التغطية الإعلامية للانتفاضة

Quote: نيكولاس كريستوف – نيويورك تايمز بعيداً في افريقيا، حشود من المتظاهرين الشجعان يهتفون "سلمية، سلمية" رغماً عن الرصاص الحي الذي تواجههم به الأجهزة الأمنية. إنهم يغامرون بحياتهم في محاولة للأطاحة بحاكم متهم بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، ولكن الرئيس ترامب ووزير خارجيته بومبيو وقادة العالم الآخرين يتجاهلون إلى حد كبير هؤلاء المتظاهرين الشجعان، وهو أمر قد يتسبب في مجزرة ترتبكها السلطات في صفوفهم. هؤلاء المتظاهرون السودانيون يخرجون في تظاهراتهم ضد نظام الرئيس عمر البشير المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية في جرائم إبادة جماعية. ورغماً عن وجود عدد من الرؤساء الذي ارتكبوا ابادات في القرن المنصرم، إلا أن عمر البشير يختلف عنهم في ارتكابه ثلاثة جرائم إبادة جماعية حسب اعتقادي في جنوب السودان، وجبال النوبة، ودارفور. وهو ليس فقط قاتل متسلسل، ولكن مرتكب ابادات جماعية متسلسل. ولما يقرب من الشهر، تدفق السودانيون العاديون من منازلهم ومكاتبهم في كل أنحاء البلاد لينضموا إلى "انتفاضة مدن السودان"، ربما 40 أو أكثر لقوا مصرعهم برصاص الأجهزة الأمنية، بينما تم اعتقال المئات ليتعرضوا هناك للضرب. وأفادت التقارير بأن رجال الشرطة السودانية قاموا بسحب المتظاهرين الجرحي من أسرة العلاج في المستشفيات، حيث تم استهداف المحاميون والأطباء والصحفيون بشكل خاص. ويبدو أن المقال كان قد كُتب قبل يوم الخميس 17 يناير حيث أشار الكاتب إلى أن هنالك تظاهرات ضخمة خُطط لأنطلاقها يوم الخميس في العاصمة الخرطوم إلى جانب عدد من المدن السودانية، وأوضح الكاتب أن هنالك مخاوف متزايدة من أن يلجأ البشير إلى تحويل التظاهرات إلى حمام دم باعتباره الحل الوحيد الذي يبقيه على سدة الحكم. ماذا الذي ستفعله الولايات المتحدة تجاه هؤلاء المتظاهرين الشجعان الذين يخاطرون بحيواتهم؟ لا شيء!! فالرئيس ترامب لم يصدر بياناً، وبومبيو لم يقل بغِم. وعلق الأستاذ عمر إسماعيل وهو سوداني يعمل في مشروع كفاية الذي يحارب الفظائع: " أنه أمر محبط للآمال للغاية". وأضاف أن "بومبيو وترامب يجب أن يدينا ذلك بأقوى العبارات وأن يدعوا البشير إلى التوصل إلى حل سلمي. وأضاف: "نحن بحاجة إلى صوت أميركا لأنها زعيمة العالم الحر، أردت ذلك أم كرهته." وبعيداً عن المقال كانت الراكوبة قد سألت الأستاذ عمر اسماعيل عن سبب الاختلاف في ردة فعل حكومة ترامب تجاه تظاهرات السودان، مقارنة مع تفاعل ادارة اوباما مع الربيع العربي، فرد قائلاً: الحال يختلف بين ما كانت عليه إدارة اوباما... و إدارة ترامب. فادارة اوباما ترى المسألة من منظور العلاقات الدولية الكلاسيكي المبني على احترام القانون الدولي "لدرجة ما"، و احترام سيادة الدول، بينما ترى إدارة ترامب ان التعامل مع العالم يتم من منظور القوة الامريكية مشفوعة بعلاقات قِوامها المعاملات (Transactional)، ولا يرد السودان في قائمة الدول ذات المصالح البيِّنة مع الولايات المتحدة. ولذلك انحصر جُلّ هم إدارة ترامب في التعامل مع السودان من منظور امني/استخباراتي بحت، كما كان عليه الحال في فترة اوباما الثانية، دون النظر الى سجِلِّه في حقوق الانسان، او ما اذا كان بلدا يحكمه نظامٌ ديكتاتوريٌّ قابِض. وواصل عمر: "فالاختلاف هنا بين ما حدث في الربيع العربي، و بين ما يحدث الآن في السودان هو اختلاف مصالح، أملته تقاطعات دولية و إقليمية بالغة التعقيد، و صرنا نحن ضحايا هذه اللعبة الكبري لرهان الحكومة والمعارضة على الخارج بدلاً عن دعم حراك الجماهير السودانية .. ولم ندرك ذلك الا بعد الإنهاك الذي أصاب كليهما". وبالعودة إلى المقال.. لقد شاركت الولايات المتحدة في البيان الذي أصدرته مع بريطانيا والنرويج وكندا والذي دعا البشير إلى الأفراج عن المعتقلين، والأعتراف بالحق في التجمع السلمي، ولكن ينبغي أن يكون هنالك تحذير واضح لجميع قوات الأمن بأنهم سيحاسبون شخصياً على الفظائع. وكنت قد سألت الأستاذ مضوي إبراهيم وهو صديق قديم قاد مجموعة دعم سودانية، وسبق له أن تعرض للأعتقال، ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله، فأجاب: "وضع الحكومة تحت الضغط كي توقف مواجهاتها الوحشية تجاه المتظاهرين، واطلاق كل المعتقلين، والسماح للسودانيين للتعبير عن حقوقهم الدستورية". لقد قمت بتغطية ثلاث ابادات ارتكبها البشير، وامتدت إلى معظم فترة حكمه الذي بدأ في 1989، ولن أنسى أبداً ما واجهت. ففتاة عمرها عامان تدعى زهرة تعرضت للضرب حتى الموت في دارفور. ورجل يبلغ من العمر 27 عاماً أسمه عبدالله الذي تم اقتلاع عينيه بحربة. وأُحرق ستة أطفال في جبال النوبة حتى الموت في حفرة (أطفال هيبان) وقد سُحبت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً أسمها حواء من قبل ضباط الشرطة الذين اقتحموا عيادة بعد أن ألتمست من الأطباء الفرنسيين للأغتصاب الوحشي. وكان الكاتب نيوكولاس كريستوف (نيويورك تايمز) قد كتب: "جريمة التطهير العرقي التي تم ارتكابها في جبال النوبة، لم تجد تغطية إعلامية كافية، ولكن بمجرد أن تتكشف لك مجرياتها سوف تطاردك." عمر البشير وأعوانه قساة لا يرحمون، ولهذا السبب من المهم جداً أن يرسل ترامب وغيره من القادة تحذيراً واضحاً لقوات الأمن بعد قتل المحتجين، ويمكننا أيضاً زيادة جمع المعلومات الاستخبارية في العالم وارسال الرسالة التي يشاهدها العالم. المتظاهرون في السودان غاضبون ليس فقط على وحشية البشير، ولكن بسبب عدم كفاءته ورعايته للفساد، وهي أسباب تركت الأقتصاد السوداني في حالة كارثية (جزئياً لأن سياسات البشير دفعت الجنوبيون للأنفصال عن السودان) والبلد الذي كان تاريخياً سلة غذاء في محيطه الأقليمي هو الآن مستورد للغذاء. ويعلم المحتجون في السودان أن ثورات الربيع العربي في بلدان مثل سوريا وليبيا قد أدت إلى كارثة وأنهم قلقون بشأن أنقلاب القصر من رجل أو بشأن خطر تحوّل السودان إلى دولة فاشلة. ولكن مع ذلك يتمتع السودان بقوة كبيرة، بما في ذلك مجتمع مدني قوي ومتعلم فاض به الحال من الأيديولوجيات الاستبدادية ويتوق إلى الحرية. في تغطيتي للشأن السودان منذ رحلتي الأولى كطالب عربي بتاريخ 1984، كنت متضايقاً من الفظائع التي رأيتها، ولكن أيضاً كنت معجباً بالقوة الداخلية للكثير من الناس العاديين. لقد ألتقيت صدفة بزوجين مسنين في دارفور كانا في قرية هاجتمها مليشيا الجنجويد التي تدين بالولاء للرئيس البشير. فالرجل (سميح يحي)، لم يهرب لأنه ذلك يعني ترك زوجته المعاقة (حليمة)، لذلك قام أفراد مليشيا الدعم السريع بألقائه على الأرض ووضعوا القش على ظهره وأشعلوا النار على رأسه، فما كان من زوجته إلا وأن ألقت بنفسها في النار في محاولة لإخماد النار بجسدها، فأحترق كلاهما بشدة ولكنهما نجيا من الموت. اليوم، يجد السودانيون الشجعان في جميع أنحاء البلاد أنفسهم في شعلة أكبر، إنهم يأملون منا التحدث فقط على الأقل. سيدي الرئيس، معالي الوزير بومبيو، هل يمكن أن تفعلا شيئاً أكبر؟! نيويورك تايمز