|
مقال للقراي عن حرب العراق- حاجة العالم للسلام الآن!!
|
اطروحة أولى للحوار
كيف نحقق السلام ؟!
بالرغم من الحشود المنكرة للحرب ، التي نشاهدها الآن ، في كل وسائل الاعلام ، فان البشرية ، بفضل الله عليها ، ثم بفضل التطور العلمي ، وهذه التجارب المريرة المحزنة ، قد اصبحت أقرب الى السلام ، من اي وقت مضى .. فلم يحدث من قبل ، ان خرج ملايين البشر ، في مختلف انحاء العالم ، يدينون الحرب المحتملة ، قبل وقوعها ، ويغنون للسلام خلافاً لزعمائهم وحكوماتهم .. لقد كان طلائع الانسانية ، ورسلها ، هم الذين يستشرفون حاجتها الى السلام ، ويتحدثون عن غدها المأمول ، من الحرية والرخاء .. ولكن الشعور بالحاجة الى السلام ، والوعي المتزايد بضرورته ، والتطلع الى قرب مجيئه ، قد اصبح بفضل الله علينا ، موقف رجل الشارع العادي !!
والذين يدينون الحرب ، من انصار السلام ، وناشطي حقوق الانسان ، ومن قدموا انفسهم كدروع بشرية ، يحمون باجسادهم المدارس والمستشفيات في العراق ، لا يفعلون ذلك تأيداً لصدام حسين .. وانما هم رغم اختلاف مذاهبهم وآرائهم ، يميزون بين جرائم ودكتاتورية صدام ، وبين الابرياء المظلومين المقهورين ، من ابناء شعب العراق الذين لم يجدوا من نظام صدام ، الا الظلم والتقتيل ، ثم هاهم لا يكادون يجدون غير ذلك ، من دعاة الليبرالية والتقدم !!
ولاول مرة ينقسم المعسكر الراسمالي الغربي على نفسه ، وتختلف دوله الكبرى على أمر الحرب بهذه الصورة ، ثم تلجأ هذه الدول الى الامم المتحدة ، لتجعلها صاحبة السلطة الحقيقية ، في توجيه مصير العالم ، وفق مبادئ العدالة ومنظومة حقوق الانسان ..
لقد حلل آدم أسميث أبو الرأسمالية ، الوضع الاقتصادي في نهاية القرن الثامن عشر.. واقترح نظام السوق ، وتنبأ بانه اذا عرف كل مستهلك ومنتج ، مصلحته الشخصية في الربح ، وعمل لتحقيقها ، فان المصلحة العامة تتحقق لجميع البشر.. ذلك ان يداً خفية ، ستنظم الاقتصاد ، وتسوق المجتمع بخطى حثيثة نحو الرفاة والسعادة .. ثم جاء كارل ماركس ، في منتصف القرن التاسع عشر ، وحلل الاقتصاد البريطاني المزدهر ، وخرج بنبوءة ، مخالفة تماماً لآدم أسميث ، فحواها ان الملكية الفردية لمصادر ووسائل الانتاج ، ونظام السوق الحر ، ستؤدي الى تراكم الثروة في جانب ، والفقر في الجانب الآخر.. وهو وضع متناقض لا يقوّم الا بثورة ، وذلك لان اصحاب رؤوس الاموال ، لا يتنازلون عنها ، ولا يقتسمونها مع المحتاجين ، ويمكن ان يبطشوا باي شخص ، ويهدروا أي قيمة ، من اجل بقاء هذا الوضع الشاذ ..
فاذا نظرنا الى الواقع اليوم ، نجد ان نبؤة ماركس ، هي التي تحققت !! ذلك اننا الآن نعيش في عالم ، منقسم بين شمال غني وجنوب معدم .. وبين قلة قليلة ، في الشمال الغني ، تملك الثروة ، وكثرة غالبة تخدم هذه الثروة .. ان 20% من سكان الارض يملكون 83% من الدخل العالمي !! وان ال20% الاكثر فقراً بين هذه الشعوب يملكون حوالي 1 % من هذا الدخل !! ولقد نتج من هذا الوضع ان 40 الف شخص يموتون كل يوم بسبب الجوع أو سوء التغذية !! وفي امريكا اغنى دول العالم يملك 1 % من الشعب 70 % من الثروة القومية ويعيش 33 مليون أمريكي تحت حد الفقر !!
ان الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي ، و المعسكر الشرقي ، عموماً ، انما كان بسبب غياب الحرية من الفكر الماركسي ، ومن الممارسة الشيوعية .. بعد ان اصبحت دكتاتورية البروليتاريا ، هي دكتاتورية قيادة الحزب، وصارت وبالاً على الطبقات المسحوقة نفسها في داخل الاتحاد السوفيتي .. ثم امتد اعتداؤها ، فدخلت جحافل جيوشها المجر في الخمسينات ، وتشيكوسلوفاكيا في الستينات ، تتغول على حريات الشعوب في اوطانهم.. ولم يستطع حلفاء الاتحاد السوفيتي ، ولا الاحزاب الشيوعية ، حتى في الدول النامية ، ادانة هذه الجرائم التي ترتكب ضد الشعوب ..
ان الولايات المتحدة الامريكية ، تسير الآن في ذات الطريق ، على انها لا تملك سعة الوقت ، ولا عدم وعي الشعوب الذي اطال في عمر الاتحاد السوفيتي .. انك لا يمكن ان تتعدى على الآخرين ، ممن هم اضعف منك ، ثم تبرر ذلك بالحرب على الارهاب ، حين لا تملك الادلة القاطعة ، على ان الدولة التي تريد تدميرها ، وتقتيل اهلها ، هي التي مارست ذلك الارهاب البشع على بلدك من قبل .. ومهما يكن من امر ، فان ايجابية هذا الوضع المأساوي ، هي انه اظهر اهمية الامم المتحدة ، ونبه الى جعلها سلطة حقيقية ، وانما يتم ذلك بدعم الاعضاء لها ، والتفافهم حول برامجها ، وسعيهم لتطويرها..
في خطاب وجهه الاستاذ محمود محمد طه ، لمدير عام اليونسكو-بمناسبة تقرير المنظمة - نشر عام 1953 في جريدة صوت السودان قال ( ثلاثة أمور وردت في تقريركم لست ابالي ان لم يرد فيه غيرها .. فهي حسبي وحسب كل مفكر... ثلاثة أمور ، وسيلتان ، وغاية: اما الغاية فهي " اعداد انسان حر يعيش في مجتمع عالمي" .. واما الوسيلتان فاحداهما: " التعليم الجديد " ..... وثانيتهما النظام العالمي الذي اشرت اليه اشارة بعيدة بعبارة " خطة مشتركة".. فانت تريد ان تنجب الانسان الحر الذي يعيش في مجتمع عالمي .. وانت لكي تحقق ذلك تريد نظاماً دولياً مشتركاً ، وان شئت فسمه حكومة عالمية .. وتريد الى ذلك نوعاً جديداً من التعليم .... وهذا الكوكب الصغير الذي تعيش فيه الانسانية وحدة جغرافية ، قد ربط تقدم المواصلات الحديثة بين اطرافه ربطاً الغى الزمان والمكان ، الغاء يكاد يكون تاماً ، حتى لقد اصبحت جميع اجزاء المعمورة تتجاوب في مدى ساعات معدودات للحدث البسيط يحدث في اي جزء من اجزائه .. يضاف الى ذلك ان هذا الكوكب الصغير معمور بانسانية واحدة ، متساوية في اصل الفطرة ، وان تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين ..فينبغي والحالة هذه ، بل انه ، في الحقيقة ، ضربة لازب، ان تقوم فيه حكومة واحدة ، تقيم علائق الامم على اساس القانون ...
ما الذي ينقص هيئة الامم لتكون حكومة عالمية؟؟ ثلاثة أمور: الهيئة التشريعية العالمية ، ومحكمة العدل العالمية ، والسلطة العالمية التي توقع الجزاء عند الاقتضاء .. وهذه الامور الثلاثة ليست غائبة عنا غياباً مطبقاً .. فان لدينا منها النواة .. لدينا ، مكان الهيئة التشريعية العالمية القانون الدولي وهو يقوم على العادات والمعاهدات .. ولا يزال في المراحل الاولى من تطوره .. ولدينا مكان محكمة العدل العالمية ، محكمة العدل الدولية "بلاهاي" ، وهي هيئة تحكيمية وحكمها غير ملزم .. واما السلطة العالمية التي توقع الجزاء فهي الدول- كل واحدة محتفظة بكامل سيادتها- فانها توقع ما جاء في ميثاق هيئة الامم من عقوبات اقتصادية ، وعسكرية ، على من يخالف القانون ..
لا جرم ان كل هذه الهيئات بدائيات ، بينها وبين الكمال ما بين الحكومات الوطنية الحاضرة وبين الحكومة العالمية-خطوات عديدات واسعات- ان تركت الانسانية لتقطعها باسلوبها المعهود من التطور الوئيد ، نشبت بينها نواشب التغالب، فتضورت بالمجاعات ، واصطلمت بالحروب ، وولغت في الدماء ، وافسدت في الارض فساداً كبيراً .. وليس على طلائع البشرية ، فيما أعلم ، واجب يشرفهم اداؤه اكبر من ان يعينوا الانسانية على اجتياز هذه الخطوات ، العديدات ، الواسعات اجتيازاً هيناً ، يسيراً ، سريعاً ، في وقت معاً .. لابد من هيئة تشريعية عالمية تسن من القوانين ما ينظم علائق الدول ببعضها البعض ..وتشرف على الهيئات التشريعية المحلية في الدول المختلفة ، حتى لا تسن من القوانين ما يتناقض مع القانون الرئيسي الذي تسنه هي ، والذي بدوره ، يجب الا يتناقض مع القانون الاساسي الذي هو الدستور العالمي ....
ثم لا بد من محكمة عدل عالمية، تنظر في القضايا الدولية ، فتصدر احكاماً تحترم وتنفذ .. ولا بد آخر الامر من سلطة عالمية تنفذ احكام القضاء .. وستنهض هذه السلطة من اندماج الدول الحالية في نوع من الوحدة ، ياخذ من سيادة كل دولة ما يحد من سلطان الحدود الحاضرة ، ويلغي الحواجز الجمركية القائمة ، ويجعل الدول الحالية ادارات محلية لا تتجاوز سلطتها تنسيق مجهودات الجماعات المحلية المختلفة، في القطر الواحد ، في كل ، منسجم، مؤد الى غاية بعينها ، هي، في حقيقتها، نفس غاية الانسانية في هذا الكوكب.
ان " التعليم الجديد" يجب ان يستمد من النظرة الجديدةالى الغاية من الحياة الجماعية " اعداد انسان حر يعيش في مجتمع عالمي" .. "انسان حر" من هو؟؟ هو من حرر عقله ، وقلبه ،من رواسب الخوف فنبه جميع القوى الكامنة في بنيته ، فاستمتع بحياة الفكر وحياة الشعور .. هذا هو الانسان الحر ، والتعليم المتوجه الى اعداده يعني ، في المكان الاول ، بتحرير المواهب الطبيعية من الخرافات ، والاباطيل الموروثة في العهود السحيقة .. فاذا اردنا ان نحرر الانسان وجب ان نحرره من الخوف ..) ..
ان هذه المقدمة ، قصد بها ، ان توجه الحوار في المحاور الآتيه :
1- ان البشرية بحاجة ماسة الى السلام ، ولقد وضح ان الفكر المادي ، بشقيه الراسمالي والشيوعي ، لا يملك مذهبية ، تحقق السلام ، ما دام يبرر العنف ، ويلحق به ، في ذلك ، الفكر الاسلامي السلفي ، التقليدي ، بمختلف مدارسه .. و الذي يتبنى الجهاد ، فيبرر الحرب بغرض نشر الدين .. 2- من اجل تحقيق السلام العالمي ، لا بد من ان تقوم حكومة عالمية ، على هدى دستور انساني .. وهي يمكن ان تتوكأ على منظومة حقوق الانسان الحالية ، وتطورها ، اعتماداً على الفكر ، الذي يقدم المنهاج للتحرر من الخوف .. ويقدم المعرفة باصل الحياة ، وغاياتها .. ونحن نزعم ان ذلك هو الفكر الاسلامي الحديث ، الذي طرحه المفكر السوداني الاستاذ محمود محمد طه .. 3- وحتى يجئ الانسان الحر ، لابد من منهاج تعليم جديد ، به يمكن ان تنهض التربية بالافراد ليصبحوا ديمقراطيين ، واشتراكيين ، مما يحقق الديمقراطية ، والاشتراكية في جهاز حكومي واحد ، به وحدده يقوم المجتمع الصالح ، الذي ينجب الافراد الاحرار ..
عمر القراي
|
|
|
|
|
|
|
|
|