|
|
 اعـلان الى مـتهم هـارب
|
إعلان إلى (هارب)
المتهم معلن حتى تثبت براءته
اعداد: صباح احمد
الي فلان الفلاني
بما انه نما الي علمي بأنك متهم في البلاغ رقم... بتاريخ.... تحت المادة .... من القانون الجنائي لسنة 1991م وبما انه لم يعثر عليه وان ما نقل الي يقنعني بأنه هرب او أخفي نفسه للحيلولة دون تنفيذ أمر القبض عليه.. فانني بهذا اعلن المذكور اعلاه تسليم نفسه لاقرب نقطة شرطة في مدة لا تتجاوز اسبوعا واحدا من تاريخ هذا الاعلان، والا فسوف اضطر لاتخاذ اجراءات قانونية اخرى..
صدر تحت توقيعي في اليوم.... من شهر.... لسنة.....
وكيل النيابة الاعلي لمحلية .....
*ماسبق نموذج لاعلان الي متهم هارب ..تجدونه منشورا في صحف كثيرة، قد يختلف حجم الاعلان ومكانه من صحيفة الي اخري ..وقد يأتي في مرة مرفقا بصورة المتهم وفي مرة بلاصورة .. لكن اصل الاعلان وعباراته ثابتة ...لكن هناك نماذج اخري ساورد لكم منها هذا النموذج علي سبيل المثال لا الحصر:
هل تريد ان تصبح مليونيرا..هذا متاح لان هذا الشاب الوسيم ويدعي (...) قام بسرقةعربة والهروب بها الي جهة غير معلومة وتم فتح دعوي جنائية ضده بتاريخ ...من شهر ...من عام ....وقد اعلن صاحب العربة عن جائزة قيمتها عشرة ملايين جنيه لمن يعثر علي المتهم والعربة معه وفي حال عثور أي شخص علي العربة منفردة فقط يعطي نصف المبلغ -اي خمسة ملايين جنيه- وخمسة ملايين ايضا لمن يعثرعلي المتهم دون العربة ..
عزيزي القارئ انظر للصورة جيدا فقد تكون احد المحظوظين بالجائزة بالاضافة لمساعدتك للعدالة..
وهنا يبرز سؤال ....من يتحمل مسؤولية نشر هذا الاعلان وبهذه الكيفية..سؤال بديهي لكنه مهم بحسب غازي سليمان المحامى المعروف باعتبار إن أي تعديل في صيغة الاعلان المتعارف عليه في هذا الشأن يمكن اعتباره جريمة متعلقة باشانة السمعة تحت المادة(159)لان هذا الاعلان غير صادر من وكيل النيابة المختص ويتحمل الشاكي والصحيفة التي نشرت مثل هذا الاعلان مسؤولية ما يترتب عليه ويمكن اتهام الصحيفة والشاكي تحت المادة(159) من قانون الاجراءات الجنائية .
وهنا يطرح سؤال ثان نفسه وبصوت عال:
اين حقوق المواطن في كل هذا..اين حقوقه حتي ولو كان متهما في قضية؟
وثيقة الحقوق والواجبات في الدستور تتحدث في مجملها عن حقوق المواطن في المحاكمة العادلة واحترام الخصوصية وتيسير الافراج من (الحراسة) وهذه النقطة بالذات ينبه غازي سليمان في حديثه معي فيها إلى أهميتها ..لكن كيف تصل هذه الإعلانات للصحف؟
ربما تكون مقولة مصائب قوم عند قوم فوائد الانسب هنا.. باعتبار انه اعلان مدفوع القيمة.. فالاعلان عن أي متهم هارب لا يقل عن مساحة الـ1/16.. وتتجاوز قيمة الاعلان عنه فى الصفحات الداخلية 118 الف جنيه بينما تتجاوز قيمته في الصفحة الاولى472الف جنيه وفي الاخيرة 430 الف جنيه يدفعها صاحب المصلحة في البلاغ اونشر الاعلان.. قال لى اسماعيل جاه الرسول من شركة نسق للانتاج الاعلانى ان اعلانات النشر هذه تأتي من وكلاء النيابات واحيانا من وزارة العدل وفى احيان من اصحاب الشكاوى انفسهم ، واوضح لي ان صورة المتهم لا توضع فى الاعلان الا بأمر مكتوب وبختم وكيل النيابة الاعلى نفسه.
üالاصل هو البراءة
من المبادئ التي ارساها الاعلان العالمي لحقوق الانسان واكدتها دساتير مختلف الدول ومن بينها الدستور السوداني ان الاصل في المتهم هو البراءة وهو ما يعني إن من يتهم بارتكاب جريمة مهما كانت جسامتها يعتبر بريئا الي ان تثبت ادانته بحكم قضائي ..
وعندما سألت امس علي محمود حسنين المحامي المعروف عن مشروعية نشر صور المتهمين قبل ادانتهم..وهل لا يُعد هذا تعريضا بسمعة الناس قبل ان تصدر جهة الحكم ؟
قال لي ، ان النص لم يقل بأن يعلن المتهم مباشرة ولابد من التريث قبل الاعلان والتأكد من ان المتهم مختفٍ ، وعلي وكيل النيابة الاعلي الاقتناع ببينة قضائية مثبتة امامه في المحضر بان المتهم يتفادي تنفيذ أمر القبض عليه.. باعتبار ان التشهير قد يكون ضارا..غير ان لغازي سليمان وجهة نظر اخري تعتبر ان الاعلان عن متهم هارب لا يعد تشهيرا .. لكنه شخص يخفي نفسه أو يتهرب من مواجهة التهم المنسوبة اليه .. واوضح ان هذا اجراء استثنائي وليس اجراء عاديا ولا تتخذه النيابة الا في حالة اقتناعها دون ادنى شك بان المتهم يتهرب من القبض عليه.
و من جانبه ياسر بشير بخارى وكيل النيابة الأعلي لمحلية الخرطوم اكتفي في حديثه معي عن مشروعية الاعلان عن المتهمين الهاربين بالقول انها سلطات ممنوحة له بموجب المادة 78 من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991 ..واعتذر لي عن انه لا يستطيع التحدث الي وسائل الاعلام الا بـ(اذن مكتوب) من المدعى العام والي ان احصل على الاذن المكتوب سأكتفي بأبراز وجهة النظر القانونية علي ان استصحب معي في الحلقة القادمة وجهة نظر وزارة العدل ووكلاء النيابة..
سؤال مهم عن هذه الاعلانات اطل برأسه بعد ان تحدثت مع بارود صندل المحامى ..هل المسألة قانونية بحتة أم انها تخضع فى بعض الاحيان لضرورات سياسية بعد ان قال لي صندل انها مسألة قانونية فى الظاهر يحكمها القانون لكن الخطأ يأتي من تطبيق القانون نفسه.. والشاهد ان ما ذكره صندل يتفق تماما مع وجهتي نظر متفقتين ساقهما المحاميان حسنين وغازى سليمان حينما ذكرا لي بان الخلل في مسألة النشر ليس في نص القانون وانما في طريقة تطبيقه.. قال صندل(القانون ذكر بان تقوم النيابة بتحرياتها اللازمة ولابد ان يثبت لها ان الشخص المعنى يتهرب او يخفى نفسه وفى هذه الحالة تعطي النيابة الشاكي السلطة في ان يعلن عن المتهم الهارب في مكان بارز بالصحف يمكن من الاطلاع عليه).
غير ان ما يحدث طبقا لبارود صندل خاصة فى الجرائم المتعلقة بالسياسة ان النيابة لا تبذل مجهودا فى التحريات المطلوبة وتسارع بالاعلان فى الصحف ..
وضرب مثلا بان هناك متهما فى البلاغ رقم (610) ـ المحاولة الانقلابية الاخيرة_ اعلن عنه باعتباره متهما هاربا فى وقت كان فيه حاضرا للجلسات ..ومع ذلك ـ ولا زال الحديث لبارود صندل ـ قالت النيابة انه كان يخفي نفسه للحيلولة دون القبض عليه..
ü وبنظرة سريعة على قانون الاجراءت الجنائية لسنة 1991 اجد ان المادة 78 الفقرة (أ) منه تقول : اذا كان لدي وكيل النيابة الاعلي او قاضي المحكمة الجنائية ما يحمله علي الاعتقاد بان الشخص الذي صدر ضده امر القبض قد هرب او أخفي نفسه ليحول دون تنفيذ الامر فيجوز له ان ينشر اعلانا مكتوبا يطلب فيه من ذلك الشخص تسليم نفسه لأقرب نقطة شرطة في مدة لا تتجاوز اسبوعا واحدا من تاريخ نشر الاعلان وان يطلب فيه من الجمهور المساعدة في القبض عليه وينشر الاعلان علي الوجه الاتي:
ان يذاع وينشر عن طريق وسائل الاعلام المناسبة او يلصق علي ظاهر المنزل الذى يسكنه ذلك الشخص أو في مكان ظاهر بالمدينة او القرية التى يقيم فيها او تلصق صورة من الاعلان في ظاهر مبنى وكالة النيابة او المحكمة او القنصلية او سفارة السودان في البلد الذى يقيم فيه.
ü اذن... فقانون الاجراءات الجنائية للعام 1991م اجاز في احوال معينة نشر اعلان مكتوب يطلب فيه من المتهم ان يسلم نفسه لأقرب نقطة شرطة.. غير ان هذا الاجراء رأي د. الحاج آدم يوسف القيادى بحزب المؤتمر الشعبى انه يضر بالمتهم وقال انه يتعين ـ فى اطار البراءة المفترضة ـ تنظيمه واحاطته بالضمانات التى تكفل للمتهم حقوقه وتمنع ايذاءه فى شرفه وسمعته.
وعلى هذا الاساس فان الحاج آدم يوسف رأي في حديثه معى من مقر اقامته بأسمرا ان هذا النشر يلحق بالمتهم واسرته فى اقل درجة من الاضرار المعنوية ما لا يمكن ان يزيله مجرد الحكم الذى يصدر بالبراءة.. (ضحك )هذه ضريبة العمل العام وعلينا ان ندفعها ونحن راضون عن انفسنا..
ü يذكر ان د.الحاج ادم يوسف تصدرت صورته الصفحة الاولي بعدد كبير من الصحف السودانية لايام عديدات تحت عنوان (اعلان الي متهم هارب) ، على خلفية اتهامه العام قبل الماضي بالتخطيط والتدبير لاحداث فوضي عامة بالبلاد من خلال تنفيذ مخطط لاختطاف وتصفية 38 من قيادات الحكومة والاستيلاء وتخريب بعض المنشآت الهامة بولاية الخرطوم ، قبل ان يظهر فى مؤتمر صحفي عقده من اسمرا ، لكن سرعان ما ثبتت للمحكمة براءته ..
وهنا تطل الاسئلة برأسها مجددا ..ما مدى التجاوز فى حقوق المواطن هنا.. وهل يمكن لهذا الشخص بعد ان ثبتت براءته من التهم المنسوبة اليه رفع دعوى قضائية ضد وزارة العدل او وكلاء النيابات او وزارة الداخلية مثلا من اجل ما حدث ..
الاستاذ غازى سليمان يجيب على الاسئلة بقوله: يتحمل المتهم مسؤولية ما لحق به من تشهير.. ربما كان بريئا من التهمة المنسوبة اليه لكنه قطعا ليس بريئا من السلوك الذى ادى لاعلانه بالنشر وهو الهروب أو اخفائه لنفسه.
وذهب بارود صندل اتجاها مقاربا لما ذهب اليه غازي سليمان حينما قال انه لا يمكن للشخص ان يشكو هذه الجهات لكن يمكنه ان يشكو الجهة الشاكية باعتبار انها قدمت بيانات غير صحيحة بناء عليها تم اشانة سمعته بالاعلان عنه فى الصحف..
عموما..قد يعيش احدنا حياة مليئة بالبطولات والسقطات فلا يلحظ ذلك احد خارج نطاق أسرته وربما اصدقائه ..لكن نشر اعلان وبألوان جذابة وفى مكان بارز بأحدى صحف الخرطوم عن الشخص نفسه يجعله مشهورا ..
|
|
 
|
|
|
|
صباح احمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست