الوسيط الافريقي للسودان.. ماهو دوره في التفاوض؟

Quote: ولد لبات ليس كما يبدو يتمتع الموريتاني محمد الحسن ولد لبات مبعوث الاتحاد الأفريقي للسودان للتوسط بين فرقاء الازمة السودانية، يتمتع بسمعة أكاديمية كبيرة، فهو عميد سابق لكلية العلوم القانونية والاقتصادية ورئيس سابق لجامعة نواكشوط ودرس القانون كأستاذ زائر في جامعات إفريقية وفرنسية وكان ضمن لجنة من كبار فقهاء القانون تولت صياغة أول دستور تعددي في موريتانيا 1991. بهذه الخلفية الطيبة جاء ولد لبات إلى السودان، وسرعان ما أندمج في المجتمع السوداني فنال ثقة الجميع، فهو يعرف جيدا كيف يصنع العلاقات، ويتقرب إلى الناس، فهذه ملكة اكتسبها وأسهمت في صنع شخصيته. وما لا يعرفه الكثيرون أن للرجل صاحب الوجه البشوش، خلفية يسارية، فقد كان من كبار المناضلين والقادة في "حركة الكادحين"، التي أسسها محمد ولد سميدع وعدد من القيادات اليسارية من خلفيات ماركسية، وقد تأسست الحركة عام 1972، عقب ما عرف بـ "مؤتمر تاكاماجي"، وظهرت تلك الحركة كمدافعة عن الطبقات المسحوقة ولبروليتاريا "المزارعين والعمال والمانوفاتورا." وتمردت ضد ثقافة الإقطاع والقبلية التي كانت سائدة ما قبل تأسيس الدولة، وحاربت الفئوية، وناضلت بشكل خاص من أجل تحرير العبيد من الجلادين، وكان ولد لبات أحد هؤلاء المناضلين في صفوف الحركة. تقلبات المثقف لكن ولد لبات رمى بذلك التاريخ الحافل وأختار أن يدعم نظام ولد الطايع الذي جاء إلى الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1984 إلى 3 أغسطس 2005، وقد عهد ولد الطايع لولد لبات بترأس لجنة الأخصائيين القانونيين المكلفة بإعداد مشروع دستور 1992، وهو آنذاك رئيسا لجامعة نواكشوط قبل توليه حقيبة الخارجية، وصار ولد لبات من أكبر معاوني ولد الطايع الذي عرف عنه الشدة في الحكم وسحق معارضيه، وعلى الرغم من أن الطايع قد شكل نظاما تعدديا نوعا ما لكنه كان يقوم على حزب واحد، وقد رشح نفسه ثلاثة مرات للحكم، رغم أن الدستور لا يسمح بأكثر من مرتين، وقد وقف بن لبات إلى جانبه بقوة وقال قولة شهيرة دعما لولد الطايع عندما وقف في مدينة موريتانية معروفة اسمها "كيفه" وقال في مؤتمر تحضيري للانتخابات: "لو لم يترشح معاوية لمأمورية جديدة لرفعت عليه قضية في محكمة العدل الدولية وطالبت بمحاكمته"، وكانت تلك هي الدورة الأخيرة لمعاوية ولد الطايع دخلت بعدها البلاد في دوامات الانقلابات المسلحة. ومن المحطات الهامة في حياة ولد لبات، اضراب نواكشوط لطلاب الجامعة عام 1997 في ما عرف بسنوات الجمر في عهد ولد الطايع، فقد كان الاضراب عنوان لأزمة سياسية، كان ولد لبات حينها رئيس الجامعة، وقام بمجهودات جبارة لتفتيت الاضراب وافشاله، استطاع تفتيت وحدة الطلاب تدرجيا قبل أن تجتاح الشرطة الجامعة بطلب منه، وأستطاع ان ينجح في تحييد عدد من الطلاب الأفارقة عندما ألقى في روعهم أن الطلاب العرب سيتركونهم وحده، ومن المعروف أن المجتمع الموريتاني ينقسم إلى عرب وأفارقة، ولكن الاضراب استمر، ليقوم ولد لبات بمجهود آخر عبر الاشتغال على الاعتقالات، حيث قامت السلطات الأمنية بتوجيه منه باعتقال نحو 20 طالبا، ويقول أحد الناشطين الموريتانيين إن ولد لبات وضع قوائم بأسماء الطلاب الناشطين وعلقها على بوابة الجامعة، حيث كان يتم اعتقالهم من أمام الجامعة بواسطة الحرس الجامعي، كما أنه قدم إغراءات مالية لبعض الطلاب، وكان يقوم بنفسه بمناقشة الطلاب من أجل فض الاعتصام، وفي الأخير أعطى الضوء الأخضر للسلطات أن تتدخل في الجامعة عسكريا، حيث اجتاحت الجامعة وطوقتها بالعسكر، وفي نهاية الاضراب أخذ من الطلاب الوثيقة التي تحتوي على مطالبهم وقال لهم: " هذه العريضة المطلبية سأضعها في خزانتي وبعد 15 سنة سأثبت لكم أن ما كنتم تناضلون من أجله ليس سوى فرقعات صوتية"، كانت مطالب الطلاب متمثلة في تحسين البيئة الجامعية والرعاية الصحية والمنح الدراسية، كانت مطالب طلابية لكنها تماست مع الأزمة السياسية في البلاد، حيث سادت أجواء قمع شديدة، فبمجرد خروج الطلاب من الجامعة يتم سحلهم. وقد كان معاوية ولد الطايع يستخدم اليسار ويوظفه لأجل ضرب الإسلاميين"، حيث كان الصراع مشتد بينه والإسلاميين، لكن كثير من الجمعات اليسارية رفضت هذا الموقف وانخرطت في معارضة حكم ولد الطايع، بينما اختار بعض الأشخاص الوقوف إلى جانب ولد الطايع، وكان من بينهم ولد لبات. وقد عرف عنه استخدامه للقوة الناعمة بدهاء، ويصفه أحد الناشطين في الجامعة في تلك الفترة بالشخصية الداهية التي ترسم على وجهها ابتسامة وتخبئ خنجرا في ظهرها. ويقول أحد طلاب الجامعة في تلك الفترة: " شكل ولد لبات ميليشيات تتابع النشطاء وتهددهم، كما شكل أحلاف داخل الجامعة تعتمد على الجهة والقبيلة، وحاول نشر دعاية جهوية لتفريق الطلاب وهو ما فشل فيه، حاول بكل السبل البوليسية إفشال الإضراب وأغلب الموظفين النافذين في الجامعة آنذاك كانوا من المخبرين وحين يعطون أمرا باعتقالك تعتقل بعد دقائق "، ويقول آخر: "شخصيا كنت شاهدا على كل هذه التفاصيل، وتم اعتقالي داخل مكتب الامين العام آنذاك صلاح ولد لحبيب وتم اقتيادي منه مباشرة إلى الإدارة الجهوية، ولد لبات و موظفيه في تلك الفترة كانوا عمالا لدى إدارة الأمن". ويجمع غالبية الموريتانيين على أن عهد نظام ولد الطايع شكل ما يمكن وصفه بفترة "ازدهار الفساد" وانتشاره في جميع مفاصل الدولة، من المحيط المباشر للرئيس إلى أدنى درجة في هرم الإدارة، خاصة في سنوات حكمه الأخيرة، فالرجل كان قد بدأ مسيرة ديموقراطية إلى حد ما، حيث ازدهرت حرية الصحافة لكنها سرعان ما تراجعت وبدأ التضييق على الصحف والأحزاب السياسية، وقد ارتبط اسم ولد لبات بمادة أضيفت إلى الدستور الموريتاني، عرفت بالمادة 104، والتي وصفت بالسيئة الذكر، وهي التي ألغت جميع ترتيبات الدستور المتعلقة بالحريات، حيث أن هذه المادة لم ترد في مشروع الدستور ولم يصوت عليها الشعب. كما ارتبط اسم ولد لبات بخطاب البطاقة البيضاء الذي رفعه الرئيس الاسبق اعل ولد محمد فال حين حاول التحايل على الناس وسرقة وعيهم للمكوث في السلطة مدة أطول. وفي مطلع هذا العام وصف رئيس إفريقيا الوسطى محمد الحسن ولد لبات بـ “رجل الأخلاق المشكوك فيها” ورفض أن يكون وسيطا لحل الأزمة في بلاده.