أسطورة الصاغ طيار عبد القادر الكدرو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 03:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-11-2006, 00:48 AM

أبوالزفت
<aأبوالزفت
تاريخ التسجيل: 12-15-2002
مجموع المشاركات: 1545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أسطورة الصاغ طيار عبد القادر الكدرو


    أسطورة الصاغ طيار [عبد القادر الكدرو]
    بقلم / محمود دليل

    بمناسبة اقتراب الذكرى الثالثة والأربعين لرحيله أكتب عن الشهيد الصاغ طيار "عبد القادر الكدرو" وفاءً لعهد الشهداء واحتفاء ببطولته وإقدامه ولأننا بالأحرى أحقَّ بتمجيده من هيئة الإذاعة البريطانية التي قطعت إرسالها في ذلك اليوم لتعلن نبأ موته منوهة بان السودان قد فقد أعظم طيار إفريقي.
    ولد عبد القادر أحمد عبد القادر الكدرو بقرية الكدرو ضواحي الخرطوم بحري عام 1933م لأب هو شيخ الطريقة التيجانية هناك وإمام الجامع وقد أسرّ لبعض خاصته قبيل استشهاد ابنه [الولد ده أنا من كم يوم شايف نجمو غايب]!!! وقد حمل الشهيد لقب الكدرو تيمناً بجده ناظر خط الوسط الملقب بـ [تمساح الكدرو] لشجاعته و شِدّة بأسه حيث حارب في أحراش بحر الغزال مع قوات الزبير باشا المعروفة باسم [البانزجر] كما قاتل كالبنيان المرصوص مع قوات الإمام المهدي عند نشوب الثورة المهدية.
    تلقى عبد القادر دراسته الابتدائية بمدرسة الحلفاية الأولية ودرس المرحلة المتوسطة بمدرسة الخرطوم بحري الأميرية الوسطى والمرحلة الثانوية بمدرسة وادي سيدنا ثم التحق بالكلية الحربية عام 1952م وتخرج فيها عام 1954م وكان أول [الدفعة 5] التي أصاب العديد من ضباطها حظاً من الشهرة والنجومية مثل الفريق (م) الفاتح بشارة السفير السابق وحاكم إقليم كردفان ومدير مكتب الرئيس إبراهيم عبود حيث كان برتبة اليوزباشى ومثل المرحوم الفريق بشير محمد علي وزير الدفاع والقائد العام الأسبق.
    تعين الكدرو ملازماً ثانياً إلى سلاح الهجانة بالأبيض ثم ألحق بسلاح الطيران عند نشأته في يوليو عام 1956م وكان أول الدفعة أيضاً حيث تلقى دورات طيران في كل من بريطانيا ومصر التي يعود لها الفضل في إنشاء سلاح الطيران بإهدائنا أول أربع طائرات للسلاح الوليد وتكفلها بتدريب الطيارين كما أسهمت الشقيقة مصر في نفس الحقبة بتأسيس [سلاح الفرسان] –نواة القوات المدرعة- بعد تزويدنا ببعض فصائل من دبابات [استيوارت] و "إستاج هاوند" وعربات الاستكشاف "دملر" .
    وقد ردّ السودان الجميل العسكري لمصر في كل الخطوب التي نزلت بساحتها، مثل العدوان الثلاثي عام 1956م وفي أعقاب حرب عام 1967م قام السودان بإيواء الطائرات المصرية الناجية من القصف الإسرائيلي وآوي إليه بعض قطعات الأسطول المصري كما احتضنت منطقة جبل الأولياء الكلية الحربية المصرية وذلك فضلاً عن القوات التي دفع بها السودان يومئذٍ إلى الجبهة المصرية والتي تغنى ببطولاتها عبد العزيز محمد داؤد:
    "كتائب شندي وعطبرة"
    "بتهدر فوق القنطرة"
    "من الخرطوم الثائرة"
    "سلام وتحية معطرة"

    وقد ظلت تلك الكتائب متمركزة هناك حتى مراحل حرب الاستنزاف 1969/1970م وكانت على التوالي بقيادة العقيد عبد القادر عمر الصادق والعقيد بشير النقر والعقيد صلاح الدين محمد سعيد والمرحوم العقيد محجوب عبد الله عبد السيد، وعندما بدأت آلة الحرب في الدوران في أكتوبر 1973م رفعت القوة السودانية من كتيبة إلى لواء وتوالى أيضاً وصول اللواءات وتناوبها: اللواء العاشر بقيادة العميد حسن الأمين صالح، واللواء الثالث عشر بقيادة العميد سعد بحر واللواء الرابع عشر بقيادة العميد محمد ميرغني حمو، ولواء العميد صلاح اليسع الخليفة ولواء المرحوم العميد عز الدين علي مالك.
    فيما قدمت القوات البحرية السودانية كل التسهيلات للمدمرات والغواصات والفرقاطات المصرية خلال توقفها التكتيكي في قواعدنا على البحر الأحمر في طريقها جنوباً إلى باب المندب للتعرض للملاحة الإسرائيلية [بعيداً عن مضيق تيران وخليج العقبة] حسب خطة الفريق بحري أركانحرب فؤاد ذكرى قائد القوات البحرية المصرية.
    في سلاح الهجانة بالقيادة الوسطى في الأبيض التقى الملازم عبد القادر الكدرو بالملازم عز الدين عبد القادر رفيق السلاح وزميل المصير المشترك أي التحول من الهجانة إلى سلاح الجو ثم الاستشهاد في حادث تحطم طائرة.
    كانوا شباباً يمور في جوانحهم فوران الطموح والإقدام وكانت الدنيا عامرة في ذلك الوقت بين منتصف الخمسينات وبكور الستينات فقد نالت البلاد استقلالها لتوها ورفرف العلم الحبيب وسودنت "حامية الخرطوم" وحدات الحكم الثنائي وفي ساحة سراي الحاكم العام جرى تغيير أفراد الكركون الإنجليزي بأفراد الكركون السوداني وبعد طابور الجلاء جابت وحدات الجيش السوداني شوارع الخرطوم وسط جموع الشعب المهتاجة فيما أمتطي قادة الوحدات صهوات الجياد المطهمة وقد أشهروا سيوفهم وحمحمت الخيول نشوى لرنين المارشات العسكرية من فرقة موسيقى الحدود.
    واقتصادياً فقد كان السودان مثل قرية آمنة يأتيها رزقها من كل مكان وكانت الإذاعة تبهج وجدان المواطنين ببرامج تفيض إبداعاً وألقاً مثل حقيبة الفن وما يطلبه المستمعون و [أشكال وألوان] للإذاعي المخضرم أحمد الزبير وكان الأستاذ الخير هاشم لا ينفك يرسل عربات السينما المتجولة إلى ساحات أحياء العاصمة المثلثة والأقاليم، وكان [أبو التصوير السينمائي] العم جاد الله جبارة يكاد لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلها للذكرى والتاريخ والتوثيق وكان المقاول –أبو العلا- قد أكمل مشروع بناء المسرح القومي الذي سوف يشهد مسرحيات خالد أبو الروس وحسن عبد المجيد والسر أحمد قدور وأحمد عاطف وعبد الوهاب الجعفري وبلبل وعثمان حميدة ومحمود سراج "أبو قبورة" والفاضل سعيد.
    وذلك فضلاً عن عروض الفنون الشعبية للمديريات المختلفة وعروض الفرق الأجنبية القادمة من مصر وإثيوبيا وأوروبا والفرقة الروسية التي فرشوا لها خشبة المسرح بالجليد حتى يتسنى لها تقديم عروضها، كما فرش الخليفة الأندلسي –المعتمد بن عباد- حديقة القصر في أشبيلية بالثلج تحقيقاً لأمنية محبوبته –اعتماد- كي تقر عينها ولا تحزن على ما فاتها من شهود الشتاء في قرطبة.
    وكان اللواء طلعت فريد والإعلامي محمد خير عثمان يسهران مسرورين مع الجماهير الطروبة في الحفلات الغنائية المفتوحة التي ترددت فيها أحلى أصداء ذلك الغناء المتقن الذي تميزت به حقبة الستينات وكان الصاغ التاج حمد قد طار إلى ألمانيا لجلب محطة التلفزيون والأستديوهات، وكانت دور الرياضة تزدهي بالنجيلة والأضواء الكاشفة بل كان للموردة إستادها الخاص بها وكان شيخ المعلقين الرياضيين "طه حمدتو" يصف المباراة لمن يستمع إلى المذياع وكأنه يراها.
    في شهر مارس المشئوم عام 1963م كانت كل الطرق تقود إلى مقابر حلفاية الملوك فقد كان مزمعاً أن يسافر الصاغ طيار الكدرو مع صديقه بسلاح الألاي المدرع اليوزباشى محجوب برير محمد نور في رحلة ترفيهية طويلة إلى أسمرا وكرن وتسني وأديس أبابا وبحيرة تانا فيشهدا مباهج لهم وحيث النيل كما يقول أحمد شوقي :
    "حبشي اللون كجيرته"
    "من منبعه وبحيرته"
    "صبغ الشطين بسمرته"
    "لوناً كالمسك وكالعنبر"
    إلاّ أن الرئيس الفريق إبراهيم عبود استبقاه ليقود تشكيل الاستعراض الجوي بمناسبة زيارة الرئيس الأوغندي –ملتون أبوتي- للبلاد ولا بد أن الرئيس السوداني أراد أن يفاخر أمام ضيفه الإفريقي كيف أنه وفي خلال بضع سنوات فحسب قد أنشأ جيشاً قوياً لو مرّ على وادي النمل لقالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم عبود وجنوده وهم لا يشعرون.
    فمن =حامية الخرطوم= التي سودنت وحدات الاحتلال وكانت قد تشكلت على عجل من بلوكات البيادة من الهجانة وفرقة العرب الغربية وبلك المساعدة من فرقة العرب الشرقية، إلى –الألاي المدرع- الذي تم تحديثه الآن بعدة كتائب من دبابات "صلاح الدين" البريطانية الصنع المزودة بمدفع عيار 76 ملم، إلى -سلاح البحرية- الذي عبرت سفنه الحربية الأربعة الأولى البحر الأدرياتيكي قادمة من يوغسلافيا وتمركزت في قاعدتها في بورتسودان وهي تحمل أسماء "الشعب" و "الجهاد" و "الاستقلال" و "الحرية" إلى الحرس الجمهوري إلى المظلات، إلى سلاح الذخيرة إلى [الكتيبة النموذجية] بقيادة البكباشى مزمل سليمان غندور أول [الدفعة واحد] عام 1948م وها هو الآن يا صديقي ملتون سلاح الطيران.
    وكان النسر السوداني الكاسر عند حسن ظن قائده الأعلى به فسرعان ما صعد إلى الجو بمعدل تسلق أذهل المشاهدين ومضى هادراً صخاباً يصفق بجناحيه في –المدى التكتيكي- رأسياً وتنازلياً ثم ينخرط في مناورات أفقية حادة مع تقليل نصف قطر الدوران في كل مرة حتى سقط فجأة بناحية كوبري النيل الأزرق كالنجم إذا هوى !!
    يقول شهود العيان الذين هرعوا إلى موضع الحدث لحظة وقوعه بأن مساعده اليوزباشى طيار –بشارة الرضي- كان قد فارق الحياة بينما الكدرو في النـزع الأخير يردِّد من خلال الدماء التي غطت وجهه وصدره "الكرسي ما شغال" "الكرسي ما شغال " يقصد مقعد الطيار الذي كان ينبغي أن يقذفه بعيداً عند الضغط عليه في حالة الطوارئ.
    إلى مقابر الأسرة في –ود دوليب- بحلفاية الملوك ووسط عزف [النوبات] الجنائزية وانهمار طلقات التحية سار –بالخطوة البطيئة- طابور جنازة مهيب يتقدمه اللواء حسن بشير نصر نائب القائد العام واللواء المقبول الأمين الحاج ممثلين للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والقائمقام إبراهيم النور سوار الذهب –كاتم أسرار الحربية- وقائد سلاح الطيران وقادة الأفرع والوحدات وكبار الضباط وأمواج متلاطمة من المواطنين.
    فيما كان الشهيد يوسد مثواه الأخير ارتجل ابن دفعته الصاغ الفاتح بشارة كلمة تأبين بصوت متهدج ورثاه ابن الحلفاية الشاعر المرحوم محمد محمد علي بقصيدة [شهيد الجو] ورثاه رفيق السلاح الطيار الحربي محمد عثمان همرور بقصيدة [فتى كانت أمانيه كبارا] ورثاه البكباشى تاج السر مصطفى بقصيدة [فقيد الوطن] التي يقول فيها :-
    "تالله يا كدرو"
    "وإن فارقتنا جسماً"
    "ففي ذكراك تذكرة لنا"
    "أنت الشهيد"
    "لقيت حتفك صاعداً"
    "نحو السماء مرحباً بضيوفنا"
    ورثاه الملازم عوض مالك شاعر [الدفعة 13] بقصيدة [ مصرع النسرين] :
    "آهـ يا مارس"
    "كم ثارت لياليك الخطوبا"
    "كل عام حين تأتي"
    "يزرع الحزن الدروبا"
    إلى أن يقول :-
    "مات كأروع ما يكون"
    "الموت في هذه الحياة"
    "أنف من ممات"
    "في السرير"
    "لأنه موت الشياه"
    "مات وهذا النيل"
    "في فخر يحدِّق شاطئاه"
    وكان حزن الشاعر محمد بشير عتيق شخصياً وقومياً فالشهيد ابن عمته وصفيُّه من أهله وعشيرته فأنشأ يقول :-
    "في الخرطوم"
    "في أم درمان"
    "في بورتسودان"
    "في كل مكان"
    "أجد مأتم"
    "أجد أحزان"
    "في شاطئ النيل"
    "أعزِّي الكون"
    "أم الأهلين"
    "تركنا وراح"
    "والأفراح بقت أتراح"
    "على صيوان"
    أما الأستاذة عطيات حسن زلفو فقد لذَّع موت الكدرو فؤادها بمثل النار في غير ما قصد إذ تذكرت شقيقها الراحل الملازم أول طيار عبد اللطيف حسن زلفو وكيف أنه أيضاً قضى نحبه قبيل أن يكمل مراسم زواجه وكيف أن صديقه الكدرو كان نجم حفل خطوبته فكتبت تقول وقد هيجتها الذكرى :-
    [أتذكر أخي يوم أن اجتمعتم في رحاب دارنا، يوم أن شاهدكم الجمع السعيد وأنتم في لباسكم الرسمي تحيطون بالعريس زميلكم زلفو وانطلقت الزغاريد وكلكم يحتضن بعضه البعض متمنين حياة زوجية سعيدة للعريس؟! أتذكر أخي الكدرو يوم أن أمسكت بيد ذلك العريس وتقدمت به لتضع يده على يد عروسته يوم عقد القران؟! وهل جال بخاطرك بأن هذه الزيجة لن تتم؟!].
    ولأن تلك الدفعة الأولى المكونة من ثمانية طيارين قد لاقوا حتفهم جميعاًّ فقد اختتمت مقالها الطويل المؤثر الذي اقتطعت منه شذرات ختمته بقولها :-
    [تجدّد القسم بينكم على اللقاء في دنيا أخرى، دنيا أخلد وأبقى: أخي الشهيد أحملك شوقي لشقيقي بل لأشقائي الشهداء عز الدين عبد القادر وكمال وهدية والزين وإسماعيل مراد ومحمد جميل السيد].
    وكما تشابهت النهايات تشاء الأقدار أن تتشابه المصائر الشخصية فالكدرو أيضاً كان قد [سدّ ماله] وخطب ابنة خالته يوم الجمعة ومات يوم الأحد 3 مارس 1963م فكم من باك بأجفان شادن عليه وباك بأجفان ضيغم.
    لقد كان الفقيد عبد القادر الكدرو من أولئك العباد الذين وضع الله لهم القبول في الأرض وجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم، فقد أحبه رفقاء السلاح لكفاءته المتناهية و "عسكريته" المرموقة التي صقلها في سلاح الهجانة العريق بعد أن تشرب بها أولاً في الكلية الحربية على يد مشاهير التعلمجية بأقسام البيادة والأسلحة والتكتيك من الصولات والبتجاويشية والرتب الأخرى مثل عبد الجليل والصادق ومحمد علي وجعفر وأحمد يحي وبلال "أبو زمزمية مليانة" وحميدان وتركاوي وكوة حسب النبي وإدريس الفتيل والملازم أول "صفوفي" عبد الله أفندي شرف الدين الذي سمي ميدان البيادة في الكلية الحربية باسمه وكان قد بدأ حياته العسكرية جندياً في حاميات القيادة الوسطى مثل [7 جي بلك هجانة تلودي] و [6 جي بلك هجانة كادوقلي] الذي تأسس بعد تسريح [11 جي أورطة] في أم روابة نسبة لاشتراكها في حركة عبد الفضيل الماظ مع عناصر أخرى من [مدرسة الضرب نار].
    كما أعجبوا به لاطلاعه الواسع باللغتين العربية والإنجليزية وثقافته الرفيعة التي كشفت عنها مقالاته القليلة في مجلة [حامية الخرطوم] أو كلمته البليغة الموجزة التي ارتجلها في الحفل المسائي بمناسبة التخرج عندما أهداه وزير الدفاع البكباشى خلف الله خالد مصحفاً وكان قد قلّده عصر نفس اليوم سيف الشرف فأنشأ يقول :-
    [قلدتموني سيفاً وأهديتموني مصحفاً فأدعو الله مخلصاً أن يوفقني لأن أسير بالأول على هدى الثاني] ما أسحره من بيان!!!
    وأحبوه أيضاً لأنه تكتم على أسرار تنظيماتهم ومنشوراتهم التي أحاط بها علماً بحكم مساكنته إياهم في ميز ضباط سلاح الخدمة بالخرطوم بحري ولم يشأ أن يشي بها للفريق إبراهيم عبود الذي كان يقربه إليه نجيّا ويستشيره في شتى شئونه مثل مسألة إبقاء أو تسريح [سرية النقل الاستراتيجي] التي أنشئت بقيادة اليوزباتشى محجوب برير محمد نور بهدف تسيير القطارات والبواخر في حالة اضراب عمال السكة الحديد والنقل النهري.
    ثم أن أفئدة الناس قد خفقت بالمزيد من حبه وتقديره وبلغت منزلته عندهم مكاناً عليّاً عندما علموا بعد وفاته بأنه كان ينفق سراً على أرامل وأيتام وذوي زملائه وأفراد دفعته من شهداء القوات الجوية.
    باستشهاد الصاغ طيار عبد القادر الكدرو واليوزباشى طيار بشارة الرضي تذكر الناس واجمين سلسلة مآسي سلاح الطيران التي بدأت بمصرع اليوزباشى طيار إسماعيل مراد واليوزباشى طيار محمد الجميل السيد والملازم أول طيار عز الدين عبد القادر والملازم أول طيار عبد اللطيف حسن زلفو أثناء تصادم طائراتهم في عرض جوي في سماء توريت في نوفمبر عام 1957م وما تبعها من مقتل الصاغ "هدية" واليوزباشى طيار "الزين" والطيار "الزبير" والطيار "كمال" الذي قضى نحبه في حادث حركة في (بانت) بأم درمان والصاغ طيار الصادق محمد الحسن الذي أعدم في حركة كبيدة وعلي حامد.
    تذكر الناس كل تلك الفواجع فتشاءموا من ذلك السلاح الوليد وتطيروا به وخشي اللواء حسن بشير نصر نائب القائد العام أن تخمد جذوة معنويات القوات المسلحة نتيجة تلك الخسائر في الأرواح والمعدات فأمر على الفور بإقامة عرض جوي شامل يشترك فيه كل طيارو وطائرات سلاح الجو لا يتخلفنّ رجل ولا طائرة، وبالفعل أقلعت في ذلك الصباح الأغر كافة تشكيلات القوات الجوية السودانية ولها هدير وناورت زماناً فوق سماء الخرطوم كالشهب الراصدة.
    وما هو إلا أن اشتعلت الروح المعنوية واشتدّ أوارها لدى أفراد الجيش السوداني في البر والبحر والجو وحلّ الإحساس بالإقدام محل الإحجام وكأني باللواء حسن بشير يسمع في تلك اللحظة صليل مجنزرات الألاي المدرع ويرى بعين خياله تشكيلات القوات البحرية السودانية وهي تمخر عباب البحر الأحمر مخاطبة إياه أن لو [استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف من رجل واحد].
    ولعل اللواء حسن بشير نصر عندما أمر بإقامة تلك المناورات الجوية المثيرة كانت تدور بخلده عبارة السير –جراهام مركيز- : [إنه ليخشى مصيره أكثر مما ينبغي أو هو ضئيل الجدارة من لا يجروء على أن يجازف ليربح كل شيء أو يخسر كل شيء]! وهي نفس العبارة التي كتبها الفيلد مارشال مونتجمري حامل وشاح =ربطة الساق الرفيعة= من رتبة =فارس= قائد الجيش البريطاني الثامن في –معركة العلمين- كتبها على مركبة القيادة التي كان يتفقد بها مواقع قواته التي ما إن بدأ العد التنازلي ليوم (ي) وساعة (س) وبدأت تشكيلاتها الضخمة في إجراءات الفتح التعبوي على أرض المعركة حتى أسرع يرسل برقيته الشهيرة إلى رئيس الوزراء ونستون تشرشل [دقّوا الأجراس في كنائس لندن الجيش الثامن يتقدم].
    لقد مرت سنوات طويلة ثقيلة بدمائها ثقيلة بتضحياتها حتى وصلت قواتنا الجوية إلى ما هي عليه الساعـة من التوسـع الأفقي والرأسي وحتى امتلاكها مؤخراً لأسراب طائرات [الميج 29] القوة الضاربة والذراع الطويلة للقوات الجوية السودانية التي استعرضت بها مهاراتها المشفوعة بالجسارة والإقتدار فوق سماء الساحة الخضراء بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الجيش السوداني، تارة في تشكيل "رف" وتارة في تشكيل "قسم" وأخرى في تشكيل "منفرد" في رسالة قوية فحواها أن إذا العدو المتبجح جاوز حده طرنا إليه بالمقاتلات نعاقبه.
    عسى أن تبقى أسطورة هذا البطل القومي حيّة في ذاكرة الوطن والمواطنين كلما شاهد الناس في غدوهم أو رواحهم تلك اللوحة المثبتة عند مدخل شارع الخوجلاب بوسط الخرطوم بحري ومكتوب عليها [شارع الطيار عبد القادر الكدرو].
                  

03-11-2006, 03:16 AM

على محمد على بشير
<aعلى محمد على بشير
تاريخ التسجيل: 08-07-2005
مجموع المشاركات: 8648

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة الصاغ طيار عبد القادر الكدرو (Re: أبوالزفت)

    الاخ ابو الزفت

    متعك الله بالصحه والعافيه كما امتعتنا بهذا السرد التاريخى
    والرحمه والمغفره لكل شهداء الوطن والقوات المسلحه
    ومثواهم الجنه جميعا انشاء الله
                  

03-11-2006, 03:22 AM

banadieha
<abanadieha
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 2235

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة الصاغ طيار عبد القادر الكدرو (Re: على محمد على بشير)


    سلام ياشباب..قبل كم سنة كنا نتابع كتابات محمود دليل على صفحات جريدة الخرطوم ثم لم نعد نتابع الجريدة نفسها بانتظام وفي المرات التي نقرأها لا نجد لكتابات محمود دليل عن رجالات القوات المسلحة والموسيقى والطرب أي اثر..فشكرا لك أبو الزفت على مشاركتك لنا ما كتبه محمود دليل عن الطيار الكدرو.

                  

03-11-2006, 04:48 AM

أحمد طه
<aأحمد طه
تاريخ التسجيل: 03-31-2004
مجموع المشاركات: 580

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة الصاغ طيار عبد القادر الكدرو (Re: أبوالزفت)

    شكرا جريلا عريزى أبو الزفت
    كثىر من الناس يظنون أن الشهيد سقطت طائرته فى توريت ...وفى السرد اضاءة أري أن يطلع عليها الناس الذين لم تتاح لهم تكنولوجيا النت ... أستئذنك نشرها فى العدد الاسبوعى لصحيفة السودانى .. التوثيق لتاريخ القوات المسلحه مسئوليه وواجب وطنى نرجو ان يجد اهتماما من الجميع ... قدمت هذه الاسره شهيدا آخر هو اللواء عبد القادر الذي استشهد ضمن كوكبة الشهداء فى الشهر الفضيل ... وقدمت للقوات المسلحه صديقى ودفعتى اللواء طه..لله دركم ابناء المرحوم الشيخ أحمد عبد القادر.. أحفاد تمساح الكدرو
                  

03-11-2006, 07:21 AM

Abubaker Kameir

تاريخ التسجيل: 11-25-2004
مجموع المشاركات: 420

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة الصاغ طيار عبد القادر الكدرو (Re: أحمد طه)

    الاستاذ ابو الزفت و ضيوفة الكرام

    ...


    * شكرا ابو الزفت


    * صاحب السعادة الاديب: احمد طة

    التحية و الاحترام


    شكرا للاضافة المهمة




    لكم جميعا الشكر و التقدير


    ابوبكر كمير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de