انطلق كاتب المقال من قاعدة علمية يؤسس لها المقال الذي نشرته (مجلة الجغرافيا الأممية) أو العالمية، ليصل إلى غايته وهي نقاش أو انتقاد دعوى الهوية العربية في السودان، ويخلص إلى ذلك في الفقرة التي يبدأها بقوله (لنأخذ مثالا بسيطا وساذجا..) ويقول فيها:
Quote: "لنأخذ مثالا بسيطا وساذجا.. إذا نظرنا، مثلا، إلى دعوى الهوية العربية (العرقية) التي يذود البعض عنها اليوم، في السودان، ذود الغيور على عرضه وماله، في مواجهة العنصر الأفريقي (قليل الشأن عند المقارنة بالعنصر العربي.. افتراضا)"
وهي دعوى لا تخرج عن سياق الهجمة الشرسة القائمة منذ مدة على الهوية العربية في السودان، أو للسودان، والتي تحوي الكثير من المغالطات التاريخية والمعرفية، وآخرها (المغالطة العلمية) التي استند إليها كاتب المقال. الذي يتجاهل المقومات الأساسية للهوية، عن عمد ويمهد لتجاهله لها باعتبارها عوامل مؤثرة وأن محاولته اعتماد عنصر الجينات العلمي هو المقوم الأساس للهوية مع عدم نفيه تأثير (العوامل) الأخرى، والتي هي في الأصل (مقومات أساسية) لا تقل عن المقوم العرقي أو (الجيني) كما أراد له. يقول:
Quote: "وهي محاولة، رغم ابتعادها عن العوامل الثقافية، التاريخية والعقيدية واللغوية والأيدلوجية بصورة عامة، إلا أنها لا تنفي تأثير هذه العوامل على مشكل تعريف الهوية في السودان، في مختلف مراحله وتجلياته.."
كما أنه يمهد للقارئ لقبول نظريته الجديدة باعتماده على هذا المقال الذي يعتبره "مقالا علميا رصينا وزاخرا"، متناسيا أن هناك مرجعيات بشرية وإنسانية غير المقالات العلمية الرصينة والزاخرة، وهذه المرجعيات ومنها الكتب السماوية، قد بينت (مجتمعة) أصول البشر وكيف وجدوا ومراحل تطورهم، وقد تناولت جميع الحضارات هذا الأمر واتفقت جميعها تقريبا على نقاط محددة فيه وهي أولا أن أصل البشر من (آدم) وأن هناك فترة أعيد فيها التأسيس لتناسل البشر وفق سلسلة جديدة تبدأ من (نوح) عليه السلام. كما أن (العلم) بمرحليته وتجاربه ونظرياته لم يستطع حتى اليوم أن يكمل (الحلقة الناقصة) التي أقر بها صاحب نظرية النشوء والترقي، وحتى صاحب هذا المقال الذي يتمثل به كاتبنا يضع ما توصل إليه أو سيتوصل إليه العلم كفرضيات حسمتها (مبدئيا) الحضارات من قبله واطمأنت إليها. ولو افترضنا صحة ما ذهب إليه كاتب المقال، فماذا لو أن أصل البشرية بدأ من أفريقيا، وهل يجعل ذلك من كل بشر في العالم (أفريقيا)؟ ثم ما علاقة الأصل والنشأة بالهوية؟ وما العيب في أن ينتسب إنسان أفريقي لهوية (عربية) أو إنسان أمريكي لهوية (إسبانية) أو إنسان أسيوي لهوية (أمريكية)؟ كما أسلفنا، مهد كاتب المقال (قصي همرور) بهذا المقال ليناقش إشكالية الهوية في السودان، ليس بصفة عامة، بل لينفي (علميا) حسب زعمه، ما (يدعيه) البعض من هوية عربية..!! ويعتبر أن ما جاء به من اكتشاف علمي كاف ليغير السودانيون نظرتهم نحو أصلهم الأفريقي ويتباهون به ولا يفكروا في هوية غير أفريقية
Quote: "ومن عجب أن الكثير من أهل السودان اليوم، وهم يعيشون في منطقة مرشحة علميا لأن تكون أصل جميع البشر المعاصرين خارج قارتهم (شرق أفريقيا)، لا ينفكون يحتالون لأنفسهم الحيل الثقافية للتخلص من وصمة عرقية، يرون فيها ما هو أقرب لوصمة العار! في حين أن هذه الوصمة تحمل الجذور الشرعية لكل شعب آخر يسعون للإنتماء إليه، وجدانيا وعرقيا، بشتى السبل.."
لماذا افترض الكاتب أن الانتماء لهوية أفريقية يعتبر وصمة عار؟ ومن الذي يقول بذلك أساسا؟ مما يجعله يعتبر أن الأصل الذي يدعون الانتماء إليه يعود في النهاية لأفريقيا. فات على الكاتب أن المنشأ الجغرافي لا علاقة له بالهوية، فالجغرافيا وحدها لا تشكل هوية، وقد ضربنا أمثلة أعلاه، بأن الآسيوي الأمريكي يكتسب هوية أمريكية، رغم احتفاظه بأصوله الآسيوية واعتزازه بالانتماء إليها، فهو في النهاية ينتمي لهوية أخرى، وليست أمريكا نفسها بهوية، ولا يشكل العيش في أمريكا (فقط) الانتماء للهوية الأمريكية (فرضا)، فالمسلم، من أصول عربية، ولا يتحدث الإنجليزية، ولا يسهم في بمنتوج فني أو فكري أو ثقافي، ينتمي للهوية الأمريكية، لا يعتبر من ذوي الهوية الأمريكية، وإن عاش في أمريكا مائة عام. ولنتخذ الفيلسوف الأمريكي (فوكوياما) الذي تشكل مدرسته الآن أساسا لفضاء أمريكي وربما عالمي لتشكيل هوية جيدة في أمريكا وقابلة للتصدير للعالم. وهو في الآصل (ياباني) ينتمي إلى حضارة وهوية تختلف تمام الاختلاف في كل مكوناتها عن الهوية الأمريكية، ولكنه رغم ذلك، انتمى للهوية الجديدة وأصبح فاعلا ومؤثرا بل ومؤسسا في هذه الهوية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة