اِنتقام التاريخ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 08:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-24-2006, 01:37 PM

isam ali

تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 187

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اِنتقام التاريخ (Re: عمر ادريس محمد)

    اكتمل النصر السياسى للاستالينية بهزيمة بوخارين والجناح اليمينى فى 28-1929 . و انفتح الباب على مصراعيه لتعميق عملية تحويل المجتمع الروسى عن طريق مشاريع التجميع القسرى ومشروع تصنيع روسيا . وهى التحولات العميقة التى انجزتها الخطة الخمسية الاولى(28-1932) , والتى اطلق عليها أحيانا الدفعة الثانية من الثورة وأحيانا ثورة استالين ! لقد كانت " ثورة استالين! " كم لاحظ تونى كليف هى النقطة الحاسمة التى تحولت فيها البيروقراطية الى طبقة اجتماعية تستغل قطاعا واسعا من الطبقة العاملة . لقد قامت الاستالينية بتحويل جهاز الدولة المشوه بيروقراطيا – أى ماتبقى منه حيا بعد تدمير ثورة اكتوبر – الى دولة بيروقراطية رأسمالية . و يمكن فهم الثورة المضادة الاستالينية على ضوء اربعة ملامح/محاور متداخلة :
    المحور الاول : سياسة التجميع الزراعى القهرى (27-1929 ) :-
    لقد شكلت هذه السياسة نقطة البداية للثورة المضادة . فقد كان الانهيار الحاد فى انتاجية الحبوب فى اكتوبر 1927 سببا فى انتهاء النيب . ولقد تاثرت كامل البنية الاقتصادية بذلك . نقص وبشكل حاد الصادر من الحبوب مما اثر سلبيا على استيراد ماكينات ومدخلات الانتاج الصناعى . وقد حملت دعاية الدولة الكولاك كامل المسئولية عن ما سمى باضراب الحبوب . بينما كانت سياسات الدولة هى الجديرة بالمسؤلية عندما خفضت من حوافز المزارعين لبيع الحبوب للدولة . .
    ازداد الامر سوءا , عندما قطعت بريطانيا علاقاتها مع الدولة السوفيتية (1927 ) , مما نشر المخاوف من اندلاع الحرب . واضافت ما سمى بالمعارضة المتحدة ( تروتسكى , زينوفيف وكامينيف ) لتوتر الاوضاع عندما " استغلت " مشاعر عدم الرضى لدى الطبقة العاملة , والتى كانت تعانى العطالة المنتشرة كالوباء فى وسطها فى اواخر عمر النيب . وقد ازيح العامل الاخير للازمة بسهولة باعتماد القمع الفظ ( لمن ؟ للطبقة العاملة ؟!) و القمع الفظ هو نفسه المنهج الذى اتبعه استالين لحل مشكلة ندرة الحبوب , حيث اشرف شخصيا على عملية مصادرة المحاصيل فى سيبيريا فى 1928 .
    اِن تبنى ماسمى بمنهج " اليورالز-سايبيريانز " ارخ لانفصال استالين عن بوخارين ومجموعته فى يمين الحزب وهزيمتهم فى 28-1929 . اتجه استالين المنتصر الى تحويل سياسة طارئة واستثنائية الى سياسات دائمة , الا وهى سياسات اجبار المزارعين للانتماء الى المزارع الجماعية فى 1929 , ليتبع ذلك اعلان انتهاء الكولاك كطبقة اجتماعية ! . وقد تبين ان الكولاك هى صيغة ايديولوجية مرنة يمكن مطها لتشمل اى مزارع قاوم سياسات التجميع , وقد تجاوز عدد من قاوموا تلك السياسات المليون , كان مصيرهم القولاق ( او الغولاق ) . والجدير بالذكر ان بواسل المزارعين ابدوا اشكالا مختلفة للمقاومة , مثل ذبح حيواناتهم بدلا من تسليمها للدولة . لكن القهر الفظ كان ناجحا فى اخماد اى مقاومة واضحة .
    المحور الثانى- سرعة بناء الصناعة الثقيلة- الخطة الخمسية :
    وقد مثلت المكون الثانى للثورة المضادة . اعلنت الخطة الخمسية فى اكتوبر 1928 , واعلن انتهائها قبل ميعادها بسنة فى 1934 . وقد تضمنت الخطة اهدافا طموحة , تمت مراجعتها لتاتى اهدافها اعلى من الاستهدافات الابتدائية . ولقد شن استالين هجوما عنيفا على منتقدى الخطة فى خطاب مشهور . اكد فيه ان الجميع قد هزم روسيا , كملمح ثابت فى تاريخها ( الفرنسيون , الاتراك , السويديون الخ ) , بسبب من تخلفها الصناعى . وقد قدر استالين هذا التخلف بمقدار 50 الى مائة سنة , واقترح تجاوز هذا الفارق وتلك المسافة فى 10 سنوات فقط . قال لهم استالين " اما اِنجاز هذا أو الموت " . وهى استراتيجية يمكن رؤيتها باعتبارها رد فعل للورطة التى لاحظها لينين فى مارس 1919 عندما قال " نحن نعيش ليس فقط فى دولة وانما منظومة من الدول , واِنه من غير المتصور أن تعيش الدولة السوفيتية بجوار الدول الامبريالية لوقت طويل . يتعين على واحد منهم ان يخرج منتصرا فى النهاية " . وقد اقترح لينين حلا تبناه تروتسكى بعد وفاته , هو نشر الثورة خلال الكمنترن . ولكن منهج الاشتراكية فى بلد واحد اخضع مصالح الثورة العالمية لمصلحة الدولة الروسية . كان الحل فى رؤية استالين ان تصبح روسيا دولة عظمى مثل الاخرين , ويتطلب ذلك فى البدء بناء الة حربية متساوية لتلك التى تملكها الدول الرأسمالية المتقدمة . ولقد تسارع التصنيع فى روسيا بوتائر دقت الاعناق .
    لم يكن متاحا لاستالين الاعتماد على اروبا فى الحصول على مدخلات انتاج صناعية متقدمة , بالذات فى مرحلة الانهيار الكبير للاقتصاد العالمى فى بداية الثلاثينات . لقد اعتقد الكثيرون فى المؤتمر السابع عشر للحزب ومن بينهم بريوبازينسكى ( صاحب نظرية التراكم البدائى الاشتراكى ) ان الموارد لتمويل خطة استالين تم توفيرها من خلال استغلال الفلاحين , وذلك بتحويل مواردهم لخزينة الدولة . ولكن هذا التفسير تم تحديه فى البحث المعاصر , والذى يقترح انه وبالعكس , فقد كان هناك صافى تحويل للموارد من القطاع الصناعى للزراعى فى الفترة 28-1932 . ولقد عكس هذا - ضمن عوامل اخرى :–
    (1) الارتفاع الرهيب لاسعار الغذاء فى السوق الخاص خلال سنين المجاعة .
    (2) الاستثمار الضخم بواسطة الدولة فى الالات الزراعية للتعويض عن المواشى التى ذبحها المزارعون حتى لا تأخذها الدولة , كما اشرنا سابقا .
    من الناحية الاخرى نجد أن التجميع الزراعى قد قام بتقديم مساهمة معتبرة لعملية التوسع الصناعى .-:
    اولا : فقد اتاح تصدير الحبوب وبشكل واسع , واستخدم العائد فى استيراد مصانع وتكنولوجيا متقدمة لبناء الصناعة الثقيلة من الغرب . ففى الفترة من 28-1931 ارتفعت صادرات الاتحاد السوفيتى الى السوق الخارجى حوالى ال56 مرة.
    ثانيا : لقد ترتب على التجميع طرد الكثير من المزارعين من الريف الى الحواضر ليعملون كشغيلة فى المصانع الجديدة . فقد ارتفع عدد العمال من 3 مليون فى 1928 الى 8 مليون فى 1940. وقفز عدد قاطنى المدن - فى نفس الفترة – من 18% الى 24% ليصل الى حوالى ال30 مليون تقريبا . كانت حركة التمدن مدهشة تماما ففى سنة 1931 وحدها رحل اكثر من 4 مليون ريفى الى المدن.
    وتظل قضية صافى التحويل بين قطاعى الصناعة والزراعة محل نظر . ولكن اذا لم يكن هناك صافى تحويل من الزراعة للصناعة , فمن اين اتى ذلك الفائض المطلوب بتلك الدرجة الهائلة من التراكم ؟ وفى محاولات الاجابة يقدم مؤرخ الاقتصاد السوفيتى باسوف ادعاءا فذا عندما قال " أن العبء الاكبر وقع على عاتق الطبقة العاملة " ! مايكل اِلمان يلخص نتائج بحث بارسوف قائلا : "ان مصدر زيادة التراكم فى الفترة 29-1931 هو الفائض الذى تم الحصول عليه بتشغيل اعداد زائدة من العمال فى القطاع الحضرى باجور حقيقية تنقص عن تلك الاجور التى نالها العاملون فى 1928 , والتى هى نفسها كانت تقل عن مستوى الاجور الحقيقية . لقد قدر بارسوف ارتفاع الفائض الاقتصادى من 27% فى 1928 الى 115% فى سنة 1932 !
    ( M , Ellman . Did the agricultural surplus provide the resources for the increase
    in investment in the USSR during the First Five Year Plan? Economic
    Journal December 1975)
    لقد كان معدل الاجور الحقيقية فى 1932 مساويا لنصفها فى 1928 . ويترتب على هذا ان التصنيع الاشتراكى فى الاتحاد السوفيتى صار ممكنا فقط بالاستغلال الطبقى فى اكثر صوره وحشية , لنفس الطبقة التى قام الحكم باسمها والتى يفترض ان تكون المستفيدة من عملية التغيير الاجتماعى . لم تكن حركة الطبقة العاملة خالية من اشكال المقاومة , فبالرغم من الانخفاض فى ديموقراطية السوفيتات على ايام النيب , الا انهم ومنظماتهم كانوا يحتازون على درجة ما من الاستقلال عن جهاز الدولة يحميها القانون . وهى الحماية التى تم الغائها تماما بعد 1928 . ففى مواجهة انخفاض مستوى معيشتهم , وفى مواجهة الضغوط الشرسة لتسريع عمليات الانتاج ووتائر التصنيع . اوجد العمال طرائق متعددة للمقاومة . فانتشرت الاضرابات فى الفترة 28-1934 . ولكن الطريقة الوحشية التى استخدمت فى اخمادها الجأت العمال الى ابتداع اشكال اخرى للمقاومة , اشتهرت انواع محددة منها , مثل ابطاء العمل وتغيير الوظائف (فى 1930 غير العامل وظيفته بمتوسط 8 مرات فى السنة ) والغياب . كانت هذه الاشكال ممكنة فى ظل ذلك الرعب الهائل لجهاز الدولة , فقط بسبب الميزة النسبية للطبقة العاملة التى خلقتها ظروف قلة الايدى العاملة التى احتاجتها سياسات تسريع بناء الصناعة . لقد مثل الصراع بين جهاز الدولة الاشتراكية والطبقة العاملة (!) بعدا واحدا من ظاهرة عامة فى الاتحاد السوفيتى فى الثلاثينات . وهى ظاهرة الحراك الاجتماعى الرهيب الذى انتجته سياسات استالين . يقول موشيه لوين فى وصف تلك الرمال المتحركة " العمال , الاداريون , الاخصائيون والمزارعون كانوا يتحركون باستمرار وباعداد مهولة . يبدلون وظائفهم , يخلقون فائضا غير مرغوب فى بعض الاماكن ونقصا حادا فى اخرى. يفقدون مهاراتهم أو يفشلون فى الحصول على مهارات جديدة . يخلقون فيضانات وتيارات جارفة تتحطم فيها الاسر , يفقد فيها الاطفال وتتحلل فيها الاخلاق . البنى الادارية والصناعية والسياسية كلها فى حراك " .
    المحور الثالث- القهر المنظم :
    . وهو السمة الثالثة للنظام الاستالينى وعماد بنائه للثورة المضادة . فلقد امتلك البوليس السرى قوة غير محدودة , وبدرجة كبيرة جهاز الجى بى يو , لآحقا
    (NKVD)
    والذى كان مسئولا عن نظام معسكرات العمل والتى عانى فيها حوالى الخمسة مليون افظع انواع عبودية العمل فى جولاغ ارشيبيلاقو فى نهاية الثلاثينات ( المترجم : استخدمت المعسكرات لتوفير العمالة لبناء خطوط السكة حديد و العمل فى المناجم. , وبناء محطات الكهرباء , فى اسوأ الظروف التى يمكن ان يعانيها انسان , وقد فقد الكثيرون حياتهم لسوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية والبرد ) . امتلأت هذه المعسكرات بالمعارضين السياسيين ثم الكولاك ثم ضحايا الرعب العظيم فى 36-1938 من ناشطى البلشفيك . انظر
    (J.F. Hough & M. Fainsod. “ How the Soviet Union Is Governed “Cambridge (Mass.),.
    1979, p. 176-7.)
    .لقد فقد الالاف حياتهم فى تلك المعسكرات , ومن نجى من تلك الاشكال الوحشية المباشرة للقهر , تعرض لاشكال اخرى. ففى يونيو 1940 صدر قرار يجعل من تغيير الوظيفة جريمة يعاقب عليها القانون . وقبلها - فى1934 - اصدر قانون الجوازات الداخلية وقانون التسجيل الاجبارى لدى مراكز البوليس , وهى القوانين التى كانت سارية ايام القيصر .
    المحور الرابع- الحراك الاجتماعى :
    اِن القهر وحده لايكفى لتفسير نجاحات استالين فى تحويل المجتمع الروسى , فقد كانت المصلحة عنصرا اخرا . كانت هناك قلة استفادت تماما من التغيرات التى احدثتها الثورة المضادة . اِن الحراك الاجتماعى الذى اطلقت عقاله هذه التغيرات مثل الركيزة الرابعة ذات الاهمية الفائقة فى فهم الثورة المضادة . لقد اتجه الباحثون الغربيون - فى الاونة الاخيرة – الى اعطاء اهمية متزايدة الى المدى الذى حققت فيه هذه التغيرات ما يسمونه بالثورة الثقافية فى الاتحاد السوفيتى . فالفترة الاخيرة من عمر النيب , كانت زمنا للتوتر الاجتماعى فى المدينة , سببته وتائر البطالة العالية , والفروقات المتزايدة والملحوظة فى مستوى معيشة العامة وبرجوازية النيب المنتعشة من جراء احياء المؤسسة الاقتصادية الخاصة . لقد كان ذلك مصدرا لغضب ناشطى الحزب وبالذات من فئات الشباب , ولذلك كانت النهاية المفاجئة لهذه السياسة فى 28-1929 امرا مرغوبا , يزيل عائقا امام مهام وواجبات بناء الاشتراكية . لقد تم استثمار مشاعر الغضب عند الشباب وتم حشدهم بواسطة النظام تحت شعارات متعددة .
    أولا : استخدمت شعارية عالية بصدد الحرب الطبقية , ودفع الخطاب الايديولوجى برؤى طوباوية حول التغيير المحايث فى مختلف اوجه الحياة . وقد حشدت الجماهير , بالذات الشباب , عن طريق التطوع والذى حفزه الشعار : " لا توجد غابة لا يستطيع البلشفى اقتحامها " .
    ثانيا : شن هجوم كاسح على فئات المثقفين غير الحزبين , والذين تم احتمالهم فى السابق للحاجة لمقدراتهم العلمية و التكنيكالية " النادرة " . وقد ابتدأت هذه السياسة وتم اعلانها من خلال محاكمة " شاختى " فى 1928 ( المترجم : تم اتهام خمسين من المهندسين – فى مدينة شاختى - بالتامر مع اصحاب المناجم والدول الامبريالية لتخريب المناجم , وحكم على 11 منهم بالاعدام. مثلت المحاكمة نقطة تحول , حيث اطلقت يد استالين وبوليسه السرى لمحاربة من اعتقد استالين بضلوعهم فى التجسس . وبهذا تمكن استالين من القضاء على المعارضة داخل الحزب ) . وتوالت حملات اعتقال المنهدسين , وتم تفريغ اجهزة الدولة من المهنيين . واخيرا تم دفع اتحاد الشبيبة الشيوعية للارياف لغصب المزارعين على الانضمام للمزارع الجماعية .
    هذا ما كان من امر ما سمى بالثورة الثقافية . فقد كانت مجموعة اجراءات تم التحكم فيها من اعلى . وقد كانت فى معناها الاجتماعى حراكا اجتماعيا لاعلى استفادت منه فئات من بيروقراطية جهاز الدولة , بينما عانت اغلبية السكان التردى المريع فى كامل ظروف حياتهم.
    لقد اقتضت سياسة تسريع التصنيع أن يصبح العمال غير المدربين عمالا مهرة , والعامل الماهر فنيا , والفنى مهندسا . لقد تم توسعا مهيبا فى انشاء المدارس الصناعية , لتقدم للعمال تعليما مهنيا وثانويا لمقابلة احتياجات الصناعة من العمال المدربين . وقد ترتب على ذلك تدفق وحراك اجتماعى واسع وانتقال لعمال الى مواقع الادارة ومواقع الرؤساء الفنيين . للوصول لهذه المواقع , كان لابد من توفر شرطين: عضوية الحزب , و التدريب . ففى الفترة من 30-1933 انتقل حوالى 660 الف عامل شيوعى الى مواقع ذوى الياقات البيضاء . وهذا الواقع لم يكن دليلا على انتهاء استغلال الطبقة العاملة والفلاحيين بل دليلا على وجوده . لقد انتج اتساع القاعدة الاجتماعية للثورة المضادة , تلك الفئات البيروقراطية التى تعمل الان لاستقرار تلك القاعدة الاجتماعية . فابطلت شعارات الحرب الطبقية , والغى نظام التطوع وحلت بدلا عنه سياسات اكثر محافظة سماها نيوكلاس تيماشيف بالتراجع العظيم
    (Nicholas Timasheff, The Great Retreat: The Growth and Decline of Communism in
    Russia (New York: EP Dutton, 1946)
    .اولا : فقد تبنى النظام سياسات اجور تقوم على فروقات واسعة تعطى الميزة للمتخصصين والمدراء ( وهولاء هم اعضاء الحزب كما راينا سابقا) . لاستالين خطبة مشهورة اعلن فيها ان " المساواة " لاتمت باى صلة بالاشتراكية الماركسية .
    ثانيا : يذكر موشيه لوين فى كتابه
    (M. Lewin, The Making of the Soviet System (London, 1985), p 273)
    . لقد عملت تلك السياسات على " خلق فئة من الرؤساء يمتلكون قدرا متزايدا من القوة . ضمت هذه الفئة مدراء المصالح الحكومية وكبار موظفى اجهزة الدولة . وهى فئة يحدد تلاحمها نظام من الانضباط والامتياز والقوة . لقد كانت استراتيجية للهندسة الاجتماعية استهدفت ابطاء ذلك الحراك الاجتماعى , وخلق تماسك واستقرار البنية الجديدة . رفعت تلك الاستراتيجية من شأن مدراء المصاتع فانتفخت اوداجهم , فقد قال كاقانوفتش – الفتوة المدلل لاستالين :" على الارض ان تهتز وترتجف خوفا عندما يمشى المدير فى ارجاء المصنع ".
    ثالثا : مثلت التنازلات التى قدمت للفلاحين , العنصر الثالث فى تثبيت الحراك الاجتماعى . كان اهمها السماح لاعضاء المزارع الجماعية ببيع القمح فى السوق الحر , كما سمح لهم بامتلاك خاص لمحراث وبقرة !
    رابعا : لجاءت الدولة الى احياء مجموعة موروثات تقليدية قائمة حول العلاقة العضوية بين الامة والاسرة , فالغت مجموعة من الانجازات التى حققتها ثورة اكتوبر فى هذا المجال . فقد اصبح الطلاق امرا عسيرا , ومنع الاجهاض , الى غيرها من الاجراءات .
    اِن الردة العظيمة , وجهود تهدئة ذلك الحراك الاجتماعى المتدفق لم تمنع انفجار العنف والذى طال حتى الحزب الحاكم نفسه فى الثلاثينات . لقد شجع ارك جيتى (Arch Getty ) على فهم الرعب باعتباره عملية اجتماعية اكثر منه تعبيرا عن الشخصية الشريرة للطاغية . فجيتى يلفت نظرنا للصراعات التى جرت داخل البيروقراطية بين الراديكاليين مثل موبوتوف والمحافظين مثل اوردزونى كيدز (Ordzhoni Kidze ) حول معدل النمو الاقتصادى . وبين مركز الحزب من جهة وقيادات الحزب فى الاقاليم والذين كثيرا ما تجاهلوا المركز واهملوا توجيهاته . لقد كان دور استالين – وفقا لهذا التحليل - اقل كطاغيه عنه كسمسار يناور بين الاجنحة المختلفة . الا انه رمى بثقله خلف مجموعة الراديكاليين – فى 36-1937 – ضاغطا من اجل هجوم كامل ضد خصومهم . كان يزاهوف الاداة الرئيسية فى تنفيذ المذبحة . لقد كان يزاهوف من منتجات ماسمى بالثورة الصناعية , فقد صعد مسئولا عن البوليس السرى (NKVD ) فى سبتمبر 1936 . وقد اطلق رعبا تضمن اجراء محاكمات صورية قضت على كل من تبقى حيا من قيادة ثورة اكتوبر . وامتدت يده الملطخة لتنال كل سكرتيرى المناطق فى حملة اعتقالات 1937 . بغض النظر عن اشكال الرعب الا ان نتائجه الاجتماعية مسألة لاتقبل الشك . فقد اكملت حملة الرعب عملية الصعود الاجتماعى للبيروقراطية التى اطلقت عقالها الخطة الخمسية الاولى . شيلا فيتزباتريك لاحظت : ان الصعود الوظيفى لالكسى كوسيجين ( رئيس الوزراء) ديميترى اوستينوف ( تولى وزارة الدفاع فى عهد بريزنيف ) , يقدم نموذجا معتبرا للصعود المدوخ لبعض الالاف. فكلاهما كان عاملا فى زمن الخطة الخمسية الاولى , تخرجا من تلك المدارس الصناعية فى 30-1934 , وفى 1941 كانوا وزراء! انهم جيل برزنيف , تلك القيادات التالية لصفوة المكتب السياسى فى عهد استالين .
    اِذن , يمكن رؤية الرعب باعتباره التوطيد السياسى والاجتماعى للثورة المضادة . لقد محى الرعب اجيالا من البولشفيك الذين عجنتهم التجربة النضالية ضد القيصر , والذين قادوا اكتوبر نفسها . وحل محلهم بيروقرطيوا الترقيات , وهم الذين سادوا الاتحاد السوفيتى حتى ميقات قورباتشوف .
    اِن الوقائع التاريخية المسجلة – اِذا - تترك شكا قليلا فى جوهرية الاختلاف بين البلشفية والاستالينية . فعلى أثر التحولات فى الثلاثينات اصبح الحزب منظمة من نوع مختلف وغير مسبوق . فقد تحول الى ادارة سياسية بيروقراطية , ممركزة بشكل عالى سهلة القيادة والتوجيه , منظمة مختلفة عن تلك التى كانت تحت قيادة لينين . اِن افضل الطرق للتعامل مع الاستالينية - ذلك النظام الذى ساد لاكثر من 60 عام- هو فى رؤيتها باعتبارها نوع من انواع النظام الرأسمالى بالتحديد رأسمالية الدولة البيروقراطية , كما عبر تونى كليف . ماركس يحدد خاصيتين رئيستين لنمط الانتاج الرأسمالى:
    1- الفصل بين قوة العمل وادوات الانتاج , و تحويل قوة العمل الى بضاعة يجب على العامل بيعها لكى يعيش .
    2- تراكم القيمة الزائدة واعادة استثمارها الذى يفرضه التنافس بين الراسماليين .
    وقد تشكل ذينك الملمحين واكتملا فى الخطة الخمسية الاولى . ولقد شابهت عمليات التجميع فى الزراعة فى مناحى متعددة , عملية الاستحواز التى خبرتها الزراعة الانجليزية والتى حللها ماركس فى الجزء الثامن من رأس المال ( الكتاب الاول ) فى حديثه عن التراكم البدائى . فى كلا الحالتين منع المنتجين المباشرين من اراضيهم . وخفضت اوضاعهم بحيث لم يكن لدى الكثيرين منهم سوى التحول الى عمال فى الصناعات الجديدة . الاختلاف , أن العمال لم يتحولوا الى عبيد لجهاز الدولة الاستالينى , فقد كان من اميز اشكال مقاومتهم خلال الثلاثينيات , المستويات العالية من التحول بين الوظائف والذى وصل الى مرة كل 8 شهور فى 1930 والى مرة كل 13 شهر فى 1939 .
    اِن البنية الرأسمالية لا تقف فى حدود تحويل قوة العمل الى بضاعة , فقد شهدت الخطة الخمسية الثانية اعادة ترتيب عميقة للاولويات الاقتصادية . فقد هبط نصيب السلع الاستهلاكية من النتاتج القومى من 67% فى 1928 الى 39% سنة 1940 . وفى نفس الفترة ارتفع نصيب السلع الانتاجية من حوالى 33% الى 61% . وهى ارقام توضح اخضاع الاستهلاك المتزايد , لحاجات الاستثمار فى الصناعة الثقيلة . وكما رأينا سابقا فقد كان هذا المستوى العالى للتراكم معتمدا على معدلات عالية لاستخلاص الفائض من الطبقة العاملة . وكما لاحظ كليف , فقد وضع التراكم السريع لرأس المال , على خلفية مستوى متدن من الانتاج ونصيب ضئيل من دخول الافراد , عبئا ضخما على عاتق الجماهير وعلى مستوى معاشهم . ففى ظروف كهذه فان البيروقراطية المتحولة كتشخيص للراسمالى - المندفع بغايات التراكم – تقوم بالتخلص من كل ما تبقى من اشكال السيطرة الجماعية للطبقة العاملة على عمليات الانتاج , تقوم باحلال القهر بدل الاقتناع , تقوم بحشر كل الحياة الاجتماعية السياسية فى بناء ديكتاتورى .
    لقد كانت المنافسة التى اعتمدت عليها الطغمة الاستالينية , منافسة من نوع اخر. كانت الخوف من الحرب مع الدول الامبريالية فى اروبا . لقد قاد ذلك الخوف لعملية التصنيع السريع , كما راينا سابقا . اِن التنافس والمواجهة الحربية مع بريطانيا فى 1920 , والمانيا فى 1933 وفى 1945 , وامريكا بعد ذلك , املى على الدولة السوفيتية ممارسة اولويات اقتضت التركيز على الاستثمار فى مجال الصناعة الحربية الثقيلة , وهو المنهج الذى استمر حتى وقت البروسترويكا

    ينبع
                  

العنوان الكاتب Date
اِنتقام التاريخ isam ali01-22-06, 07:15 PM
  Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-22-06, 07:17 PM
  Re: اِنتقام التاريخ Elmuez01-22-06, 10:06 PM
    Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-23-06, 11:38 AM
  Re: اِنتقام التاريخ عمر ادريس محمد01-23-06, 01:29 PM
    Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-24-06, 01:37 PM
      Re: اِنتقام التاريخ خالد فضل01-25-06, 07:12 AM
  Re: اِنتقام التاريخ خالد فضل01-25-06, 00:57 AM
    Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-25-06, 02:22 PM
      Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-26-06, 03:36 PM
  Re: اِنتقام التاريخ Elmuez01-26-06, 05:30 PM
    Re: اِنتقام التاريخ charles deng01-27-06, 08:28 AM
      Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-28-06, 09:09 PM
        Re: اِنتقام التاريخ A.Razek Althalib01-29-06, 06:16 AM
      Re: اِنتقام التاريخ isam ali01-29-06, 11:15 PM
        Re: اِنتقام التاريخ charles deng01-30-06, 07:26 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de