النظام الرئاسي هو الأمثل لحكم السودان في المرحلة المقبلة
يتطلع الشعب السوداني بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية الحالية إلى حكم يتميز بالإستقرار وإلى حكومة لها المقدرة على إتخاذ القرار وتنفيذ برنامجها الإنتخابي للنهوض بالبلاد من وعكتها التي ألمت بها بُعيد الإستقلال في عام 1958 وفاقمتها فترة حكم نظام الإنقاذ الذي امتد لثلاثين عاماً. حُكِم السودان خلال فترات الحكم الديموقراطي الوجيزة بنظام برلماني إتسم بالديكتاتورية الحزبية وبالصراع بين الأحزاب الحاكمة مما تسبب في عجز هذه الأحزاب عن حكم البلاد ومهد الطريق لتربع الأنظمة الديكتاتورية في كرسي الحكم لعقود عديدة. فهل يصلح النظام البرلماني السابق لحكم السودان بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية الحالية والتي تمتد لثلاثة سنوات؟
لابد لنا في البداية من الإشارة إلى أن التصويت في الأنظمة البرلمانية لا يعني التصويت لصالح البرنامج الذي يرتضيه الشعب، إذ يصوت الناخبون للمرشحين الذي يتكون منهم البرلمان لاحقاً. يتكون هذا البرلمان من أحزاب متعددة ومختلفة في رؤيتها وفي برامجها وفي الكيفية التي يتم بها تنفيذ هذه البرامج. ويكفل الدستور مهمة تكوين الحكومة للحزب أو الإئتلاف ذو الأغلبية البرلمانية. وفي كثير من الأحيان قد يستغرق تكوين الحكومة بضع أشهر حتى في الديموقراطيات الراسخة، بل وقد يستغرق ذلك أكثر من سنة في الديموقراطيات الحديثة. وإذا لم تتمكن هذه الإحزاب المتحالفة من تكوين حكومة فسوف تجرى إنتخابات جديدة تمكن من تكوين حكومة إئتلافية. وحتى إذا نجحت هذه الأحزاب المتحالفة في تكوين حكومة إئتلافية فإن برنامجها سيكون غير فعال ومتناقض نتيجة محاولة للتوفيق بين الرؤى المتابينة لهذه الأحزاب. وقد تختلف الأحزاب المتحالفة فيما بينها فتنسحب بعضها من الحكومة مما يضطر الحزب ذو الأغلبية البرلمانية إلى تكوين تحالفات جديدة ببرامج جديدة أو الدعوة إلى إنتخابات مبكرة.
في ظل العدد المهول من الأحزاب التي تطمح في حكم البلاد بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية سوف لن يتمكن أي حزب من تحقيق غالبية برلمانية وهو ما سينتج عنه حكومة إئتلافية تتكون من عدة أحزاب متباينة في رؤاها ومتلهفة فقط إلى السلطة. وسينتج عن ذلك برنامج مهترئ وغير متوازن وسيكون مصيره الفشل. وسيكون على رأس هذه الحكومة وزراء ومسئولون غير أكفاء بسبب المحاصصات الحزبية لأن هذه الإحزاب ستسعى إلى إقتسام السلطة فيما بينها ليزج كل حزب بزعمائه غير الأكفاء لشغل هذه المناصب الحساسة كما حدث في الديموقراطيات السودانية السابقة. وسوف تتنافس الأحزاب الحاكمة في منح التسهيلات التجارية لتجار ورأسمالي أحزابها الذين يمدونها بالمال الذي يعينها في شراء أصوات الناخب، وهو الأمر الذي كرس في الماضي لإقتصاد الإحتكار الذي تسبب في الضوائق المعيشية.
وغالباً ما تتسبب الخلافات التي قد تحدث بين هذه الإحزاب في إنسحاب بعض هذه الأحزاب من الإئتلاف الحاكم مما يتسبب في تكوين إئتلافات جديدة تنسف بالبرنامج السابق وتأتي ببرنامج جديد ومسئولين جدد. وإذا عجز الحزب ذو الغالبية البرلمانية عن تكوين إئتلاف جديد فسيتسبب ذلك في إنتخابات جديدة ترهق ميزانية الدولة الشحيحة أصلاً لتتكرر ذات اللعبة من جديد. ولعنا نذكر أن الخلافات الحزبية التي اتسمت بها فترات الحكم الديموقراطي السابقة كانت السبب الرئيسي وراء الإنقالابات العسكرية التي أطاحت بهذه الأنظمة. ولعلنا نذكر كيف سلم عبد الله خليل السلطة لنظام عبود عام 1958 عندما تفاقمت الخلافات بين الأحزاب داخل أنفسها وفيما بينها. فإذا حدث مثل هذا العمل عندما كانت الأحزاب تعد بأصابع اليد الواحدة فما بالك عندما يتنافس قرابة المائة حزب على السلطة في الإنتخابات القادمة؟
كما أن أغلب الإحزاب التقليدية التي تطمح في حكم البلاد مستقبلاً يقبع على رأسها قيادات ديكتاتورية استمدت شعبيتها من الولاءات الجهوية والإثنية والدينية التقليدية. وتوارثت هذه القيادات الحكم جيلاً بعد جيل حتى ارتبط اسم هذه الأحزاب ببيوت بعينها وأسست لدكتاتورية حزبية لا تختلف شكلاً ومضموناً عن الدكتاتوريات العسكرية التي حكمت السودان بعد نيله الإستقلال. سيكون حتماً مصيرنا الفشل إذا اعتمدنا النظام البرلماني لحكم السودان بعد انقضاء الفترة الإنتقالية وسوف يغرق السودان في بركة الوحل وقد يؤسس ذلك لحروب أهلية وتفتيت أوصال البلد وتقسيمها ويمهد لحكم دكتاتوري جديد يستلم السلطة بدعوى إنقاذ البلاد من فشل الأحزاب والديموقراطية.
إن السودان في أمس الحوجة اليوم إلى نظام رئاسي ينتخب الشعب فيه رئيسه إنتخاباً حراً ومباشراً بناءً على البرنامج الذي طرحه ذلك الرئيس والحزب الذي ينتمي إليه. وبما أن هذا الرئيس أختير بواسطة أغلبية الشعب فلابد من أن يتمتع بصلاحيات واسعة تمكنه من تعيين وفصل وزرائه وشاغلي المناصب الدستورية الأخرى. ولابد أيضاً أن يتمتع هذا الرئيس بحق الفيتو في ظل المعارضة البرلمانية إلا إذا اعترض ثلثا أعضاء البرلمان على بعض قراراته أو سياساته. هكذا سنضمن إختيار حكومة قادرة على تنفيذ البرنامج الذي صوتت له غالبية الناخبين، حكومة كفاءات تخلو من المحاصصات الحزبية وتضمن عبور البلاد إلى بر الأمان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد الوهاب السناري
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست