|
|
 الفساد والانقاذ/ هلال زاهر الساداتي
|
الفساد والإنقاذ
هلال زاهر الساداتي – القاهرة
الفساد آفة ووباء لا ينمو ويتكاثر إلا في بيئة قذرة موبوءة بالتسلط والاستبداد وهو كالجراثيم يوجد ويتغلغل في خلايا و أجزاء الدولة من مصالح حكومية ووزارات والنواة التي يتمحور حولها الفساد هي انعدام الحرية فيكبت النقد وتلجم الألسن ويبعد ويضطهد الشرفاء وتفتح السجون والمعتقلات للمعارضين والأحرار , ويقرب ويسود أنصار النظام ومن والاهم من المتسلقين والانتهازيين ومنعدمي الضمائر ومعهم طائفة من المخدوعين الذين غسلت أدمغتهم وحشوها بكل باطل , ومنذ أن ابتلي وطننا بحكم الجبهة الاستبدادي خبرنا حكومة بوليسية غاشمة لم يشهد لها السودان مثيلا في تاريخه الحديث وحتى في عهد المستعمر من حظر تجول بالسنين وتحول البلد إلى سجن كبير , وقطع للأرزاق , وتعذيب في بيوت الأشباح , وقصف أهلنا في دارفور بالطائرات , وتضييق في المعيشة , وسرقة المال العام بدون حسيب أو رقيب , بل مجازاة المختلس اللص أو المفسد بترفيعه في الوظيفة ونقله إلى موقع افضل ليمارس فيه فجوره علي نطاق أوسع , وصعاليك عاطلين من كل موهبة اغتنوا ما بين يوم وليلة فاصبحوا من أصحاب الملايين وابتنوا القصور وركبوا العربات الفارهة , ويكفي في هذا الصدد ما ذكره كثيرا شيخهم الترابي والذي أبعدوه , من استشراء الفساد بينهم !
والأمثلة اكثر من أن تعد وتحصي ويعرفها القاصي والداني من أهل السودان , وتعدت سمعة الفساد الكبير لخارج الحدود فصنفوا السودان في ذيل قائمة الدول في العالم الذي يستشري فيها الفساد !
لقد استمعت إلى الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية في ذكري عيد الاستقلال الخمسين في القصر الجمهوري , وكان مما قاله العزم علي محاربة الفساد وسن القوانين وتفعيل العمل لمكافحة الفساد .
هذا كلام جميل إذا صدق , ولكن الخشية أن يكون الكلام من عينة نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع , ومن نوع المشروع الحضاري الذي كان وبالا علي وطننا , فقد علمتنا تجارب اكثر من عقد ونصف من الزمان معهم انهم يقولون ما لا يفعلون وبينهم وبين الصدق ما بين الحقيقة والخيال , ولا زلنا وبرغم اتفاقية السلام التي أكملت العام وبرغم الحكومة التي أسموها حكومة الوحدة الوطنية لم نشهد تغييرا يذكر في حياتنا فالقوانين المقيدة للحريات لا تزال سارية وما زالت قبضة الأمن طاغية علي كل شئ , بل الأمن هم الحكومة الأصلية الخفية , ولذلك يصعب التصديق بأن هؤلاء الناس قد تغيروا بين ليلة وضحاها اللهم إلا إذا تحول الذئب إلى حمل !
ونقول للمشير البشير أن قانون العقوبات يعج بالقوانين التي تحكم جرائم الفساد من كل شكل ونوع , وانك تعلم ذلك دون شك , فأن كنت فعّلتها طيلة سني حكمك لما وصل الحال إلى ما وصل إليه من سوء ! ويحضرني هنا ما كنا عليه في ماضينا من حال قبل مجيئكم وما صرنا إليه بعدكم وذلك للاعتبار والتذكير . و أوردت هذا الحديث في كتابي (الطباشيرة والكتاب والناس ) ففي العام التاسع والخمسين من سنة ألف وتسعمائة ميلادية عينتني وزارة التربية والتعليم ناظرا لافتح أول مدرسة متوسطة في مدينة المناقل وفي العام الأول لي وكان بالمدرسة فصل واحد وهو الصف الأول متوسط وفد إلى البلدة فريق من المراجعين التابعين لديوان المراجع العام لحكومة السودان وذلك بغرض مراجعة حسابات الوحدات الحكومية . وكان التعليم بمصروفات في المرحلتين المتوسطة والثانوية حينذاك , وكان لكل مدرسة ميزانية خاصة بها ومنها بند للنثرية لتيسير العمل وكانت ثلاثة جنيهات تتجدد كلما نفدت أو أوشكت علي النفاد وتصرف بأذن صرف , كما أن المصروفات تستلم بإيصالات رقم 15 وتورد بأورنيك 67 لخزينة المجلس الريفي أو البلدي , وزارني أحد المراجعين وقام بمراجعة الدفاتر المالية (15 و67) , ودفاتر مخزن الغذاءات الجافة والمنصرف منها والمتبقي بالمخزن , واقفل الدفاتر بقلم المراجعة الأخضر . وكانت فرق المراجع العام تجوب كل السودان في كل عام لمراجعة الحسابات وضبطها وتسليم كل من خان الأمانة إلى الشرطة وتقديمه للقضاء لينال جزاءه في الحال . وكانت للمراجعين سلطات الإحالة للقضاء للمختلسين , وللحقيقة كان هؤلاء الرجال قمم في أخلاقهم وأمانتهم ودقة عملهم وكانوا لا يجاملون أو يتغاضون عن المنحرفين .
وحادث آخر وقع لي عندما كنت ناظرا لمدرسة عطبرة الأميرية المتوسطة , فقد تلقيت خطابا من مكتب المراجع العام يسأل فيه عن ما تم في إعادة مبلغ مختلس من المصروفات , وردت عليه بأن الناظر المختلس قد قدم للمحاكمة وحوكم بالسجن وما زال يقضي مدة العقوبة وجاء بعده ناظر ثم نقل وجئت أنا ناظرا بعده ولا اعلم شيئا عن الموضوع , و أوردت هاتين الحادثتين لأدلل علي مدي الحرص علي المال العام واليقظة والمتابعة من قبل ديوان المراجع العام .
من هنا يتضح لنا معدن الرجال الذين كانوا يعملون في بلادنا ومن تبقي منهم (رفتوه) للصالح العام و أتيتم بأعوانكم الذين استباحوا المال العام والحرمات , و أصبحت السرقات بالمليارات , وراحت تقارير المراجع العام مع الريح , مع المكابرة وإنكار حكومتكم ومداراتها وحمايتها للفساد والمفسدين من الجبهجية .
ونود إجابة علي سؤال واحد وهو : كم من المختلسين قبض عليه أو قدم للمحاكمة ؟
ونحن الذين عاصرنا جميع العهود وحققنا الانعتاق من الاستعمار وعايشنا الحكومات الوطنية من ديمقراطية ودكتاتورية لم نشهد حكما في الظلم والعسف مثل حكم الجبهة القومية الإسلامية بمسمياتها العديدة .
السيد المشير : ليست العبرة بسن القوانين ولكن بالرجال الذين ينفذون القوانين ويقيمون العدل , والعبرة بالحكام أعلاهم و أدناهم الذين يمثلون القدوة الحسنة لمواطنيهم ويتصفون بالطهارة والأمانة والنزاهة .
[email protected]
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست