|
د. عبد الماجد بوب يضئ جانباً من حياة جوزيف أدوهو
|
الاخوة القراء
يسعدني جداً ان اضع بين يديكم هذا المقال الرصين الذى كلفني بوضعه علي المنبر كاتبه الصديق د. عبد الماجد بوب ،الرجل ذو القلم الطليق واللغة المميزة . ادعوكم الي الاطلاع عليه.
صديق.
فى ذكرى الإستقلال: مات جوزيف فى طريق "السودان الجديد" أسعدنى الظرف لبضع سنوات أن أراقب ثم أتعرف من مدى قريب على "أونكل" جوزيف كما يسميه أبناؤه الجنوبيون تحبباُ . فقد كان جوزيف أدوهو كثير التردد على مكتبة جامعة جوبا . يقلب هنا وهناك يكتب ويطالع بنهم وكأنه طالب ملهوف يسابق الزمن . فى وقت لم يعد فيه الإطلاع فى مقدمة هموم كثير من الناس . وكانت المدينة حتى ذلك الوقت ، على مشارف الثمانينات الماضية ، تعيش خواتم أيام الرغد الذى عاشته بعد توقيع إتفاقية أديس ، وتدفق الأمواال والإعانات . وبدت فى الأفق مناورات ، وإنقسامات بلغت مداها بتقسيم الإقليم الجنوبى . وكان ذلك القرارا وبالاً على كل السودان وأقاليم الجنوب . وسارت الأمور فى منعطف حاد حتى قيام الحركة/الجيش الشعبى لتحرير السودان . وما حدث بعد ذلك معلوم للقاصى والدانى . كان أدوهو مديد القامة ، أنيقاً فى كل الأوقاتً ، صارم القسمات فى جل الأوقات ، ولكنه يحمل فى طياته شخصاً دافئاً وطيب القلب . وفوق ذلك كان رجلاً مطلعاً فى التاريخ والأدب ومتحزلقاً فى إختيار كلماته ومخارجها . لا عجب فقد كان معلماً للغة الإنجليزية . وكذلك كان ولده كيزيتو نابهاٍ ، مصقولاً ، جميل المحيا ، وهادىء الطبع فى آن واحد. إنضم الأب والإبن تباعاً إلى الحركة/الجيش الشعبى منذ تأسيسهما فى عام 1983 . أوكلت إلى جوزيف رئاسة اللجنة السياسية للحركة فى خضم صراعات دموية مع دعاة الإنفصال صمويل قايتوت واكوت اتيم ووليم عبدالله شول . وعلى عكس مايتوقع المرء إنحاز ادوهو إلى مجموعة العقيد قرنق . فقد ظل لأمد طويل من عتاة "الإنفصاليين" . أما كزيتو فقد كان شديد الإعتداد بوالده . وماذا يعيب فى ذلك ، فقد كان أبوه فى قلب كل المعارك والأحداث الكبيرة التى خاضها الجنوب منذ منتصف الخمسينات . وهكذا سار فى خطاه وانضم إلى الجيش الشعبى وقاتل فى صفوفه فى المعارك الأولى . غير أنه لم يحيا طويلاً ليشاهد بعينيه ثمرة نضاله المبكر . فقد عاجله الموت فى إحدى مستشفيات نيروبى ، وهو لما يزل فى ربيع أيامه . ومثل هذه المأساة الفاجعة عاشها ادوهو من قبل عند مطلع الستينات عندما توفيت زوجته وهو ومجموعة أخرى من القادة الجنوبيين منهمكون فى إتمام الترتيبات الأخيرة لإنطلاقة حركة الأنيانيا وحزب سانو . عمل ادوهو معلماً وتلقى تدريباً فى معهد بخت الرضا حتى عام 1956 . وكان لتوه قد أخليت ساحته من تهم غليظة تحمل عقوبة الموت ، بسبب إشتراكه فى الأحداث التى أدت إلى تمرد حامية توريت فى شرق الإستوائية وتعتبر معقلاً لقبيلة اللاتوكا التى ينتمى إليها . وربما تكون تلك الأحداث سبباً مباشراً فى تغيير مساره إلى الأبد . فقد ترشح بعدها ، ونال مقعداً فى إنتخابات عام 1957 . وفى داخل الكتلة البرلمانية الجنوبية توطدت صلاته بالأب سترنينو لوهرى وأزبونى منديرى وكانوا من غلاة المطالبين "بالفدريشن" . وهذا ما حمل أزبونى على تكوين حزب جنوبى بهذا الأسم وانتهى الأمر إلى محاكمته وسجنه . فى ليلة عيد الميلاد بعد مرور عامين على إنقلاب الفريق إبراهيم عبود تسلل أدوهو والأب سترنينو إلى الكنغو ولحق بهم فيما بعد وليم دينج والنقيب جوزيف لاقو . وأعلنوا بداية العمل المسلح باسم الأنيانيا "السم الذى لا يمهل مصابه ليسترد أنفاسه" . تولى ادوهو الرئاسة وآلت السكرتارية إلى وليم دينج . غير أن الرجلين لم يكونا على وفاق . وانتهى الأمربينهما إلى إتهامات وتخوين وعزل وكانت هذه هى القاعدة وليست الإستثناء فى داخل حركة الأنيانيا حتى مطلع السبعينات . وعرف عن أدوهو أنه متطلع للزعامة ومشاكس وصلف . إنتهى به الأمر إلى عزل حليفه المعتمد أقرى جادين وإلى قطيعة لم تكن فى الحسبان مع الأب الروحى لحركة الانيانيا سترنينو لوهرى . كان أدوهو من أشد المعارضين لتوقيع إتفاقية أديس أبابا . ومعروف أنه فى اللحظات الأخيرة قبل إتمام مراسم توقيعها سافر بصحبة قائد الأنيانيا جوزيف لاقو وعدد من المستشارين الإسرائيليين للمطالبة باعادة النظر فى بعض بنود الإتفاقية . إلا أن إمبراطور إثيوبيا وقف وقفة مشهودة حمت الإتفاقية من الإنهيار . عاد ادوهو إلى جنوب السودان وتولى موقعاً وزارياً ، لم يبق فيه طويلاً . فقد ظل على موقفه المعارض للإتفاقية باعتبارها صفقة خاسرة مع حكومة نميرى . ولم يكن هو الوحيد الذى اتخذ ذلك الموقف . فسرعان ما استشرت حالات العصيان والتمرد . كان من بينها تمرد القوات المكلفة بحراسة مطار جوبا . تمت هزيمة المحاولة واعتقل ادوهو وسجن بسبب ضلوعه فيها . ولكن كعادته كان رجلاً شديد المراس . لا يكاد يخرج من معركة خاسرة إلا ليتأهب لمعركة أخرى . ففى نحو عام 1987 أخذ اليأس يتسرب إليه بسبب خيبة الأمل فى رفقائه المناضلين القدامى . وتحول إلى مجموعات الشباب التى أقامت عدداً من المنظمات المناهضة لحكومات الجنوب والشمال . ووجد موقعه فيما يعرف بحركة "نام" (حركة العمل الوطنى) . وضمت هذه الحركة بعض العناصر الشيوعية وخريجى الجامعات المصرية وأنصار الإشتراكية الإفريقية "الماوية" . وأصبح لهذه الحركة أفرع وأصداء فى واو وملكال ومريدى وياى . غير أن الحركة لم تعمر طويلاً بسبب تقسيم الإقليم الجنوبى إلى ثلاثة أقاليم . وكعادته لم يهدأ لجوزيف أدوهو بال . فاتجه إلى العمل المعارض لقرار تقسيم الإقليم الجنوبى وصار من أهم أركان "مجلس وحدة الجنوب" برئاسة كلمنت امبورو . ووجه المجلس مذكرات صارمة إلى الرئيس نميرى . وتصاعدت حدة المواجهة بعد تطبيق قوانين "الشريعة الإسلامية" فى سبتمبر 1983 . وقبل ذلك بقليل تم الاعلان عن تكوين الحركة والجيش الشعبى لتحرير السودان (مايو 1983) . كان ادوهو من أبرز السياسيين الجنوبيين القدماء الذين انضموا إلى الحركة وتولى فى بداية الأمر رئاسة اللجنة السياسية العليا ، كما أسلفنا ، غير أنه لم يبق فى هذا المنصب طويلاً . ولأسباب لم تعرف حتى هذه اللحظة تم إعتقاله وسجنه لينضم إلى الرائد أروك ثون وكاربينو الذين اعتقلا تباعاً حتى منتصف عام 1988 . لم يشفع لأنكل جوزيف تاريخه النضالى وكبر سنه وهزاله . وقضى بضع سنوات فى إحدى معتقلات الحركة فى كوكادام . وكما هو جوزيف ادوهو ، تمكن بطريقة ما من الهرب فى عام 1990 ولحق بمجموعة ريك مشار ولام اكول وغوردون كونج التى إنشقت عن الحركة الأم . ولم يخطر بباله مرة أن يستجم بعد كل المعارك التى خاضها ، وينشد الراحة فى خواتم أيامه . فقد بقى فى وسط الأحراش يقاتل إلى جانب الفصائل المنشقة ضد الجيش الشعبى حتى تمت مباغتته والمجموعة التى أحاطت به من قبل أفراد الجيش الشعبى . وهرول رفاقاء السلاح طلباً للسلامة ، وتركوا وراءهم أكبرهم سناً ومكانة جوزيف ادوهو وجرحاهم وشهداءهم . وهذا الحدث على أهميته لم يتطرق له الدكتور لام اكول فى مذكراته التى لم يترك فيها شاردة أو واردة . الآن وقد توحد الفرقاء داخل الحركة الشعبية يتعين على قادتها الكشف عن الملابسات التى اغتيل فيها جوزيف ادوهو ، ورد إعتباره . ففى ذلك بعض الوفاء لنضاله من أجل بناء "السودان الجديد" مع رفاقه فى قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان . ومهما اختلف الناس حول آرائه ومواقفه فلا جدال فى أنه جسد الحركة السياسية وتطلعات الجنوبين التى تراوحت بين الوحدة والإنفصال .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: د. عبد الماجد بوب يضئ جانباً من حياة جوزيف أدوهو (Re: Kostawi)
|
مقال رصين يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الحركات الثورية فى جنوب السودان فالتحية للدكتور عبدالماجد على بوب وهو من الضليعين فى تاريخ السودان السياسى فلديه الكثير من الوثائق االمقرؤة والمسموعة والروايات المستقاة من شفاه الكثيرين من عاصرو وعايشو الكثير من الاحداث السياسية فى مراحل مختلفة من تاريخ السودان السياسى والدكتور عبدالماجد هو عضو فى البورد فنتمنى منه ان يطلق ليراعه العنان ليكتب ما بمعيته من من شواهد واحداث مع خالص تحياتنا له ولافراد اسرته.
سيف جبريل
| |
|
|
|
|
|
|
|