|
زهير السرّاج: الطب في زمن الكوليرا
|
الطب في زمن الكوليرا!
زهير السراج
تصر الحكومة على نفي وجود الكوليرا بالخرطوم، وتزعم أن الحالات التي استقبلها مستشفى الخرطوم ومستشفى إبراهيم مالك من منطقة الجريف غرب هي (إسهالات مائية) وليست كوليرا، وأن نتائج الفحص المبدئي جاءت سالبة (معقول؟!).. وهي في انتظار نتائج الزراعة التي تؤكد أو تنفي وجود المرض! وكما تلاحظون، فهو السيناريو نفسه الذي استخدمته الحكومة في فيلم (انفلونزا الطيور)، التي أكدت الأعراض الإكلينكية والفحوصات المعملية وجودها في البلاد قبل أكثر من شهرين من إعلان وجودها بشكل رسمي! هذا السيناريو سيقود، بدون أدنى شك إلى (كارثة صحية) كبيرة.. عندما ترتفع الحالات بشكل كبير، بسبب الاسترخاء الرسمي والشعبي في مواجهة الكوليرا، وعدم اتخاذ أي تدابير وإجراءات وقائية تحد من انتشارها مثل عزل وتطهير المنطقة الموبوءة وتكثيف حملات التوعية والإرشاد التي تتضمن طرق انتقال العدوى وانتشارها، حتى يتنبه لها المواطنون، خاصة أن المرض ينتقل عبر الطعام والشراب الملوث بإفرازات الجهاز الهضمي للمصابين أو حاملي الميكروب، ويلعب الذباب دوراً كبيراً في هذا الجانب! وبالتالي فإن (المعرفة) بوجود المرض أولاً، وبكيفية انتقاله ومكافحته.. تلعب دوراً أساسياً في الحد من انتشاره ومكافحته. ولن تكون المعرفة متاحة إلا إذا امتلكت الجهات المختصة الجرأة والشفافية والصدق والأمانة لتمليك المعلومات للمواطنين، أما التعتيم فلن يفيد بشيء، وستنجم عنه كارثة صحية واقتصادية.. تماماً مثلما حدث في انفلونزا الطيور! لدي معلومات مؤكدة أن (الإسهالات المائية) التي تتحدث عنها السلطات هي (كوليرا) من واقع الأعراض الإكلينكية والفحص المعملي.. وأن المرض قد انتشر إلى مناطق أخرى، من ضمنها منطقة (السوق العربي) المكتظة بالمواطنين ومحلات الأطعمة والمشروبات.. فهل تصر الحكومة على النفي، أم تتصدى لمسؤوليتها القانونية والأخلاقية لحماية المواطنين، والإعلان عن وجود المرض بكل جرأة وأمانة وشفافية؟! مرة أخرى أتساءل: (إذا أصرت الحكومة على التنصل من هذه المسؤولية، فأين الأطباء ومؤسساتهم المهنية والنقابية من هذه الفضائح التي تمارس باسمهم وهم صامتون؟!). من الغريب جداً، وغير الأخلاقي والمهني أن ينأى الأطباء بأنفسهم عن قضية تخصهم قبل غيرهم وهي صحة المواطنين.. فيتهربون من الإجابة على الأسئلة التي توجه إليهم عن تفشي الأوبئة والأمراض التي تفتك بالناس وتهدد صحتهم.. ويتحججون بأن هذه مسؤولية (جهة أخرى)، هم يعلمون ويدركون أنها لن تفصح عن شيء ولو هلك جميع الناس، رغم أن القوانين العالمية والوطنية تلزمها بالإعلان عن بعض الأمراض عند ظهورها حتى يأخذ الناس - أينما وجدوا - حذرهم منها، ويتخذوا الإجراءات الكفيلة بالحد من انتشارها والقضاء عليها.. وتأتي الإسهالات المائية الحادة (اسم الدلع للكوليرا) على رأسها.. فكيف يسكت الأطباء القيّمون على أرواح الناس عن إهلاك هذه الأرواح!! إنه زمن الرداءة والكوليرا والإنقاذ التي أفسدت كل شيء!
من موقع صحيفة السوداني.
|
|
|
|
|
|