إلا أن يتغمدنا الله برحمته...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 06:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-23-2019, 06:51 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إلا أن يتغمدنا الله برحمته...

    06:51 PM September, 23 2019

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    هضم النفس والتواضع: خلق كريم، وخلة جذابة تستهوي القلوب، وتثير الإعجاب والتقدير.

    هو خلق بين خلقين، وقصد بين تفريطين، ووسط بين طرفين.. والممدوح منه ما كان متسما بالقصد والاعتدال؛ لأن الإفراط فيه داع للخسة والمهانة والتفريط فيه باعث على الكبر والعجب.

    وقيل في معناه: هو احترام الناس حسب أقدارهم وعدم الترفع عليهم.
    وسئل الحسن البصري: أي شيء التواضع؟ قال: يخرج المرء من بيته فلا يلقى مسلما إلا ظن أنه خير منه.
    وهذا ما كان يفعله مطرف بن الشخير حيث يقول: "والله ما رأيت أحدا من المسلمين إلا ظننت أنه خير مني: إن كان أكبر مني قلت أطاع الله قبلي وعبده أكثر مني، وإن كان أصغر مني قلت عصيت الله أكثر منه".

    وفي مسند الشهاب عن عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَوَاضَعُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ".

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله].

    وقد جاء في كتاب "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله أن أصل هذا الباب مراقبة النفس ومحاسبتها والاطلاع على عيوبها، فمن اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى.
    وقد روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا".

    وقال مطرف بن عبدالله: "لولا ما أعلم من نفسي لقليت الناس".
    وقال بكر بن عبدالله المزني: "لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم".
    وقال أيوب السختياني: "إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل".

    ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب وحماد بن سلمة فقال له حماد: يا أبا عبدالله! أليس قد أمنت مما كنت تخافه، وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟ فقال: يا أبا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟ قال: إي والله إني لأرجو لك ذلك.

    وقد ذكر جعفر بن زيد: أنه راقب صلة بن أشيم ليلة، فصلى الليل حتى كان عند الصبح جلس فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: "اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار فإن مثلي يصغر أن يجترئ أن يسألك الجنة".

    وقال محمد بن واسع: "لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد يجلس إلي".

    وأثنوا على داود الطائي يوما فقال: "لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خير أبدا".

    وقال أبو حفص: من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجُرّها إلى مكروهها في سائر أوقاته، كان مغرورا.. ومن نظر إليها باستحسان شيئ منها فقد أهلكها.

    وكل هذا منهم رضي الله عنهم من باب التواضع وهضم النفس، وقد تعلموا هذا من السابقين الأولين من أصحاب النبي الكريم، فقد كانوا أفضل خلق الله وأكثرهم تواضعا لربهم عز وجل:
    جاء في [كنز العمال: 35704] عن الأصمعي قال: "كان أبو بكر إذا مدح قال: اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".

    في تفسير ابن أبي حاتم عن عقبة بن صهبان الهنائي قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}[ فاطر:32] فقالت: يا بني هؤلاء في الجنة، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم".. فجعلت نفسها معنا رضي الله عنها وأرضاها.

    وفي معجم الطبراني ومسند أحمد عن مسروق قال: دخل عبد الرحمن "يعني ابن عوف" على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبدا]. فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا حتى دخل على عمر رضي الله عنه فقال له: اسمع ما تقول أمك وحدثه، فقام عمر رضى الله عنه حتى أتاها فدخل عليها فسألها ثم قال: أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قالت: لا.. ولن أبريء بعدك أحدا".
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما أرادت ألا تفتح عليها هذا الباب، ولم ترد أنك وحدك البريء من ذلك دون سائر الصحابة.

    ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد به من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل.
    قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن الحسن بن أنس حدثنا منذر عن وهب: أن رجلا سائحا عبد الله عز وجل سبعين سنة، ثم خرج يوما فقلل عمله وشكا إلى الله تعالى منه واعترف بذنبه، فأتاه آت من الله فقال: إن مجلسك هذا أحب إلى من عملك فيما مضى من عمرك.

    وفي الزهد أيضا عن قتادة: قال عيسى بن مريم عليه السلام: "سلوني فإني لين القلب، صغير عند نفسي".
    وفيه: "كان داود عليه السلام ينظر أعمص حلقة في بني إسرائيل فيجلس بين ظهرانيهم (أكثرها تواضعا ومسكنة)، ثم يقول: يا رب مسكين بين ظهراني مساكين".

    لقد نظر هؤلاء الصالحون الصادقون في حق الله عليهم فعظموه وقدروه، ثم نظروا بعد ذلك في نفوسهم فعلموا عوارها وضعفها وعجزها عن القيام بحق الله؛ فأورثهم ذلك مقت نفوسهم والإزراء عليها، فتخلصوا من العجب ورؤية العمل؛ ففتح لهم باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربهم، وعلموا أن النجاة لا تحصل لهم إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

    فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه عَلِم عِلْم اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.. فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته. حتى قال سيد المتواضعين عليه افضل الصلوات وأزكى التسليم كما في الصحيح: [لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته](رواه البخاري ومسلم).

    تواضع تكن كالنجم لاح لناظر .. .. على صفحات الماء وهو رفيع
    ولا تك كالدخــان يعـلو بنفـسه .. .. إلى طبـقات الجـو وهو وضـيع
    فأقبح شيء أن يرى المرء نفسه.. .. رفيـعـا وعند العالمـين وضيـع
    إسلام ويب...
    ------------------------------
    الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وأضرارا، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

    وإن من خفيات البلايا وأليم العقوبات.. أنها تورث صاحبها الذل والهوان في الدنيا والآخرة. وتؤدي إلى سُقُوطُ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، فَإِنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَطْوَعُهُمْ لَهُ، وَعَلَى قَدْرِ طَاعَةِ الْعَبْدِ تَكُونُ لَهُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ، فَأَسْقَطَهُ مِنْ قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ الْخَلْقِ وَهَانَ عَلَيْهِمْ عَامَلُوهُ عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ، فَعَاشَ بَيْنَهُمْ أَسْوَأَ عَيْشٍ خَامِلَ الذِّكْرِ، سَاقِطَ الْقَدْرِ، زَرِيَّ الْحَالِ، لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا فَرَحَ لَهُ وَلَا سُرُورَ.

    وقد دلنا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى في كثير من الآيات والأحاديث الزاكيات، وهو ما اتفق عليه أهل العلم كما سبق القول.

    ومما جاء في القرآن في هذا المعنى قوله سبحانه: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فجعل الكرامة للمتقين المطيعين، فبان أن المهانة للمجرمين والفاجرين العاصين.
    ومنه ما وصف الله به اليهود في سورة آل عمران فقال: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران:112). فبين أنهم ضربت عليهم الذلة، وأن سبب هذه الذلة أنهم عصوا وكانوا يعتدون.

    وأما السنة فيكفي فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: [وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري]. وقوله في دعاء القنوت: [ولا يعز من عاديت].

    وقد كتب أهل العلم كابن القيم في كتابه "الداء والدواء" وإغاثة اللهفان"، وابن الجوزي في "صيد الخاطر" و"المدهش" وغيرها فصولا في هذا المعنى، وكتب غيرهم من أهل العلم وأرباب السلوك. فكان مما قاله ابن القيم رحمه الله:
    وَمِنْهَا (أي من آثار المعاصي والذنوب): أَنَّ الْمَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِهَوَانِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ.
    وقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "هَانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ".
    وقَالَ الْحَسَنُ أيضا رحمه الله عن أهل العصيان: "إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، فإِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ".
    وقال ابن الجوزي في "صيد الخاطر": "وقد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه‏.‏. فمتى رأيت معاقباً فاعلم أنه لذنوب‏".
    وَقَالَ شيخ الإسلام عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
    رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
    وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُـلُوبِ وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْـيَانُهَا

    أسباب الهوان
    وسبب هوان العاصي على الله أمران:
    الأول ـ هوان المعاصي على العبد:
    فإَنَّ العبد لَا يَزَالُ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ حَتَّى يَهُونَ عَلَيْهِ، وَيَصْغُرَ فِي قَلْبِهِ وعينه، حتى لا يراه شيئا، ولا يخاف عقوبته ولا عاقبته، وَذَلِكَ عَلَامَةُ الْهَلَاكِ، فَإِنَّ الذَّنَبَ كُلَّمَا صَغُرَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ عَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ.
    وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ".

    والثاني: عدم تعظيم الرب سبحانه:
    لأَنّ استمراء المعاصي يُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَيضْعِفُ وَقَارَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَلَابُدَّ، شَاءَ أَمْ أَبَى، وَلَوْ تَمَكَّنَ وَقَارُ اللَّهِ وعَظَمَتُهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ لَمَا تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِيهِ؛ فَإِنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَقْتَضِي تَعْظِيمَ حُرُمَاتِهِ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُتَجَرِّؤونَ عَلَى مَعَاصِيهِ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَكَيْفَ يَقْدِرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ، أَوْ يُعَظِّمُهُ وَيُكَبِّرُهُ، وَيَرْجُو وَقَارَهُ وَيُجِلُّهُ، مَنْ يَهُونُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ؟ هذا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ، وَأَبَيْنِ الْبَاطِلِ، وَكَفَى بِالْعَاصِي عُقُوبَةً أَنْ يَضْمَحِلَّ مِنْ قَلْبِهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّهُ. وَإِذَا هانت في قلب العبد المعصية، وهان عنده قدر الرب وذهب تعظيمه من قلبه؛ هَانَ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ، ومن كان هذا حاله لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ من الخلق، كَمَا قَالَ اللَّهُ: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 18].

    ولا يغرنك أن بعض العصاة من أصحاب النفوذ والمناصب والسطوة والسلطان يعَظَّمَهُمُ بعض النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ أَوْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ، فَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ أَحْقَرُ شَيْءٍ وَأَهْوَنُهُ. وهم كذلك في أنفسهم حقيقة كما قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، فإِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ".

    الهوان على الناس:
    ومن إهانة الله لهذا وأمثاله أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَهَابَتَهُ مِنْ قُلُوبِ الْخَلْقِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِمْ، وَيَسْتَخِـفُّونَ بِهِ، كَمَا هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، فَعَلَى قَدْرِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النَّاسُ، وَعَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ يَخَافُهُ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَحُرُمَاتِهِ يُعَظِّمُهُ النَّاسُ.
    وَكَيْفَ يَنْتَهِكُ عَبْدٌ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَيَطْمَعُ أَنْ لَا يَنْتَهِكَ النَّاسُ حُرُمَاتِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يُهَوِّنُهُ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ؟ أَمْ كَيْفَ يَسْتَخِفُّ بِمَعَاصِي اللَّهِ وَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ الْخَلْقُ؟

    وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى هَذَا فِي كِتَابِهِ {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }(الحج:18). فَإِنَّهُمْ لَمَّا هَانَ عَلَيْهِمُ السُّجُودُ لله وَاسْتَخَفُّوا بِهِ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ أَهَانَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ مُكْرِمٍ، فمَنْ ذَا يُكْرِمْ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ؟ أَوْ من ذا يهين مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ؟

    هوان العاصي على نفسه:
    ومن آثار المعصية أَنَّهَا تُصَغِّرُ النَّفْسَ، وَتَقْمَعُهَا، وَتُدَسِّيهَا، وَتحْقرها حَتَّى تَكُونَ أَصْغَرَ كُلِّ شَيْءٍ وَأَحْقَرَهُ، كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ تُنَمِّيهَا وَتُزَكِّيهَا وَتُكَبِّرُهَا، قَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشَّمْسِ:9ـ10]، وَالْمَعْنَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَبَّرَهَا وَأَعْلَاهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَظْهَرَهَا، وَقَدْ خَسِرَ مَنْ أَخْفَاهَا وَحَقَّرَهَا وَصَغَّرَهَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ.

    فَالْعَاصِي يَدُسُّ نَفْسَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَيُخْفِي مَكَانَهَا، يَتَوَارَى مِنَ الْخَلْقِ مِنْ سُوءِ مَا يَأْتِي بِهِ، وَقَدِ انْقَمَعَ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَانْقَمَعَ عِنْدَ اللَّهِ، وَانْقَمَعَ عِنْدَ الْخَلْقِ، فَالطَّاعَةُ وَالْبِرُّ تُكَبِّرُ النَّفْسَ وَتُعِزُّهَا وَتُعْلِيهَا، حَتَّى تَصِيرَ أَشْرَفَ شَيْءٍ وَأَكْبَرَهُ، وَأَزْكَاهُ وَأَعْلَاهُ والمعصية تذلها وتصغرها وتحقرها حتى تكون أحقر شيء وأذله وأهونه وأصغره.. فَمَا أَصْغَرَ النُّفُوسَ مِثْلُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَمَا كَبَّرَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا مِثْلُ طَاعَةِ اللَّهِ.

    الذل في الآخرة
    وكما ان المعاصي والذنوب تورث فاعليها الذل في الدنيا، فكذلك هي في الآخرة بل أعظم، فتأمل وصف الله لأهل الكفر وهو أكبر الذنوب، {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ}(إبراهيم:49، 50)
    وقال {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}(السجدة:12).

    وقال صلى الله عليه وسلم عن المتكبرين وكيف يكون حالهم في الآخرة : [يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له : بُولَسُ تعلُوهم نارُ الأنيارِ يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ طِينةَ الخَبالِ](رواه الترمذي وأحمد وحسنه الألباني)

    وحتى الذين يتوب الله عليهم يكاد الواحد منهم أن يذوب خجلا عند سؤال الله له أتذكر ذنب كذا، أتذكر ذنب كذا؟
    وما أحسن ما قال الفضيل بن عياض رحمه الله‏:‏ واسوأتاه منك وإن عفوت‏.‏

    فعلى كل عاقل أن يعلم أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُورِثُ الذُّلَّ وَلَا بُدَّ؛ وأنَّ الْعِزَّ كُلَّ الْعِزِّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] أَيْ فَلْيَطْلُبْهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُهَا إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ.

    فاللَّهُمَّ أَعِزّنا بِطَاعَتِكَ، وَلَا تُذِلّنا بِمَعْصِيَتِكَ.. واسترنا بسترك الجميل في الدنيا والآخرة.
    -------------------------------
    بلغ يوسف عليه الصلاة والسلام أشده، إلا أنه لم يجعل بلوغ أشده في اللغو والعبث، ولا في المجون والرفث، بل أحسن إلى نفسه ترقياً في مدارج السالكين إلى الله، والتماس السعادة بطلب محبته ورضاه، فكافأه الله على ذلك بأن آتاه الحكمة والعلم فقال سبحانه: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:22].

    وبلوغ الأشد يدل على وصول الشاب إلى منتهى شبابه وَقُوَّتِهِ.. فهو إما أن يبدأ من الحلم ـ كما قال البقاعي ـ أو من سن العشرين ـ كما قال ابن عباس. وقال بعضهم: الثالثة والثلاثين.. وقول ابن عباس أقرب لحال امرأة العزيز التي قد أخذها سعار الشهوة، فإن مثلها لا ينتظر مجاوزة العشرين إلى الثالثة والثلاثين لشاب أمامها بلغ من الحسن منتهاه، وهو يزداد مع تنقل مراحل أشده حسناً في أجمل منظر وأبهاه.

    إلا أن هذا الشاب الرائع كان في شغل عن رغبتها وطلبتها، فهو يزداد من الله قرباً وعن الآثام بعداً؛ فيكافئه الله بإيتائه الحكم والعلم، والْحُكْمَ وَالْحِكْمَةَ أَصْلُهُمَا حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ هَوَاهَا، وَمَنْعُهَا مِمَّا يَشِينُهَا، فابتعد عن مواطن الشبه والشهوات كما اقترب من الأفعال التي ترضي رب الأرض والسموات – وهذا من الحكم والتحكم بنفسه وأهوائها- فكافأه الله وآتاه العلم ليأنس بربه، ويطمئن بخالقه لسان حاله:
    هــات مــا عندك هات يا زمان الأزمـــات
    أنا لا أخشــاك فانــثر كل ما في الجــعبات
    وارم من نــبـلك ما شـئت فلــن تثني قناتي
    هل ترى الإعصار يوماً هزَّ شُمَّ الراسيات
    أنــا محـميٌ بـــدرع مــن يـقــيــن وثبــات
    مـعــي الإيمـــان يهـــديني ببـحر الظلمات
    معي الإخلاص ينجي مركبي والموج عات
    أنــا بالله عـــزيــز عـــزتي في سجـــداتـي
    أنـــا لــلــه ولـــي لا لــعــزى أو مـــنـــــاة
    أنا عـبـــد الله لا عـبد الهـوى والشـهــوات

    بدايات المكر الكبار:
    حاولت (التي هو في بيتها) مراراً إثارة الغريزة البشرية في نفس الشاب الذي بلغ أشده، مستغلةً ظنَّ زوجها ـ والمجتمع من حولها ـ أنها تعامله معاملة الأم، فأبى.. فظلت تراوده، وهي كلمة تدل على محاولات هائلة من قبلها لإغوائه وإغرائه، وهو في كل ذلك لا يلتفت، وينسل بلطف من أفخاخ الفجور، وشرك الخطوات الشيطانية.

    ويصور الرافعي – رحمه الله تعالى- ذلك قائلاً: "هذه مَلِكة تعشق فتاها الذي ابتاعه زوجها بثمن بخس؛ ولكن أين مُلكها وسطوة ملكها في تصوير الآية الكريمة؟ لم تزد الآية على أن قالت: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي}، و{الَّتِي} هذه كلمة تدل على كل امرأة كائنة من كانت؛ فلم يبق على الحب مُلك ولا منزلة؛ وزالت الملكة من الأنثى!

    وأعجب من هذا كلمة {وَرَاوَدَتْهُ} وهي بصيغتها المفردة حكاية طويلة تشير إلى أن هذه المرأة جعلت تعترض يوسف بألوان من أنوثتها, لون بعد لون؛ ذاهبة إلى فن، راجعة من فن؛ لأن الكلمة مأخوذة من رَوَدَان الإبل في مشيتها؛ تذهب وتجيء في رفق. وهذا يصور حيرة المرأة العاشقة، واضطرابها في حبها؛ ومحاولتها أن تنفذ إلى غايتها؛ كما يصور كبرياء الأنثى إذ تختال وتترفق في عرض ضعفها الطبيعي كأنما الكبرياء شيء آخر غير طبيعتها؛ فمهما تتهالك على من تحب وجب أن يكون لهذا "الشيء الآخر" مظهر امتناع أو مظهر تحير أو مظهر اضطراب، وإن كانت الطبيعة من وراء ذلك مندفعة ماضية مصممة.

    ثم قال: {عَنْ نَفْسِهِ} ليدل على أنها لا تطمع فيه، ولكن في طبيعته البشرية، فهي تعرض ما تعرض لهذه الطبيعة وحدها، وكأن الآية مصرحة في أدب سام كل السمو بعفة هذا الشاب المؤمن التقي الورع، منزهة له غاية التنزيه بما معناه: "إن المرأة بذلت كل ما تستطيع في إغرائه"، إلا أن الشاب المحسن منذ نعومة أظفاره في اعتصام دائم بربه، وانتصارٍ عظيم على حبائل الشيطان، وهذا من أعظم ما يقرب نظر الله لعبده – نظراً بالمعنى الخاص- ليتخذه ربه له ولياً، ويقربه نجياً، وعند أحمد عن عقبة بن عامر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة).

    وغلقت الأبواب
    وصلت هذه المرأة إلى آخر وسيلةٍ لتحقيق مرادها، وتنفيذ رغبتها الآثمة فغلقت الأبواب..ولم يقل الله تعالى (أغلقت) بل {غَلَّقَتِ} والكلمة لها قوتها وجرسها الدال على شدة حرصها على سد أي مكان يمكن له الهرب منه، أو يمكن لمن في الخارج الاطلاع على ما يحدث في الداخل، وهذا يشعر أنها لما يئست، ورأت منه محاولة الانصراف والتمنع والتعفف، أسرعت في ثورة نفسها مهتاجة تتخيل القفل الواحد أقفالًا عدة، وتجري من باب إلى باب، وتضطرب يدها في الأغلاق، كأنما تحاول سد الأبواب لا إغلاقها فقط، وإغلاقها الأبواب لا لمنع الخارج من الدخول فحسب بل لمنع الداخل من الفرار، وهي صورةٌ عجيبة تدل على مدى شعورها بنفرة الشاب من حمأة الشهوة المحرمة التي تردت فيها هذه المرأة، كما تدل على مكرها الكبار وظنها أنه عندما أحكمت الإغلاق فإن الشاب لن يجد سبيلاً للفرار فتخور قواه، ويضعف أمام غواية الفجار، وسيلين أمام قوة الشهوة الجسدية.
    إن تفكيرها فقط يدور حول ذلك.. لم تعلم أن هناك أنواراً ربانية تحرس المخلصين، وحصناً من خشية الله تعالى يحمي المحسنين.

    وقالت هيت لك
    ثم فجأته بظهورها في زينتها، وأغرته بتبرجها وبحركاتها، ويا لحركات الأنثى إذا استشرفها الشيطان وغاب عنها خوف الرحمن، لكن الشاب ظل على استعصامه بربه، وخوفه من خالقه، فأحبطت وقامت تصرح بما ظنت أن جسدها ينوب عنها في الكلام، ويقطع من المتمنعين الفرار والاعتصام، فقالت: تهيأت لك لتصنع ما شئت.

    ويصور الرافعي عظمة يوسف عليه الصلاة والسلام هاهنا فيقول: "ومعناها في هذا الموقف أن اليأس قد دفع بهذه المرأة إلى آخر حدوده، فانتهت إلى حالة من الجنون بفكرتها الشهوانية، ولم تعد لا ملكة ولا امرأة، بل أنوثة حيوانية صرفة، متكشفة مصرحة، كما تكون أنثى الحيوان في أشد اهتياجها وغليانها.

    هذه ثلاثة أطوار يترقى بعضها من بعض، وفيها طبيعة الأنوثة نازلة من أعلاها إلى أسفلها. فإذا انتهت المرأة إلى نهايتها ولم يبق وراء ذلك شيء تستطيعه أو تعرضه".

    رابعاً: (معاذ الله)
    لما ضجت جدران البيت من هذه الجرأة الآثمة بقول امرأة العزيز {هَيْتَ لَكَ}، لجأ يوسف –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- إلى معالجة الأزمة العظيمة التي تريد امرأة العزيز الإيقاع به فيها، فلجأ هو كذلك إلى التصريح بأعظم ما يعصمه، والبيان بأقوى العبارات التي تحميه، فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ} فقد هداه الله تعالى ليبين لنا أعظم الوسائل فعالية لمعالجة مثل هذا الخطر: التصريح والتكرير بما يدور في النفس وما يجول به التفكير، فلا يقف الإنسان صامتاً يظن أن مجرد الشعور بحرمة مثل هذا الفعل المجرم كافياً للحماية من حبائل الشيطان، فهنا ازداد ظهور عظمة الرجولة السامية المتمكنة في معانيها، فقال يوسف: {مَعَاذَ اللَّهِ} لينبه ضمير المرأة في المرأة، وليؤكد على معاني اليقين والخوف من رب العالمين في نفسه، وطلب حماه من عبث الشياطين، وهذه الكلمة المباركة مفتاح لكل عصمة، تلوح بها أعظم رحمة ونعمة.

    ونساء الأرض لما أن بدت .. .. أقبلت نحــوي وقالت لي: إلـيا
    فتعاميـت كــأن لم أرهــــــا .. .. عندما أبصرت مقصودي لديا
    كيف ألقى الله ربي آثمــــــاً .. .. يوم حشـر الناس إذ غُلَّت يديا
    بئســت اللــذة إن كان بـهـا .. .. غضب الجبــار والسخط عليا
    فمعــاذ الله هــاذي صــيحة .. .. قالــها يوسف.. قلــها يا أُخَـيا
    -----------------------------------------------
    صرخات مؤلمة محزنة، لم تعد تطلق بين الحين والحين، بل شملت الزمان، وملأت الأرجاء والأجواء وكل مكان، تنادي على من يمكنه المساعدة، وتطلب مد يد العون للخروج من وحل زلت فيه القدم ولم يعد لصاحبها قدرة على الخروج، فكلما حاول ازداد تعلقا بالوحل وفي الوحل.. فهو يصرخ وينادي على من ينقذه أو يأخذ بيده ويخرجه..

    نداء من قلوب حزينة لمراهقين ومراهقات، وشباب وشابات، بل لأزواج وزوجات، أغواهم الشيطان ونصب لهم شباكه حتى وقعوا في حباله، وعلقوا في أوحاله، فلما أدركوا أن طلب الأنس أوقعهم في صحراء الوحشة، وأن الألم حل محل اللذة، وأن الضيق والضنك والحسرة حلت في القلب بدلا من حلول السعادة والمتعة، فلما ضاقت القلوب، واستوحشت النفوس، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، راحوا يجأرون ويصرخون ويرسلون إلى من تؤمل منه المساعدة.. أنقذونا أدركونا أخرجونا من جب العذرة.

    رسائل لا تحصى، واستغاثات لا تعد، لكنها في النهاية كأنها واحدة.. كلهم أو كلهن يقول:
    "أنا شابة أو شاب (وأحيانا يقول: "محافظ، ومن أسرة متدينة").. كانت حياتي مشرقة واهتماماتي متعددة.. لم أكن عاديا.. فقد كنت طموحا أرتقب الفرص، وأبادر في الخير، فاعلا في المجتمع، محبوبا ممن حولي، كل شيء كان جميلا في حياتي الشخصية.

    حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم: حين وصلني رابط من مجهول، فتحته وتتبعت ما فيه، فانصدمت مما رأيت.. شاهدت صورا خليعة ومقاطع مخزية.. شعرت بالوحشة من أول وهلة.. فأغلقتها واستغفرت الله منها.. وتشاغلت بما حولي هنها. ولكن..
    بقيت الصور عالقة في ذهني.. وأحسست بالفضول نحوها.. وبالرغبة في الدخول عليها مرة أخرى.. هذه المرة أغلقت الباب والستار وتواريت عن الأنظار.. لتبدأ أولى خطواتي ومشواري مع الشيطان.. عبر تتبع المقاطع المخلة، والصور الماجنة الخليعة؛ حتى أدمنتها وألفتها، وتحولت من مجرد مشاهد إلى مدمن لكن مدمن قاذورات.

    أصبحت أتابع كل جديد، وأبحث عن كل غريب.. أصبحت جزءا من يوميات حياتي، أفرغ لها الوقت، وأهيئ لها الجو.. تستثيرني.. تستهويني.. تلهب حرارة جسدي.. وتحول كل شيء من حولي إلى مثير.. الأقارب، والجيران، ونساء الشارع، حتى الصغار لا يسلم منهم جميعهم خيالي.

    دقائق ماتعة صاخبة مثيرة، تثير حرارة الشهوة في جسدي، لكن يعقبها ندم وحسرة، واحتقار اللذات، أصبحت هذه الحرارة تؤرق بدني وتتعب جسدي، فلا تنطفئ إلا بالاستمناء، فوقعت في بلية أخرى جديدة ومعصية كبيرة.. وأخشى ألا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد أصبح الشيطان يؤزني على الرذيلة ويزينها لي، حتى أصبحت تلوح أمامي وأخشى من الوقوع فيها.

    أصبحت حياتي بلا ألوان، ووجهي بلا إشراق، ومع أني ما زلت أحاول أن أحافظ على صلاتي، إلا أنها أصبحت بلا خشوع، ونزعت منها كل لذة، ولم أعد أستمتع بها ولا بأي طاعة كما كنت من قبل.. أصبحت ثقتي بلا ثبات، كرهت نفسي الخادعة، وأشفقت على الناس المخدوعة التي تراني في النهار رجلا رائعا، وهي لا تدري أني في الخلوات أسامر الشيطان وأجالس الهوى والأفلام.

    صديق السوء
    استشرت صديقا لي فهون على المسألة وقال: كل الشباب كذلك، وهي مرحلة وستمضي، غدا تتزوج وتكفيك زوجتك بالحلال، استمتع فنحن ضحايا غلاء المهور، وصعوبة المعيشة، وجمود التقاليد والأعراف.
    أعجبني كلامه في البداية ولكن سرعان ما أدركت أنه عون للشيطان، وسرعان ما بددت فطرتي غبار ادعائه ومشورته.

    أرجوكم ساعدوني
    أرجوك ساعدني في الخروج من الوحل فقد سئمت القذارة.. ساعدني فهاتفي دوما في يدي، ونفسي ضعيفة، والمقاطع متيسرة والصور في كل مكان، والخنا والبلا يمكن الوصول إليه بضغطة زر.
    لقد سئمت حياة الشهوات، أريد أن أكون مؤمنا، أريد أن أكون طاهرا، أريد أن أكون إنسانا له قيمة.. لقد سئمت العيش كالبهيمة، أرجوك ساعدني.

    .. إلى هنا تنتهي الرسالة، وهي كأخواتها لا تختلف في مضمونها إلا في بعض التفاصيل التي لا تغير من حقيقة المشكلة، ولا من حجم المعاناة.

    الرد الجميل
    مرحبا بصديقي وأخي..
    مرحبا بالعائد، مرحبا بالتائب، مرحبا بالعاقل. رسالتك رغم مرارة ما فيها إلا أن دموع الندم قد تغسل المعاناة خلف أسطرك، والندم أول التوبة. فأسأل الله أن يتوب عليك.
    لكن سامحني يا صديقي؛ وتحملني إن قسوت قليلا عليك؛ فإني لا أجد لك عذرا، فيدك التي بحثت، وعينك التي نظرت، وقلبك الذي انقاد خلف شهوتك. وأنت الذي أطعت نفسك الأمارة بالسوء فنسيت ربك ووقعت في هذه المعصية المشؤومة. فعصيت ربك بما وهبك، وغفلت عما نهاك عنه، وما استحيت من نظره إليك واطلاعه عليك.

    . أما تستحي يا صديقي أن تعصيه بما وهبك، وتخالفه بما أمرك؟
    . أما تستحي من نظره إليك، وستره لك، وتفضله عليك؟
    . كم من محروم من البصر وأنت بما رزقت تعبث؟
    . كم من الأوقات أضعت وأنت وراء الرذيلة تلهث؟
    . أيسرك يا صديقي أن تموت وبهذه الهيئة تبعث؟

    . أترضى أن يراك من الناس من تحب؟
    . أترضى أن يراك من الناس من تخاف منه؟
    . أترضى أن يراك من الناس من تطـمع فيه؟
    . والدك، والدتك، أبناؤك، زوجك، صديقك، رئيسك، مرؤوسك، أو صاحب وجاهة في قومك؟.
    . لا أظنك ترضى أن يروك.. فهل ترضى أن يكون الله أهون الناظرين إليك؟

    .مؤلم يا صديقي ألا تستحي من نظر الله إليك..
    ومؤلم أن تتوقف عن متابعة المقطع ليس لأن قلبك قد تحرك،
    ليس لأن دينك قد تحرك،
    ليس لأن إيمانك قد تحرك..
    ولكن لأن باب الغرفة من الهواء تحرك.
    أما سمعت قول ابن عباس رضي الله عنك فيك وفي أمثالك: "يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ، لا تَأْمَنَنَّ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ، وَلَمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَلِمْتَهُ، فَإِنَّ قِلَّةَ حَيَائِكَ مِمَّنْ عَلَى الْيَمِينِ وَعَلَى الشِّمَالِ، وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ، أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَمِلْتَهُ، وَضَحِكُكَ وَأَنْتَ لا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ، وَفَرَحُكَ بِالذَّنْبِ إِذَا ظَفَرْتَ بِهِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ، وَحُزْنُكَ عَلَى الذَّنْبِ إِذَا فَاتَكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا ظَفَرْتَ بِهِ، وَخَوْفُكَ مِنَ الرِّيحِ إِذَا حَرَّكَتْ سِتْرَ بَابِكَ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ وَلا يَضْطَرِبُ فُؤَادُكَ مِنْ نَظَرِ اللَّهِ إِلَيْكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَلِمْتَهُ".
    أما بلغك قول ربك سبحانه واصفا حالك ومتحدثا عنك وعن أمثالك: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله هو معهم}.

    أتظن أن النظر إلى الحرام ذنب واحد؟
    لا والله... إنه ذنب في ذنب، بل ذنوب في ذنب.
    ظاهرة المعصية والشهوة، وباطنه سوء أدب وجرأة على الواحد الأحد.
    أغرك أنك لا تراه؟.. فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والله.. لو عظمته ما عصيته، ولو عرفت قدره ما استهنت بأمره.

    مؤلم يا صديقي أن تكون أمام الناس قديسا، وفي الخلوات زنديقا، مؤلم أن تحارب إبليس في الظاهر وأنت من أتباعه وأعوانه في الباطن.
    تحتجب عن الناس وتستحي منهم وتظن أنك في خلوتك وحدك. هيهات هيهات.
    إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل .. خلوت. ولكن قل علي رقيب
    ولا تحســبن الله يـغـفــل ســاعة .. ولا أن ما تخفــيه عنه يغـيب

    يا صديقي حرم الله النظر إلى المتعففات المتسترات، فكيف بالعاريات الماجنات؟

    النظر يا صديقي سهم مسموم من سهام إبليس يرميه من قوس الصور المخلة، والشهوة المختلة، فإن صادف قلبا أصابه في مقتل فيفتن ويفسد عليه دينه ودنياه، فيتوه الإنسان بين بصره المتحرك وقلبه المحرِّك، فإن فسد القلب أفسد البصر، وإن فسد البصر أفسد القلب.
    عجبا لمن يطلق بصره في هذه المواقع وتلك المقاطع، فلا هو استفاد ولا هو استراح.
    وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا .. لقلبك يومــا أتعبتك المناظــر
    رأيت الذي لا كله أنت قادر .. عليه ولا عن بعضه أنت صابر

    مثلك كمثل العطشان يشرب من ماء البحر يظن أنه سيرويه، فكلما ازداد شربا ازداد عطشا.
    وكمثل الجائع الفقير الذي يقف عند نافذة المطعم ليستمع برؤية الناس يأكلون، فلا هو على طعامهم قادر، ولا هو على جوعه صابر.

    هذه القاذورات مفسدة للدين، مشوشة للعقل، مدنسة للفطر.
    كل من يستشير فيها يقول: دمرتني.. أهلكتني.. ساعدوني.. أنقذوني من هذه الأفلام الساقطة الهابطة.
    لا إنها ليست أفلاما ساقطة ولا هابطة، إنها لم ترتفع يوما لتسقط، ولم تعلُ يوما لتهبط، بل خرجت من القاع واستمرت في القاع، هي نجس.. هي نتن.. هي قذر.. هي للتوافه مستقر.. هي متعة بمعصية تورث الضيق والوحشة وانتكاس الفطر.
    يفوت بسببها الرزق، ويفسد بدرنها القلب، وينسى بإدمانها العلم والحفظ، ويطفأ بظلمتها نور الوجه، ويثقل بحملها وزر الجسد عن عبادة الله، هي شؤم في شؤم، وفساد وإفساد، ليس فيها من المنفعة ذرة، بل هي عذاب في الدنيا وخزي يوم الحساب.

    خدعوك فقالوا
    خدعك من يقول: "إنها مرحلة من الشباب ستمضي"، لا والله.. فالموت لا يعترف بالأعمار، ولا يلتفت للأعذار.

    خدعك من يقول: "إنها عادة وستزول بعد الزواج".. فوالله ثم والله إن كثيرا من الأزواج قد ابتلوا بها قبله فما استطاعوا أن يتركوها بعده، بل إن أعظم آثارها يقع بعد الزواج حتى في أخص ما طلبت من أجله. فشؤم المعصية يلزم صاحبها إن لم يتوله الله برحمته وفضله.

    يعاني منها صاحبها بعد الزواج أعظم مما كان يعاني قبله؛ لأن هذه المقاطع ترسم في عقل الشاب أو الفتاة مستوى طموح ومعايير للرضا لا وجود لها في الحقيقة، إلا عند هؤلاء الساقطين، فإذا تزوج وأراد أن يستمتع بالحلال قفزت تلك الصور في عقله لتحدد له مدى الموافقة والمطابقة بين الواقع والمتوقع، فإذا لم يجد ما كان يرى من فجر وانحلال، يزهد فيما عنده من طيب حلال، ويطمع فيما ليس عنده في الخيال، حتى يفقد اللذة، وتصعب عليه الاستثارة.. فيبدأ بمطالبة الطرف الآخر بأن يفعل ويقول ويطبق ما كان يسمع يشاهد ويستمتع به؛ لعل واقعه يقترب من واقع تلك المقاطع والمشاهد. وهيهات.. أنى للشريفة العفيفة المؤمنة أن تفعل ما تفعله الساقطة الفاجرة الكافرة العاهرة؟؟ فيزهد في أهله فربما يطلقها، أو يبقى على حاله فيعيش في ضيق وضنك وغم وهم؛ وهكذا تفعل الذنوب بأربابها وخاصة هذه البلية.

    وربما تطور الأمر فبالغ في البحث عن كل جديد وشاذ من الحركات والطرائق والأقوال، فإن استجابت زوجته تحول الجنس إلى نجس تدنس فيه الفطرة، وإن امتنعت تحول الجنس إلى سجن تحبس فيه المتعة، فيضاجع زوجته بجسده ويجامع صاحبة المقطع الذي في عقله، فلا بالحلال استمتع ولا عن الحرام أقلع. والله المستعان.
    ولو أردت أن أزيدك من مفاسدها وآثارها القبيحة والمدمرة بعد الزواج لطال المقال، وضاق المجال..

    لكني أنصحك لله نصيحة.. أسرع .. وأقلع. فإنما أنت المريض وأنت الطبيب، داؤك فيك ودواؤك منك، أنت من يفعل وأنت من يقلع، وأنت من يقرر. فأرجوك توقف.

    توقف توقف
    توقف عن متابعة الحساب قبل أن توقف للحساب. توقف قبل أن تكون لحظة دخولك للمقطع هي لحظة خروجك من الدنيا.
    توقف قبل أن يهتك الله سترك، ويفضح بين الخلائق أمرك.
    توقف ما دام في قلبك نبض، ما دمت فوق الأرض، ما دمت تستطيع التوبة قبل يوم العرض.
    توقف الآن.. فالأمر ليس فيه تدرج وانتظار، والموت يأتي بغتة فإما إلى جنة وإما إلى نار.
    توقف الآن.. فالصادق يوفق، والتائب يقبل، والعازم يعان.

    الحلول
    بيت النية بالتوبة، واعزم على الأوبة، وأقلع عن الذنب بلا عودة. فإن هممت بالرجوع ودعاك رسول الفضول فإليك بعض الحلول:
    . احذر على نفسك من عينيك، فإن النظر وقود الشهوة والشهوة غطاء العقل.
    . اشغل نفسك بما يفيد؛ فإنك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
    . احذر الخلوة قدر الإمكان، فإن حدثتك نفسك فقم مسرعا من هذا المكان، أو اتصل بصديق محب، أغلق هاتفك، افتح مصحفك، استشعر وجود الله ورؤيته.
    . تخلص من كل ما يدعوك للعودة، من صور فاضحة، ومقاطع مخزية، أو محادثات، وخصوصا رفاق السوء، ودعاة الرذيلة.
    . جاهد نفسك على غض بصرك، وحفظ نظرك، وتعاهد قلبك ونفسك... فكل زمن الجهاد في الغض لحظة، فإن فعلت نلت الخير الجزيل، وسلمت من الشر الطويل.
    . تخلص من خواطر السوء، فإنما البداية خطرة فنظرة فخطوة فخطيئة فاقطع دابرها من أول الطريق تسلم من عواقب الشر في آخره.. {يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.
    . استحضر نعم الله عليك، واطلاعه عليك، وقدرته عليك، واحذر سخطه وعقوبته.
    . حافظ على صلاتك وواظب عليها، وصل لله بخشوع؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
    . تزوج ـ إن كانت عندك قدرة ـ فهو أغض لبصرك وأحصن لفرجك، أو خطط بجدية للزواج وستجد الإعانة من الله والسداد. فإن لم تقدر فعليك بالعلاج النبوي بكثرة الصيام، مع مراقبة الديان.
    . ادع الله كثيرا، واستعن به، واسأله محبته؛ فإنك إن أحببته سهل عليك اجتناب ما يكره، واسأله الحياء منه فإنه من أعظم النعم.
    . لا تستسلم، ومهما حدث فأقبل بقلبك على ربك، وتذكر قول الله جل جلاله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا}.
    . مهما فعلت فهو ربك وأنت عبده، وخلق من خلقه، داخل في قوله، وسائر في حكمه فلا تقنط، مهما كنت في الذنوب تسقط، فلو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرته لغفر لك ولا يبالي.
    . قم للتوبة، واعزم على الأوبة، وأحرق سفن العودة، وأقبل على ربك قبل أن يطوى زمن القبول، ووقت الإمكان.

    أسأل الله لي ولك ولكل مبتلى أن يعافيه الله، وأن يلهمه رشده، ويوفقه للتوبة والأوبة، وأن يغفر له ويتوب عليه.
    ------------------------------------
    يومٍ القيامة يوم طويلٍ قدرُه، عظيمٍ هَوْلُه، شديدٍ كَرْبُه، يجمع الله فيه الأوَّلينَ والآخِرين؛ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم:31].

    وقد حذَّر الله عباده من هذا اليوم وأهواله، وأمرهم بالاستعداد له؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}(الحج:1ـ2]. وقال تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}[المزمل:17].

    وعن المِقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [تُدْنَى الشمس من الخَلْق، حتى تكون منهم بمقدار مِيل؛ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق؛ فمنهم مَنْ يكون إلى كَعْبَيْه، ومنهم مَنْ يكون إلى رُكْبَتَيْه، ومنهم مَنْ يكون إلى حِقْوَيْه، ومنهم مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَق إلجامًا](مسلم).

    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يَعْرَق الناسُ يوم القيامة، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويُلْجِمُهم حتى يبلغ آذانهم](البخاري ومسلم).

    في ذلك اليوم العصيب يبحث الناس عن ملجأ يحميهم أو ظل يقيهم من حر هذه الشمس الحارقة، فلا يوجد يومئذ إلا ظل الله الذي يظل به من يشاء من عباده، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أصناف يظلهم الله في هذا اليوم المهيب.
    ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: [سبعةٌ يظلُّهم الله - تعالى - في ظلِّه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عَدْلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عبادة الله، ورجلٌ معلَّقٌ قلبُه في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شِماله ما تُنفِقَ يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عيناه]. فكان من هؤلاء السبعة شاب نشأ في عبادة الله.

    لماذا الشباب
    وإنما الحكمة في تخصيص هذا السن وكون الشباب الصالح أهلا لهذا التكريم والثواب العظيم، أن عبادة الله على الشيخ الكبير الذي تنتابه الأمراض سهلة ميسرة في الغالب، لكنها على الشاب الصحيح صعبة ثقيلة، لطول أمله واستبعاده الموت، ولكثرة المغريات، وخاصة في هذا العصر، وللصحة الجسمية في بدنه، ولغلبة داعي الشهوة عليه، وقلة الحنكة والتجربة والتعقل الذي يكبح جماح الهوى، مع اعتقاده بطول العمر وفرصة التوبة. يقول ابن رجب رحمه الله في شرحه على صحيح البخاري: "إن الشباب داع للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا ولذاتها المحظورة فمن سلم منه فقد سلم".
    وقال المناوي في فيض القدير: "خصه (يعني الشباب) لكونه مظنة غلبة الشهوة وقوة الباعث على متابعة الهوى، وملازمة العبادة مع ذلك أشق وأدل على غلبة التقوى". اهـ.

    مفهوم العبادة
    وعندما نقول "نشأ في عبادة الله" ليس مقصودنا أنه جلس في زاوية في مسجد يتعبد، أو قعد في بيته يصلي ويقرأ القرآن، أو أمسك مسبحة وقعد يعد عليها قدر ما يذكر الله تعالى.. ولا نقصد أيضا أنه تخلى عن الحياة الدنيا وفارقها وهجر أهلها ومعتركها لأجل الفوز بالآخرة.

    وإنما نعني العبادة بمعناها الصحيح، وهي: كل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، العبادة التي يستعمل فيها جسمه وروحه ووقته وماله وما أنعم الله به عليه في مرضاة ربه وخالقه، وبذلك استحق أن يظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

    عندما نقول "شاب نشأ في عبادة الله" فإننا نقصد ذلك الطالب في مدرسته وفي جامعته يطلب العلم لينفع نفسه ودينه وأمته، فالعلم من أعظم أنواع العبادة، نقصد ذلك البار بوالديه يسعى في إرضائهما لينال بذلك رضا ربه ومولاه، نقصد ذلك الأب الشاب الذي يسعى لتربية أبنائه وصغار إخوانه، ونفع أمته، نقصد ذلك الذي خرج يسعى لطلب رزق يكفي به نفسه، أو ينفق على عياله أو والدين كبيرين، أو زوجة وأطفال صغار.

    إنه شاب وفَّقَهُ الله منذ نَشأ للأعمال الصالحة، وحبَّبها إليه، وكَرَّه إليه الأعمال السيئة، وأعانه على تركها: إما بسبب تربية صالحة، أو رِفْقة طيبة، أو غير ذلك؛ وقد حفظه الله ممَّا نشأ عليه كثيرٌ من الشباب من اللهو واللَّعب، وإضاعة الأوقات والصلوات والواجبات، والانهماك في الشهوات والملذَّات، وقد أثنى الله على فتية الكهف بقوله: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}(الكهف:13).

    إن الشاب الذي نشأ في عبادة الله هو ذلك الجندي في الميدان، والتاجر في السوق، والفلاح في المزرعة، والطبيب في المستشفى، والمهندس والعامل في المصنع، والعضو الصحيح في المجتمع، وهو الذي إذا دعي إلى الخير أجاب ولبّى، وإذا سمع الشر أو رآه سعى لنصح مرتكبيه باللسان والكتابة باليد، وإن كان ممن يقع عليه الإنكار باليد ويستطيع ذلك فإنه يقوم به خير قيام، فإن فقد القدرة والنصير من البشر كان منكراً له بقلبه إن لم يستطع بلسانه .

    لقد علم أنه مسؤولٌ عن شبابه فيما أبلاه، فعمل بوصية نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها؛ "فاغْتَنِم شبابَه قبل هَرَمِه، وفراغَه قبل شغله، وحياتَه قبل موته، وصحتَه قبل سقمه، وغِنَاه قبل فَقْره".

    فهنيئا لهذا الشاب الذي ملك شهوته، وغلب صبوته، وأحسن نشأته، إكرام الله له وحفظه إياه وتوفيقه له.

    هنيئا لمن تعلّق قلبه بعبادة ربه منذ نشأ، واعتاد المساجد لتأدية الصلوات المكتوبة، وللجلوس في مجالس الخير، وعمل الصالحات، وقراءة القرآن وذكر الله، والسعي في طلب رضا الله.

    هنيئا لمن هداه الله إلى الطريق الصحيح السليم منذ بداياته وألزمه طاعته؛ فإن من تعوّد الطاعة في صغره كان أقدر عليها في كبره، ومن أتبع نفسه هواها وقاده الشيطان بزمام الشباب إلى الذنوب والمهالك، ندم حين يشيخ ولات ساعة مندم، ومن تاب تاب الله عليه ولكن شتان بين الفريقين.

    فجدير بشاب هذا شأنه أن يكون آمناً إذا فزع الناس أجمعون، وأن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
    اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
    islamweb








                  

09-24-2019, 01:09 AM

محمد أحمد الريح

تاريخ التسجيل: 01-22-2008
مجموع المشاركات: 3051

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إلا أن يتغمدنا الله برحمته... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)



    [QUOT

    فإَنَّ العبد لَا يَزَالُ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ حَتَّى يَهُونَ عَلَيْهِ، وَيَصْغُرَ فِي قَلْبِهِ وعينه، حتى لا يراه شيئا، ولا يخاف عقوبته ولا عاقبته، وَذَلِكَ عَلَامَةُ الْهَلَاكِ، فَإِنَّ الذَّنَبَ كُلَّمَا صَغُرَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ عَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ.


ألا زلت فى ضلالك القديم؟ تشتم الناس وتنتهك أعراضهم ولا تستحى من الله ولا ترتدع بما يكتبه قلمك وتنشره ولا تطبّقه على نفسك! أشكوك إلى الله صباح مساء.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de