|
Re: سيكولوجية التعذيب (Re: نعمات عماد)
|
تجربة سجن ستانفورد أثبتت تلك الكلمات بشكل قطعي، فهذا التحول الكلي من شخص سوي إلى وحش منحط بيّنته التجربة، جعلت بعض المراقبين يعتقدون أن معظم الناس، إن لم يكن كلهم، يعيش بداخلهم جلاد يتوارى عن الأنظار وينتظر اللحظة المناسبة ليخرج (7)، ويعلق زيجمونت باومان أن سجن ستانفورد قد اكتشف "آيخمان كامن" داخل كل رجل عادي (7). أما جون شتينر فقد سك مصطلح "الإنسان النائم" ليشير إلى القدرة الساكنة بطبيعتها على التصرف بقسوة ووحشية والتي تنشط في بعض الأحيان. ويشرح باومن أن "تأثير الإنسان النائم يشير إلى سمة العنف الكامنة داخل بعض الأشخاص مثل المستبدين والطغاة والإرهابيين عندما تتحقق علاقة القفل والمفتاح، وقتها يستيقظ النائم من المرحلة الطبيعية الخاصة بنمط سلوكه، وتنشط السمات العنيفة الكامنة في الشخصية"، ويكمل باومن أن "أشد ما يؤسف له، السهولة التي ينزلق بها معظم الناس إلى الدور الذي يتطلب القسوة أو على الأقل العمى الأخلاقي، فقط في حالة وجود سلطة عليا تدعم هذا الدور وتضفي عليه الشرعية.. فكان مصطلح الإنسان النائم يبدو وكأنه سند ميتافيزيقي. فلسنا حقا بحاجة إليه حتى نفسر الإيمان الجماعي بدين القسوة" (7). لكن، إذا كانت تجربة سجن ستانفورد قد بيّنت هذه القدرة الكامنة في الإنسان على التحول من إنسان عادي إلى وحش قاسٍ لا يعرف الرحمة ويتفنن في الإذلال والإهانة إذا ما امتلك سلطة مطلقة ليس عليها أي قيود أخلاقية من أي نوع، فماذا يحدث بالضبط داخل نفسية هذا الإنسان، وكيف يبرر لنفسه تلك الأفعال، هل هو مجرد حب مطلق للسلطة يدعمه استعداد كامن للشر والقسوة؟ سيكولوجية الجلاد في إحدى رسائل المستشار علي جريشة التي كتبها من زنزانته، كتب المستشار متسائلا: "لعلك لا تعرف أني اعتقلت في سنة 1965، لكنك تعرف بكل تأكيد أن الألوف اُعتقلوا، وأن الألوف عُذّبوا والألوف شُرّدوا وحُوربوا.. ومن قبل ذلك بعشر سنوات تكررت المأساة على نحو بشع أليم.. إن السؤال الذي أطرحه على أسماعكم لماذا كان كل ذلك؟" (8)، وبينما كتب المستشار تلك الرسالة في 1 فبراير/شباط عام 1972 فإن السؤال ما زال يتكرر حتى الآن "لماذا يحدث كل ذلك؟".
أما في رسالة أخرى للمستشار علي جريشة يحكي فيها أنه جلس يوما جوار مصطفى أمين في مواجهة شمس بدران، ودار الحديث بينهم، وعندما سأله عما ارتكب من جرائم تعذيب، كانت إجابته "أن ذلك كله كان أوامر.. أوامر من القيادة السياسية، وأنهم لم يكونوا يملكون غير التنفيذ!!" (8)، فهل الأمر كان مجرد تنفيذ للأوامر؟ وإزاء كل هذا الأذى الجسدي والنفسي والمعنوي الذي يلحقه التعذيب بالضحية والذي يستمر لمدة طويلة وبشكل مقصود ومبرمج، يأتي سؤال أساسي: ما الذي يحدث حتى يصبح كل هذا العدوان على إنسان آخر ممكنا، ويمارس بإصرار وتفنن بل بتشفٍّ وتلذذ؟ يجاوب الدكتور مصطفى حجازي أن العلاقة بين السجان والمسجون ينهار فيها الرابط الإنساني ابتداء، فتتحول الضحية إلى أسطورة أو شيء أو رقم، وتُسحب منها إنسانيتها (9)، ويتم اختزال الضحية في جملة "أعداء الوطن" كما وضح فيلم "البريء"، وخلال ذلك "تنمحي الشخصية الحقيقية للضحية تدريجيا، كي يتحول إلى قيمة مضادة"، ويصبح فعل التعذيب فعلا اعتياديا ويوميا ومكررا، لكن الأمر يذهب أبعد من ذلك عندما يأخذ طابع التفنن والتشفي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 01:14 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 01:32 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | مني عمسيب | 02-06-19, 01:33 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 01:41 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 01:58 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 02:27 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 02:48 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 02:49 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 03:03 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 03:22 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | محمد نور عودو | 02-06-19, 04:02 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | اخلاص عبدالرحمن المشرف | 02-06-19, 04:11 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | نعمات عماد | 02-06-19, 04:58 PM |
Re: سيكولوجية التعذيب | عبدالحفيظ ابوسن | 02-06-19, 05:39 PM |
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|