ورطـة القضاء السوداني: محاكم الطوارئ ومجافاة العدالة
أصاب الذهول والامتعاض الشعب السوداني وكل العاملين الشرفاء في المجال العدلي داخل وخارج السودان جـراء الأحكام القاسية التي أصدرتها محكمة الطوارئ بإمتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم يوم السبت 9 مارس 2019 بالجلد والسجن في حق تسعة من بنات السودان الثائرات لمشاركتهن في مسيرات سلمية بالخرطوم. إننا في لجنة القضاة السابقين نـدين بأقوى العبارات إقحام السلطة القضائية في محاكم الطوارئ والتفتيش والتي تهدف إلى إخراس صوت الشارع وحقه في التجمع والتظاهر السلمي التي يكفلها الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها السودان.
لقد كان القضاء السوداني منحازاً لجانب الشعب في كل التطورات التاريخية حين بروز استبداد الأنظمة الشمولية، وكان منافحاً عن قيم الحق والعدل في كل العهود إلى أن جاءت الإنقاذ فعملت معول الهدم والتخريب وتجيير القضاء لصالح مشروعها السياسي ففصلت المئات الذين آثروا الوفاء للقضاء فانتظموا في تجمع يحافظ على هويتهم وعلى هدفهم السامي في بناء قضاء مستقل.
وفي الوقت الذي نشيدُ فيه بالمواقف الوطنية لقضاةٍ رفضوا الجلوس في تلك المحاكم الشوهاء، نشجبُ ونستنكر موقف القضاة الذين وضعوا انفسهم تحت سيطرة الأجهزة الأمنية يستغلونهم لإرضاء سلطة القهر والاستبداد وضلوعهم في إذلال الشعب واهانته مما يذكرنا بمحاكم العدالة الناجزة سيئة الصيت في أواخر عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري فذهب قضاة تلك الحقبة إلى مزبلة التاريخ ترافقهم لعنات الضحايا والمظلومين وابتعاد القضاة الشرفاء عنهم فصاروا كمن أصابه مرضٌ معدٍ يخشى الناس حتى النظر إلى وجوههم الكالحة الممتلئة ظلماً وجوراً ومسغبة.
إننا ندعو إلى عدم الزج بالقضاء في حماقات سياسات النظام الذي ذبح القضاء من الوريد إلى الوريد ففقد القضاء ثـقـة الشعب السوداني. كما ندعو إلى النأي بالقضاء بعيداً عن السياسات التي تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان وعلى رأسها تقويض مبدأ المحاكمات العادلة بما في ذلك اختيار محامي يمثل المتهم يكون من اختياره، وسماع شهود الدفاع، وعدم إيقاع عقوبة الجلد ناهيك عن تنفيذها آنياً دون انتظار نتيجة الاستئناف. ومن المفارقات التطبيقية أن عقوبة الجلد غير منصوص عليها في أوامر وقوانين الطوارئ. فبدلاً من أن يجتهد القاضي لتعزيز فرضية البراءة وقيمة التسامح والحق في التظاهر، فإنه يبتدع عقوبة الجلد إمعاناً في إذلال الثوار والثائرات من أبناء وبنات الشعب السوداني. وهذا ما يتنافي مع قيم ومباديء العدل.
إنَّ استقلال القضاء فعلاً، لا قولاً، هو الطريق الوحيد لضمان الحقوق وحمايتها من تغول السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية. ونسبةً لعدم مشروعية فرض حالة الطوارئ والأوامر الصادرة بموجبها بما فيها تشكيل محاكم الطوارئ، نناشد المجتمع الإقليمي والدولي والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بالضغط على حكومة الخرطوم للوقف الفوري لمحاكم الطوارئ التي مرغت سمعة العدالة وهوت بالقضاء إلى دركٍ سحيق لا مثيل له في تاريخ القضاء الوطني المشرف وأوصلت القضاء السوداني إلى انهيار من الصعب تداركه.
يدعم القضاة السابقون التحالف الديمقراطي للمحامين ويقفون معهم في سعيهم الدؤوب في الدفاع عن الشرفاء من أبناء وبنات الوطن ضد محاكم الطواريء والتفتيش. ويضع القضاة السابقون كل إمكانياتهم المتاحة في مواجهة قضاء الطوارئ ومحاكم التفتيش جنباً إلى جنب مع الشرفاء من محاميي ومحاميات التحالف الديمقراطي للمحامين.
نناشد قضاة السودان استلهام التاريخ المشرف للقضاة في حقب سابقة والذي سُطر في تاريخ الوطن بأحرفٍ من نور ونناشدهم بالانحياز لشعبهم في ثورته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة