|
مصطفي سيد أحمد ذلك البحر العميق في ذكراه العاشرة - بقلم ماضي أحمد محمود
|
تمر علينا ذكرى رحيله العاشرة في هذه الأيام ( يناير 1996 - يناير 2006 ) وحتى لا يعبرنا الحدث لذاكرة النسيان هاهو صديقه الوفي ماضي أحمد محمود الباحث والشاعر يترجم لنا ويخصنا ببعض من مشاعره الفياضة تجاه ذاك البحر العميق مصطفى سيد أحمد . فألى لب المقال:
" حاول أسرح فينا حبة وشوفنا أبعد من عيوّنا يا ما تلقى تراب بلدنا وتلقى نيلنا الما بخوّنا ويا حبيبنا حياتنا رحلة رحلة مجهولة وغريبة الف طفل وألف طفلة ِلسة منتظرين نجيهم بالهدايات الحبيبة "
لما تمنعت في قصيدة " أبعاد جديدة " التي إحتواها ديوان أخي د. عز الدين هلالي " قصائد لم يٌغنها مصطفى سيد أحمد " ، أحالتني هذه القصيدة إلى شقيقة لها لذات الصديق الشاعر، إنت ِ لىُ ، ومهما عمر السكة طال وأيامو صِبحت ما وفيه راح نلاقي بعضنا يوم والريدة لِسع هِّي هِّي .
إذن ، نحن بازاء حالة وجدانية إسمها القصيدة – الوطن أو الوطنُ – القصيدة ، فكلاهما صحيح في مبتدأ الأمر ومنتهاه .
حيث تماهت هذه الحالة منذ " عزة في هواك " لخليل فرح وقصائدُ لشعراء كُثر ، لا وقت في هذه العُجالة لإدراكهم جميعاً أو إسقاط بعضهم سهواً فكلهم قد هامو حباً في حضرةِ الوطن الجميل ، وليس لنا إلا التحياتُ له وبعضُ أشعارٍ من الحزن النبيل . وينسدل ذلك التماهي في الحالة الوجدانية عند بحثنا عن الهوية في مدرسة الغابة والصحراء وعند حدائنا الجميل للوطن في الاكتوبريات ، حين تسلحنا باكتوبر لن نرجع شبرا !…. لكننا رجعنا أميالاً وأميالاً وحفرة إثر حفرة . انتشلنا من هذه الوهدة في منتصف السبعينيات ، شاب" أسمر البشرة وضاح المحيا … معلماً في المدارس ! لم يقلد أحداً ، بل كان بنفسه وبرسالته فخوراً … مصطفي سيد أحمد مقبول.
نحن هنا الآن ، في حالةِ إتحادِ الجسدِ والروح والوطن في كيان بشري يمشي بين الناس ويتكلم ..يغني ..ويرسم ويكتب الشعر ، وقد وقفت على العديد من قصائده الشعرية في الدوحة في منتصف التسعينيات .
أذلهني شيءُ عجيب ! … أن شاعريته التي تحدثت عنها ، فضلاً عن حالة الإتحاد أفرزتا دِقة مثالية في إختياره لقصائِد شعراء كان الوطن بالنسبة إليهم هو القضية .
أنظر إلى يحيى فضل الله ، وهنا أرى أنه يحق لى إيرادُ أسماء الشعراء ، لأني على الأقل إن لم أكن أعرف غالبيتهم فقد جايلتهم ، أنظر إلى يحيى فضل الله وهو يقول :-
يا ضُلنا المرسوم على رمل المسافة وشاكى من طول الطريق قول للبنية ُ الخايفة من نار الحروف تحرق بيوتات الفريق قول ليها ما تتخوفي دى النسمة بتجيب الأمل والأمل بصبح رفيق . أو استمع إلى مصطفي وهو يشدو بكلمات أزهرى محمد على:- الصباح الباهى لونك وضاحة يافخر المشارق غابة الأبنوس عيونك يابنية من خبز الفنادك شيدتي في جواى صوامع للفرح وفتحت في دنياى مسارح للمرح وبقيتي لي سكة وعيون لا قدرت أطولك شان أحبك لا قدرت من غيرك أكون وإن لم تجد عزاءاً في كل الذي تغنى به ، ينتظرك الصادق الرضى متحدياً كل الظلم والغبن والطغيان :- قل للذين يوزعون الظلم باسم الله في الطرقات في صفوف الخبز والعربات والأسواق والقرف الدمار البحر يا صوت النسًاءِ الأمهات القحط ياصمت الرجال الأمهات الله حيُ لا يموت إن العمارات استطالت أغرقت أطفالك الجوعى على وسخ الرصيف ! أتاه الموت باكراً ولكنه كان لذلك مستعداً وسعيداً وكأني به يستلهم صلاحاً ( صلاح أحمد إبراهيم ) حيث قال :-
ياذكيَ العودِ بالمطرقة الصماءِ تشظي وبنيران لها ألفُ لسان قد تلظى ضُع على ضوئك في الناس إصطباراً أو مآثر
مثلما ضوُعَ في الأهوال صبراً آل ياسر فلئن كُنت كما أنت عَبقْ فأحترق ! فاحترق هذا الإنسان حباً في وطنه ولربما إحترق الوطنُ حباً فيه ! فقد أوجد هذا التلاقي أثراً درامياً في ديناميكية الذات الشعرية المتجهة بكلياتها نحو إنسان الوطن البسيط ولعل هذا جعل من ما كتبه شعراء الحداثة الثورية في السودان مثل محمد المكي إبراهيم ، د. عز الدين هلالي ، الكتيابي ، عمر الطيب الدوش ، هاشم صديق ، خطاب حسن أحمد ، صلاح حاج سعيد ، يحيى فضل الله ، د.بشرى الفاضل ، أبوذر الغفاري ، جمال حسن سعيد ، قاسم أبو زيد ، مدني يوسف النخلى ، القدال ، عاطف خيري ، الصادق الرضي وآخرين غيرهم بستاناً شعرياً قطف منه مصطفي ما أسعفته الأيام على قطفه ، ولو أمهلته الأقدار لإتكأ على هذه الدوحة واستزاد ، ولكن علاقته الفريدة مع الموت الذي يتربص به يوماً ويدعه في تاليه ، عند رحلة السرداب المظلم أوان غسل الكُلى ، جعلته يتقدم إليه مرفوع الرأس منتصب القامة النحيلة ، واثق الخطى وكأنه تلقى هاتفاً سرياً من صلاح أحمد إبراهيم :-
وأمان الله منا يا منايا كلما إشتقت لميمون المحُيا ذي البشاير شرّفي تجدينا مَثَلا في الناس سائر نقهر الموت حياةً ومصائر
ماضى أحمد محمود سوداني مقيم بدولة الإمارات الإمارات العربية المتحدة abuahmed 1953 @ yahoo .com
|
|
|
|
|
|
|
|
|