|
حتى لا يموت السودانيون كما يموت الذباب
|
ما حدث لأبناء وطننا في مصر ليس أمرا سهلا أو عابرا ، هو عمل شنيع وقبيح ولا يمكن أن يندرج تحت الفعل الإنساني بأي حال من الأحوال ، ولا يجب مطلقا تبرير الكارثة من أي طرف مهما كان ، كما لا يجب أبدا اعتبارها حدثا طارئا أو الإقلال من حجمها ... نعم كل القوانين الدولية والحقوق الإنسانية تكفل لنا حرية السفر ، وفي الدين - ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها . ولكن علينا نحن شعب السودان أن نعلم أن حكومتنا التي مارست علينا الظلم والإقصاء والتهميش لن تحمينا من ظلم الحكومات الأخرى ، بل هي تنظر للمهاجرين نظرة احتقار وترى فيهم رصيدا للمعارضة السياسية .. والهجرة أداة من أدوات اجتناب الظلم ، والبحث عن عيش كريم في بلاد الله الواسعة تفرضه ضرورات مرحلية . ولو أن حكومتنا عدلت بين المواطنين ، ومناطق البلاد ، ولو أنها بسطت المساواة ، وجعلت الإنسان حرا ، لما وجد الإنسان السوداني حاجة للهجرة . فالسودان في أساسه ليس بلدا طاردا لأبنائه ، لكنها السياسة وممارساتها الخاطئة هي التي أودت بالسودان الجميل الذي اعتاد أن يحتضن أهله ، وأبدلته بالسودان البلد الطارد الذي اعتاد تشريد أهله . هو الفشل والإصرار على استمرارية هذا الفشل ، هو العقلية المنغلقة والقاصرة ، هو الأنانية ، والرغبة في الاستحواذ على كل شيء ، هو الحقد الكامن تجاه الآخر ... من حقنا أن نعيش في بلادنا تماما كما يعيش فيها الرئيس أو أي من مساعديه أو وزرائه ، من حقنا أن نعيش في بلادنا تماما كما يعيش أمراء الحزب الحاكم ، من حقنا أن نعيش تماما كما يعيش الذين استحوذوا على الوظيفة العامة . لنا في بلادنا ما لهم ، وعلينا ما عليهم . فرص العيش ، فرص العمل ، فرص الكسب الحلال ، فرص النعليم ، العلاج ، الأمن ، وغيرها ، كلها يجب أن تتوفر للجميع على قدم المساواة . لا شيء يمكن أن يوزع الناس في بلادنا إلى مجموعات وفئات اقتصادية أو اجتماعية أو عرقية أو دينية متباينة ، لا يجب أن يرمى البعض بفقر مستمر ، وأن يصيب البعض غنى مستمر . لابد أن تحل العدالة الشاملة محل الاختلال في التوزيع ... حين يتوفر العيش الكريم ، والأمن ، للمواطن السوداني ، وحين تسود قيم الحرية ، والعدالة ، والمساواة ، سيجد الإنسان السوداني في داخله رغبة جامحة في العيش داخل الوطن ، وإن سافر خارج وطنه فسيسافر عزيزا مكرما ، لأنه لا يسافر وهو مظلوم أو منكسر أو فاقد الهوية . وكل من عاش خارج البلاد سيجد في نفسه دافعا للعودة والاستقرار .. إن أرادت حكومة السودان حماية شعبها من الموت المجاني ، فعليها إعادة الكرامة التي عملت على سلبها من المواطن . عليها أن تتجه فورا إلى التوزيع المتساوي . وأن تعمد فورا إلى إنهاء حالة الامتياز التي يعيشها البعض على حساب الأغلبية ...
|
|
|
|
|
|
|
|
|