مصير حميدتي..

Quote: في فترة الحكم الأموي ، إشتهر بعض (الصعاليق) التي تعني الفقراء ، ومنهم (أبو حردبة بن أثال المازني) ، و الراجل دا كان بتميز بحاجتين ... بحظه السيئ ، و حبه للحمير . فأنضم لي قطاع طرق عشان يشتري حمار ، لكن الطريف انه كل ما اشترى واحد ، بشوف حمير جيرانه أجمل و أفضل من حماره . لحد ما يوم اشترى حمار قوي و صبور ، فأعجب بيهو و بقى ينشد فيهو الأشعار بعد ما اتفتن بصبره و قوته و ادائه . وفي يوم اخذ (ابو حردبة) الحمار لي راس البيت قال يشوفو المنطقة من فوق ، عشان الحمار ما يروح في المستقبل . بعد ساعات حاول إنزال الحمار من راس البيت ، لكن الحمار أُعجِب بما هو عليه ، و رفض النزول ، فحاول استدراجه بشتى الطرق لكنه فشل . فقرر انه يقطع عنه الأكل و الشراب لعله يغير رأيه و ينزل ، لكن الحمار الصبور أصر على مكانه و مكانته الفوق ، و بدأ يجري ويدور في سطح البيت المتهالك المكون من الطين و القصب ، فسقط السقف و الحمار على (ابو حردبة) ، و هرب الحمار . ١- الخطة : أكتر حاجة بتنقصنا كناس عاديين هي قصر نظرنا ، للأحدثا المستقبلية ، و دي حاجة طبيعية غالبا ، لأنه طموحنا ما بصل لمرحلة السيطرة على بلدان و مصائر البشر .. في مقالنا السابق ( موسم الهجرة الى القاهرة) أكدنا حقيقة انه الغرب ، حيفرض (صلاح قوش) كأحد الخيارات الحتمية لسيادة الدولة ، رغم انف (حميدتي) و زبانيته . و هاجمني العديد من القراء ، وهذا شيء متوقع ، و من حقهم .. نسبة لجهلهم ببواطن الأمور و أبعاد المؤامرة . و اليوم مقالنا حيرجعك لبداية الخطة ... خطة السيطرة على السودان .. بكل ابعادها ، و المشاركين فيها .... و ادوارهم . بإختصار الخطة بدأت بعد حادثة إغتيال (مبارك) ، و إنكشاف تفاصيلها المخجلة ، و اللي حنتناولها في واحد من مقالاتنا بالتفصيل ان شاء الله ... فالولايات المتحدة و الغرب بدأت تنظر لنظام الإنقاذ و (البشير) بعين الفائدة ، فدكتاتور و راعي إرهاب يمكنك الإستفادة منه أكتر من الإطاحة بيهو ، و في السر بدأ تعاون استخباراتي واسع النطاق بين المخابرات الأمريكية ، و السودانية . و تدفق سيل من المعلومات اندهشت حتى امريكا من دقتها و تنظيمها ، و فعاليتها ... فكانت اول قراراتهم هي تخطي هرمية جهاز المخابرات السوداني و التعامل مع منسقها مباشرة .. و اللي هو (صلاح عبد الله قوش) ، أمريكا بنظرة ما وجدت ضالتها في الرجل ، فهو من الطراز عديم الرحمة ، و الاخلاقيات ... و متفان في عملو للأخر ، و يمتاز بقدرته على استيعاب المتغيرات السياسية و التماهي معاها بما تقتضيهو المرحلة . قبل ما تتهمني بتلميع (قوش) زي ما درج بعض الاخوة . الوصف الفوق دا ورد في مذكرات (برينستون ليمان)"²" ... منسق العلاقات الخارجية للمخابرات الأمريكية في مذكراته قبل وفاته . الولايات المتحدة وضعت ٤ رجال في مصر و السودان كخيارات مستقبلية ... (قوش) و زميل دراسته (محمد عطا )و (عباس كامل و عمر سليمان) ... فالرجال جميعهم كانوا من نفس العينة . في ٢٠١٢ ارسل (قوش) رسالة عاجلة (لبرينستون) يطلب مقابلته في اسرع وقت ... و تمت المقابلة في منتصف العام ٢٠١٢ بفندق وسط القاهرة ، كانت برعاية المخابرات المصرية العامة و السي آي اي . (قوش) نقل (لبرينستون) وجود حالة تململ في الجيش تجاه القيادة و احتمالية قيام إنقلاب عسكري للإطاحة (بالبشير) ... و إنه على اتصال بقادة الانقلاب ال ١١ من العسكريين ، و لأنها فرصة ليهو يتسيد السلطة و يكون رجل أمريكا الأول في القرن الأفريقي ، و بداية ارجاع مشروع (بطاريق الإستواء) اللي فشل بإقامة قواعد امريكية على سواحل البحر الأحمر . المهم وافق الأمريكين على دعم الإنقلاب و قادته . لكن الصدفة لعبت دورها لما اكتشفت الحكومة المحاولة ، فتم إخطار (قوش) بالإبتعاد عن العسكرين قبل يوم من الأحداث ... تدخلت أمريكا لإخراج من الورطة لاحقا و حدثت الأمور كما نقلناها في مقال ( وكر الأفاعي).... فأمريكا لن تتخلى عنه بهذه البساطة ، و هي اللي دعمته للإنقلاب على (البشير) مؤخرا . ٢- حمار ابو حردبة: الصدمة التي أصابت أمريكا برفض الشارع (لقوش) ادت لإبعاده مؤقتا عن المشهد ، فما كان من دول الخليج الا أن دفعت برجلها (حميدتي) الى تسيد المشهد ، و أخذته الى السطح ، لعله يعرف الطريق و ما يتوه جوه القرية . لكنه سرعان ما عجبو المنظر و رفض ينزل ، و بقى يجري في السطح المتهالك من ركن ادارات أهلية ، لي ركن لقاءات جماهيرية ، و لحد ما اضطر (قوش) يقطع عنه بعض من غذائه و يقع في حفرة فض الإعتصام . - في ناس كانت بتشوف (حميدتي) لا يقهر ، و لا يمكن السيطرة عليه ... لأنه رجل قوي و عنده مقاتلين ، و اموال ... لكن نفس نقاط القوة بتاعته اللي خلتو يتأهل بسرعة و يبقى اول رجل في السودان دي هي نفس نقاط ضعفه و كلنا بنعرف قصة (كعب أُخيل) "³" المقاتل الاغريقي الذي لا يقهر ، بسبب إغراق أمه ليهو في نهر (ستيكس) ، و كانت ممسكة بيهو من كعبه فلم يصل الماء للكعب ، و صار جسمه منيع ما عدا كعبه ، و عرف أعداءه نقطة ضعفه فقتلوه بسهم عادي في كعبه. و (حميدتي) رغم مناعته الظاهرية الا إنه بقود مليشيات مرتزقة لا ولاء لها إلا للمال فقط ... فالجنجويد ، ما عندهم عقيدة قتالية ، أو اخلاقيات . ولو في يوم توقف الدعم المحوري عن (حميدتي) و وضع في قائمة عقوبات اقتصادية و اغلقت أمامه الأبواب .. و بدأ نزيف خزانته من الاموال. فما حيلقى حتى أقرب الناس ليهو حوله .. و يمكن القوات دي تطيح بيهو لصالح أقرب من يدفع أكثر . ... في المقابل (قوش) عنده العديد من الأسلحة ، من دعم غربي ، و دول المحور بالتبعية و ، المال اللازم لخلق أو انهاء اي جيش عاوزو ، و أخطر اسلحتة على الإطلاق هي المعلومات ، و الأسرار القذرة البملكها ضد معظم السياسيين و العسكريين في السلطة و المعارضة . - و لما وصل (حميدتي) للقاهرة الأسبوع الماضي ، كانت كل أمنياته هي اقناع (السيسي) بعدم خطورته تجاه مصر ، و أمنها القومي . لكن المفاجأة كانت في الكوكتيل المميت اللي لقاهو جاهز و من تحضير الأعور . (فالسيسي) الكاره (لحميدتي) أخبره بصراحة و بوجود (عباس كامل) مدير المخابرات المصرية العامة.. و مندوب من السعودية و الإمارات ، و الموساد ... إنه أمريكا بتدعم (قوش) ، و إنه على (حميدتي ) الإلتزام بمكانه كقائد للمليشيات دي فقط و توفير المرتزقة وين ما طلب منو . و فعلا قام بتوفير ١٦٠٠ مرتزق فورا سافروا الى ليبيا لمساندة (حفتر) .... فالأمر هو من سيرضي سادته أولا . و إلا حتقوم أمريكا بتصنيفه كمجرم حرب ، و وضع قوات الدعم السريع في قوائم الإرهاب . في نفس الوقت تم توريط قواته في الأبيض في هجوم على الطلاب الشهداء ، لهم الرحمة ... و اللي انت ما عارفو انه القوة دي اتلقت عبر اجهزتها أمر من قيادة الدعم السريع بإطلاق النار مباشرة .. و الأن بضربوا أخماس في أسداس لمعرفة كيف صدر الأمر دا ، و حيروح الوالي و اللجنة الأمنية في داهية كأكباش فداء للحادثة دي . وكان درس (لدقلو) عشان يتذكر انه ممكن يتم اختراق قواته و شيطنتها في أي لحظة . و الراجل وعى الدرس تماما ، و عرف حجمه الطبيعي . و في وسط لعبة السيطرة و اثبات النفوذ دي ، بنفقد أولادنا و فلذات اكبادنا و تسيل دمائنا انهار في الشوارع - دا كلو عشان يجي (قوش) وزير دفاع او عضو مجلس سيادي يقوم بهيكلة الدعم السريع بما لا يفقد (حميدتي) السيطرة عليها. و سيأخذ (حميدتي) حقوق التعدين سرا في حلايب و شلاتين بالأخص في مناطق وادي ميسبة و غرب جبل أورجيم و جبل علبة ، ووادي دعيب ... الذهب حيكون من نصيبه ، و الماغنيزيوم من نصيب مصر ... و السماح بإستمرار تعاونه مع الروس اللي بيلتهموا في اليورانيوم التهام رهيب في مناطق عديدة بدارفور . و تواصل مشاركته في حرب اليمن . و يرجعوا الاوربيين يتعاملوا معاهو في مشروع مكافحة الاتجار بالبشر. بحسابات بسيطة بالنسبة ليهو ، دي صفقة ممتازة و رابحة ... فهو الأن مدرك تماما انه بدون قواته ، ما حيسوى شرو نقير ... ولو فقدها في لحظة ، حتكون نهايته في اللحظة البعديها . و وافق على الصفقة فورا دون استشارة (طه الحسين) ، اللي أصلا السعودية أمرته انه ما ينصح (حميدتي ). - بس اللي ما عارفو المسكين انه الصفقة دي لو رفضها خاسر و لو قبلها خاسر .. فبمجرد دخوله الى حلايب و شلاتيين كمنقب ، حيكون خائن وعدو في نظر الشعب السوداني ، ناهيك عن وصفه بالمجرم .. و ستستفيد مصر من كلب حراسة مجاني ، بدل ما يبقى فارس و يدخل ليعيد الأرض المغتصبة إلى أهلها , ويقلب الموازيين . و تستفيد من استخراج الماغنيزيوم مجانا برضو بدون ما تدفع فلس ، بجانب منع وجود المنقبيين غير القانونيين في حلايب . و كلها حبال و فخاخ بضعها (قوش) لمحاربة (حميدتي) ، عبر الظهور في شكل الصديق المنقذ و المساعد ... و وجود (قوش) في السيادي لفترة ٣ سنوات ، وقت كافي لرجل زيو انه يغير توجهات معظم المدنيين من قوى الحرية ... و إحتمالية انقلاب حتمي على الاتفاق في مرحلة ما . و يعيدنا لمربع الدكتاتوريات من جديد ... ايوة ماتزعل من كلامي .. يمكن يغير رأيها ... فهم مجرد بشر .. و في الوقت الحالي يمثلوني جدا ، بس أنا انسان واقعي و ما بخت أي مستحيل في السياسة. و من يظن إنه أمريكا تهمها حقوق الإنسان ، أو حرية الشعب السوداني ، فهو واهم . أمريكا تهمها مصالحها فقط ... وغدا أو بعده نرى نهاية (حميدتي) اذا استمر في الصفقة. صفقة ... الهلاك ، فكل و احد عنده دور في المسرحية دي ، و مجرد ما يخلص دورك ، بتنتفي الحوجة ليك . و زي كل مرة بحذر من عدم الإطمئنان للإتفاق مع العسكر ، و الانتباه أكثر للناس البيناتنا ... فالذئاب تتحالف عند الجوع و الشعور بالخطر . فالحرب لم تضع أوزارها بعد ... و طريق الثورة ممتد . ........................... مقالات قادمة : ١- الفساد ( مكتب الوالي ) حكاية غسان. الجمارك و هيئة الموانيء البنوك ( تحت حماية الرئيس) ٢- الأغتيالات : أغتيال محمد سيد حاج اغتيال مجذوب الخليفة اغتيال الزبير محمد صالح اغتيال جون قرنق ٣- الجرائم : جرائم الأمن الشعبي و قتل طلاب دارفور جرائم جهاز الأمن تعذيب و قتل السياسيين و المعارضين حوادث الإختفاء . ٤- بدرية سليمان (ترزي القوانين) ----------------------------- مصادر المقال: ١- ابو حردبة كتاب الصعاليك في العصر الأموي الجزء ٥٩ صفحة ٨٩. للكاتب محمد رضا مروة . ٢- تقرير مؤسسة نيو امريكا للكاتب جاستين لينش و نشر اعترافات برينستون ليمان في صحيفة ذا ديلي ميل ١ أغسطس ٢٠١٢م "Paying the Price for Apartheid" OpEd by Princeton N. Lyman, International Herald Tribune, January 5, 2010 (in print on Jan. 6, 2010 in The Herald Tribune)... ٣- اخيليس Robert S. P. Beekes, Etymological Dictionary of Greek, Brill, 2009, pp. 183ff - كتاب اخيليس للكتاب دورثيا سيغيل ، برونو بيلكمان ، آن لي