ضرباً، بعيداً عن مجال رصد كاميرات المراقبة، قبل أن يعود مبهور الأنفاس إلى مكانه، ويواصل التحديق، كما كان، من دون أن تصدر عنه كلمة واحدة، كأن يسألني: "من أي القبائل أنت، يا يوسف"؟ تماما، كما لو أن شيئاً لم يكن. بعد مرور نحو الدقيقة، نهض الرجل، في الخارج، بمشقة. لم ينظر إلينا. تابعته فقط بنظراتي وهو يعبر شارع أليس مترنحاً، شاقاً حقل الجليد المتكوِّن في الحديقة، يسقط تارة وينهض تارة، ويبتعد في سيره المتعرج، ملفوفاً بالعتمة والوحدة والفراغ الذي أخذت تملأه ندف الجليد المتساقطة في صمت.

    هكذا، أخذ جرس الهاتف يرنّ داخل شقتي طويلاً.

    كانت الساعة تشير إلى نحو الثامنة مساء. وكانت مكالمة من مقر كونترول الشركة (التي أعمل لحسابها) في مدينة أدمونتون غربي كندا. أوضحتْ لي الموظفة أن لديهم "حالة طوارئ". كان ذلك يعني أن أحد أولئك الحرّاس المداومين قد أعلن عن تخلفه عن الحضور إلى موقع العمل لسبب ما قهري. ثم سألتني الموظفة عما إذا كنت راغباً في العمل "مكانه". كدت أعتذر، لولا أنّها سارعت وأوضحت لي اسم الموقع المعني، حيث يعمل طوني على نحو ثابت، فوافقت بعد مرور نحو العام منذ آخر مرة عملت فيها هناك. كنت متلهفاً لمعرفة ما حدث أثناء غيابي. ولا أدري من باب الدقة لماذا.

    وصلت، إلى الموقع، حوالي الحادية عشرة والنصف، أي قبل ظهور طوني بنحو النصف ساعة، فأجريت عملية التسليم والتسلم مع وردية المساء، وجلست أنتظر مقدم طوني، متطلعاً إلى مدخل البناية الزجاجي، بذلك الخليط المبهم من المشاعر.

    في الأثناء، طردت عن ذهني احتمال أن يكون طوني هو الحارس المعتذر ذاك نفسه عن القيام "هذه الليلة" بمهام الوردية!!

    كنت في حاجة لا أستطيع تبريرها لأن أرى ما قد فعل الزمن به. كان شجر الآش نفسه في مثل ذلك الوقت من العام يلوح على الجانب الآخر من شارع أليس أسود مجرداً من أوراقه. الجليد أبيض متراكم والفضاء مضاء بلا شمس، ولا قمر. كان طوني أخبرني أن السحب القريبة تعكس أضواء المدينة عليها فتكون الرؤية بمثل ذلك النوع من الوضوح، ليلاً.

    أخيرا، مددت يدي. وفتحتُ الباب لطوني بواسطة زر التحكم. «غدا أكثر نحافة». كان يعلق على كتفه الشنطة السوداء ذاتها. وكنت أعرف محتوياتها جيداً: عصائر مشكلة من الفواكه في عبوات صغيرة ماركة «صن لايت» وقطع من بيتزا مجمدة صغيرة الحجم درج على طهوها داخل المايكروويف. وقد ظلّ يجلبها خلال عطلة نهاية الأسبوع من محلات «سوبر ستور» ذات الأسعار المتدنية. فضلاً عن قطعتين من الشوكولاتة السوداء من «كادبوري». كان ذلك زاده للوردية. لم يقم بتغييره خلال تواجدي المتكرر إلى جانبه، مرة. مسح حذاءه عند المدخل مزيلاً ندف الجليد وبقايا الثلج العالقة. ثم ارتقى الدرجات الرخامية المؤدية إلى البسطة الوسيعة الرحبة للبهو المرتفع. وعبرني، كذلك، ببطء، ودونما تحية.

    «قتلني هذا».

    هناك، على شاشات المراقبة أمامي، أخذت أتتبع حركة سير طوني "الأليفة" تلك، بينما يحمل زاده كالمعتاد إلى المطبخ، عبر الطرقة الأرضية الطويلة المضاءة بالقوة نفسها، حيث مكث هناك لدقائق وضع خلالها زاده داخل الثلاجة المكتظة بحاجيات العاملين في البناية خلال ساعات النهار، وعاد. كان يشوب مشيته تغير. لكأن شيئاً يجذب خطاه إلى أسفل. ووصل إلى الكاونتر. جلس على الكرسي المجاور. لم يبدِ لدهشتي اكتراثاً هذه المرة بتقرير وردية المساء. كان لا يزال صامتاً يحدق في الفراغ، ممدداً رجليه أمامه مشبكاً يديه وراء رأسه وخالياً كالعادة من أي رغبة في الحديث، إلا أنّه لم يلقِ حتى مجرد نظرة إلى شاشات المراقبة. ولما حانت مواعيد تفقد الجراج للمرة الأولى لم يأمرني بالذهاب، ولم يحرك ساكناً، فقط بدأ في كتابة ذلك الجزء من التقرير «تمّ تفقد الجراج. لا شيء هناك غير اعتيادي حدث في هذه الساعة لتدوينه»!

    كانت مسألة حضوره هذه المرة متأخراً، بنحو العشر دقائق، لبدء مهامه، بمثابة العلامة المبكرة لما يحدث له «الآن» من تقاعس. راق لي ذلك بوصفي وليداً شرعياً لفوضى العالم الرابع. كما أنني لم أكن أرغب في معايشة ذلك الشعور تجاه السيارات الغارقة في جحيمِ بردِ الشتاء القارس ثانية. «على مدى سنوات، لم يحدث أمر ذو بال، في هذا المكان»، بدأ طوني يتحدث، بينما تقترب من الرابعة صباحاً، وقد نشط في ذلك فجأة، قال «لا شيء». وكما شرع فجأة في الحديث، صمت. مبكراً بنحو النصف ساعة، بدأت أخلي المكان، تاركاً لطوني مهام التسليم والتسلّم تلك مع أحد ذينيك الحارسين من وردية الصباح. أتذكر، مما قد حدث خلال تينيك الساعتين المتبقيتين لي من الوردية، أن طوني لم يعد يلقي بتحية تجاه أحد سكان البناية، ولم يبدُ حتى آخر لحظة لي في الموقع أن ثمة من أثر ما لسلفيا الجميلة في صحبة الكلب.








                  

11-30-2019, 08:58 PM

النصرى أمين

تاريخ التسجيل: 10-17-2005
مجموع المشاركات: 9382

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    amazing
                  

12-01-2019, 03:51 AM

النذير حجازي
<aالنذير حجازي
تاريخ التسجيل: 05-10-2006
مجموع المشاركات: 7159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: النصرى أمين)

    متعة والله، ومكتوبة بعناية فائقة، شكرا يا برنس
    عجبني تعبير العاشق السري، والله لو فتشنا الأسافير دي بنلقى فيها كترة عشاق سريين، والعشق قد يكون لكتابات أو مداخلات لبعض الأعضاء.

    ياريت لو كنت استفضت أكثر في وصف هذا التوني السمج، حتى نستطيع تخيل شكله، فقد درج عندنا هنا في أمريكا أول حاجة في القصص بوصفوها هي اصوله ولونه أسود ام أبيض؟ لو مر عليك كتاب أوباما أحلام من أبي كان يكتبها بشكل صارخ.
                  

12-01-2019, 05:12 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: النذير حجازي)

    Quote: متعة والله، ومكتوبة بعناية فائقة، شكرا يا برنس

    أوافقك يا نذير، كما ان الوصف يتأرجح بين الجمل الطويلة التي تفصلها شولات، والجمل القصيرة التي قد ييلغ عددها كلمة واحدة مثل "عاد".

    وبهذه المناسبة أحب أن اشير إلى تجربة شبيهة بتجربة الحارس الليلي، ولكنها تجربة فظيعة جدا:

    عملت "ناطورًا"، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في عمارة كل سكانها "شيعة"، ما عدا رئيس مجلس العمارة فهو "سني"..

    هذا التوصيف الطائفي مهم جداً في لبنان. فحتى الاسم له دلالة خطيرة في بعض الأحيان..

    مثلاً كان من المفترض أن يعمل سوداني آخر في نفس العمارة، لكن ولان اسمه "معاوية"، لم يعد هنالك أي مجال أو حتى فرصة لإجراء صفقة تتيح له العمل تحت هذا الاسم المكروه تاريخياً من "الشيعة"..و بعد فحص تاريخي تأكد لنا أن اسم "أسامة" ليس من الأسماء التي قد تواجه الحظر من العمل في مناطق "الشيعة".

    كنت اجلس أمام العمارة على كرسي قديم ،تآكلت اطرافه واهترأ قماشه، وبدأت الوانه الطبيعية تفقد بريقها..وكان الكرسي كبيرا جداً، تكفي مساحته لجلوس ثلاثة أشخاص من الحجم المتوسط في وقت واحد. يبدو أن تصميمات تلك الفترة التي صنع فيها الكرسي كانت تركّز على الأحجام الضخمة لسببٍ يجهله الناطور الجالس عليه.

    حاولت سراً أن أدوّن ما يحدث لي في وريقة مدسوسة أكتب فيها بسرعة حين يخلو المكان من حركة السكان والأطفال، تفاصيل ما أشاهده، وأرمّز بعض الكلمات بكتابتها بلغة بلغارية محوّرة لن يفهمها أي كائن ملمٍ بالبلغارية وفق شفرة محدّدة.

    فلت مني "تأمين الورقة المدسوسة، مستخدما ً لغة العمل السري، فعلّق أحد العابرين من السكان قائلاً "تكتب مذكراتك يا أستاذ؟ وكانت لهجته غير مريحة.

    فأنكرت ذلك متذرِّعاً بالسأم الذي يخلقه الجلوس المتواصل لساعات طويلة.

    مزّقت الورقة أمامه لإبداء حسن النية، وتأكيد انّ الامر ليس سوى شخبطات لعلاج السأم الناطوري.
                  

12-01-2019, 09:58 AM

أبوبكر عباس
<aأبوبكر عباس
تاريخ التسجيل: 03-04-2014
مجموع المشاركات: 3456

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    بالأمس يا برنس، كنت أتابع تقرير بالجزيرة عن عثمان خان مرتكب حادثة طعن كبري لندن،
    عثمان كان تم إطلاق صراحة من السجن بشروط قبل عام،
    بعد تعاطفي الكبير مع الضحايا،
    تعاطفت معه وتخيلته يعيش غربة عظيمة ذهبت بسكون عقله،
    المجتمعات الغربية وخاصة بأوربا قاسية الغربة

    واحد ينزل لينا مصطفى في غربة ومطر
                  

12-02-2019, 08:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: أبوبكر عباس)

    ويا لها من مجتمعات غربية يا عزيزنا أبوبكر! العيش هنا ليس نزهة على الاطلاق. كل شيء مخطط ومرسوم بدقة والحواجز والحقوق والواجبات معلنة في كل مكان وشارع وحديقة. الإنسان نهب للآليات الخاصة بالتسويق منذ الصغر. تنمية باستمرار للرغبات لكن تحققها الأغلب بالغ المحدودية. الوظائف غير آمنة. والوظائف مربوطة بقروض البنوك لشراء منزل أو سيارة أو حتى مروحة. الفوائد مرتفعة عادة. الغرامات المرورية مثلاً غير المتوقعة يمكن أن تضعك في حيص بيص. باختصار هناك وضع عام يؤدي إلى الكثير من الانفجار النفسي والعصبي بسبب من الضغوط المتراكمة. إذا لم ينتبه المرء جيدا يمكن أن يصبح مثلاً نزيل أحد السجون أو المستشفيات أو متشردا. هناك قناة في اليوتوب اتابعها تسمى invisible people حيث يمكنك مطالعة ذلك الخيط الذي يعكس أحد جوانب الحياة في الغرب. كيف يترك المرء أحيانا وحيداً أمام قدر كلي ونهائي!
                  

12-01-2019, 10:05 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: النذير حجازي)

    النذير العزيز، اشكرك كثيرا، كما يقال، على الدعم والمساندة، وقد سعدت وقتها، أي قبل نحو أكثر من عقد يا لمرور السنوات، بقراءة كتاب أوباما. وعلى ذكر إشكالية العنصر، فقد بدا لي خاصة بعد نهاية حكم أوباما أن واقعة العرق أخذت تتحول في الخطاب الغربي السائد على نحو مطرد إلى غطاء لحجب ما هو أسوأ وعامل تشتيت للإنتباه عن هذا الأسوأ. حتى لا فرق هناك ما بين رئيس أسود أو أبيض أو ذكي أو أقل حكمة على مستوى تنفيذ سياسات القوى المهيمنة. ويبدو لي طوني أو توني كما تسميه مثال ذلك العامل المقيد بكوابح العبودية الحديثة الناعمة أو غير المرئية. هناك نظام قاس غير مبال بالمشاعر. يحيل الناس إلى محض مستهلكين يقضون جل عمرهم داخل حيز ضئيل يدعونه العالم!:
                  

12-01-2019, 09:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: النصرى أمين)

    الكلمة حياة. وفي مداخلة العزيز النصري، تلك المتكونة من كلمة واحدة لا غير، ما يهب لهذه الكتابة على تواضعها معنى. أشكرك.
                  

12-01-2019, 12:42 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    سلام اخي البرنس

    سرديتك رجعت بي لايام خوالي في حى ( مونتسبا ) في باريس

    سرد ممتع
    سلمت يمناك
                  

12-02-2019, 07:00 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: ابو جهينة)

    كان من المقرر حسب خطتي لهذا البوست أن أواصل في حكاية عملي كناطور في الضاحية الجنوبية ببيروت.

    لكن اليوم استلمت ايميلا باسم "الراوي المحتمل لحكايتك" ورد فيه الآتي:

    "استاذ اسامة الخواض
    تحية طيبة
    وبعد

    بالامس اطّلعت على ماكتبته في بوست صديقك البرنس “حب في ظل”، وها أنا الراوي المحتمل و المقبل لحكايتك الطريفة الفظيعة عن عملك في الضاحية الجنوبية في بيروت”،

    أعرض عليك أن تتوقّف عن حكايتها، لكي أتولّى الامر بعدك".

    بعثت للراوي المحتمل ايميلا كتبت فيه متسائلا ً “ما الذي جعلك تهتم بمذكراتي التي بدات في كتابتها “ ؟؟

    فرد عليّ بايميل قال فيه :

    ” يا استاذ ودالخواض، اشعر بل انني متاكد انك اذا تركت لي مهمة مواصلة ذكرياتك بطريقة مختلفة سيكون ذلك في صالحك وفي صالحي، كما أنك منذ زمن طويل يا استاذ اسامة أحلتني الى التقاعد ههه” .

    قمت بالرد عليه كاتباً:
    "في هذه الحالة سأتوقّف عن السرد، وأرجو أن تبعث ايميلاً إلى صديقي البرنس ،تؤكد فيه انه قد تمّت صفقة بيني وبينك لإحالة أمر سرد حكايتي إليك"..

    بعد ذلك رجوته في ايميل قصير أن يسمح لي بأخذ "سلفي" معه بعد أن ينهي كتابة حكايتي، فوعد بذلك مشكوراً.
                  

12-02-2019, 08:09 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    المشاء العزيز:

    يا له من توارد خواطر!

    في البدء أشكرك على الثناء الكريم على هذا النص.

    عود إلى بدء، كنت بصدد الرد عليك، كذلك فور قراءة مداخلتك الأولى هنا، قائلا إنني سوف أقوم برفع قضية ضدك يوم القيامة أمام الخالق الأعظم، إذا لم تكمل ذلك الخيط من الحكي عن الناطور في شكل عمل سردي متكامل. لقد شدني تماماً ما رميت من بذور قابلة للنمو والتطور.
                  

12-02-2019, 10:59 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: ابو جهينة)

    حياك الله المبدع الكبير أبا جهينة، ويا ليت ما ذكرك هنا بحياة سابقة، يترجم إلى نص جمالي، مثل نصك "النيل يفيض أحيانا في باريس", وجلال دؤود، أو أبو جهينة، سارد من طراز رفيع لمن لم يدرك بعد هذا الجانب منه. لقد استمتعت بالكثير من أعماله المنشورة منذ سنوات في هذا المنبر. وأذكر من روائعه نصوص الدكان والشريط وسارا.. والموشوم على الجبين. أرجو أن نجري معه حوارا في القريب نتعرف خلاله أكثر على ثراء تجربته الإنسانية والإبداعية

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-02-2019, 11:01 AM)

                  

12-03-2019, 01:26 AM

النذير حجازي
<aالنذير حجازي
تاريخ التسجيل: 05-10-2006
مجموع المشاركات: 7159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: كان من المقرر حسب خطتي لهذا البوست أن أواصل في حكاية عملي كناطور في الضاحية الجنوبية ببيروت.

    لكن اليوم استلمت ايميلا باسم "الراوي المحتمل لحكايتك" ورد فيه الآتي:

    "استاذ اسامة الخواض
    تحية طيبة
    وبعد

    بالامس اطّلعت على ماكتبته في بوست صديقك البرنس “حب في ظل”، وها أنا الراوي المحتمل و المقبل لحكايتك الطريفة الفظيعة عن عملك في الضاحية الجنوبية في بيروت”،

    أعرض عليك أن تتوقّف عن حكايتها، لكي أتولّى الامر بعدك".

    بعثت للراوي المحتمل ايميلا كتبت فيه متسائلا ً “ما الذي جعلك تهتم بمذكراتي التي بدات في كتابتها “ ؟؟

    فرد عليّ بايميل قال فيه :

    ” يا استاذ ودالخواض، اشعر بل انني متاكد انك اذا تركت لي مهمة مواصلة ذكرياتك بطريقة مختلفة سيكون ذلك في صالحك وفي صالحي، كما أنك منذ زمن طويل يا استاذ اسامة أحلتني الى التقاعد ههه” .

    قمت بالرد عليه كاتباً:
    "في هذه الحالة سأتوقّف عن السرد، وأرجو أن تبعث ايميلاً إلى صديقي البرنس ،تؤكد فيه انه قد تمّت صفقة بيني وبينك لإحالة أمر سرد حكايتي إليك"..

    بعد ذلك رجوته في ايميل قصير أن يسمح لي بأخذ "سلفي" معه بعد أن ينهي كتابة حكايتي، فوعد بذلك مشكوراً.

    😁😁😁😁
    والله الپوست دا شكلو ح يكون متعة، ولمَّ أجمل الكتاب البرنس والخواض وكمان أبوجهينة، وبكم سيعاد للمنبر ألقه
    وأكرر وتاني أكرر نحن سعداء جدا بكم وبإعادتكم للمنبر ألقه، وياريت حبيبنا بكري يثبت هذا الپوست

    كسرة: يا الخواض ممكن تورينا اسم الراوي المحتمل دا منو؟!
    ومرحب بيك يا الراوي المحتمل
                  

12-03-2019, 04:26 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: النذير حجازي)

    عزيزيّ البرنس والنذير

    سلامات

    هذه ستكون المرة الثانية التي انشر فيها عملا دون أن يكتمل ودون أن أرضى عنه، وقد أصبحت "برفكشنست" بشكل مزعج.

    لذلك نصحني بعض الاصدقاء بالتخلص من تلك النزعة تدريجيا بنشر ما يتوارد على الخاطر ويكتب بشكل مقنع ، ثم عندك أو بالأصح عندي حق مراجعته وكتابته بشكل جديد ، على الاقل تكون عندي نسخة...

    المهم قد يكتمل وقد لايكتمل.

    طبعا البرنس بعرف مسالة الكتابة كويس ، فنحن لسنا متعهدين أو مقاولين نكتب حسب الطلب ،

    أو نرص القواميس عشان نصوصنا تبقى صعبة على الناس العاديين.

    "المكاواتستيون يمتنعون " هههههههه

    سأنشر الجزء الذي سأفرغ منه هذا المساء
                  

12-03-2019, 04:46 AM

النذير حجازي
<aالنذير حجازي
تاريخ التسجيل: 05-10-2006
مجموع المشاركات: 7159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    Quote: سأنشر الجزء الذي سأفرغ منه هذا المساء

    تسلم كتير يا حبيبنا الخواض، في إنتظارك على أحر من الجمر، أصلك عارفني زبونك، وهسى عملت لي دريبات وبقيت زبونك وزبون العزيز البرنس، كنت مضيع زمني مع المواضيع السياسية وبعد سقوط الكيزان تفرغت للمواضيع الثقافية.

    كسرة: بتاع المكاواة دا قلت ليكم شغلوا معاكم مساعد حلة تلقوا فيهو الأجر.
                  

12-03-2019, 05:35 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: النذير حجازي)

    Quote: تسلم كتير يا حبيبنا الخواض، في إنتظارك على أحر من الجمر، أصلك عارفني زبونك، وهسى عملت لي دريبات وبقيت زبونك وزبون العزيز البرنس، كنت مضيع زمني مع المواضيع السياسية وبعد سقوط الكيزان تفرغت للمواضيع الثقافية.

    كسرة: بتاع المكاواة دا قلت ليكم شغلوا معاكم مساعد حلة تلقوا فيهو الأجر.

    مرحباً بك في نادي "الأقلية الهائلة" هههه ههههه

    جيد حضور البرنس حتى يتم التمييز بين الونسة والسرد الفني.

    طبعاً دي مشكلتي الآن مع الرواي العليم المحتمل هو يريد أن يحوِّل قصتي الحقيقية، وهي أمتع بكثير من تلك الونسات، إلى سردية أدبية.

    وأشكرك ايضاً على ترشيحي رئيس تحرير لجريدة " الحداثة"، حاولت أرد عليك لكن ما عرفت كيف،

    في النهاية انتهت محاولتي دون قصد مني إلى مشاركة البوست !!!!
                  

12-03-2019, 07:23 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    شكرا لك النذير أخي على تحريك مياه هذا البوست. والمشاء كما فهمت هنا في حال موارة بالكتابة عن تجربته الإنسانية والحياتية كناطور في بيروت. أقول الكتابة عن تجربته لا كتابة تجربته. إلا أن كتابة سردية ذات مواصفات نوعية كالقصة أو الرواية ليست وليدة إلهام لحظي. إنها عملية شاقة. وهي التي عناها ماركيز بقوله "الكاتب الجيد يعرف بعدد ما يمزق من أوراق". كتابة نص إبداعي ما يماثل الأغلب ميلاد الكائن البشري وتطوره. أنت تفاضل بعد الدفقة الأولى بين الكلمات كأن تقول يمضي ليلته أو يقضي ليلته، أو تحذف استعارة مبتكرة وجديدة لا لشئ سوى أنها لا تخدم السياق العام، أو تضيف نقطة ما إلخ إلخ. وعلى تجربة الخاصة، أفادني هذا المنبر كثيراً في تثبيت ما يمكن تسميته الخواطر المنفلتة، حيث عدت لاحقا وعملت على تطويرها.
                  

12-03-2019, 08:11 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    اليوم الاثنين الثاني من ديسمبر 2019، حينما كنت أقرأ رواية انطونيو سكارميتا “فتاة الترومبون” من شاشة حاسوبي العتيق، ورذاذ المطر الشتوي ينقر النافذة، خطر لي أن أطمئنّ على الطريقة التي سيسرد بها الراوي العليم المحتمل حكايتي الناطورية ، فارسلت له ايميلا وضّحت له فيه أنه تساورني بعض الشكوك، وأرجو الا يعتقد أنني مجرّد “مكاواتيست”، فشكوكي "مشروعة”.

    لم أدخل في التفاصيل . وبعد فترة قصيرة ردّ عليّ وهو يعاتبني على رجائي له، وقال لي:
    " أرجو أن تعرف أنك مهما تدهورت فكرياً وأدبياً، لن تصل مقام “المكاواتيست”. ابتسمت مرتاحاً واطمأنت كل جوارحي ليس لأنه فقط أشاد بصلابة قواي العقلية ولكن أيضاً لأنه فهم المصطلح الذي قمت بصكّه قبل يومين. “جيد”، همستُ لنفسي عدة مرات “أنا لا أنتسب إلى أي مكاواتي، وإنما أنا حكواتي”. ثم واصلت قراءة ايميله:
    “يبدو لي أن شكوكك تتمحور حول رغبتك البدئية في أنْ تروي حكايتك بلسانك. هذا حقّ من حقوقك السردية، ولكن يجب أن يحدث ذلك بالاتفاق معي أنا الراوي العليم”.
    وفي الحال بعثت إليه ايميلاً :
    "خفت أن تروي حكاياتي الناطورية بشكل يجعلها ...”
    وأرسلت ايميلي دون أن الاحظ انني لم أكمل الرسالة ،إذ أنني فكرت طويلًا في طريقة إنهاء الجملة دون أن أصل إلى نهاية سعيدة للجملة...وبعدها بساعات قال الراوي العليم في ايميله أنه قد تضجّر من إرسالي ايميلًا بهذه الطريقة غير المحبّذة من شخص يريد أن يكتب بنفسه حكايته الناطورية..اعتذرتُ له وقلت له:
    "بصراحة أخشى ان تكتب الحكاية بطريقة يجعلها تؤوّل إما كمأساة أو كملهاة لكاتب مشّاء"...

    أصلح الراوي العليم ياقته ، أو هكذا خيّل إليّ، وحوله فنجان قهوة كيني، لماذا كيني؟ لأنه متأثّر بأوباما، فهو يذيِّل معظم ايميلاته مثلما يختم أوباما خطبه، ويصرّ على كتابة التذييل بالانجليزية:
    God Bless You

    قلت له في ايميل شديد اللهجة انني يجب أن أروي هذه الحكاية، لأسباب كثيرة أهمّها أن صديقي البرنس قد هدّدني في الأسافير في بوست “حب في ظل”،بأنه سوف يرفع قضية ضدي يوم القيامة أمام الخالق الأعظم إذا لم أكمل حكاتي الناطورية في ضاحية بيروت الجنوبية وبالتحديد في حارة “حريك” التي كانت كما يشاع من حصون “التيار الوطني الحر” الذي أسّسه ابن الحارة العماد وقتها والرئيس اللبناني الحالي ميشال عون. قدم القاطنون الأوائل للحارة وهم مسيحيون من “كسروان”. كانت بيوتهم تتكون من طابقين ومحاطة ببساتين الليمون. هجّرت الحرب الأهلية اللبنانيين المسيحيين الذين لم يعودوا إلى حارة حريك، لأنهم باعوا بيوتهم لحاجتهم للمال.

    أحسست بأن الراوي العليم يبتسم في ايميله المطمئن لي بأنه سيتولى أمر سرد حكايتي بالعودة إلى نصوصي السردية القديمة، بحيث تختلف طريقة السرد عن تلك النصوص ورجاني أن أنقل ذلك إلى صديقي البرنس القلِق...لكنني في ردّي عليه سألته بشكل محدّد حتى يعرف طبيعة شكوكي :
    “ماهو مخطّطك السردي؟ هل ستجعل الاحداث متسلسلة أم ستبعثرها باستخدام الفلاش باك مثلا أو اليوميات ...إلخ “.فردّ عليّ في لؤم واضح:
    “لا تتدخّل في امور لا تخصك. هذه مهمتي يا عزيزي ود الخواض". ثم أحالني إلى ردّي على النذير حجازي في بوست “ظل في حب”:
    "طبعاً دي مشكلتي الآن مع الرواي العليم المحتمل، هو يريد أن يحوِّل قصتي الحقيقية، وهي أمتع بكثير من تلك الونسات، إلى سردية أدبية".

    وختم الايميل بسلسلة من علامات التعجّب التي جعلتني أردّ عليه مباشرة بعد أن عدت من العمل وقمت بإدخال برميلي القمامة وفحص صندوق بريد شقتنا المعدني الأسود، وصعود الدرج، ولم أخلع ملابس العمل إلا بعد أن كتبت له الردّ التالي:
    “عزيزي الراوي العليم
    أقترح بأن نعقد “كونفرس” عبر “سكايب” أنا وأنت والكاتب الضمني. وبناء على ذلك الكونفرس السردي ستشهد حكايتي الجنوبية الناطورية مولدها “.

    عندما ضغطت على ايقونة “أرسلْ” ، سمعت صوتاً رجالياً حادّاً ، كان الصوت آتياً من إحدى نوافذ شاشة حاسوبي. كان الجدّ في الرواية التي كنت أقرأها، يستمع من اسطوانته المفضّلة إلى ذلك الصوت الرجالي الحاد وهو يغنّي:
    “أخبريني من أنتِ،
    أخبريني أين تمضين،
    أيّتها القناع المرح الذي يصرخ بي لدى المرور”.
                  

12-03-2019, 06:18 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    رحم الله صالح علماني رحمة واسعة. لقد وضعنا صالح علماني في قلب العالم السحري لمبدعي أمريكا اللاتينية باقتدار حتى صار اسمه علامة جودة. رحل صالح أمس عن عمر يناهز السبعين عاما في وقت كان واقعنا في حاجة ماسة إلى أمثاله.
                  

12-04-2019, 01:03 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    يبدو لي أن المشاء يأخذ الراهن كنقطة إنطلاق لسرده عن تجربته كناطور في عالم ملتبس، وإذا واجه المشاء لاحقاً، في مرحلة ما من الكتابة، ضرورة التخلص من رواسب الراهن، في مقابل تثبيت كل ما هو جوهري، إلا أن سلطة اللحظة الراهنة عليه تبدو بالحاحها ذاك مثل سد يعترض تدفق السرد إلى حين، على أنني أشعر، إذا استثنينا شعر المشاء المنجز عن التجربة نفسها، أن تجربة بيروت برمتها قد تطل سرديا عبر هذا النص!
                  

12-04-2019, 05:56 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: بدو لي أن المشاء يأخذ الراهن كنقطة إنطلاق لسرده عن تجربته كناطور في عالم ملتبس، وإذا واجه المشاء لاحقاً، في مرحلة ما من الكتابة، ضرورة التخلص من رواسب الراهن، في مقابل تثبيت كل ما هو جوهري، إلا أن سلطة اللحظة الراهنة عليه تبدو بالحاحها ذاك مثل سد يعترض تدفق السرد إلى حين، على أنني أشعر، إذا استثنينا شعر المشاء المنجز عن التجربة نفسها، أن تجربة بيروت برمتها قد تطل سرديا عبر هذا النص!

    صحيح.

    بدأتْ تطل أسماء مثل يمنى العيد، وعباس بيضون والياس خوري وعلي مطر بدرجات متفاوتة، وبدأتْ -أيضاً- في التكشّف رويداً رويداً حياة الهامش ...

    يمكنني أنْ "أونّس" القرّاء بالتجربة، لكن عندما تبدأ في "كتابة التجربة"، كما حدث لي أمس حتى ساعة متأخّرة من الليل، يتضّح الفرق شاسعاً بين "الونسة" و المذكّرات من جانب،

    وصوغ التجربة في إطار سردي من جانب آخر..

    أرجو أن تصبروا عليّ ،

    مع تعهّدي الكامل بالإقلال من روح الإتقان.
                  

12-04-2019, 09:42 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    لفت انتباهي عنوان مراجعة لسيرة ماركيز، ونص العنوان: والد ماركيز في مذكراته "إنه قصاص، حسنا، لطالما كان كذابا منذ طفولته"! وهذا بالضبط ما جعلني في سبيل اقتناص مادة جيدة أن استدرج المشاء بمحبة إلى الكتابة عن تجربته لا كتابة تجربته. وقديما قيل أعذب الشعر اكذبه. وهذا كذلك ما جعل من الطيب صالح كاتباً مقلا فالطيب كما صرح هو لا يستطيع أن يتعامل مع الأكاذيب طوال حياة كاملة. وماركيز نفسه يدرك حجم المأساة التي يمكن أن ينطوي عليها الالتزام بكتابة التجربة الواقعية حرفياً، حين قام بنشر سرد أحداث موت معلن بعد مرور ثلاثين سنة من التأجيل موضحاً أن نشرها كان سيكون بمثابة الكارثة إذا لم يضف لها جنون الشعر وكيمياء الحنين. والخيال هنا يضيف إلى النص ميزة توسيع أبعاد الواقع الضيقة، يزيد من ثراء إنساني مرتفعا به إلى مصاف النموذج!
                  

12-05-2019, 10:40 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: وماركيز نفسه يدرك حجم المأساة التي يمكن أن ينطوي عليها الالتزام بكتابة التجربة الواقعية حرفياً، حين قام بنشر سرد أحداث موت معلن بعد مرور ثلاثين سنة من التأجيل موضحاً أن نشرها كان سيكون بمثابة الكارثة إذا لم يضف لها جنون الشعر وكيمياء الحنين.

    والخيال هنا يضيف إلى النص ميزة توسيع أبعاد الواقع الضيقة، يزيد من ثراء إنساني مرتفعا به إلى مصاف النموذج!

    ماسبقت كتابته يا برنس، يمهّد باستخدام تقنية "سينما المؤلف" التي ألجأ إليها كثيراً لكسر الحائط في السرد بين الكاتب الفعلي ، في هذه الحالة كاتب هذه المداخلة، وقارئة النص،

    للتأكيد أحياناً على دور الخيال في تشكيل النص.

    نحن الآن نعرض واحدة من حيلنا السردية التي نستخدمها،

    ليذكِّرني هذا العرض بمقولتك التي ما فتئت اكرّرها:

    "الصراع مع أدوات الكتابة".
                  

12-09-2019, 02:59 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حبّ في ظلّ (Re: osama elkhawad)

    نعم عزيزي المشاء، فلم يعد الأدب محض إنطلاقة عفوية يتسبب في حدوثها الإلهام. لقد راكمت أشكال الأدب على اختلافها تقاليد نوعية كل على حدة مستفيدة في الأثناء من منجزات معرفية وعلمية تنتسب إلى حقول أخرى. كأن يستفيد الطيب صالح من علم الفيزياء، حسب البعض، حيث الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، بل تأخذ أشكالا أخرى في تحولاتها التى لا تتوقف، فيتخذ موت مصطفى السعيد دلالات أخرى، فيتحول بعد الغرق عبر الماء الذي تشربه القرية إلى قيم جديدة تهز عرش السائد وتعمل على تغييره. كذلك تبدو البراعة في إخفاء أي نشاط ظاهر للحرفية أو التقنيات التي يستخدمها كاتب ما في إحداث تأثير ما.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-09-2019, 03:02 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de