|
علم البديع و البيان في لغة أهل السودان
|
علم البديع ، علم بديع في لغة الضاد ، و أهلنا في السودان ، لهم حصيلة من المفردات (البديعة) تفوق مفردات علم البديع عند العرب العاربة و المستعربة. و الدلالات على ذلك كثيرة بشهادة معظم الفطاحل و الجهابذة في هذه اللغة و بإعترافهم بأن السودان سيكون خط الدفاع الأخير للغة العربية بالأدباء و الكتاب و الشعراء و المادحين و الصوفية. علم البديع هذا يتكون من الأقسام التالية:
(1) المبالغة : و هي بلوغ المتكلم في وصفه لأمر من الأمور حدا مستبعدا أو مستحيلا ، سواء كان ذلك في الشدة أم في الضعف مثل قول الشاعر عمرو بن كلثوم :
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر صاغرينا
( عمرو بن كلثوم ) هذا لو كان حياً إلى يومنا هذا ، ما أن تبشره الداية و تقول له مبروك جاك ولد و تزغرد الحبوبة ، حتى ترتجف أوصال ناس القصر الجمهوري و القيادة العامة و أسياس أفورقي يعلن التعبئة العامة و موسوفيني يقول ألحقنا يا عم سام. و عمنا حسني ود مبارك يقول :
الله ، هو قِهْ ( يعني هو وصل ؟ ) ، بأوولك إيه يا طنطاوي ، إطلعوا من حلايب بسرعة أحسن الواد دة يطربأها على دماغ اللي خلفونا.
و يوم سماية الولد الهزبر هذا ، يعاد النظر في التوالي و مشاكوس و نيفاشا بشقيها و الأحزاب المؤتلفة و المؤلفة قلوبهم و المهمشة و المهشمة أفئدتهم ، و يعاد أهل الحماداب إلى ديارهم و يتم تمزيق إتفاقية سد مروي و يتم إصلاح محطة بري اللاحرارية إلى الآن. و العجب لو دخل الكلية الحربية يقومو ناس هناي يطبعوا ليهو البيان الأول من يوم دخولو الكلية ، و يوم يتخرج يلقى كل شي جاهز.
نحن السودانيين ، بلا فخر ، أجدع ناس في علم المبالغة. لو أردنا أن نعمل ( زوووم ) لأي موضوع ، لا يمكن أن يتم تعديل هذه المبالغة إلا بزوم معاكس من نفس المصدر أو ( بنيران صديقة) فنقول ( الضحك شرطو) ، هذه المبالغة بالذات تخيفني ، فمعنى هذا أن نهاية الشفتين عند إلتقاءهما بالجضوم معرضة للشرط في أي لحظة بسبب ضحكة مجلجلة.
و نقول عندما نريد أن ندعو على أحد : ( الحمى ال يجسوها بالمجس أو المقص). يعني إن شاء الله الحمى بتاعتك دي ، و من شدتها لا يمكن لأحد ملامسة بشرتك و سطح جلدك إلا بمقص و الذي ستسري الحرارة من خلاله إلى الذي يجس حرارتك البركانية هذه دون قراءة أي أرقام ترموميترية ، يكفي أن نعرف أنك محروق و ريحتك شايطة.
عندنا مثل جميل في السودان ( ما بريدك ، و ما بحمل بلاك ). فهذا يعني علاقة المصلحة فقط ، أو يصلح كدعوة للتعايش السلمي بين قبائل التماس ، طبعا أكيد الواحد عقلو ينصرف بسرعة نحو تلك الفنانة التي كأنها أكلت ليها شطة كاربة و طوالي جات الأستوديو و هي لا تزال تعاني من حرقة الشطة و سجلت أغنية ( أخاصمك لا ، أحبك آه ) ، و رغم أنني أشك في أن أحدا يمكن أن يخاصمها ، إلا أن حبها من النوع المستحيل لأنها لن تعطي العاشق فرصة ليحبها و هي تتلوي كالصارقيل و الدودة الشريطية.
نقول أيضا ( ريحتو ترمي الصقر الطاير في السما ) ، معنى هذا أن لدينا ريحة ( غير متعوب في صناعتها ) يمكن أن نستعملها بدل صواريخ إستنغر أو توماهوك ، سلاح سري لا يحتاج إلى منصات إطلاق أو إلى تفتيش من ( المنافق بليكس ) أو ( البرادعي ) الضاحك ديمة ، على ماذا لا ندري. و لو ود أفورقي عمل شنكبة أو عنكبة نودي ليهو كم واحد من أصحاب هذه الريحة الصاروخية و نختهم في همشكوريب ، و نجيب مراوح كبيرة و نخليها وراهم ، و يا ناس أسمرا جاكم الكيماوي و البايولوجي. و الله البحر الأحمر ما يوقفهم ، و يمكن الريحة تصل لأبو يمن بي هناك ، فيستعيض بها عن القات و يدمن ريحتنا هذه ، و نصدر ليهم الناس ديل لو عاوزين ، بس الواحد يمشي هناك و يقاول ليهو كم نفر ، كلما تجي للواحد الخرمة ، يشمموا شوية . شغلانة ساهلة و مربحة.
أنظروا لقوة المعنى و قوة الفخر الموغلة في المبالغة في هذه الجملة : ( سيوفهم تلحس الفقرة ) ، فهذه السيوف من حدتها ، ما عندها وقت تقطع أو تجز أو تنحر ، إنما هي لحسة واحدة كلحسة اللسان للآيس كريم و تكون فقرات العمود الفقري قد إنقسمت إلى دوائر دوائر كحبات الخيار في طبق السلطة.
نروح للقسم الثاني من علم البديع :
( 2 ) المطابقة : و هو أن يجمع المتكلم في كلامه بين كلمة و ضدها في المعنى ، مثل قول أبي فراس الحمداني :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك و لا أمر
فقد جمع الشاعر بين المصدر ( أمر ) و ضده ( نهى ).
كتب أحد الأطباء السودانيين الظرفاء لمريضه و صديقه الأكول النهم :
أراك عصي المضغ شيمتك البلع أما لبطنك نهي عليك ولا أمر فرد عليه الصديق : بلى إني أحب الأكل و بي لوعة و لكن جوعي لا يكفيه بحر
و قال الشاعر : خلقوا و ما خلقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا و ما خلقوا رزقوا و ما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا و ما رزقوا
معنى هذا أن هؤلاء الناس خلقهم الله و رزقهم من نعماءه و لكنهم كأنهم لم يخلقوا و لم يرزقوا لأنهم تنقصهم المكارم و أيضا بخلاء ، فلا صدقة و لا زكاة تماما مثل الذين يكنزون المال ، إلى أن تأتينا حكومة جديدة ، فيذهبون للبنك و هم يحملون أموالهم في الشوالات المهترءة و الصفائح الصدئة لتغييرها بالعملة الجديدة. أم رشا عندما كانت في بنك السودان سألتْ أحد هؤلاء الكانزين عندما أتى للتغيير و هو يفرغ شوالاته بالعملة ( البقت ما بتعرف ليها لون ) : قروشك ديل كم يا حاج ؟ فقال : و الله ما متأكد ، لاكين كل ربطة أدوني قصادا ربطة زيها. و كأن عملتنا قد تحولت إلى ربطات ملوخية و جرجير.
(3) المقابلة :
أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو بمعان متوافقة ثم بضديهما أو بأضدادهما على الترتيب مثل قول أبي فراس :
أيضحك مأسور و تبكي طليقة و يندب محزون و يسكت سال ؟
هنا مقابلتان ثنائيتان : الأولى ( أيضحك مأسور ) و معناها أيضحك من هو في السجن ، و يقابلها ( تبكي طليقة ) و معناها هل تبكي من كانت حرة طليقة فأنظر إلى يضحك و تبكي ثم مأسور و طليقة. المقابلة الثانية ( يندب محزون ) و معناها هل يعدد المحزون أحزانه و يقابلها يسكت سال ، معناها هل يسكت رجل ذو تسلية . فأنظر إلى يندب و يسكت ، ثم محزون و سال.
( 4 ) التورية :
أن يذكر المتكلم في كلامه كلمة لها معنيان : أحدهما ظاهر قريب غير مراد أو مقصود و الآخر خفي بعيد لا يفطن له الذهن مباشرة و هو المراد و المقصود ، مثل قول الشاعر :
يمر بي كل وقت و كلما مر يحلو
التورية في كلمة مر ، فالمعنى القريب الظاهر غير المقصود و المراد من المرارة بدليل أن الشاعر ألمح بكلمة ( يحلو ) ، و المعنى البعيد الخفي المراد هو المرور.
(5) الجناس : هو ما إختلفت فيه الكلمات في أنواع الأحرف أو شكلها أو عددها أو ترتيبها مثل :
يا للغروب و ما به من عبرة للمستهام و عبرة للرائي
العين في عبرة الأولى مفتوحة و في الثانية مكسورة. و الجناس بين عبرة بمعنى دمعة و بين عبرة بمعنى عظة و هما متجانستان في جميع أحرفهما و مختلفتان في التشكيل فقط و هذا جناس ناقص ، أيضا مثال :
بيت من الشعر و بيت من الشعر ( بكسر الشين في الأولى و فتح الشين في الثانية). أما الجناس التام هو ما إتفق فيه كل شيء حتى التشكيل مثل :
خليلي إن قالت بثينة : ماله أتانا بلا وعد ؟ فقولا لها لها
الجناس بين اللفظين لها و لها. فالأولى حرف جر مع ضمير متصل و الثانية فعل ماضي يلهو.
(6) الإقتباس : و هو تضمين الكلام أو الشعر شيئا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف :
مثل : أنا شيخ الغرام من يتبعني أهده في الهوى صراطا سويا أنا ميت الهوى و يوم أراهم ذلك اليوم يوم أبعث حيا إن كانت العشاق من أخبارهم جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني كنت إتخذت مع الرسول سبيلا
(7) السجع : و هو توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الأخير من النثر مثل قول الخنساء في أخيها :
طويل النجاد ، رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتى
و نحن قوم في السودان ، يجري السجع فينا مجرى الدم ، و يتلبس الحادي في العتامير و البوادي ، و الشاعر في إنقطاعه و الأديب في صالونه ، حتى النساء ، هن ساجعات في بيوت البكيات ، و بيوت الأفراح و حتى الأمهات في تدليعهن لنا يقلن و هن يقمن بالتهشيك : ( يا عشا البايتات ، مقنع الخايفات ، أخو البنات ، فارس الحوبات ، دافس العركات ، ) و لزوم مجاراة روح العصر تمت إضافة : راكب الركشات ، فالركشة تحتاج لقوة قلب خاصة في الكلاكلات و الدروشاب ). ألا توافقونني أن هذا التدليع برضو ينفع نشيد وطني يلهب الأعصاب فنتنادي خفافا و ثقالا لخوض حرب ضروس ؟ أنظروا لهذا التدليع من الأمهات في السودان ، و تدليع الأمهات لأولادهن عند الغير :من العرب العاربة: تعال يا حبيب ماما يا كميل ( كميل معناها جميل ، و أستبدل الجيم بالكاف لأن الكاف حرف لطيف على الأسنان و الحلق و اللسان خاصة عند مضغ اللبان اللادي). تعال يا بيضا يا حلوة يا طعمة . ( هذا من كثرة أكل الجبنة الحلوم). وينك يا بعد قلبي و كبدي ( دي غايتو شتيمة مبطنة .. لأنو بعد قلبها و كبدها أظنو بيقع الطوحال أو المرارة و الإتنين ديل سمعتهم ما كويسة ). تعال يا نظر عيني ( يعني ديل أصلهن ما يحتاجن نضارات أو عدسات لاصقة ، لإنو عندهن الولد دة بالنسبة ليهن نظر إحتياطي ).
إحدى المصريات في الرياض ، ذهبت مع جارتها السودانية لتعزية جارتهن التي جاء خبر وفاة عمها بالسودان، و تصادف وجود إحدى قريبات المتوفي ، و هي إمرأة من الجيل الذي شارف على الإنقراض ، و كانت تبكي و هي جالسة في نص الأوضة و النساء متحلقات حولها : الليلة وووووب يا جمل الشيل ، الليلة ووووب يا ميزان الدهب الوزنو تقيل.. يا بحر الدميرة يا أسد القبيلة ، الليلة ضيفانك باتوا القوى في المسيد ، يا سيد الكرم و قايد الأجاويد).
فهمستْ المصرية في أذن جارتها السودانية : إنت مش قلتيلي إنو المتوفي إسمو الحاج ساتي ، أمال دول كلهم ماتوا إمتى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
|
|
|
|
|
|